[يوسف : 30] وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
30 - (وقال نسوة في المدينة) مدينة مصر (امرأة العزيز تراود فتاها) عبدها (عن نفسه قد شغفها حباً) تمييز أي دخل حبه شغاف قلبها أي غلافه (إنا لنراها في ضلال) أي في خطأ (مبين) بين بحبها إياه
قال أبو جفر : يقول تعالى ذكره : و تحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز في مدينة مصر ، وشاع من أمرهما فيها ما كان فلم ينكتم ، وقلن :"امرأة العزيز تراود فتاها" ، عبدها ، "عن نفسه" ، كما :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : وشاع الحديث في القرية ، وتحدث النساء بأمره وأمره وأمرها ، وقلن : "امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه" ، أي عبدها .
وأما العزيز فإنه : الملك في كلام العرب ، ومنه قول أبي داود :
درة غاص عليها تاجر جليت عند عزيز يوم طل
يعني بالعزيز ، الملك ، وهو من العزة .
وقوله :"قد شغفها حبا" ، يقول : قد وصل حب يوسف إلى شغاف قلبها فدخل تحته ، حتى غلب على قلبها .
و شغاف القلب ، حجابه وغلافه الذي هو فيه ، وإياه عنى النابغة الذبياني بقوله :
وقد حال هم دون ذلك داخل دخول شغاف تبتغيه الأصابع
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال ، أخبرني عمرو بن دينار : أنه سمع عكرمة يقول في قوله : "شغفها حبا" ، قال : دخل حبه تحت الشغاف .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "قد شغفها حبا" ، قال : دخل حبه في شغافها .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "قد شغفها حبا" ، قال : دخل حبه في شغافها .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : "قد شغفها حبا" ، قال : كان حبه في شغافها .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل الحسن بن محمد ، عن شبابة .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "قد شغفها حبا" ، يقول : علقها حباً .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ،حدثني معاوية ، عن علي ،عن ابن عباس قوله : "قد شغفها حبا" ، قال : غلبها .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن أيوب بن عائذ الطائي ، عن الشعبي : "قد شغفها حبا" ، قال : المشغوف ، المحب ، و المشغوف ، المجنون .
وبه قال ، حدثنا أبي ، عن أبي الأشهب ، عن أبي رجاء ، و الحسن : "قد شغفها حبا" ، قال أحدهما : قد بطنها حباً . وقال الآخر :قد صدقها حباً .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابي رجاء ، عن الحسن في قوله : "قد شغفها حبا" ، قال : قد بطنها حباً ، قال يعقوب : قال أبو بشر : أهل المدينة يقولون قد بطنها حبا .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن قال :سمعته يقول في قوله : "قد شغفها حبا" ، قال : بطنها حباً . وأهل المدينة يقولون ذلك .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عبد الوهاب ، عن قرة ، عن الحسن : "قد شغفها حبا" ، قال : قد بطن بها حباً .
حدثنا الحسن قال ، حدثنا ابو قطن قال ، حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن : "قد شغفها حبا" ، قال : بطنها حبه .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : "قد شغفها حبا" ، قال : بطن بها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "قد شغفها حبا" ، قال : استبطنها حبها إياه .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "قد شغفها حبا" ، أي : قد علقها .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : "قد شغفها حبا" ، قال : قد علقها حباً .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ،عن جويبر ، عن الضحاك قال : هو الحب اللازق بالقلب .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد قال ، سمعت الضحاك في قوله : "قد شغفها حبا" ، يقول : هلكت عليه حباً ، و الشغاف ، شغاف القلب .
حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "قد شغفها حبا" ، قال : و الشغاف ، جلدة على القلب يقال لها لسان القلب . يقول : دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب .
وقد اختلتف القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الأمصار بالغين : "قد شغفها" ، على معنى ما وصفت من التأويل .
وقرأ ذلك أبو رجاء : قد شعفها ، بالعين .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا أبو قطن قال ، حدثنا أبو الأشهب ، عن أبي رجاء : قد شعفها .
قال ، حدثنا خلف قال ، حدثنا هشيم ، عن ابي الأشهب ، أو عوف ، عن أبي رجاء : قد شعفها حبا ، بالعين .
قال ، حدثنا خلف قال ، حدثنا محبوب قال : قرأه عوف : قد شعفها .
قال ، حدثنا عبد الوهاب ، عن هرون ، عن أسيد ، عن الأعرج : قد شعفها حبا ، وقال : شعفها ، إذا كان هو يحبها .
ووجه هؤلاء معنى الكلام إلى أن الحب قد عمها .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول : هو من قول القائل : قد شعف بها ، كأنه ذهب بها كل مذهب ، من شعف الجبال ، وهي رؤوسها .
وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال : الشغف ، شغف الحب ، و الشعف شعف الدابة حين تذعر .
حدثني بذلك الحارث ،عن القاسم ، أنه قال : يروى ذلك عن أبي عوانة ، عن مغيرة ، عنه .
قال الحارث ، قال القاسم :يذهب إبراهيم إلى أن أصل الشغف ، هو الذعر . قال : وكذلك هو كما قال إبراهيم في الأصل ، إلا أن العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها ، قال امرؤ القيس :
أتقتلني وقد شعفت فؤادها كما شعف المهنوءة الرجل الطالي
قال : وشعف المرأة من الحب ، و شعف المهنوءة من الذعر ، فشبه لوعة الحب وجواه بذلك .
وقال ابن زيد في ذلك ما :
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "قد شغفها حبا" ، قال : إن الشغف و الشغف ، مختلفان ، و الشعف في البغض ، و الشغف ، في الحب .
وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له ، لأن الشعف في كلام العرب بمعنى عموم الحب ، أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم .
قال ابو جعفر : والصواب في ذلك عندنا من القراءة : "قد شغفها" ، بالغين ، لإجماع الحجة من القرأة عليه .
وقوله : "إنا لنراها في ضلال مبين" ، قلن : إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه ، وغلبة حبه عليها ، لفي خطأ من الفعل ، وجور عن قصد السبيل ، "مبين" ، لمن تأمله وعلمه أنه ضلال ،وخطأ غير صواب ولا سداد . وإنما كان قيلهن ما قلن من ذلك ، وتحدثهن بما تحدثن به من شأنها وشأن يوسف ، مكراً منهن ، فيما ذكر ، لتريهن يوسف .
قوله تعالى: " وقال نسوة في المدينة " ويقال: ( نسوة) بضم النون، وهي قراءة الأعمش و المفضل و السلمي ، والجمع الكثير نساء. ويجوز: وقالت نسوة، وقال نسوة، مثل قالت الأعراب وقال الأعراب، وذلك أن القصة انتشرت في أهل مصر فتحدث النساء. قيل: امرأة ساقي العزيز، وامرأة خبازه، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة صاحب سجنه. وقيل: امرأة الحاجب، عن ابن عباس وغيره. " تراود فتاها عن نفسه " الفتى في كلام العرب الشاب، والمرأة فتاة. " قد شغفها حبا " قيل: شغفها غلبها. وقيل: دخل حبه في شغافها، عن مجاهد وغيره. وروى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: دخل تحت شغافها. وقال الحسن: الشغف باطن القلب. السدي وأبو عبيد: شغاف القلب غلافه، وهو جلدة عليه. وقيل: هو وسط القلب، والمعنى في هذه الأقوال متقارب، والمعنى: وصل حبه إلى شغافها فغلب عليه، قال النابغة :
وقد حال هم دون ذلك داخل دخول الشغاف تبتغيه الأصابع
وقد قيل: إن الشغاف داء، وأنشد الأصمعي للراجز:
يتبعها وهي له شغاف
وقرأ أبو جعفر بن محمد وابن محيصن والحسن ( شغفها) بالعين غير معجمة، قال ابن الأعرابي : معناه أحرق حبه قلبها، قال: وعلى الأول العمل. قال الجوهري : وشعفه الحب أحرق قلبه. وقال أبو زيد: أمرضه. وقد شعف بكذا فهو مشعوف. وقرأ الحسن ( قد شعفها) قال: بطنها حبا. قال النحاس : معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب، لأن شعاف الجبال: أعاليها، وقد شغف بذلك شغفاً بإسكان الغين إذا أولع به، إلا أن أبا عبيدة أنشد بيت امريء القيس :
لتقتلني وقد شعفت فؤادها كما شعف المهنوءة الرجل الطالي
قال: فشبهت لوعة الحب وجواه بذلك. وروي عن الشعبي أنه قال: الشغف بالغين المعجمة حب، والشعف بالعين غير المعجمة جنون. قال النحاس : وحكي ( قد شغفها) بكسر الغين، ولا يعرف في كلام العرب إلا ( شغفها) بفتح الغين، وكذا ( شعفها) أي تركها مشعوفة. وقال سعيد بن أبي عروبة عن الحسن: الشغاف حجاب القلب، والشعاف سويداء القلب، فلو وصل الحب إلى الشعاف لماتت، وقال الحسن: ويقال إن الشغاف الجلدة اللاصقة بالقلب التي لا ترى، وهي الجلدة البيضاء، فلصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالقلب.
قوله تعالى: " إنا لنراها في ضلال مبين " أي في هذا الفعل. وقال قتادة: ( فتاها) وهو فتى زوجها، لأن يوسف كان عندهم في حكم المماليك، وكان ينفذ أمرها فيه. وقال مقاتل عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: إن امرأة العزيز استوهبت زوجها يوسف فوهبه لها، وقال: ما تصنعين به؟ قالت: أتخذه ولداً، قال: هو لك، فربته حتى أيفع وفي نفسها منه ما في نفسها، فكانت تنكشف له وتتزين وتدعوه من وجه اللطف فعصمه الله.
يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز, شاع في المدينة وهي مصر حتى تحدث به الناس "وقال نسوة في المدينة" مثل نساء الكبراء والأمراء, ينكرن على امرأة العزيز وهو الوزير ويعبن ذلك عليها "امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه" أي تحاول غلامها عن نفسه وتدعوه إلى نفسها "قد شغفها حباً" أي قد وصل حبه إلى شغاف قلبها وهو غلافه. قال الضحاك عن ابن عباس: الشغف الحب القاتل, والشغف دون ذلك, والشغاف حجاب القلب "إنا لنراها في ضلال مبين" أي في صنيعها هذا من حبها فتاها ومراودتها إياه عن نفسه, "فلما سمعت بمكرهن" قال بعضهم: بقولهن ذهب الحب بها, وقال محمد بن إسحاق: بل بلغهن حسن يوسف, فأحببن أن يرينه, فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته, فعند ذلك "أرسلت إليهن" أي دعتهن إلى منزلها لتضيفهن " وأعتدت لهن متكئا ". قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن والسدي وغيرهم: هو المجلس المعد فيه مفارش, ومخاد, وطعام فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه, ولهذا قال تعالى: "وآتت كل واحدة منهن سكيناً" وكان هذا مكيدة منها ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته "وقالت اخرج عليهن" وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر "فلما" خرج " رأينه أكبرنه " أي أعظمنه أي أعظمن شأنه, وأجللن قدره, وجعلن يقطعن أيديهن دهشاً برؤيته, وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين, والمراد أنهن حززن أيديهن بها, قاله غير واحد, وعن مجاهد وقتادة: قطعن أيديهن حتى ألقينها, فالله أعلم.
وقد ذكر غير واحد أنها قالت لهن بعد ما أكلن وطابت أنفسهن, ثم وضعت بين أيديهن أترجاً وآتت كل واحدة منهن سكيناً: هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن: نعم, فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن, فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن, ثم أمرته أن يرجع ليرينه مقبلاً ومدبراً, فرجع وهن يحززن في أيديهن, فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن, فقالت: أنتن من نظرة واحدة فعلتن هذا, فكيف ألام أنا ؟ " وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " ثم قلن لها: وما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا, لأنهن لم يرين في البشر شبيهه ولا قريباً منه, فإنه عليه السلام كان قد أعطي شطر الحسن كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف عليه السلام في السماء الثالثة, قال "فإذا هو قد أعطي شطر الحسن" وقال حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطي يوسف وأمه شطر الحسن". وقال سفيان الثوري, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. وقال أبو إسحاق أيضاً, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, قال: كان وجه يوسف مثل البرق, وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به. ورواه الحسن البصري مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا, وأعطي الناس الثلثين", أو قال "أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث". وقال سفيان, عن منصور, عن مجاهد عن ربيعة الجرشي قال: قسم الحسن نصفين فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن, والنصف الاخر بين سائر الخلق.
وقال الإمام أبو القاسم السهيلي: معناه أن يوسف عليه السلام كان على النصف من حسن آدم عليه السلام, فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها, ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله, وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه, فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته " حاش لله ". قال مجاهد وغير واحد: معاذ الله "ما هذا بشراً", وقرأ بعضهم ما هذا بشري أي بمشترى بشراء "إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه" تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق أن يحب لجماله وكماله, "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" أي فامتنع. قال بعضهم: لما رأين جماله الظاهر أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن, وهي العفة مع هذا الجمال, ثم قالت تتوعده "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين" فعند ذلك استعاذ يوسف عليه السلام من شرهن وكيدهن, و"قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه" أي من الفاحشة "وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن" أي إن وكلتني إلى نفسي فليس لي منها قدرة ولا أملك لها ضراً ولا نفعاً إلا بحولك وقوتك, أنت المستعان وعليك التكلان, فلا تكلني إلى نفسي " أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه " الاية, وذلك أن يوسف عليه السلام عصمه الله عصمة عظيمة, وحماه فامتنع منها أشد الامتناع, واختار السجن على ذلك, وهذا في غاية مقامات الكمال أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته, وهي امرأة عزيز مصر, وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة, ويمتنع من ذلك ويختار السجن على ذلك خوفاً من الله ورجاء ثوابه.
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".
يقال نسوة بضم النون، وهي قراءة الأعمش والفضل وسليمان. ويقال نسوة بكسر النون، وهي قراءة الباقين، والمراد جماعة من النساء، ويجوز التذكير في العفل المسند إليهن كما يجوز التأنيث. قيل: وهن امرأة ساقي العزيز وامرأة خبازه، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة صاحب سجنه، وامرأة حاجبه. وافتى في كلام العرب: الشاب، والفتاة: الشابة، والمراد به هنا: غلامها، يقال فتاي وفتاتي: أي غلامي واجاريتي. وجملة 30- "قد شغفها حباً" في محل رفع على أنها خبر ثان للمبتدأ، أو في محل نصب على الحال، ومعنى شغفها حباً: غلبها حبه، وقيل دخل حبه في شغافها. قال أبو عبيدة: وشغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه، وقيل هو وسط القلب. وعلى هذا يكون المعنى: دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه، وأنشد الأصمعي قول الراجز:
يتبعها وهي له شغاف
وقرأ جعفر بن محمد وابن محيصن والحسن شعفها بالعين المهملة. قال ابن الأعرابي: معناه أجرى حبه عليها. وقرأ غيرهم بالمعجمة. قال الجوهري: شعفه الحب أحرق قلبه. وقال أبو زيد: أمرضه. قال النحاس: معناه عند أكثر أهل اللغة: قد ذهب بها كل مذهب، لأن شعاف الجبال: أعاليها، وقد شغف بذلك شغفاً بإسكان الغين المعجمة: إذا ولع به، وأنشد أبو عبيدة بيت امرئ القيس:
أتقتلني من قد شغفت فؤادها كما شغف المهنوة الرجل الطالي
قال: فشبهت لوعة الحب بذلك. وقرأ الحسن قد شغفها بضم الغين. قال النحاس: وحكي قد شغفها بكسر الغين، ولا يعرف ذلك في كلام العرب إلا شغفها بفتح الغين، ويقال إن الشغاف: الجلدة اللاصقة بالكبد التي لا ترى، وهي الجلدة البيضاء، فكأنه لصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد، وجملة "إنا لنراها في ضلال مبين" مقررة لمضمون ما قبلها. والمعنى: إنا لنراها: أي نعلمها في فعلها هذا، وهو المراودة لتاها في ضلال عن طريق الرشد والصواب مبين: واضح لا يلتبس على من نظر فيه.
30-قوله تعالى: "وقال نسوة في المدينة" الآية.
يقول: شاع أمر يوسف والمرأة في المدينة مدينة مصر. وقيل: مدينه عين الشمس، وتحدث النساء بذلك وقلن - وهن خمس نسوة: امرأة حاجب الملك، وامرأة صاحب الدواب، وامرأة الخباز، وامرأة الساقي، وامرأة صاحب السجن، قاله مقاتل.
وقيل: هن نسوة من أشراف مصر -:
"امرأة العزيز تراود فتاها"، أي: عبدها الكنعاني، "عن نفسه"، أي: تطلب من عبدها الفاحشة، "قد شغفها حباً"، أي: علقها حبا.
قال الكلبي: حجب حبه قلبها حتى لا تفعل سواه.
وقيل: أحبته حتى دخلها حبه شغاف قلبها، أي: داخل قلبها.
وقال السدي: الشغاف جلدة رقيقة على القلب، يقول: دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب.
وقرأ الشعبي و الأعرج: "شغفها" بالعين غير المعجمة، معناه: ذهب الحب بها كل مذهب.
ومنه شعف الجبال وهو رؤوسها. " إنا لنراك في ضلال مبين "، أي: خطأ ظاهر. وقيل: معناه إنها تركت ما يكون عليه أمثالها من العفاف والستر.
30."وقال نسوة"هي اسم لجمع امرأة وتأنيثه بهذا الاعتبار غير حقيقي ولذلك جرد فعله وضم النون لغة فيها. "في المدينة"ظرف لقال أي أشعن الحكاية في مصر ، أو صفة نسوة وكن خمساً زوجة الحاجب والساقي والخباز والسجان وصاحب الدواب."امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه"تطلب مواقعة غلامها إياها .و"العزيز"بلسان العرب الملك وأصل فتى فتي لقولهم فتيان والفتوة شاذة . "قد شغفها حباً"شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها حباً ، ونصبه على التمييز لصرف الفعل عنه . وقرئ شعفها من شعف البعير إذا هنأه بالقطران فأحرقه "إنا لنراها في ضلال مبين" في ضلال عن الرشد وبعد عن الصواب.
30. And women in the city said: The ruler's wife is asking of her slave boy an ill deed. Indeed he has smitten her to the heart with love. We behold her in plain aberration.
30 - Ladies said in the city: the wife of the (great) Aziz is seeking to seduce her slave from his (true) self: truly hath he inspired her with violent love: we see she is evidently going astray.