[يوسف : 27] وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ
27 - (وإن كان قميصه قد من دبر) خلف (فكذبت وهو من الصادقين)
قوله تعالى : "وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" .
قوله تعالى: " إن كان قميصه قد من قبل " كان في موضع جزم بالشرط، وفيه من النحو ما يشكل، لأن حروف الشرط ترد الماضي إلى المستقبل، وليس هذا في كان، فقال المبرد محمد بن يزيد: هذا لقوة كان، وأنه يعبر بها عن جميع الأفعال. وقال الزجاج: المعنى إن يكن، إي إن يعلم، والعلم لم يقع، وكذا الكون لأنه يؤدي عن العلم. ( قد من قبل) فخبر عن ( كان) بالفعل الماضي، كما قال زهير:
وكان طوى كشحاً على مستكنة فلا هو أبداها ولم يتقدم
وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحق ( من قبل) بضم القاف والباء واللام، وكذا ( دبر) قال الزجاج: يجعلهما غايتين كقبل وبعد، كأنه وبعد، كأنه قال: من قبله ومن دبره، فلما حذف المضاف إليه - وهو مراد - صار المضاف غاية نفسه بعد أن كان المضاف إليه غاية له. ويجوز ( من قبل) ( ومن دبر) بفتح الراء واللام تشبيهاً بما لا ينصرف، لأنه معرفة ومزال عن بابه. وروى محبوب عن أبي عمرو ( من قبل) ( ومن دبر) مخففان مجروران.
يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب: يوسف هارب, والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت, فلحقته في أثناء ذلك فأمسكت بقميصه من ورائه, فقدته قداً فظيعاً, يقال: إنه سقط عنه واستمر يوسف هارباً ذاهباً, وهي في أثره, فألفيا سيدها وهو زوجها عند الباب, فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها, وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها "ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً" أي فاحشة "إلا أن يسجن" أي يحبس, "أو عذاب أليم" أي يضرب ضرباً شديداً موجعاً. فعند ذلك انتصر يوسف عليه السلام بالحق, وتبرأ مما رمته به من الخيانة, و"قال" باراً صادقاً "هي راودتني عن نفسي" وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه " وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل " أي من قدامه "فصدقت" أي في قولها إنه راودها عن نفسها, لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره, فقدت قميصه فيصح ما قالت "وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" وذلك يكون كما وقع لما هرب منها وتطلبته, أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها فقدت قميصه من ورائه, وقد اختلفوا في هذا الشاهد: هل هو صغير أو كبير ؟ على قولين لعلماء السلف, فقال عبد الرزاق, أخبرنا إسرائيل عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس "وشهد شاهد من أهلها" قال ذو لحية, وقال الثوري, عن جابر, عن ابن أبي مليكة, عن ابن عباس: كان من خاصة الملك, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم: إنه كان رجلاً. وقال زيد بن أسلم والسدي: كان ابن عمها. وقال ابن عباس: كان من خاصة الملك. وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "وشهد شاهد من أهلها" قال: كان صبياً في المهد, وكذا روي عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم أنه كان صبياً في الدار, واختاره ابن جرير: وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن محمد, حدثنا عفان, حدثنا حماد هو ابن سلمة, أخبرني عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تكلم أربعة وهم صغار" فذكر فيهم شاهد يوسف, ورواه غيره عن حماد بن سلمة, عن عطاء, عن سعيد, عن ابن عباس أنه قال "تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون, وشاهد يوسف, وصاحب جريج, وعيسى ابن مريم". وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: كان من أمر الله تعالى, ولم يكن إنسياً وهذا قول غريب.
وقوله: " فلما رأى قميصه قد من دبر " أي لما تحقق زوجها صدق يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به "قال إنه من كيدكن" أي إن هذا البهت واللطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن "إن كيدكن عظيم", ثم قال آمراً ليوسف عليه السلام بكتمان ما وقع "يوسف أعرض عن هذا" أي اضرب عن هذا صفحاً, أي فلا تذكره لأحد.
"واستغفري لذنبك" يقول لامرأته وقد كان لين العريكة سهلاً أو أنه عذرها لأنها رأت ما لا صبر لها عنه فقال لها: استغفري لذنبك أي الذي وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ثم قذفه بما هو بريء منه "إنك كنت من الخاطئين".
27- "وإن كان قميصه قد من دبر" أي من ورائه "فكذبت" في دعواها عليه "وهو من الصادقين" في دعواها عليها، ولا يخفي أن هاتين الجملتين الشرطيتين لا تدوم لا تلازم بين مقدميهما وتالييهما، لا عقلاً ولا عادة، وليس ها هنا إلا مجرد أمارة غير مطردة، إذ من الجائز أن تجذبه إليها وهو مقبل عليها فينقد القميص من دبر، وأن تجذبه وهو مدبر عنها فينقد القميص من قبل.
27-قال السدي: هو ابن عم راعيل، فحكم فقال: "إن كان قميصه قد من قبل"، أي: من قدام، "فصدقت وهو من الكاذبين".
"وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين".
27."وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" لأنه يدل على أنها تبعته فاجتذبت ثوبه فقدته.والشرطية محكية على إرادة القول أو على أن فعل الشهادة من القول، وتسميتها شهادة لأنها أدت مؤداها والجمع بين إن وكان على تأويل أن يعلم أنه كان ونحوه ونظيره قولك: إن حسنت إلى اليوم فقد أحسنت إليك من قبل ، فإن معناه أن تمنن علي بإحسانك أمنن عليك بإحساني لك السابق .وقرئ "من قبل"" من دبر "بالضم لأنهما قطعا عن الإضافة كقبل وبعد ، والفتح كأنهما جعلا علمين للجهتين فمنعا الصرف وبسكون العين.
27. And if his shirt is torn from behind, then she hath lied and he is of the truthful.
27 - But if it be that his shirt is torn from the back, then is she the liar, and he is telling the truth