[يوسف : 18] وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
18 - (وجاؤوا على قميصه) محله نصب على الظرفية أي فوقه (بدم كذب) أي ذي كذب بأن ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وذهلوا عن شقه وقالوا إنه دمه (قال) يعقوب لما رآه صحيحاً وعلم كذبهم (بل سولت) زينت (لكم أنفسكم أمراً) ففعلتموه به (فصبر جميل) لا جزع فيه ، وهو خبر مبتدأ محذوف أي أمري (والله المستعان) المطلوب منه العون (على ما تصفون) تذكرون من أمر يوسف
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "وجاؤوا على قميصه بدم كذب" ، وسماه الله كذبا ، لأن الذين جاؤوا بالقميص وهو فيه ، كذبوا فقالوا ليعقوب : هو دم يوسف ، ولم يكن دمه ، وإنما كان دم سخلة ، فيما قيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "وجاؤوا على قميصه بدم كذب" ، قال : دم سخلة .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "وجاؤوا على قميصه بدم كذب" ، قال :دم سخلة ، شاة .
حدثني محمد بن عمرو قال ،حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "بدم كذب" ، قال :دم سخلة ، يعني شاة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "بدم كذب" ، قال : دم سخلة ، شاة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "بدم كذب" ، قال :كان ذلك الدم كذباً ، لم يكن دم يوسف .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ،حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "بدم كذب" ، قال : دم سخلة ، شاة .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : "بدم كذب" ، قال : بدم سخلة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي ، قال : ذبحوا جدياً من الغنم ، ثم لطخوا القميص بدمه ، ثم أقبلوا إلى أبيهم ، فقال يعقوب : إن كان هذا الذئب لرحيماً ! كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه ؟ يا بني ، يا يوسف ، ما فعل لك بنو الإماء !
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "وجاؤوا على قميصه بدم كذب" ، قال : لو أكله السبع لخرق القميص .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا أبو خالد قال ، حدثنا سفيان ، بإسناده عن ابن عباس ، مثله ، إلا أنه قال : لو أكله الذئب لخرق القميص .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "وجاؤوا على قميصه بدم كذب" ، قال : لو كان الذئب أكله لخرقه .
حدثني عبيد الله بن أبي زياد قال ، حدثنا عثمان بن عمرو قال ، حدثنا قرة ، عن الحسن قال : جيء بقميص يوسف إلى يعقوب ، فجعل ينظر إليه فيرى أثر الدم ، ولا يرى فيه خرقاً ، قال : يا بني ، ما كنت أعهد الذئب حليماً ؟
حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال ، حدثنا أبو عامر العقدي ، عن قرة قال : سمعت الحسن يقول : لما جاؤوا بقميص يوسف ، فلم ير يعقوب شقاً قال : يا بني ، والله ما عهدت الذئب حليماً !
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا حماد بن مسعدة ،عن عمران بن مسلم ، عن الحسن قال : لما جاء إخوة
يوسف بقميصه إلى ابيهم ،قال : جعل يقلبه فيقول : ما عهدت الذئب حليماً ، أكل ابني ، وأبقى على قميصه !
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وجاؤوا على قميصه بدم كذب" ، قال : لما أتوا نبي الله يعقوب بقميصه قال : ما أرى أثر سبع ، ولا طعن ، ولا خرق .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "بدم كذب" ، الدم الكذب ، لم يكن دم يوسف .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ،حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مجالد ، عن الشعبي قال : ذبحوا جدياً ولطخوه من دمه . فلما نظر يعقوب إلى القميص صحيحاً ، عرف أن القوم كذبوه ، فقال لهم : إن كان هذا الذئب لحليماً ، حيث رحم القميص ولم يرحم ابني ! فعرف أنهم قد كذبوه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن سماك ،عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "وجاؤوا على قميصه بدم كذب" ، قال : لما أتي يعقوب بقميص يوسف فلم ير فيه خرقاً قال : كذبتم ، لو أكله السبع لخرق قميصه !
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق الأزرق ، ويعلى ، عن زكريا ، عن سماك ، عن عامرقال : كان في قميص يوسف ثلاث آيات : حين جاؤوا على قميصه بدم كذب . قال : وقال يعقوب : لو أكله الذئب لخرق قميصه .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا محمد قال ، حدثنا زكريا ،عن سماك ،عن عامر قال : إنه كان يقول : في قميص يوسف ثلاث آيات : حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيراً ، وحين قد من دبر ،وحين جاؤوا على قميصه بدم كذب .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عامر قال : كان في قميص يوسف ثلاث آيات : الشق ، والدم ، وألقاه على وجه أبيه فارتد بصيراً .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا قرة ،عن الحسن قال : لما جيء بقميص يوسف إلى يعقوب ، فرأى الدم ولم ير الشق قال : ما عهدت الذئب حليماً !
قال ، حدثنا حماد بن مسعدة قال ،حدثنا قرة ، عن الحسن ، بمثله .
فإن قال قائل : وكيف قيل : "بدم كذب" ، وقد علمت إنه كان دماً لا شك فيه ، وإن لم يكن كان دم يوسف ؟
قيل : في ذلك من القول وجهان :
أحدهما : أن يكون قيل "بدم كذب" ، لأنه كذب فيه ، كما يقال : الليلة الهلال ، وكما قيل ( فما ربحت تجارتهم ) . وذلك قول كان بعض نحويي البصرة يقوله .
والوجه الآخر : وهو أن يقال : هو مصدر بمعنى مفعول . وتأويله : وجاؤوا على قميصه بدم مكذوب ، كما يقال : ما له عقل ، ولا معقول و لا له جلد ولا له مجلود . والعرب تفعل ذلك كثيراً ، تضع مفعولاً ، في موضع المصدر ، والمصدر في موضع مفعول ، كما قال الراعي :
حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا
وذلك كان يقوله بعض نحويي الكوفة .
وقوله : "قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا" ، يقول تعالى ذكره : قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف ، مكذباً لهم في خبرهم ذلك :ما الأمر كما تقولون ، "بل سولت لكم أنفسكم أمرا" ، يقول : بل زينت لكم أنفسكم أمراً في يوسف وحسنته ،ففعلتموه ،كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : "بل سولت لكم أنفسكم أمرا" ، قال يقول : بل زينت لكم أنفسكم امراً .
وقوله : "فصبر جميل" ، يقول : فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف ، صبر جميل ، أو فهو صبر جميل .
وقوله : "والله المستعان على ما تصفون" ، يقول : والله أستعين على كفايتي شر ما تصفون من الكذب .
وقيل : إن الصبر الجميل ، هو الصبر الذي لا جزع فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فصبر جميل" ، قال : ليس فيه جزع .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ،حدثنا سفيان ، عن مجاهد : "فصبر جميل" ، في غير جزع .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد ، مثله .
قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبان بن أبي جبلة قال : "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : "فصبر جميل" ، قال : صبر لا شكوى فيه . قال : من بث فلم يصبر" .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ،حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، عن حبان بن أبي جبلة : "ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله : "فصبر جميل" ، قال : صبر لا شكوى فيه" .
قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "فصبر جميل" ، ليس فيه جزع .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن مجاهد في قوله : "فصبر جميل" ،قال : في غير جزع .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا الثوري ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن بعض أصحابه قال : يقال : ثلاث من الصبر : أن لا تحدث بوجعك ، ولا بمصيبتك ، ولا تزكي نفسك ، قال أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت : أن يعقوب النبي صلى الله عليه وسلم كان قد سقط حاجباه ، فكان يرفعهما بخرقة ، فقيل له : ما هذا ؟ قال : طول الزمان ،وكثرة الأحزان ! فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : يا يعقوب ، أتشكوني ؟ قال : يا رب ، خطيئة أخطأتها ، فاغفر لي .
وقوله : "والله المستعان على ما تصفون" .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والله المستعان على ما تصفون" ، أي : على ما تكذبون .
قوله تعالى: " وجاؤوا على قميصه بدم كذب ".
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " بدم كذب " قال مجاهد: كان دم سخلة أو جدي ذبحوه. وقال قتادة: كان ذم ظبية، أي جاءوا على قميصه بدم مكذوب فيه، فوصف الدم بالمصدر، فصار تقديره: بدم ذي كذب، مثل: " واسأل القرية " ( يوسف: 82) والفاعل والمفعول قد يسميان بالمصدر، يقال: هذا ضرب الأمير، أي مضروبه، وماء سكب أي مسكوب، وماء غور أي غائر، ورجل عدل أي عادل.
وقرأ الحسن وعائشة: ( بدم كدب) بالدال غير المعجمة، أي بدم طري، يقال للدم الطري الكدب. وحكى أنه المتغير، قاله الشعبي . والكدب أيضاً البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث، فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اختلاف اللونين.
الثانية: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها، وهي سلامة القميص من التنييب، إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص من التخريق، ولما تأمل يعقوب عليه السلام القميص فلم يجد فيه خرقاً ولا أثراً استدل بذلك على كذبهم، وقال لهم: متى كان هذا الذئب حكيماً يأكل يوسف ولا يخرق القميص! قاله ابن عباس وغيره، روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان الدم دم سخلة. وروى سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نظر إليه قال كذبتم، لو كان الذئب أكله لخرق القميص. وحكى الماوردي أن في القميص ثلاث آيات: حين جاءوا عليه بدم كذب، وحين قد قميصه من دبر، وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيراً.
قلت: هذا مردود، فإن القميص الذي جاءوا عليه بالدم غير القميص الذي قد، وغير القميص الذي أتاه البشير به. وقد قيل: إن القصص الذي قد هو الذي أتى به فارتد بصيراً، على ما يأتي بيانه آخر السورة إن شاء الله تعالى. وروي أنهم قالوا له: بل اللصوص قتلوه، فاختلف قولهم، فاتهمهم، فقال لهم يعقوب: تزعمون أن الذئب أكله، ولو أ:له لشق قميصه قبل أن يفضي إلى جلده، وما أرى بالقميص من شق، وتزعمون أن اللصوص قتلوه، ولو قتلوه لأخذوا قميصه، هل يريدون إلا ثيابه؟! فقالوا عند ذلك: ( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) عن الحسن وغيره، أي لو كنا موصوفين بالصدق لاتهمتنا.
الثالثة: استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها، وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص، وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح، وهي قوة التهمة، ولا خلاف بالحكم بها، قاله ابن العربي .
قوله تعالى: " قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ".
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: روي أن يعقوب لما قالوا له: ( فأكله الذئب) قال لهم: ألم يترك الذئب له عضواً فتأتوني به اتسأنس به؟! ألم يترك لي ثوباً أشم فيه رائحته؟ قالوا: بلى! هذا قميصه ملطوخ بدمه، فذلك قوله تعالى: " وجاؤوا على قميصه بدم كذب " ( يوسف: 18) فبكى يعقوب عند ذلك وقال لبنيه: أروني قميصه، فأروه فشمه وقبله، ثم جعل يقلبه فلا يرى فيه شقاً ولا تمزيقاً، فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت كاليوم ذئباً أحكم منه، أكل ابني واختلسه من قميصه ولم يمزقه عليه، وعلم أن الأمر ليس كما قالوا، وأن الذئب لم يأكله، فأعرض عنهم كالمغضب باكياً حزيناً وقال: يا معشر ولدي! دلوني على ولدي، فإن كان حياً رددته إلى، وإن كان ميتاً كفنته ودفنته، فقيل قالوا حينئذ: ألم تروا إلى أبينا كيف يكذبنا في مقالتنا! تعالوا نخرجه من الجب ونقطعه عضواً عضوا، ونأت أبانا بأحد أعضائه فيصدقنا في مقالتنا ويقطع يأسه، فقال يهوذا: والله لئن فعلتم لأكونن لكم عدواً ما بقيت، ولأخبرن أباكم بسوء صنيعكم، قالوا: فإذا منعتنا من هذا فتعالوا نصطد له ذئباً، قال: فاصطادوا ذئباً ولطخوه بالدم، وأوثقوه بالحبال، ثم جاءوا به يعقوب وقالوا: يا أبانا! إن هذا الذئب الذي يحل بأغنامنا ويفترسها، ولعله الذي أفجعنا بأخينا لا نشك فيه، وهذا دمه عليه، فقال يعقوب: أطلقوه، فأطلقوه، وتبصبص له الذئب، فأقبل يدنو منه ويعقوب يقول له: ادن ادن، حتى ألصق خده بخده فقال به يعقوب: أيها الذئب! لم فجعتني بولدي وأورثتني حزناً طويلاً؟! ثم قال اللهم أنطقه، فأنطقه الله تعالى فقال: والذي اصطفاك نبياً ما أكلت لحمه، ولا مزقت جلده، ولا نتفت شعرة من شعراته، ووالله! ما لي بولدك عهد، وإنما إنا ذئب غريب أقبلت من نواحي مصر في طلب أخ لي فقد، فلا أدري أحي هو أم ميت، فاصطادني أولادك وأوثقوني، وإن لحوم الأنبياء حرمت علينا وعلى جميع الوحوش، وتالله! لا أقمت في بلاد يكذب فيها أولاد الأنبياء على الوحوش، فأطلقه يعقوب وقال: والله لقد أتيتم بالحجة على أنفسكم، هذا ذئب بهيم خرج يتبع ذمام أخيه، وأنتم ضيعتم أخاكم، وقد علمت أن الذئب بريء مما جئتم به. " بل سولت " أي زينت. " لكم أنفسكم أمرا " غير ما تصفون وتذكرون. ثم قال توطئة لنفسه. " فصبر جميل " وهي:
الثانية: قال الزجاج: أي فشأني والذي أعتقده صبر جميل. وقال قطرب: أي فصبري صبر جميل. وقيل: أي فصبر جميل أولى بي، فو مبتدأ وخبره محذوف. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر الجميل فقال: " هو الذي لا شكوى معه ". وسيأتي له مزيد بيان آخر السورة إن شاء الله. قال أبو حاتم: قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف ( فصبراً جميلاً) قال: وكذا قرأ الأشهب العقيلي، قال وكذا في مصحف أنس وأبي صالح. قال المبرد : ( فصبر جميل) بالرفع أولى من النصب، لأن المعنى: قال رب عندي صبر جميل، قال: وإنما النصب على المصدر، أي فلأصبرن صبراً جميلاً، قال:
شكا إلى جملي طول السرى صبراً جميلاً فكلانا مبتلى
والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى. وقيل: المعنى لا أعاشركم على كآبة الوجه وعبوس الجبين، بل أعاشركم على ما كنت عليه معكم، وفي هذا ما يدل على أنه عفا عن مؤاخذتهم. وعن حبيب بن أبي ثابت أن يعقوب كان قد سقط حاجباه على عينيه، فكان يرفعهما بخرقة، فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى الله إليه أتشكوني يا يعقوب؟‍‍! قال: يا رب! خطيئة أخطأتها فاغفر لي. " والله المستعان " ابتداء وخبر. " على ما تصفون " أي على احتمال ما تصفون من الكذب.
الثالثة:قال ابن أبي رفاعة: ينبغي لأهل الرأي أن يتهموا رأيهم عند ظن يعقوب صلى الله عليه وسلم وهو نبي، حين قال له بنوه: " إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب " ( يوسف: 17) قال: " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل " فأصاب هنا، ثم قالوا له: " إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين " ( يوسف: 81) قال: ( بل سولت لكم أنفسكم أمراً) فلم يصب.
يقول تعالى مخبراً عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب, ثم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ويظهرون الأسف والجزع على يوسف ويتغممون لأبيهم, وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا "إنا ذهبنا نستبق" أي نترامى, "وتركنا يوسف عند متاعنا" أي ثيابنا وأمتعتنا, "فأكله الذئب", وهو الذي كان قد جزع منه وحذر عليه. وقوله: "وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين" تلطف عظيم في تقرير ما يحاولونه, يقولون: ونحن نعلم أنك لا تصدقنا والحالة هذه لو كنا عندك صادقين, فكيف وأنت تتهمنا في ذلك, لأنك خشيت أن يأكله الذئب, فأكله الذئب, فأنت معذور في تكذيبك لنا لغرابة ما وقع, وعجيب ما اتفق لنا في أمرنا هذا " وجاؤوا على قميصه بدم كذب " أي مكذوب مفترى, وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيده, وهو أنهم عمدوا إلى سخلة فيما ذكره مجاهد والسدي وغير واحد, فذبحوها ولطخوا ثوب يوسف بدمها, موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب, وقد أصابه من دمه, ولكنهم نسوا أن يخرقوه, فلهذا لم يرج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب, بل قال لهم معرضاً عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من لبسهم عليه " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل " أي فسأصبر صبراً جميلاً على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه حتى يفرجه الله بعونه ولطفه "والله المستعان على ما تصفون" أي على ما تذكرون من الكذب والمحال.
وقال الثوري عن سماك, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس " وجاؤوا على قميصه بدم كذب " قال: لو أكله السبع لخرق القميص, وكذا قال الشعبي والحسن وقتادة وغير واحد. وقال مجاهد: الصبر الجميل الذي لا جزع فيه. وروى هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى, عن حبان بن أبي جبلة, قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: "فصبر جميل" فقال: صبر لا شكوى فيه, وهذا مرسل. وقال عبد الرزاق: قال الثوري, عن بعض أصحابه أنه قال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدث بوجعك, ولا بمصيبتك, ولا تزكي نفسك وذكر البخاري ههنا حديث عائشة في الإفك حتى ذكر قولها: والله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون".
وكذا ذكره ابن جرير وغيره 18- " وجاؤوا على قميصه بدم كذب " على قميصه في محل نصب على الظرفية: أي جاءوا فوق قميصه بدم، ووصف الدم بأنه كذب مبالغة كما هو معروف في وصف اسم العين باسم المعنى، وقيل المعنى: بدم ذي كذب أو بدم مكذوب فيه. وقرأ الحسن وعائشة بدم كدب بالدال المهملة: أي بدم طري، يقال للدم الطري كدب. وقال الشعبي: إنه المتغير، والكذب أيضاً البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث، فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اللونين. وقد استدل يعقوب على كذبهم بصحة القميص، وقال لهم: متى كان هذا الذئب حكيماً يأكل يوسف ولا يخرق القميص؟ ثم ذكر الله سبحانه ما أجاب به يعقوب عليهم فقال "قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً" أي زينت وسهلت. قال النيسابوري: التسويل تقرير في معنى النفس مع الطمع في تمامه. وهو تفعيل من السول وهو الأمنية. قال الأزهري: وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمزة " فصبر جميل " قال الزجاج: أي فشأني أو الذي أعتقده صبر جميل. وقال قطرب: أي فصبري صبر جميل، وقيل فصبر جميل أولى بي. قيل والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه. قال الزجاج: قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف فصبراً جميلاً قال: وكذا في مصحف أنس. قال المبرد: فصبر جميل بالرفع أولى من النصب. لأن المعنى: قال رب عندي صبر جميل، وإنما النصب على المصدر أي فلأصبرن صبراً جميلاً. قال الشاعر:
شكا إلي جملي طول السرى صبراً جميلاً فكلانا مبتلى
"والله المستعان" أي المطلوب منه العون "على ما تصفون" أي على إظهار حال ما تصفون، أو على احتمال ما تصفون، وهذا منه عليه السلام إنشاء لا إخبار.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: " أرسله معنا غدا يرتع ويلعب " قال: نسعى وننشط ونلهو. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والسلفي في الطيوريات عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقنوا الناس فيكذبوا، فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس، فلما لقنهم أبوهم كذبوا، فقالوا أكله الذئب". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "وأوحينا إليه" الآية قال: أوحي إلى يوسف وهو في الجب لتنبئن إخوتك بما صنعوا وهم لا يشعرون بذلك الوحي. وأخرج هؤلاء عن قتادة قال: أوحى الله إليه وحياً وهو في الجب أن سينبئهم بما صنعوا وهم: أي إخوته لا يشعرون بذلك الوحي، فهون ذلك الوحي عليه ما صنع به. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "وهم لا يشعرون" قال: لم يعلموا بوحي الله إليه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون جيء بالصواع فوضعه على يده، ثم نقره فطن، فقال: إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه دونكم، وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدم كذب، فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم، فقال ابن عباس: فلا نرى هذه الآية نزلت إلا في ذلك لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي بكر بن عياش قال: كان يوسف في الجب ثلاثة أيام. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك "وما أنت بمؤمن لنا" قال: بمصدق لنا. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس " وجاؤوا على قميصه بدم كذب " قال: كان دم سخلة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله، وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس " وجاؤوا على قميصه بدم كذب " قال: لما أتي يعقوب بقميص يوسف فلم ير فيه خرقاً قال: كذبتم لو كان كما تقولون أكله الذئب لخرق القميص. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "بل سولت لكم أنفسكم أمراً" قال: أمرتكم أنفسكم. وأخرج ابن جرير وابن أبي جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله "بل سولت لكم أنفسكم أمراً" يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمراً " فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " أي على ما تكذبون، وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حبان بن أبي حبلة قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: " فصبر جميل " قال: لا شكوى فيه، من بث لم يصبر" وهو من طريق هشيم عن عبد الرحمن عن حبان بن أبي حبلة، وهو مرسل. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: " فصبر جميل " قال: ليس في جزع.
18-" وجاؤوا على قميصه بدم كذب "، أي: بدم هو كذب، لأنه لم يكن دم يوسف. وقيل: بدم مكذوب فيه، فوضع المصدر موضع الاسم.
وفي القصة: أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه، فقال يعقوب عليه السلام: كيف أكله الذئب ولم يشق قميصه؟ فاتهمهم.
"قال بل سولت" زينت، "لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل"، معناه: فأمري صبر جميل أو فعلي صبر جميل.
وقيل: فصبر جميل أختاره.
والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا جزع.
"والله المستعان على ما تصفون"، أي: أستعين بالله على الصبر، على ما تكذبون.
وفي القصة: أنهم جاؤا بذئب وقالوا هذا الذي أكله فقال له يعقوب يا ذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي؟ فأنطقه الله عز وجل، فقال: تالله ما رأيت وجه ابنك قط.
قال: كيف وقعت بأرض كنعان؟.
قال: جئت لصلة قرابة فصادني هؤلاء فمكث يوسف في البئر ثلاثة أيام.
18."و جاؤوا على قميصه بدم كذب"أي ذي كذب بمعنى مكذوب فيه ، ويجوز أن يكون وصفاً بالمصدر للمبالغة وقرئ بالنصب على الحال من الواو أي جاؤوا كاذبين و" كدأب "بالدال غير المعجمة أي كدر أو طري . وقيل : أصله البياض الخارج على أظفار الأحداث فشبه به الدم اللاصق على القميص ، وعلى قميصه في موضع النصب على الظرف أي فوق قميصه أو على الحال من الدم إن جوز تقديمها على المجرور . روي:أنه لما سمع بخبر يوسف صاح وسأل عن قميصه فأخذه وألقاه على وجه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال : ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم من هذا أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه. ولذلك " قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً" أي سهلت لكم أنفسكم وهونت في أعينكم أمراً عظيماً من السول وهو الاسترخاء"فصبر جميل"أي فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أجمل ، وفي الحديث "الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق""والله المستعان على ما تصفون"على احتمال ما تصفونه من إهلاك يوسف وهذه الجريمة كانت قبل استنبائهم إن صح.
18. And they came with false blood on his shirt. He said: Nay, but your minds have beguiled you into something. (My course is) comely patience. And Allah it is whose help is to be sought in that (predicament) which ye describe.
18 - They stained his shirt with false blood. he said: nay, but your minds have made up a tale (that may pass) with you. (for me) patience is most fitting: against that which ye assert, it is God (alone) whose help can be sought