[يوسف : 111] لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
111 - (لقد كان في قصصهم) أي الرسل (عبرة لأولي الألباب) أصحاب العقول (ما كان) هذا القرآن (حديثاً يفترى) يختلق (ولكن) كان (تصديق الذي بين يديه) قبله من الكتب (وتفصيل) تبيين (كل شيء) يحتاج إليه في الدين (وهدى) من الضلالة (ورحمة لقوم يؤمنون) خصوا بالذكر لانتفاعهم به دون غيرهم
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لقد كان في قصص يوسف وإخوته عبرة لأهل الحجى والعقول يعتبرون بها ، وموعظة يتعظمون بها . وذلك أن جل ثناؤه بعد أن ألقي يوسف في الجب ليهلك ، ثم بيع بيع العبيد بالخسيس من الثمن ، وبعد الإسار والحبس الطويل ، ملكه مصر ، ومكن له في الأرض ، وأعلاه على من بغاه سوءاً من إخوته ، وجمع بينه وبين والديه وإخوته بقدرته ، بعد المدة الطويلة ، وجاء بهم إليه من الشقة النائية البعيدة ، فقال جل ثناؤه للمشركين من قريش من قوم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لقد كان لكم ، أيها القوم ، في قصصهم عبرة لو اعتبرتم به ، أن الذي فعل ذلك بيوسف وإخوته ، لا يتعذر عليه فعل مثله بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيخرجه من بين أظهركم ، ثم يظهره عليكم ، ويمكن له في البلاد ، ويؤيده بالجند والرجال من الأتباع والأصحاب ، وإن مرت به شدائد ، وأتت دونه الأيام والليالي والدهور والأزمان .
وكان مجاهد يقول :معنى ذلك : لقد كان في قصصهم عبرة ليوسف وإخوته .
ذكر الرواية بذلك :
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "لقد كان في قصصهم عبرة" ، ليوسف وإخوته .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : عبرة ليوسف وإخوته .
حدثني المثنى قال ، حدثنا ابو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" ، قال : يوسف وإخوته .
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله مجاهد ، وإن كان له وجه يحتمله التأويل ، فإن الذي قلنا في ذلك أولى به ، لأن ذلك عقيب الخبر عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعن قومه من المشركين ،وعقيب تهديدهم ووعيدهم على الكفر بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ومنقطع عن خبر يوسف وإخوته . ومع ذلك أنه خبر عام عن جميع ذوي الألباب أن قصصهم لهم عبرة ، وغير مخصوص بعض به دون بعض ، فإذ كان الأمر كان ما وصفنا في ذلك ، فهو بأن يكون خبراً عن أنه عبرة لغيرهم أشبه . والرواية التي ذكرناها عن مجاهد من رواية ابن جريج ، أشبه به أن تكون من قوله ، لأن ذلك موافق القول الذي قلناه في ذلك .
وقوله : "ما كان حديثا يفترى" ، يقول تعالى ذكره : ما كان هذا القول حديثاً يختلق ويتكذب ويتخرص ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ما كان حديثا يفترى" ، و الفرية ، الكذب .
"ولكن تصديق الذي بين يديه" ، يقول: ولكنه تصديق الذي بين يديه من كتب الله التي أنزلها قبله على أنبيائه ، كالتوارة والإنجيل والزبور ، يصدق ذلك كله ويشهد عليه أن جميعه حق من عند الله ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ولكن تصديق الذي بين يديه" ، والفرقان تصديق الكتب التي قبله ، ويشهد عليها .
وقوله : "وتفصيل كل شيء" ، يقول تعالى ذكره : وهو أيضاً تفصيل كل ما بالعباد إليه حاجة من بيان أمر الله ونهيه ، وحلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته .
وقوله : "وهدى ورحمة لقوم يؤمنون" ، يقول تعالى ذكره : وهو بيان أمره ورشاده لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه ،إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته ، "ورحمة" ، لمن آمن به وعمل بما فيه ، ينقذه من سخط الله وأليم عذابه ، ويورثه في الآخرة جنانه ،والخلود في النعيم المقيم ، "لقوم يؤمنون" ، يقول : لقوم يصدقون بالقرآن وبما فيه من وعد الله ووعيده ، وأمره ونهيه ، فيعملون بما فيه من أمره ، وينتهون عما فيه من نهيه .
قوله تعالى: " لقد كان في قصصهم " أي في قصة يوسف وأبيه وإخوته، أو في قصص الأمم. " عبرة " أي فكرة وتذكرة وعظة. " لأولي الألباب " أي العقول. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: إن يعقوب عاش مائة سنة وسبعاً وأربعين سنة، وتوفي أخوه عيصو معه في يوم واحد، وقبرا في قبر واحد، فلذلك قوله: " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب " إلى آخر السورة. " ما كان حديثا يفترى " أي ما كان القرآن حديثاً يفترى، أو ما كانت هذه القصة حديثاً يفترى. " ولكن تصديق الذي بين يديه " أي ولكن كان تصديق، ويجوز الرفع بمعنى لكن هو تصديق الذي بين يديه أي ما كان قبله من التوراة والإنجيل وسائر كتب الله تعالى، وهذا تأويل من زعم أنه القرآن. " وتفصيل كل شيء " مما يحتاج العباد إليه من الحلال والحرام، والشرائع والأحكام. " وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ".
يقول تعالى: لقد كان في خبر المرسلين مع قومهم, وكيف نجينا المؤمنين وأهلكنا الكافرين "عبرة لأولي الألباب" وهي العقول, "ما كان حديثاً يفترى" أي وما كان لهذا القرآن أن يفترى من دون الله, أي يكذب ويختلق "ولكن تصديق الذي بين يديه" أي: من الكتب المنزلة من السماء وهو يصدق ما فيها من الصحيح, وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير, ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير "وتفصيل كل شيء" من تحليل وتحريم ومحبوب ومكروه, وغير ذلك من الأمر بالطاعات والواجبات والمستحبات, والنهي عن المحرمات وما شاكلها من المكروهات, والإخبار عن الأمور الجلية, وعن الغيوب المستقبلة المجملة والتفصيلية, والإخبار عن الرب تبارك وتعالى وبالأسماء والصفات, وتنزهه عن مماثلة المخلوقات, فلهذا كان "هدى ورحمة لقوم يؤمنون" تهتدي به قلوبهم من الغي إلى الرشاد, ومن الضلال إلى السداد, ويبتغون به الرحمة من رب العباد, في هذه الحياة الدنيا ويوم المعاد, فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم في الدنيا والاخرة, يوم يفوز بالربح المبيضة وجوههم الناضرة, ويرجع المسودة وجوههم بالصفقة الخاسرة. آخر تفسير سورة يوسف عليه السلام ولله الحمد والمنة وبه المستعان.
111- "لقد كان في قصصهم" أي قصص الرسل ومن بعثوا إليه من الأمم، أو في قصص يوسف وإخوته وأبيه "عبرة لأولي الألباب" والعبرة: الفكرة والبصيرة المخلصة من الجهل والحيرة. وقيل هي نوع من الاعتبار، وهي العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول، وأولوا الألباب هم ذوو العقول السليمة الذين يعتبرون بعقولهم فيدرون ما فيه مصالح دينهم، وإنما كان هذا القصص عبرة لما اشتمل عليه من الإخبارات المطابقة للواقع مع بعد المدة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الرسل الذين قص حديثهم، ومنهم يوسف وإخوته وأبوه مع كونه لم يطلع على أخبارهم ولا اتصل بأحبارهم "ما كان حديثاً يفترى" أي ما كان هذا المقصوص الذي يدل عليه ذكر القصص وهو القرآن المشتمل على ذلك حديثاً يفترى "ولكن تصديق الذي بين يديه" أي ما قبله من الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور، وقرىء برفع تصديق على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هو تصديق وتفصيل كل شيء من الشرائع المجملة المحتاجة إلى تفصيلها، لأن الله سبحانه لم يفرط في الكتاب من شيء، وقيل تفصيل كل شيء من قصة يوسف مع إخوته وأبيه. قيل وليس المراد به ما يقتصيه من العموم، بل المراد به الأصول والقوانين وما يؤول إليها "وهدىً" في الدنيا يهتدى به كل من أراد الله هدايته "ورحمة" في الآخرة يرحم الله بها عباده العاملين بما فيه شرط الإيمان الصحيح، ولهذا قال: "لقوم يؤمنون" أي يصدقون به وبما تضمنه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وشرائعه وقدره، وأما من عداهم فلا ينتفع به ولا يهتدي بما اشتمل عليه من الهدى، فلا يستحق ما يستحقونه.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً" قال: أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: ما نعلم أن الله أرسل رسولاً قط إلا من أهل القرى، لأنهم كانوا أعلم واحلم من أهل المعمور. وأخرج ابن ابي حاتم عن الحسن في قوله: "كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" قال: كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح والأمم التي عذب الله. وأخرج البخاري وغيره من طريق عروة أنه سأل عائشة عن قول الله سبحانه: يعني "إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا" قال: قلت أكذبوا أم كذبوا؟ يعني على هذه الكلمة مخففة أم مشددة، فقالت: بل كذبوا تعني بالتشديد، قلت: والله لقد استيقنوا ان قومهم كذبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك، فقلت: لعلها وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة،قالت: معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم اتباع الرسل الذين آمنوا بهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عليهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها عليه "وظنوا أنهم قد كذبوا" مخففة يقول أخلفوا. وقال ابن عباس: كانوا بشراً، وتلا "حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله" قال ابن أبي مليكة: وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته، وقالت: والله ما وعد الله رسولاً من شيء إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم، وكانت تقرأها مثقلة. وأخرج ابن مردويه من طريق عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: " وظنوا أنهم قد كذبوا " مخففة. وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ "قد كذبوا" مخففة، قال: يئس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم بما جاءوا به "جاءهم نصرنا" قال: جاء الرسل نصرنا. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن تميم بن حذلم قال: قرأت على ابن مسعود القرآن فلم يأخذ علي إلا حرفين كل آتوه داخرين فقال: أتوه مخففة. وقرأت عليه "وظنوا أنهم قد كذبوا" فقال: كذبوا مخففة، قال: استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذيوا. وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الأحوص عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة يوسف "وظنوا أنهم قد كذبوا" خفيفة. وللسلف في هذا كلام يرجع إلى ما ذكرناه من الخلاف عن الصحابة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس " فنجي من نشاء " قال: فننجي الرسل ومن نشاء "ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" وذلك أن الله بعث الرسل يدعون قومهم، فأخبروهم أن من أطاع الله نجا ومن عصاه عذب وغوى. وأخرج أبو الشيخ عنه قال "جاءهم نصرنا" العذاب. وأخرج أبو الشيخ عن السدي "ولا يرد بأسنا" قال: عذابه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "لقد كان في قصصهم" قال: يوسف وإخوته. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ "عبرة لأولي الألباب" قال: معروفة لذوي العقول. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة "ما كان حديثاً يفترى" قال: الفرية الكذب "ولكن تصديق الذي بين يديه" قال: القرآن يصدق الكتب التي كانت قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والزبور، ويصدق ذلك كله ويشهد عليه أن جميعه حق من عند الله "وتفصيل كل شيء" فصل الله بين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.
111-"لقد كان في قصصهم"،أي: في خبر يوسف وإخوته، "عبرة" عظة،" لأولي الألباب ما كان"، يعني: القرآن، "حديثاً يفترى"، أي: يختلق، "ولكن تصديق الذي"، أي: ولكن كان تصديق الذي، "بين يديه"، من التوراة والإنجيل، "وتفصيل كل شيء"، مما يحتاج العباد إليه من الحلال والحرام والأمر والنهي، "وهدىً ورحمةً"، بيانا ونعمة، "لقوم يؤمنون".
111. "لقد كان في قصصهم"في قصص الأنبياء وأممهم أو في قصة يوسف وإخوته "عبرة لأولي الألباب"لذوي العقول -المبرأة من شوائب الإلف والركون إلى الحس."ما كان حديثاً يفترى" ما كان القرآن حديثاً يفترى."ولكن تصديق الذي بين يديه"من الكتب الإلهية ."وتفصيل كل شيء"يحتاج إليه في الدين إذ ما من أمر ديني إلا وله سند من القرآن بوسط أو بغير وسط "وهدىً"من الضلال."ورحمةً"ينال بها خير الدارين ."لقوم يؤمنون"يصدقونه "وعن النبي صلى الله عليه وسلم علموا أرقاءكم سورة يوسف ، فإنه أيما مسلم تلاها وعلمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلماً ".
111. In their history verily there is a lesson for men of understanding. It is no invented story but a confirmation of the existing (Scripture) and a detailed explanation of everything, and a guidance and a mercy for folk who believe.
111 - There is, in their stories, instruction for men endued with understanding. it is not a tale invented, but a confirmation of what went before it, a detailed exposition of all things, and a guide and a mercy to any such as believe.