[يوسف : 21] وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
21 - (وقال الذي اشتراه من مصر) وهو قطفير العزيز (لامرأته) زليخا (أكرمي مثواه) مقامه عندنا (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً) وكان حصوراً (وكذلك) كما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه قلب العزيز (مكنَّا ليوسف في الأرض) أرض مصر حتى بلغ ما بلغ (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) تعبير الرؤيا عطف على مقدر متعلق بمكنَّا أي لنملكه أو الواو زائدة (والله غالب على أمره) تعالى لا يعجزه شيء (ولكن أكثر الناس) وهم الكفار (لا يعلمون) ذلك
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : وقال الذي اشترى يوسف من بائعه بمصر .
وذكر أن اسمه : قطفير .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان اسم الذي اشتراه قطفير .
وقيل إن اسمه إطفير بن روحيب ، وهو العزيز ، وكان على خزائن مصر ، وكان الملك يومئذ الريان بن الوليد ، رجل من العماليق ، كذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحق .
وقيل : إن الذي باعه بمصر كان مالك بن ذعر بن بويب بن عفقان بن مديان بن إبراهيم ، كذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحق ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .
"وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته" ، واسمها ، فيما ذكر ابن إسحق : راعيل بنت رعائيل .
حدثنا بذلك ابن حميد قال ، حدثنا سلمة عن ابن إسحق .
"أكرمي مثواه" ، يقول : أكرمي موضع مقامه ، وذلك حيث يثوي ويقيم فيه .
يقال : ثوى فلان بمكان كذا ، إذا أقام فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "أكرمي مثواه" ، منزلته ، وهي امرأة العزيز .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه" ، قال : منزلته .
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : اشتراه الملك ، والملك مسلم .
وقوله "عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا" ، ذكر أن مشتري يوسف قال هذا القول لامرأته ، حين دفعه إليها ، لأنه لم يكن له ولد ، ولم يأت النساء ، فقال لها : أكرميه عسى أن يكفينا بعض ما نعاني من أمورنا إذا فهم الأمور التي يكلفها وعرفها ، "أو نتخذه ولدا" ، يقول : أو نتبناه .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحق قال : كان إطفير ، فيما ذكر لي ، رجلاً لا يأتي النساء ، وكانت امرأته راعيل امرأة حسناء ناعمة طاعمة ، في ملك ودنيا .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : أفرس الناس ثلاثة : العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته : "أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا" ، وأبو بكر حين تفرس في عمر ، والتي قالت : (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : انطلق بيوسف إلى مصر ، فاشتراه العزيز ملك مصر ، فانطلق به إلى بيته فقال لامرأته : "أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا" .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال :أفرس الناس ثلاثة : العزيز حين قال لامرأته : "أكرمي مثواه" ، والقوم فيه زاهدون ، وأبو بكر حين تفرس في عمر فاستخلفه ، والمرأة التي قالت : ( يا ابت استأجره ) .
وقوله : "وكذلك مكنا ليوسف في الأرض" ، يقول عز وجل : وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد هموا بقتله ، وأخرجناه من الجب بعد أن ألقي فيه ، فصيرناه إلى الكرامة والمنزلة الرفيعة عند عزيز مصر ،كذلك مكنا له في الأرض ، فجعلناه على خزائنها .
وقوله : "ولنعلمه من تأويل الأحاديث" ، يقول تعالى ذكره : وكي نعلم يوسف من عبارة الرؤيا ، مكنا له في الأرض ، كما :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "من تأويل الأحاديث" ، قال : عبارة الرؤيا .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "ولنعلمه من تأويل الأحاديث" ، قال : تعبير الرؤيا .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ولنعلمه من تأويل الأحاديث" ، قال : عبارة الرؤيا .
وقوله : "والله غالب على أمره" ، يقول تعالى ذكره : والله مستول على أمر يوسف ، يسوسه ويدبره ويحوطه .
و الهاء في قوله : "على أمره" ، عائدة على يوسف .
وروي عن سعيد بن جبير في معنى "غالب" ، ما :
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "والله غالب على أمره" ، قال : فعال .
وقوله : "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ، يقول : ولكن أكثر الناس الذين زهدوا في يوسف ، فباعوه بثمن خسيس ، والذين صار بين أظهرهم من أهل مصر حين بيع فيهم ، لا يعلمون ما الله بيوسف صانع ، وإليه يوسف من أمره صائر .
قوله تعالة: " وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه " قيل: الاشتراء هنا بمعنى الاستبدال، إذ لم يكن ذلك عقداً، مثل: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " ( البقرة: 16). وقيل: إنهم ظنوه في ظاهر الحال اشتراء، فجرى هذا اللفظ على ظاهر الظن. قال الضحاك : هذا الذي اشتراه ملك مصر، ولقبه العزيز. السهيلي : واسمه قطفير. وقال ابن إسحق: إطفير بن رويحب اشتراه لامرأته راعيل، ذكره الماوردي . وقيل: كان اسمها زليخاء. وكان الله ألقى محبة يوسف على قلب العزيز، فأوصى به أهله، ذكره القشيري . وقد ذكر القولين في اسمها الثعلبي وغيره. وقال ابن عباس: إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر، وهو الريان بن الوليد. وقيل: الوليد بن الريان، وهو رجل من العمالقة. وقيل: هو فرعون موسى، لقول موسى: " ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات " ( غافر: 34) وأنه عاش أربعمائة سنة. وقيل: فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف، على ما يأتي في ( غافر) بيانه. وكان هذا العزيز الذي اشترى يوسف على خزائن الملك، واشترى يوسف من مالك بن دعر بعشرين ديناراً، وزاده حلة ونعلين. وقيل: اشتراه من أهل الرفقة. وقيل: تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكاً وعنبراً وحريراً وورقاً وذهباً ولآليء وجواهر لا يعلم قيمتها إلا الله، فابتاعه قطفير من مالك بهذا الثمن، قاله وهب بن منبه. وقال وهب أيضاً وغيره: ولما اشترى مالك بن دعر يوسف من إخوته كتب بينهم وبينه كتاباً: هذا ما اشترى مالك بن دعر من بني يعقوب، وهم فلان وفلان مملوكاً لهم بعشرين درهماً، وقد شرطوا له أنه آبق، وأنه لا ينقلب به إلا مقيداً مسلسلاً، وأعطاهم على ذلك عهد الله. قال: فودعهم يوسف عند ذلك، وجعل يقول: حفظكم الله وإن ضيعتموني، نصركم الله وإن خذلتموني، رحمكم الله وإن لم ترحموني، قالوا: فألقت الأغنام ما في بطونها دماً عبيطاً لشدة هذا التوديع، وحملوه على قتب بغير غطاء ولا وطاء، مقيداً مكبلاً مسلسلاً، فمر على مقبرة آل كنعان فرأى قبر أمه - وقد كان وكل به أسود يحرسه فغفل الأسود - فألقى يوسف نفسه على قبر أمه فجعل يتمرغ ويعتنق القبر ويضطرب ويقول: يا أماه! ارفعي رأسك تري ولدك مكبلاً مقيداً مسلسلاً مغلولاً، فرقوا بيني وبين والدي، فاسألي الله أن يجمع بيننا في مستقر رحمته إنه أرحم الراحمين، فتفقده الأسود على البعير فلم يره، فقفا أثره، فإذا هو ببياض على قبر، فتأمله فإذا هو إياه، فركضه برجله في التراب ومرغه وضربه ضرباً وجيعاً، فقال له: لا تفعل! والله ما هربت ولا أبقت وإنما مررت بقبر أمي فأحببت أن أودعها، ولن أرجع إلى ما تكرهون، فقال الأسود: والله إنك لعبد سوء، تدعو أباك مرة وأمك أخرى! فهلا كان هذا عند مواليك، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إن كانت لي عندك خطيئة أخلقت بها وجهي فأسألك بحق آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب أن تغفر لي وترحمني، فضجت الملائكة في السماء، ونزل جبريل فقال له: يا يوسف! غض صوتك فلقد أبكيت ملائكة السماء! أفتريد أن أقلب الأرض فأجعل عاليها سافلها؟ قال: تثبت يا جبريل، فإن الله حليم لا يعجل، فضرب الأرض بجناحه فأظلمت، وارتفع الغبار، وكسفت الشمس، وبقيت القافلة لايعرف بعضها بعضاً، فقال رئيس القافلة: من أحدث منك حدثاً؟ - فإني أسافر منذ كيت وكيت ما أصابني قط مثل هذا - فقال الأسود: أنا لطمت ذلك الغلام العبراني فرفع يده إلى السماء وتكلم بكلام لا أعرفه، ولا أشك أنه دعا علينا، فقال له: ما أردت إلا هلاكنا! ايتنا به، فأتاه به، فقال له: يا غلام! لقد لطمك فجاءنا ما رأيت، فإن كنت تقتص فاقتص ممن شئت، وإن كنت تعفو فهو الظن بك، قال: قد عفوت رجاء أن يعفو الله عني، فانجلت الغبرة، وظهرت الشمس، وأضاء مشارق الأرض ومغاربها، وجعل التاجر يزوره بالغداة والعشي ويكرمه، حتى وصل إلى مصر فاغتسل في نيلها وأذهب الله عنه كآبة السفر، ورد عليه جماله، ودخل به البلد نهاراً فسطع نوره على الجدران، وأوقفوه للبيع فاشتراه قطفير وزير الملك، قاله ابن عباس على ما تقدم. وقيل: إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه، ثم مات الملك ويوسف يومئذ على خزائن الأرض، فملك بعده قابوس وكان كافراً، فدعاه يوسف إلى الإسلام فأبى.
" أكرمي مثواه " أي منزله ومقامه بطيب المطعم واللباس الحسن، وهو مأخوذ من ثوى بالمكان أي أقام به، وقد تقدم في ( آل عمران) وغيره. " عسى أن ينفعنا " أي يكفينا بعض المهمات إذا بلغ. " أو نتخذه ولدا " قال ابن عباس: كان حصوراً لا يولد له، وكذا قال ابن إسحق: كان قطفير لا يأتي النساء ولا يولد له. فإن قيل: كيف قال ( أو نتخذه ولداً) وهو ملكه، والولدية مع العبدية تتناقض؟ قيل له: يعتقه ثم يتخذه ولداً بالتبني، وكان التبني في الأمم معلوماً عندهم، وكذلك كان في أول الإسلام، على ما يأتي بيانه في ( الأحزاب) إن شاء الله تعالى. وقال عبد الله بن مسعود: أحسن الناس فراسة ثلاثة، العزيز حين تفرس في يوسف فقال: " عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا "، وبنت شعيب حيت قالت لأبيها في موسى " إن خير من استأجرت القوي الأمين " ( القصص: 26)، وأبو بكر حين استخلف عمر. قال ابن العربي : عجباً للمفسرين في اتفاقهم على جلب هذا الخبر! والفراسة هي علم غريب على ما يأتي بيانه في سورة ( الحجر( وليس كذلك فيما نقلوه، لأن الصديق إنما ولى عمر بالتجربة في الأعمال، والمواظبة على الصحبة وطولها، والاطلاع على ما شاهد منه من العلم والمنة، وليس ذلك من طريق الفراسة، وأما بنت شعيب فكانت معها العلامة البينة على ما يأتي بيانه في ( القصص)، وأما أمر العزيز فيمكن أن يجعل فراسة، لأنه لم يكن معه علامة ظاهرة. والله أعلم.
قوله تعالى: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض " الكاف في موضع نصب، أي وكما أنقذناه من إخوته ومن الجب فكذلك مكنا له، أي عطفنا عليه قلب الملك الذي اشتراه حتى تمكن من الأمر والنهي في البلد الذي الملك مستول عليه. " ولنعلمه من تأويل الأحاديث " أي فعلنا ذلك تصديقاً لقول يعقوب: " ويعلمك من تأويل الأحاديث " ( يوسف: 6). وقيل: المعنى مكناه لنوحي إليه بكلام منا، ونعلمه تأويله وتفسيره، وتأويل الرؤيا، وتم الكلام. " والله غالب على أمره " الهاء راجعة إلى الله تعالى، أي لا يغلب الله شيء، بل هو الغالب على أمر نفسه فيما يريده أن يقول له: كن فيكون. وقيل: ترجع إلى يوسف، أي الله غالب على أمر يوسف يدبره ويحوطه ولا يكله إلى غيره، حتى لا يصل إليه كيد كائد. " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أي لا يطلعون على غيبه. وقيل: المراد بالأكثر الجميع، لأن أحداً لا يعلم الغيب. وقيل: هو مجرى على ظاهره، إذ قد يطلع من يريد على بعض غيبه. وقيل: المعنى ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أن الله غالب على أمره، وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر. وقالت الحكماء في هذه الآية: " والله غالب على أمره " حيث أمره يعقوب ألا يقص رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حتى قص، ثم أراد إخوته قتله فغلب أمر الله حتى صار ملكاً وسجدوا بين يديه، ثم أراد الإخوة أن يخلو لهم وجه أبيهم فغلب أمر الله حتى ضاق عليهم قلب أبيهم، وافتكره بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة، فقال: " يا أسفى على يوسف " ( يوسف: 84) ثم تدبروا أن يكونوا من بعده قوماً صالحين، أي تائبين فغلب أمر الله حتى نسوا الذنب وأصروا عليه حتى أقروا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد سبعين سنة، وقالوا لأبيهم: ( إنا كنا خاطئين) ثم أرادوا أن يخدعوا أباهم بالبكاء والقميص فغلب أمر الله فلم ينخدع، وقال: ( بل سولت لكم أنفسكم أمراً) ثم احتالوا في أن تزول محبته من قلب أبيهم فغلب أمر الله فازدادت المحبة والشوق في قلبه، ثم دبرت امرأة العزيز أنها إن ابتدرته بالكلام غلبته، فغلب أمر الله حتى قال العزيز: " واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين " ( يوسف: 29)، ثم دبر يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي فغلب أمر الله فنسي الساقي، ولبث يوسف في السجن بضع سنين.
يخبر تعالى بألطافه بيوسف عليه السلام أنه قيض له الذي اشتراه من مصر حتى اعتنى به وأكرمه, وأوصى أهله به, وتوسم فيه الخير والصلاح, فقال لامرأته "أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً" وكان الذي اشتراه من مصر عزيزها وهو الوزير. حدثنا العوفي عن ابن عباس وكان اسمه قطفير, وقال محمد بن إسحاق: اسمه أطفير بن روحيب وهو العزيز, وكان على خزائن مصر, وكان الملك يومئذ الريان بن الوليد رجل من العماليق, قال: واسم امرأته راعيل بنت رعائيل, وقال غيره: اسمها زليخا, وقال محمد بن إسحاق أيضاً, عن محمد بن السائب, عن أبي صالح, عن ابن عباس: كان الذي باعه بمصر مالك بن دعر بن بويب بن عنقا بن مديان بن إبراهيم, فالله أعلم. وقال أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أفرس الناس ثلاثة: عزيز مصر حين قال لامرأته: "أكرمي مثواه", والمرأة التي قالت لأبيها "يا أبت استأجره" الاية, وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. يقول تعالى: كما أنقذنا يوسف من إخوته "كذلك مكنا ليوسف في الأرض" يعني بلاد مصر "ولنعلمه من تأويل الأحاديث".
قال مجاهد والسدي: هو تعبير الرؤيا "والله غالب على أمره" أي إذا أراد شيئاً فلا يرد ولا يمانع ولا يخالف, بل هو الغالب لما سواه. قال سعيد بن جبير في قوله: "والله غالب على أمره": أي فعال لما يشاء. وقوله: "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" يقول: لا يدرون حكمته في خلقه وتلطفه وفعله لما يريد, وقوله: "ولما بلغ" أي يوسف عليه السلام "أشده" أي استكمل عقله وتم خلقه "آتيناه حكماً وعلماً" يعني النبوة أنه حباه بها بين أولئك الأقوام "وكذلك نجزي المحسنين" أي إنه كان محسناً في عمله عاملاً بطاعة الله تعالى, وقد اختلف في مقدار المدة التي بلغ فيها أشده, فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: ثلاث وثلاثون سنة. وعن ابن عباس: بضع وثلاثون. وقال الضحاك: عشرون, وقال الحسن: أربعون سنة. وقال عكرمة: خمس وعشرون سنة. وقال السدي: ثلاثون سنة. وقال سعيد بن جبير: ثماني عشرة سنة. وقال الإمام مالك وربيعة بن زيد بن أسلم والشعبي: الأشد الحلم, وقيل غير ذلك, والله أعلم.
21- "وقال الذي اشتراه من مصر" هو العزيز الذي كان على خزائن مصر، وكان وزيراً لملك مصر، وهو الريان بن الوليد من العمالقة، وقيل إن الملك هو فرعون موسى، قيل اشتراه بعشرين ديناراً وقيل تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكاً وعنبراً وحريراً وورقاً وذهباً ولآلىء وجواهر، فلما اشتراه العزيز قال لامرأته واللام متعلقة باشتراه "أكرمي مثواه" أي منزله الذي يثوى فيه بالطعام الطيب واللباس الحسن، يقال ثوى بالمكان: أي أقام به "عسى أن ينفعنا" أي يكفينا بعض المهمات مما نحتاج إلى مثله فيه "أو نتخذه ولداً" أي نتبناه فنجعله ولداً لنا، قيل كان العزيز حصوراً لا يولد له، وقيل كان لا يأتي النساء، وقد كان تفرس فيه أنه ينوب عنه فيما إليه من أمر المملكة. قوله: "وكذلك مكنا ليوسف" الكاف في محل نصب على أنه نعت مصدر محذوف، والإشارة إلى ما تقدم من إنجائه من إخوته وإخراجه من الجب، وعطف قلب العزيز عليه: أي مثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف حتى صار متمكناً من الأمر والنهي، يقال مكنه فيه: أي أثبته فيه، ومكن له فيه: أي جعل له فيه مكاناً، ولتقارب المعنيين يستعمل كل واحد منهما مكان الآخر. قوله: "ولنعلمه من تأويل الأحاديث" هو علة لمعلل محذوف كأنه قيل فعلنا ذلك التمكين لنعلمه من تأويل الأحاديث أو كان ذلك الإنجاء لهذه العلة، أو معطوف على مقدر، وهو أن يقال: مكنا ليوسف ليترتب على ذلك ما يترتب مما جرى بينه وبين امرأة العزيز، ولنعلمه من تأويل الأحاديث، ومعنى تأويل الأحاديث: تأويل الرؤيا فإنها كانت من الأسباب التي بلغ بها ما بلغ من التمكن، وقيل معنى تأويل الأحاديث فهم أسرار الكتب الإلهية وسنن من قبله من الأنبياء، ولا مانع من حمل ذلك على الجميع "والله غالب على أمره" أي على أمر نفسه لا يمتنع منه شيء، ولا يغالبه عليه غيره من مخلوقاته. "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون"، ومن جملة ما يدخل تحت هذا العام كما يفيد ذلك إضافة اسم الجنس إلى الضمير ما يتعلق بيوسف عليه السلام من الأمور التي أرادها الله سبحانه في شأنه، وقيل معنى "والله غالب على أمره" أنه كان من أمر يعقوب أن لا يقص رؤيا يوسف على إخوته، فغلب أمر الله سبحانه حتى قصت عليهم حتى وقع منهم ما وقع. وهذا بعيد جداً "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أي لا يطلعون على غيب الله وما في طيه من الأسرار العظيمة والحكم النافعة، وقيل المراد بالأكثر: الجميع لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، وقيل إن الله سبحانه قد يطلع بعض عبيده على بعض غيبه كما في قوله: " فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول "، وقيل المعنى: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله غالب على أمره وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر.
21-" وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته "، واسمها: راعيل، وقيل: زليخا، "أكرمي مثواه"، أي: منزله ومقامه، والمثوى: موضع الإقامة.
وقيل: أكرميه في المطعم والملبس والمقام.
وقال قتادة وابن جريج: منزلته.
"عسى أن ينفعنا". أي: نبيعه بالربح إن أردنا البيع، أو يكفينا إذا بلغ بعض أمورنا.
"أو نتخذه ولداً"، أي: نتبناه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف، حيث قال لامرأته: أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا، وابنة شعيب عليه السلام حيث قالت لأبيها في موسى عليه السلام: يا أبت أستأجره، وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حيث استخلفه.
"وكذلك مكنا ليوسف في الأرض"، أي: في أرض مصر أي: كما أنقذنا يوسف من القتل وأخرجناه من الجب، كذلك مكنا له في الأرض فجعلناه على خزائنها.
"ولنعلمه من تأويل الأحاديث"، أي: مكنا له في الأرض لكي نعلمه من تأويل الأحاديث، وهي عبارة عن الرؤيا.
"والله غالب على أمره"، قيل الهاء في أمره كناية عن الله تعالى، يقول: إن الله غالب على أمره يفعل ما يشاء، لا يغلبه شيء ولا يرد حكمه راد.
وقيل: هي راجعة إلى يوسف عليه السلام معناه: إن الله مستول على أمر يوسف بالتدبير والحياطة لا يكله إلى أحد حتى يبلغ منتهى علمه فيه.
"ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، ما الله به صانع.
21."وقال الذي اشتراه من مصر"وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر واسمه قطفير أو إطفير ، وكان الملك يومئذ ريان بن الوليد العمليقيي وقد آمن بيوسف عليه السلام ومات في حياته . وقيل كان فرعون موسى عاش أربعمائة سنة بدليل قوله تعالى: "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات".والمشهور أنه اشتراه العزيز وهو ابن سبع عشرة سنة ولبث في منزله ثلاث عشرة سنة واستوزره الريان وهو ابن ثلاث وثلاثيين سنة وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة . واختلف فيما اشتراه به من جعل شراءه به غير الأول فقيل عشرون ديناراً وزوجا نعل وثوبان أبيضان .وقيل ملؤه فضة وقيل ذهباً "لامرأته"راعيل أو زليخا. "أكرمي مثواه" اجعلي مقامه عندنا كريماً أي حسناً والمعنى أحسني تعهده ."عسى أن ينفعنا" في ضياعنا وأموالنا ونستظهر به في مصالحنا."أو نتخذه ولداً"نتبناه وكان عقيماً لما تفرس فيه من الرشد ، ولذلك قيل : أفرس الناس ثلاثة عزيز مصر، وابنة شعيب التي قالت "يا أبت استأجره" ، وأبو بكر حين استخلف عمر رضي الله تعالى عنهما ."وكذلك مكنا ليوسف في الأرض "وكما مكنا محبته في قلب العزيز أو كما مكناه في منزله أو كما أنجيناه وعطفنا عليه العزيز مكنا له فيها "ولنعلمه من تأويل الأحاديث" عطف على مضمر تقديره ليتصرف فيها بالعدل ولنعلمه أي كان القصد في إنجائه وتمكينه إلى أن يقيم العدل ويدبر أمور الناس، ويعلم معاني كتب الله تعالى وأحكام فينفذها، أو تعبير المنامات المنبهة على الحوادث الكائنة ليستعد لها ويشتغل بتدبيرها قبل أن تحل كما فعل لسنيه. "والله غالب على أمره" لا يرده شيء ولا ينازعه فما يشاء أو على أمر يوسف إن أراد به إخوته شيئاً وأراد الله غيره فلم يمكن إلا ما أراده ."ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أن الأمر كله بيده ، أو لطائف صنعه وخفايا لطفه.
21. And he of Egypt who purchased him said unto his wife: Receive him honorably. Perchance he may prove useful to us or we may adopt him as a son. Thus We established Joseph in the land that We might teach him the interpretation of events. And Allah was predominant in his career, but most of mankind know not.
21 - The man in Egypt who bought him, said to his wife: make his stay (among us) honorable: maybe he will bring us much good, or we shall adopt him as a son. thus did we establish Joseph in the land, that we might teach him the interpretation of stories (and events). and God hath full power and control over his affairs; but most among mankind know it not.