[يوسف : 100] وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
100 - (ورفع أبويه) أجلسهما معه (على العرش) السرير (وخروا) أي أبواه وإخوته (له سجدَّاً) سجود انحناء لا وضع جبهة ، وكان تحيتهم في ذلك الزمان (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي) إلي (إذ أخرجني من السجن) لم يقل من الجب تكرماً لئلا يخجل إخوته (وجاء بكم من البدو) البادية (من بعد أن نزغ) أفسد (الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم) بخلقه (الحكيم) في صنعه ، وأقام عنده أبواه أربعا وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة وكانت مدة فراقه ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة وحضره الموت فوصى يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه فمضى بنفسه ودفنه ثمة ، ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا وعشرين سنة ولما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم فقال
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسف ، "آوى إليه أبويه" ، يقول : ضم إليه أبويه ، فقال لهم : "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" .
فإن قال قائل : وكيف قال لهم يوسف : "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" ، بعد ما دخلوها ، وقد أخبر الله عز وجل عنهم أنهم لما دخلوها على يوسف وضم إليه أبويه ، قال لهم هذا القول ؟
قيل : قد اختلف أهل التأويل في ذلك .
فقال بعضهم : إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده ، وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر . قالوا : وذلك أن يوسف تلقى أباه تكرمةً له قبل أن يدخل مصر ، فآواه إليه ، ثم قال له ولمن معه : "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" ، بها قبل الدخول .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : فحملوا إليه أهلهم وعيالهم ، فلما بلغوا مصر ، كلم يوسف الملك الذي فوقه ، فخرج هو والملوك يتلقونهم ، فلما بلغوا مصر قال : "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" ، "فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه" .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن فرقد السبخي قال : لما ألقي القميص على وجهه ارتد بصيراً وقال : "أتوني بأهلكم أجمعين" ، فحمل يعقوب وإخوة يوسف . فلما دنا أخبر يوسف أنه قد دنا منه ، فخرج يتلقاه . قال : وركب معه أهل مصر ، وكانوا يعظمونه . فلما دنا أحدهما من صاحبه ، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له يهوذا . قال : فنظر يعقوب إلى الخيل والناس فقال : يا يهوذا ، هذا فرعون مصر ؟ قال : لا هذا ابنك ! قال : فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ، فذهب يوسف يبدؤه بالسلام ، فمنع من ذلك ، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل ، فقال : السلام عليك يا ذاهب الأحزان عني ، هكذا قال : يا ذاهب الأحزان عني .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، قال حجاج : بلغني أن يوسف والملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب وبنيه .
قال ، وحدثني من سمع جعفر بن سليمان يحكي عن فرقد السبخي قال : خرج يوسف يتلقى يعقوب ، وركب أهل مصر مع يوسف ، ثم ذكر بقية الحديث ، نحو حديث الحارث ، عن عبد العزيز .
وقال آخرون : بل قوله : "إن شاء الله" ، استثناء من قول يعقوب لبنيه : "أستغفر لكم ربي" . قال : وهو من المؤخر الذي معناه التقديم . قالوا : وإنما معنى الكلام : قال : استغفر لكم ربي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيم ، فلما دخلوا على يوسف آوى إلى أبويه ، وقال ادخلوا مصر ، ورفع أبويه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله آمنين ، وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآن .
قال أبو جعفر : يعني ابن جريج : وبين ذلك ما بينه من تقديم القرآن ، أنه قد دخل بين قوله : "سوف أستغفر لكم ربي" ، وبين قوله : "إن شاء الله" ، من الكلام ما قد دخل ،وموضعه عنده أن يكون عقيب قوله : "سوف أستغفر لكم ربي" .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السدي ، وهو أن يوسف قال ذلك لأبويه ومن معهما من أولادهما وأهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقاهم ، لأن ذلك في ظاهر التنزيل كذلك ، فلا دلالة تدل على صحة ما قال ابن جريج ، ولا وجه لتقديم شيء من كتاب الله عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلا بحجة واضحة .
وقيل : عني بقوله : "آوى إليه أبويه" ، أبوه وخالته . وقال الذين قالوا هذا القول : كانت أم يوسف قد ماتت قبل ، وإنما كانت عند يعقوب يومئذ خالته أخت أمه ،كان نكحها بعد أمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : "فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه" ، قال : أبوه وخالته .
وقال آخرون : بل كان أباه وأمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه" ، قال : اباه وأمه .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق ، لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والتعارف بينهم في ابوين ، إلا أن يصح ما يقال من أن أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحجة يجب التسليم لها ، فيسلم حينئذ لها .
وقوله : "وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" ، مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط .
وقوله :"ورفع أبويه على العرش" ، يعني :على السرير ، كما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : "ورفع أبويه على العرش" ، قال : السرير .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال :"العرش" ، السرير .
قال ، حدثنا شبابة قال ،حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "ورفع أبويه على العرش" ، قال : السرير .
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، أخبرنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ـ وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "ورفع أبويه على العرش" ، قال : سريره .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ،عن معمر ، عن قتادة : "على العرش" ، قال : على السرير .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ،عن أبيه ، عن ابن عباس : "ورفع أبويه على العرش" ، يقول : رفع أبويه على السرير .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، قال سفيان : "ورفع أبويه على العرش" ، قال :على السرير .
حدثني يونس قال : اخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ورفع أبويه على العرش" ، قال : مجلسه .
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال ، سألت زيد بن أسلم عن قول الله : "ورفع أبويه على العرش" ، فقلت : أبلغك أنها خالته ؟ قال : قال ذلك بعض أهل العلم ، يقولون إن أمه ماتت قبل ذلك ، وأن هذه خالته .
وقوله :"وخروا له سجدا" ، يقول : وخر يعقوب وولده وأمه ليوسف سجداً .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وخروا له سجدا" ، يقول : رفع أبويه على السرير وسجداً له ، وسجد له إخوته .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : تحمل ـ يعني يعقوب ، ـ بأهله حتى قدموا على يوسف ، فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه ، دخلوا على يوسف ، فلما رأوه وقعوا له سجوداً ، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان ،أبوه وأمه وإخوته .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وخروا له سجدا" ، وكانت تحية من قبلكم ، كان بها يحيي بعضهم بعضاً ، فأعطى الله هذه الأمة السلام ، تحية أهل الجنة ، كرامةً من الله تبارك وتعالى عجلها لهم ، ونعمة منه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "وخروا له سجدا" ، قال : وكانت تحية الناس يومئذ أن يسجد بعضهم لبعض .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو إسحاق قال ، قال سفيان : "وخروا له سجدا" ، قال : كانت تحيةً فيهم .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "وخروا له سجدا" ، أبواه وإخوته ، كانت تلك تحيتهم ، كما يصنع ناس اليوم .
حدثنا ابن وكيع قال ،حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك :"وخروا له سجدا" ، قال : تحية بينهم .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وخروا له سجدا" ، قال ، قال : ذلك السجود لشرفه ، كما سجدت الملائكة لآدم لشرفه ، ليس بسجود عبادة .
وإنما عنى من ذكر بقوله : إن السجود كان تحية بينهم ، أن ذلك كان منهم على الخلق ، لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض . ومما يدل على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديماً قبل الإسلام على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض ، قول أعشى بني ثعلبة :
فلما أتانا بعيد الكرى سجدنا له ورفعنا عمارا‌
وقوله : "يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا" ، يقول جل ثناؤه : قال يوسف لأبيه : يا أبت ، هذا السجود الذي سجدت أنت وأمي وإخوتي لي ، "تأويل رؤياي من قبل" ، يقول : ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها ،وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته به ما صنعوا : أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدون ، "قد جعلها ربي حقا" ، يقول : قد حققها ربي ، لمجيء تأويلها على الصحة .
وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي بين رؤيا يوسف وبين تأويلها .
فقال بعضهم : كانت مدة ذلك أربعين سنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه قال ، حدثنا أبو عثمان ، عن سلمان الفارسي قال : كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة .
حدثني يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيم قالا ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي قال ، قال عثمان : كانت بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويله ، قال : فذكر أربعين سنة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد قال : رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عاماً .
قال ، حدثنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، مثله .
حدثني أبو السائب قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن عبد الله بن شداد : أنه سمع قوماً يتنازعون في رؤيا رآها بعضهم ، وهو يصلي ، فلما انصرف سألهم عنها فكتموه . فقال : أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عاماً .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن ضرار بن مرة أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد قال : كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، وجرير ، عن أبي سنان قال : سمع عبد الله بن شداد قوماً يتنازعون في رؤيا ، فذكر نحو حديث أبي السائب عن ابن فضيل .
حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عاماً .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد قال : وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة ، وإليها ينتهي أقصى الرؤيا .
قال ، حدثنا معاذ بن معاذ قال ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ،عن سلمان قال : كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة .
قال ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : كان بين رؤيا يوسف بين عبارتها أربعون سنة .
قال ، حدثنا سعيد بن سليمان قال ، حدثنا هشيم ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة .
قال ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد قال : كان بين رؤيا يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة .
وقال آخرون : كانت مدة ذلك ثمانين سنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال ، حدثنا هشام ، عن الحسن قال : كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ، ثمانون سنة ، لم يفارق الحزن قلبه ، ودموعه تجري على خديه ، وما على وجه الأرض يومئذ عبد أحب إلى الله من يعقوب .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن أبي جعفر جسر بن فرقد قال : كان بين أن فقد يعقوب يوسف إلى يوم رد عليه ، ثمانون سنة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حسن بن علي ، عن فضيل بن عياض ، قال : سمعت أنه كان بين فراق يوسف حجر يعقوب إلى أن التقيا ، ثمانون سنة .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا داود بن مهران قال ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن يونس ، عن الحسن قال : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة ، ومات وهو ابن عشرين ومئة سنة .
قال ، حدثنا سعيد بن سليمان قال ، حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن ، نحوه ، غير أنه قال : ثلاث وثمانون سنة .
قال ، حدثنا داود بن مهران قال ، حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن قال : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية وفي السجن في الملك ثمانين سنة ، ثم جمع الله عز وجل شمله ، وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة ، فغاب عن أبيه ثمانين سنة ، ثم عاش بعد ما جمع الله له شمله ورأى تأويل رؤياه ثلاثاً وعشرين سنة ، فمات وهو ابن عشرين ومئة سنة .
حدثنا مجاهد قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا هشيم ،عن الحسن قال : غاب يوسف عن أبيه في الجب وفي السجن حتى التقيا ثمانين عاماً ، فما جفت عينا يعقوب ، وما على الأرض أحد أكرم على الله من يعقوب .
وقال آخرون : كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ،عن ابن إسحاق قال : ذكر لي ، والله أعلم ، أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة . قال : وأهل : الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها ، وأن يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ، ثم قبضه الله إليه .
وقوله : "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو" ‌، يقول جل ثناؤه ، مخبراً عن قيل يوسف : وقد أحسن الله بي في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوساً ، وفي مجيئه بكم من البدو . وذلك أن مسكن يعقوب وولده ، فيما ذكر ، كان ببادية فلسطين ،كذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : كان منزل يعقوب وولده ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم ، بالعربات أرض فلسطين ، ثغور الشأم . وبعض يقول : بالأولاج من ناحية الشعب . وكان صاحب بادية ، له إبل وشاء .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو قال ، أخبرنا شيخ لنا : أن يعقوب كان ببادية فلسطين .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عنقتادة : "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو" ، وكان يعقوب وبنوه بأرض كنعان ، أهل مواش وبرية .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "وجاء بكم من البدو" ، قال : كانوا أهل بادية وماشية .
و البدو ، مصدر من قول القائل : بدا فلان ، إذا صار بالبادية ، يبدو بدوا .
وذكر أن يعقوب دخل مصر وهو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يوم دخلوها ، وهم أقل من مئة .
وخرجوا منها يوم خرجوا منها ،وهم زيادة على ستمئة ألف .
ذكر الرواية بذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن الحباب ، وعمرو بن محمد ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شداد قال : اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنساناً ، صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم . وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون ، وهم ستمئة ألف ونيف .
قال ، حدثنا عمرو ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : خرج أهل يوسف من مصر وهم ستمئة ألف وسبعون ألفاً ، فقال فرعون : ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون ( .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن إسرائيل ، والمسعودي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود قال : دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاثة وستون إنساناً . وخرجوا منها وهم ستمئة ألف ، قال إسرائيل في حديثه : ستمئة ألف وسبعون ألفاً .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق قال : دخل أهل يوسف مصر وهم ثلثمئة وتسعون من بين رجل وامرأة .
وقوله : "من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي" ، يعني :من بعد أن أفسد ما بيني وبينهم ، وجهل بعضنا على بعض .
يقال منه : نزغ الشيطان بين فلان وفلان ، ينزغ نزغاً ونزوغاً .
وقوله : "إن ربي لطيف لما يشاء" ، يقول : إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء ، ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن ، وجاء بأهلي من البدو ، بعد الذي كان بيني وبينهم من بعد الدار ، وبعد ما كنت فيه من العبودة والرق الإسار ، كالذي :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "إن ربي لطيف لما يشاء" ، لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن ، وجاء بأهله من البدو ، ونزع من قلبه نزغ الشيطان ، وتحريشه على إخوته .
وقوله : "إنه هو العليم" ، بمصالح خلقه وغير ذلك ، لا يخفى عليه مبادي الأمور وعواقبها ، "الحكيم" ، في تدبيره .
‌‌‌‌
قوله تعالى: " ورفع أبويه على العرش " قال قتادة: يريد السرير، وقد تقدمت محامله، وقد يعبر بالعرش عن الملك والملك نفسه، ومنه قول النابغة الذبياني :
عروش تفانوا بعد عز وأمنة
وقد تقدم.
قوله تعالى: " وخروا له سجدا ".
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " وخروا له سجدا " الهاء في ( خروا له) قيل: إنها تعود على الله تعالى، المعنى: وخروا شكراً لله سجداً، ويوسف كالقبلة لتحقيق رؤياه، وروي عن الحسن، قال النقاش: وهذا خطأ، والهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أول السورة: ( رأيتهم لي ساجدين). وكان تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف، والصغير للكبير، سجد يعقوب وخالته وإخوته ليوسف عليه السلام، فاقشعر جلده وقال: ( هذا تأويل رؤياي من قبل) وكان بين رؤيا يوسف وبين تأويلها اثنتان وعشرون سنة. وقال سلمان الفارسي وعبد الله بن شداد: أربعون سنة، قال عبد الله بن شداد: وذلك آخر ما تبطيء الرؤيا. وقال قتادة: خمس وثلاثون سنة. وقال السدي وسعيد بن جبير وعكرمة: ست وثلاثون سنة. وقال الحسن وجسر بن فرقد وفضيل بن عياض: ثمانون سنة. وقال وهب بن منبه: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد أن ألتقى بأبيه ثلاثاً وعشرين سنة، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة. وفي التوراة مائة وست وعشرون سنة. وولد ليوسف من امرأة العزيز إفراثيم ومنشا ورحمة امرأة أيوب. وبين يوسف وموسى أربعمائة سنة. وقيل: إن يعقوب بقي عند يوسف عشرين سنة، ثم توفي صلى الله عليه وسلم. وقيل: أقام عنده ثماني عشرة سنة. وقال بعض المحدثين: بضعاً وأربعين سنة، وكان بين يعقوب ويوسف ثلاث وثلاثون سنة حتى جمعهم الله. وقال ابن إسحق: ثماني عشرة سنة، والله أعلم.
الثانية: قال سعيد بن جبير عن قتادة عن الحسن - في قوله: ( وخروا له سجدا) - قال: لم يكن سجوداً، لكنه سنة كانت فيهم، يومئون برؤوسهم إيماء، كذلك كانت تحيتهم. وقال الثوري و الضحاك وغيرهما: كان سجوداً كالسجود المعهود عندنا، وهو كان تحيتهم. وقيل: كان انحناء كالركوع، ولم يكن خروراً على الأرض، وهكذا كان سلامهم بالتكفي والانحناء، وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا، وجعل الكلام بدلاً عن الانحناء. وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان فإنما كان تحية لا عبادة، قال قتادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة.
قلت: هذا الانحناء والتكفي الذي نسخ عنا قد صار عادة بالديار المصرية، وعند العجم، وكذلك قيام بعضهم إلى بعض، حتى أن أحدهم إذا لم يقم له وجد في نفسه كأنه لا يؤبه به، وأنه لا قدر له، وكذلك إذا التقوا انحنى بعضهم لبعض، عادة مستمرة، ووراثة مستقرة لا سيما عند التقاء الأمراء والرؤساء. نكبوا عن السنن، وأعرضوا عن السنن. و"روى أنس بن مالك قال: قلنا يا رسول الله! أينحني بعضنا إلى بعض إذا التقينا؟ قال: لا، قلنا: أفيعتنق بعضنا بعضاً؟ قال لا. قلنا: أفيصافح بعضنا بعضاً؟ قال نعم". خرجه أبو عمر في التمهيد فإن قيل: فقد" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم وخيركم " - يعني سعد بن معاذ - قلنا: ذلك مخصوص بسعد لما تقتضيه الحال المعينة، وقد قيل: إنما كان قيامهم لينزلوه عن الحمار، وأيضاً فإنه يجوز للرجل الكبير إذا لم يؤثر ذلك في نفسه، فإن أثر فيه وأعجب به ورأى لنفسه حظاً لم يجز عونه على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار ". وجاء عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أنه لم يكن وجه أكرم عليهم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يقومون له إذا رأوه، لما يعرفون من كراهته لذلك.
الثالث: فإن قيل: فما تقول في الإشارة بالإصبع؟ قيل له: ذلك جائز إذا بعد عنك، لتعين له به وقت السلام، فإن كان دانياً فلا، وقد قيل بالمنع في القرب والبعد، لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تشبه بغيرنا فليس منا ". وقال: " لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى فإن تسليم اليهود بالأكف والنصارى بالإشارة ". وإذا سلم فإنه لا ينحني، ولا أن يقبل مع السلام يده، ولأن الانحناء على معنى التواضع لا ينبغي إلا لله. وأما تقبيل اليد فإنه من فعل الأعاجم، ولا يتبعون على أفعالهم التي أحدثوها تعظيماً منهم لكبرائهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوموا عند رأسي كما تقوم الأعاجم عند رؤوس أكاسرتها " فهذا مثله. ولا بأس بالمصافحة، فقد صافح النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب حين قدم من الحبشة، وأمر بها، وندب إليها، وقال: " تصافحوا يذهب الغل " وروى غالب التمار عن الشعبي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا التقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، فإن قيل: فقد كره مالك المصافحة؟ قلنا: روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانفة، وذهب إلى هذا سحنون وغيره من أصحابنا، وقد روي عن مالك خلاف ذلك من جواز المصافحة، وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ ، وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف. قال ابن العربي : إنما كره مالك المصافحة لأنه لم يرها أمراً عاماً في الدين، ولا منقولاً نقل السلام، ولو كانت منه لاستوى معه.
قلت: قد جاء في المصافحة حديث يدل على الترغيب فيها، والدأب عليها والمحافظة، وهو ما رواه البراء بن عازب قال: " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقلت: يا رسول الله! إن كنت لأحسب أن المصافحة للأعاجم؟ فقال: ( نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودةً بينهما ونصيحةً إلا ألقيت ذنوبهما بينهما ".
قوله تعالى: " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن " ولم يقل من الجب استعمالاً للكرم، لئلا يذكر إخوته صنيعهم بعد عفوه عنهم بقوله: ( لا تثريب عليكم).
قلت: وهذا هو الأصل عند مشايخ الصوفية: ذكر الجفا في وقت الصفا جفا، وهو قول صحيح دل عليه الكتاب. وقيل: لأن في دخوله السجن كان باختياره بقوله: ( رب السجن أحب إلي مما يدعونيي إليه) وكان في الجب بإرادة الله تعالى له. وقيل: لأنه كان في السجن مع اللصوص والعصاة، وفي الجب مع الله تعالى، وأيضاً فإن المنة في النجاة من السجن كانت أكبر، لأنه دخله بسبب أمر هم به، وأيضاً دخلهباختياره إذ قال: ( رب السجن أحب إلي) فكان الكرب فيه أكثر، وقال فيه أيضاً: ( اذكرني عند ربك) فعوقب فيه. " وجاء بكم من البدو " يروى أن مسكن يعقوب كان بأرض كنعان، وكانوا أهل مواش وبرية، وقيل: كان يعقوب تحول إلى بادية وسكنها، وأن الله لم يبعث نبياً من أهل البادية. وقيل: إنه كان خرج إلى بدا، وهو موضع، وإياه عنى جميل بقوله:
وأنت التي حببت شغباً إلى بدا إلي وأوطأني بلاد سواهما
وليعقوب بهذا الموضع مسجد تحت جبل. يقال: بدا القوم بدواً إذا أتوا بدا، كما يقال: غاروا غوراً أي أتوا الغور، والمعنى: وجاء بكم من مكان بدا، ذكره القشيري ، وحكاه الماوردي عن الضحاك عن ابن عباس. " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي " بإيقاع الحسد، قاله ابن عباس. وقيل: أفسد ما بيني وبين إخوتي، أحال ذنبهم على الشيطان تكرماً منه. " إن ربي لطيف لما يشاء " أي رفيق بعباده. وقال الخطابي : اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون، كقوله: " الله لطيف بعباده يرزق من يشاء " ( الشورى: 19). وقيل: اللطيف العالم بدقائق الأمور، والمراد هنا الإكرام والرفق. قال قتادة، لطف بيوسف بإخراجه من السجن، وجاءه بأهله من البدو، ونزع عن قلبه نزغ الشيطان. ويروى أن يعقوب لما قدم بأهله وولده وشارف أرض مصر وبلغ ذلك يوسف استأذن فرعون - واسمه الريان - أن يأذن له في تلقي أبيه يعقوب، وأخبره بقدومه فأذن له، وأمر الملا من أصحابه بالركوب معه، فخرج يوسف والملك معه في أربعة الآف من الأمراء مع كل أمير خلق الله أعلم به، وركب أهل مصر معهم يتلقون يعقوب، فكان يعقوب يمشيء متكئاً على يد يهوذا، فنظر يعقوب إلى الخيل والناس والعساكر فقال: يا يهوذا! هذا فرعون مصر؟ قال: لا، بل هذا ابنك يوسف، فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف ليبدأه بالسلام. فمنع من ذلك، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل، فابتدأ يعقوب بالسلام فقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان، وبكى وبكى معه يوسف، فبكى يعقوب فرحاً، وبكى يوسف لما رأى بأبيه من الحزن، قال ابن عباس: فالبكاء أربعة. بكاء من الخوف. وبكاء من الجزع، وبكاء من الفرح، وبكاء رياء. ثم قال يعقوب: الحمد لله الذي أقر عيني بعد الهموم والأحزان، ودخل مصر في اثنين وثمانين من أهل بيته، فلم يخرجوا من مصر حتى يبلغوا ستمائة ألف ونيف ألف، وقطعوا البحر مع موسى عليه السلام، رواه عكرمة عن ابن عباس. وحكى ابن مسعود أنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون إنساناً ما بين رجل وامرأة، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا. وقال الربيع بين خيثم: دخلوها وهم اثنان وسبعون ألفاً، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف. وقال وهب: بن منبه دخل يعقوب وولده مصر وهم تسعون إنساناً ما بين رجل وامرأة وصغير، وخرجوا منها مع موسى فراراً من فرعون، وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلاً مقاتلين، سوى الذرية والهرمى والزمنى، وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف سوى المقاتلة. وقال أهل التاريخ: أقام يعقوب بمصر أربعاً وعشرين سنة في أغبط حال ونعمة، ومات بمصر، وأوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحق بالشام ففعل، ثم انصرف إلى مصر. قال سعيد بن جبير: نقل يعقوب صلى الله عليه وسلم في تابوت من ساج إلى بيت المقدس، ووافق ذلك يوم مات عيصو، فدفنا في قبر واحد، فمن ثم تنقل اليهود وموتاهم إلى بيت المقدس، من فعل ذلك منهم، وولد يعقوب وعيصو في بطن واحد، ودفنا في قبر واحد وكان عمرهما جميعاً مائة وسبعاً وأربعين سنة.
يخبر تعالى عن ورود يعقوب عليه السلام على يوسف عليه السلام, وقدومه بلاد مصر, لما كان يوسف قد تقدم لإخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين, فتحملوا عن آخرهم, وترحلوا من بلاد كنعان قاصدين بلاد مصر, فلما أخبر يوسف عليه السلام باقترابهم, خرج لتلقيهم وأمر الملك أمراءه وأكابر الناس بالخروج مع يوسف لتلقي نبي الله يعقوب عليه السلام, ويقال: إن الملك خرج أيضاً لتلقيه, وهو الأشبه, وقد أشكل قوله: " آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر " على كثير من المفسرين, فقال بعضهم: هذا من المقدم والمؤخر, ومعنى الكلام " وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " وآوى إليه أبويه ورفعهما على العرش, ورد ابن جرير هذا, وأجاد في ذلك, ثم اختار ما حكاه عن السدي أن يوسف آوى إليه أبويه لما تلقاهما, ثم لما وصلوا باب البلد قال: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" وفي هذا نظر أيضا, لأن الإيواء إنما يكون في المنزل, كقوله " آوى إليه أخاه " وفي الحديث "من آوى محدثاً" وما المانع أن يكون قال لهم بعدما دخلوا عليه وآواهم إليه: ادخلوا مصر, وضمنه اسكنوا مصر إن شاء الله آمنين, أي مما كنتم فيه من الجهد والقحط, ويقال ـ والله أعلم ـ إن الله تعالى رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب عليهم, كما رفع بقية السنين التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة حين قال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" ثم لما تضرعوا إليه واستشفعوا لديه, وأرسلوا أبا سفيان في ذلك, فدعا لهم فرفع عنهم بقية ذلك ببركة دعائه عليه السلام.
وقوله: " آوى إليه أبويه " قال السدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إنما كان أباه وخالته, وكانت أمه قد ماتت قديماً. وقال محمد بن إسحاق وابن جرير: كان أبوه وأمه يعيشان, قال ابن جرير: ولم يقم دليل على موت أمه, وظاهر القرآن يدل على حياتها, وهذا الذي نصره هو المنصور الذي يدل عليه السياق. وقوله: "ورفع أبويه على العرش" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني السرير, أي أجلسهما معه على سريره, "وخروا له سجداً" أي سجد له أبواه وإخوته الباقون. وكانوا أحد عشر رجلاً, "وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل" أي التي كان قصها على أبيه من قبل, "إني رأيت أحد عشر كوكباً" الاية, وقد كان هذا سائغاً في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له, ولم يزل هذا جائزاً من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام, فحرم هذا في هذه الملة, وجعل السجود مختصاً بجناب الرب سبحانه وتعالى, هذا مضمون قول قتادة وغيره.
وفي الحديث أن معاذاً قدم الشام فوجدهم يسجدون لأساقفتهم, فلما رجع سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما هذا يا معاذ ؟" فقال إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم, وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله, فقال: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد, لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها". وفي حديث آخر: أن سلمان لقي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة, وكان سلمان حديث عهد بالإسلام, فسجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تسجد لي يا سلمان, واسجد للحي الذي لا يموت", والغرض أن هذا كان جائزاً في شريعتهم, ولهذا خروا له سجداً, فعندها قال يوسف: "يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً" أي هذا ما آل إليه الأمر, فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر, كما قال تعالى: "هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله" أي يوم القيامة يأتيتهم ما وعدوا به من خير وشر.
وقوله: "قد جعلها ربي حقاً" أي صحيحة صدقاً يذكر نعم الله عليه, "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو" أي البادية. قال ابن جريج وغيره: كانوا أهل بادية وماشية, وقال: كانوا يسكنون بالعربات من أرض فلسطين من غور الشام, قال: وبعض يقول: كانوا بالأولاج من ناحية شعب أسفل من حسمى, وكانوا أصحاب بادية وشاء وإبل, " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء " أي إذا أراد أمراً قيض له أسباباً وقدره ويسره "إنه هو العليم" بمصالح عباده, "الحكيم" في أقواله وأفعاله وقضائه وقدره وما يختاره ويريده. قال أبو عثمان النهدي, عن سليمان: كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة, قال عبد الله بن شداد: وإليها ينتهي أقصى الرؤيا, رواه ابن جرير, وقال أيضاً: حدثنا عمر بن علي, حدثنا عبد الوهاب الثقفي, حدثنا هشام عن الحسن قال: كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة, لم يفارق الحزن قلبه, ودموعه تجري على خديه, وما على وجه الأرض عبد أحب إلى الله من يعقوب.
وقال هشيم, عن يونس, عن الحسن: ثلاث وثمانون سنة, وقال مبارك بن فضالة, عن الحسن: ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة, فغاب عن أبيه ثمانين سنة, وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة, فمات وله عشرون ومائة سنة, وقال قتادة: كان بينهما خمس وثلاثون سنة. وقال محمد بن إسحاق: ذكر ـ والله أعلم ـ أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة, قال: وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها, وأن يعقوب عليه السلام بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة, ثم قبضه الله إليه. وقال أبو إسحاق السبيعي, عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود, قال: دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاثة وستون إنساناً, وخرجوا منها وهم ستمائة ألف وسبعون ألفاً, وقال أبو إسحاق, عن مسروق: دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون بين رجل وامرأة, فالله أعلم. وقال موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب القرظي, عن عبد الله بن شداد: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنساناً: صغيرهم وكبيرهم, وذكرهم وأنثاهم, وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف.
100- "رفع أبويه على العرش" أي أجلسهما معه على السرير الذي يجلس عليه كما هو عادة الملوك "وخروا له سجداً" أي الأبوان والأخوة، والمعنى: أنهم خروا ليوسف سجداً، وكان ذلك جائزاً في شريعتهم منزلاً منزلة التحية، وقيل لمن يكن ذلك سجوداً بل هو مجرد إيماء، وكانت تلك تحيتهم، وهو يخالف معنى: وخروا له سجداً، فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض، وقيل الضمير في قوله له راجع إلى الله سبحانه أي وخروا لله سجداً، وهو بعيد جداً، وقيل إن الضمير ليوسف، واللام للتعليل: أي وخروا لأجله، وفيه أيضاً بعد وقال يوسف "يا أبت هذا تأويل رؤياي" يعني التي تقدم ذكرها "من قبل"أي من قبل هذا الوقت "قد جعلها ربي حقاً" بوقوع تأويلها على ما دلت عليه "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن"الأصل أن يتعدى فعل الإحسان بإلى، وقد يتعدى بالباء كما في قوله تعالى: "وبالوالدين إحساناً" وقيل إنه ضمن أحسن معنى لطف بي محسناً، ولم يذكر إخراجه من الجب، لأن في ذكره نوع تثريب للإخوة، وقد قال: لا تثريب عليكم، وقد تقدم سبب سجنه ومدة بقائه فيه، وقد قيل إن وجه عدم ذكر إخراجه من الجب أن المنة كانت في إخراجه من السجن أكبر من المنة في إخراجه من الجب، وفيه نظر "وجاء بكم من البدو" أي البادية، وهي أرض كنعان بالشام، وكانوا أهل مواش وبرية، وقيل إن الله لم يبعث نبياً من البادية، وأن المكان الذي كان فيه يعقوب يقال له بداً، وإياه عنى جميل بقوله:
وأنت الذي حببت شعباً إلى بدا إلي وأوطاني بلاد سواهما
وفيه نظر " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي " أي أفسد بيننا وحمل بعضنا على بعض، يقال نزغه إذا نخسه، فأصله من نخس الدابة ليقوى مشيها، وأحال يوسف ذنب إخوته على الشيطان تكرماً منه وتأدباً "إن ربي لطيف لما يشاء" اللطيف الرفيق، قال الأزهري: اللطيف من أسماء الله تعالى معناه الرفيق بعباده، يقال لطف فلان بفلان يلطف: إذا رفق به، وقال عمرو بن أبي عمرو: اللطيف الذي يوصل إليك أربك في لطف. قال الخطابي اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون وقيل اللطيف العالم بدقائق الأمور، ومعنى لما يشاء:لأجل ما يشاء حتى يجيء على وجه الصواب " إنه هو العليم الحكيم " أي العليم بالأمور الحكيم في أفعاله. ولما أتم الله نعمته على يوسف عليه السلام بما خلصه منه من المحن العظيمة وبما خوله من الملك وعلمه من العلم، تاقت نفسه إلى الخير الأخروي الدائم الذي لا ينقطع.
100-"ورفع أبويه على العرش"، أي: على السرير، أجلسهما. والرفع: هو النقل إلى العلو. "وخروا له سجداً"، يعني: يعقوب وخالته وإخوته.
وكانت تحية الناس يومئذ السجود، ولم يرد بالسجود وضع الجباه على الأرض، وإنما هو الانحناء والتواضع.
وقيل: وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحية والتعظيم، لا على طريق العبادة. وكان ذلك جائزا في الأمم السالفة فنسخ في هذه الشريعة.
وروي عن ابن عباس أنه قال: معناه: خروا لله عز وجل سجدا بين يدي يوسف. والأول أصح.
"وقال"، يوسف عند ذلك: "يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً"، وهو قوله: "إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين".
"وقد أحسن بي"، ربي، أي: أنعم علي، "إذ أخرجني من السجن"، ولم يقل من الجب مع كونه أشد بلاء من السجن، استعمالا للكرم، لكيلا يخجل إخوته بعدما قال لهم: " لا تثريب عليكم اليوم "، ولأن نعمة الله عليه في إخراجه من السجن أعظم، لأنه بعد الخروج من الجب صار إلى العبودية والرق، وبعد الخروج من السجن صار إلى الملك، ولأنو وقوعه في البئر كان لحسد إخوته، وفي السجن مكافأة من الله تعالى لزلة كانت منه.
"وجاء بكم من البدو"، والبدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بماشيتهم، وكانوا أهل بادية ومواشي، يقال بدا يبدو إذا صار إلى البادية. "من بعد أن نزغ" أفسد، " الشيطان بيني وبين إخوتي "، بالحسد.
"إن ربي لطيف"، أي: ذو لطف، "لما يشاء"، وقيل: معناه بمن يشاء.
وحقيقة اللطيف: الذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق "إنه هو العليم الحكيم".
قال أهل التاريخ: أقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة في أغبط حال وأهنأ عيش، ثم مات بمصر، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق، ففعل يوسف ذلك، ومضى به حتى دفنه بالشام، ثم انصرف إلى مصر.
قال سعيد بن جبير: نقل يعقوب عليه السلام في تابوت من ساج إلى بيت المقدس، فوافق ذلك اليوم الذي مات فيه العيص فدفنا في قبر واحد، وكانا ولدا في بطن واحد، وكان عمرهما مائة وسبعا وأربعين سنة.
100."ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً"تحية تكرمة له فإن السجود كان عندهم يجري مجراها . وقيل معناه خروا لأجله سجداً لله شكراً . وقيل الضمير لله تعالى و الواو لأبويه وإخوته والرفع مؤخر عن الخرور وإن قدم لفظاً للاهتمام بتعظيمه لهما."وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل" التي رأيتها أيام الصبا ."قد جعلها ربي حقاً"صدقاً"وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن"ولم يذكر الجب لئلا يكون تثريباً عليهم ."وجاء بكم من البدو"من البادي لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو."من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي "أفسد بيننا وحرش ،من نزغ الرائض الدابة إذا نخسها وحملها على الجري."إن ربي لطيف لما يشاء"لطيف التدبير له إذا ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته و يتسهل دونها."إنه هو العليم "بوجود المصالح والتدابير."الحكيم"الذي يفعل كل شيء في وقته وعلى وجه يقتضي الحكمة . روي: أن يوسف طاف بأبيه عليهما الصلاة والسلام خزائنه فلما ادخله خزانة القراطيس قال : يا بني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلي على ثمان مراحل قال: أمرني جبريل عليه السلام قال: أو ما تسأله قال: أنت أبسط مني إليه فاسأله فقال: جبريل : الله أمرني بذلك .لقولك:"وأخاف أن يأكله الذئب"قال فهلا خفتني.
100. And he placed his parents on the dais and they fell down before him prostrate, and he said: O my father! This is the interpretation of my dream of old. My Lord hath made it true, and He hath shown me kindness, since He took me out of the prison and hath brought you from the desert after Satan had made strife between me and my brethren. Lo! my Lord is tender unto whom He will. He is the Knower, the Wise.
100 - And he raised his parents high on the throne (of dignity), and they fell down in prostration, (all) before him. he said: O my father this is the fulfillment of my vision of old God hath made it come true he was indeed good to me when he took me out of prison and brought you (all here) out of the desert, (even) after Satan had sown enmity between me and my brothers. verily my Lord understandeth best the mysteries of all that he planneth to do. for verily he is full of knowledge and wisdom.