[المسد : 1] تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
1 - (تبت) خسرت (يدا أبي لهب) أي جملته وعبر عنها باليدين مجاز لأن أكثر الأفعال تزاول بهما وهذه الجملة دعاء (وتب) خسر هو وهذه خبر كقولهم أهلكه الله وقد هلك ، ولما خوفه النبي بالعذاب فقال إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي منه بمالي وولدي نزل
أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فنادى يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش قال أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك إلهذا جمعتنا فأنزل الله تبت يدا أبي لهب وتب إلى آخرها
ك وأخرج ابن جرير من طريق إسرائيل عن ابن إسحق عن رجل من همدان يقال له يزيد بن زيد أن امراة أبي ليست كانت تلقي في طريق النبي صلى الله عليه وسلم الشوك فنزلت تبت يدا أبي لهب إلى وامرأته حمالة الحطب ك وأخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله
يقول تعالى ذكره : خسرت يدا أبي لهب ، وخسر هو .وإنما عني بقوله " تبت يدا أبي لهب " تب عمله . وكان بعض أهل العربية يقول : قوله " تبت يدا أبي لهب " : دعاء عليه من الله .
وأما قوله " وتب " فإنه خبر . ويذكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( تبت يدا أبي لهب وقد تب ) وفي دخول ( وقد ) فيه دلالة على أنه خبر ، ويمثل ذلك بقول القائل لآخر : أهلكت الله وقد أهلكك ، وجعلك صالحاً وقد جعلك .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : " تبت يدا أبي لهب "قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال :ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " تبت يدا أبي لهب " : أي خسرت وتب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول : " تبت يدا أبي لهب " قال : التب : الخسران ، قال :قال أبو لهب للنبي صلى الله عليه وسلم ماذا أعطى يا محمد إن آمنت بك ؟ قال : كما يعطى المسلمون ، فقال : ما لي عليهم فضل ؟ قال : وأي ششيء تبتغي ؟قال : تباً لهذا من دين تباً ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء فأنزل الله " تبت يدا أبي لهب " يقول : بما عملت أيديهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ،قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " تبت يدا أبي لهب " قال : خسرت يدا أبي لهب وخسر .
وقيل : إن هذه السورة نزلت في أبي لهب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خص بالدعوة عشيرته ، إذا نزل عليه " وأنذر عشيرتك الأقربين " [ الشعراء : 214] وجمعهم للدعاء ، قال له أبو لهب : تباً لك سائر اليو ، ألهذا دعوتنا ؟
ذكر الأخبار الواردة بذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعشى ، عن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا ، فقال : يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : ما لك ؟ قال : أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أما كنتم تصدقونني ؟ قالوا : بلى قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تباً لك ، ألهذا دعوتنا وجمعتنا فأنزل الله " تبت يدا أبي لهب " إلى آخرها " .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : " لا نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " [ الشعراء : 214] قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا ثم نادى : يا صباحاه فاجتمع الناس إليه ، فبين رجل يجيء ، وبين آخر يبعث رسوله ، فقال : يا بني هاشم ، يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر ، يا بني ... يا بني أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيراً بسفح هذا الجبل ( يريد تغير عليكم ) صدقتموني ؟ قالوا : نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : بتاً لك سائر اليوم ، ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت " تبت يدا أبي لهب "" .
حدثنا أبو كريب ، قال :ثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، عن عرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " [ الشعراء : 214] ورهطك منهم المخلصين ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه فقالوا : من هذا الذي يهتف ، فقالوا: محمد ، فاجتمعوا إليه ، فقال : يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني عبد المطلب ، يا بني عبد مناف فاجتمعوا إليه ، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما حربنا عليك كذباً ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة ( تبت يدا ابي لهب وقد تب ) كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان في قوله " تبت يدا أبي لهب " قال : حين أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه وإلى غيره وكان أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان اسمه عبد العزى فذكرهم ، فقال أبو لهب : تباً لك ، في هذا أرسلت إلينا ؟ فأنزل الله " تبت يدا أبي لهب ".

وهي مكية باجماع . وهي خمس آيات
فيه ثلاث مسائل :
قوله تعالى " تبت يدا أبي لهب " في الصحيحين وغيرهما _ واللفظ لـ " مسلم " - عن ابن عباس قال:
"لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين "ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا , فهتف : يا صباحاه ! فقالو : من هذا الذي يهتف ؟ قالو : محمد . فاجتمعو ا اليه . فقال : (( يابني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني مناف، يا بني عبد المطلب!) فاجتمعوا إليه. فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً. قال(فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك!، أما جمعتنا إلا لهذا! ثم قام، فنزلت هذه السورة " تبت يدا أبي لهب وتب"" كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة. زاد الحميدي وغيره: فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وفي يدها فهر من حجارة، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلىالله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر. فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، والله إني لشاعرة:
مذمما عصينا وأمرأة ابينا ودينه قلينا
ثم انصرفت. فقال ابو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ قال:(ما رأتني، لقد أخذ الله بصرها عني). وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمماً، يسبونه، وكان يقول: (إلا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش، يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد). وقيل: إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا أعطى إن امنت بك يا محمد؟ فقال: (كما يعطى المسلمون) قال ما لي عليهم فضل؟! قال: (وأي شيء تبغي؟) قال : تبا لهذا من دين، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله تعالى فيه:" تبت يدا أبي لهب" وقول ثالث حكاه عبدالرحمن بن كيسان قال: كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفد انطلق إليهم ابو لهب، فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون له: أنت أعلم به منا. فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر. فيرجعون عنه ولايلقونه. فأتى وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لاننصرف حتى نراه، ونسمع كلامه. فقال لهم أبو لهب: إنا لم نزل نعالجه فتبا له وتعساً. فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتأب لذلك، فأنزل الله تعالى" تبت يدا أبي لهب" ...) السورة. وقيل: إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بحجر، فمنعه الله من ذلك، وأنزل الله تعالى: " تبت يدا أبي لهب وتب" للمنع الذي وقع به. ومعنى(تبت) خسرت، قاله قتادة. وقيل: خابت، قاله ابن عباس. وقيل : ضلت، قاله عطاء. وقيل: هلكت، قاله ابن جبير. وقال يمان بن رئاب: صفرت من كل خبر. حكى الأصمعي عن ابي عمرو بن العلاء انه لما قتل عثمان رحمه الله سمع الناس هاتفاً يقول:
لقد خلوك وانصرفوا فما ابوا ولا رجعوا
ولم يوفوا بنذرهم فيا تبا لما صنعوا
وخص اليدين بالتباب، لأن العمل اكثر ما يكون بهما، أي خسرتا وخسر هو. وقيل: المراد باليدين نفسه. وقد يعبر عن النفس باليد. كما قال الله تعالى:" بما قدمت يداك" [الحج:10] أي نفسك. وهذا مهيع كلام العرب، تعبر ببعض الشيء عن كله، تقول: أصابته يد الدهر، ويد الرزايا والمنايا، أي اصابه كل ذلك. قال الشاعر:
لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مجير
"وتب" قال الفراء: التب الأول : دعاء والثاني خبر، كما يقال: أهلكه الله وقد هلك. وفي قراءة عبد الله وأبي (وقد تب) وأبو لهب اسمه عبدالعزى، وهو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته العوراء ام جميل، اخت أبي سفيان بن حرب، وكلاهما، كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم. قال طارق بن عبدالله المحاربي:
إني بسوق ذي المجاز، إذ أنا بإنسان يقول:(يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) وإذا رجل خلفه يرميه، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول: يا أيها الناس، إنه كذاب فلا تصدقوه. فقلت: من هذا؟ فقالوا: محمد، زعم أنه نبي. وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب. وروى عطاء عن ابن عباس قال: قال أبو لهب: سحركم محمد! أن أحدنا ليأكل الجذعة، ويشرب العس من اللبن فلا يشبع، وإن محمداً قد أشبعكم من فخذ شاة، وأرواكم من عس لبن.
الثانية: قوله تعالى:" أبي لهب" قيل: سمي باللهب لحسنه، وإشراق وجهه. وقد ظن قوم أن في هذا دليلاً على تكنية المشرك، وهو باطل، وإنما كناه الله بأبي لهب- عند العلماء- لمعان أربعة: الأول : أنه كان سمع عبد العزى، والعزى: صنم، ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم. الثاني : أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه، فصرح بها. الثالث: أن الاسم أشرف من الكنبة، فحطه الله عز وجل عن الأشرف إلى الأنقص، إذا لم يكن بد من الإخبار عنه، ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم، ولم يكن عن احد منهم. ويدلك على شرف الاسم على الكنية: ان الله تعالى يسمى ولا يكنى، وإن كان ذلك لظهوره وبيانه، واستحالة نسبة الكنية إليه، لتقدسه عنها. الرابع: أن الله تعالى أراد ان يحقق نسبته، بأن يدخله النار، فيكون أبا لها، تحقيقاً للنسب، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه. وقد قيل: اسمه كنيته. فكان أهله يسمونه (ابا لهب) لتلهب وجهه وحسنة، فصرفهم الله عن أن يقولوا: ابو النور، وأبو الضياء، الذي هو المشترك بين المحبوب المكروه، وأجرى على ألسنتهم ان يضيفوه إلى (لهب) الذي هو مخصوص بالمكروه والمذموم، وهو النار ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقره. وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن. (أبي لهب) بإسكان الهاء. ولم يختلفوا في (ذات لهب) أنها مفتوحة، لأنهم راعوا فيها رؤوس الآي.
الثالثة: قال ابن عباس: لما خلق الله عز وجل القلم قال له: اكتب ما هو كائن، وكان فيما كتب" تبت يدا أبي لهب" وقال منصور: سئل الحسن عن قوله تعالى: " تبت يدا أبي لهب" هل كان في أم الكتاب؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلي النار؟ فقال: والله ما كان يستطيع ألا يصلاها، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق ابو لهب وأبواه. ويؤيده قول موسى لآدم:
أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسكنك جنته، وأسجد لك ملائكته، خيبت الناس، وأخرجتهم من الجنة. قال آدم:وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه، وأعطاك التوراة، تلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلق الله السموات والأرض. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فحج آدم موسى)، وقد تقدم هذا. وفي حديث همام عن ابي هريرة أن آدم لموسى:
(بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني)؟ قال:(بألفي عام) قال: (فهل وجدت فيها: وعصى آدم ربه فغوى). قال : (نعم) قال: (أفتلومني على أمر وكتب الله علي أن أفعله من قبل أن أخلق بألفي عام)فحج آدم موسى. وفي حديث طاووس وابن هرمز والأعرج عن أبي هريرة :(بأربعين عاما).
تفسير سورة المسد
بسم الله الرحمـن الرحيم
قال البخاري : حدثنا محمد بن سلام , حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ ـ قالوا: نعم, قال: ـ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا ؟ تباً لك فأنزل الله: "تبت يدا أبي لهب وتب" إلى آخرها وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله: "تبت يدا أبي لهب وتب" الأول دعاء عليه والثاني خبر عنه " , فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, واسمه عبد العزى بن عبد المطلب, وكنيته أبو عتيبة وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه, وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له والازدراء به والتنقص له ولدينه.
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس , حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل وكان جاهلياً فأسلم قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا والناس مجتمعون عليه ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابىء كاذب, يتبعه حيث ذهب, فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب " , ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه فذكره قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيراً ؟ قال: لا والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة, تفرد به أحمد .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول: " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة, يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم. على القبيلة فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به وإذا فرغ من مقالته قال الاخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى, وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة, فلا تسمعوا له ولا تتبعوه, فقلت لأبي: من هذا ؟ قال: عمه أبو لهب " , رواه أحمد أيضاً و الطبراني بهذا اللفظ, فقوله تعالى: "تبت يدا أبي لهب" أي خسر وخاب وضل عمله وسعيه "وتب" أي وقد تب تحقق خسارته وهلاكه.
وقوله تعالى: "ما أغنى عنه ماله وما كسب" قال ابن عباس وغيره "وما كسب" يعني ولده, وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله, وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان, قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي فأنزل الله تعالى "ما أغنى عنه ماله وما كسب" وقوله تعالى: "سيصلى ناراً ذات لهب" أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد "وامرأته حمالة الحطب" وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل, واسمها أروى بنت حرب بن أمية, وهي أخت أبي سفيان وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده. فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم, ولهذا قال تعالى: " حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد " يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه, وهي مهيأة لذلك مستعدة له "في جيدها حبل من مسد" قال مجاهد وعروة : من مسد النار, وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي "حمالة الحطب" كانت تمشي بالنميمة واختاره ابن جرير .
وقال العوفي عن ابن عباس وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير : كانت تعيرالنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر, وكانت تحتطب فعيرت بذلك, كذا حكاه ولم يعزه إلى أحد, والصحيح الأول والله أعلم. قال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد يعني فأعقبها الله بها حبلاً في جيدها من مسد النار. وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال: المسد الليف, وقال عروة بن الزبير : المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً, وعن الثوري : هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً, وقال الجوهري : المسد الليف, والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها, ومسدت الحبل أمسده مسداً إذا أجدت فتله.
قال مجاهد "في جيدها حبل من مسد" أي طوق من حديد, ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً ؟ وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي , حدثنا سفيان حدثنا الوليد بن كثير عن أبي بدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب, ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد, ومعه أبو بكر , فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به " كما قال تعالى: " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا " فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني, فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك, فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها قال: وقال الوليد في حديثه أو غيره: فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت فقالت: تعس مذمم, فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب: إني لحصان فما أكلم, وثقاف فما أعلم, وكلتانا من بني العم, وقريش بعد أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا: حدثنا أبو أحمد , حدثنا عبد السلام بن حرب , عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر , فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيحال بيني وبينها " فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر هجانا صاحبك, فقال أبو بكر , لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به, فقالت: إنك لمصدق, فلما ولت قال أبو بكر : ما رأتك ؟ قال: "لا , ما زال ملك يسترني حتى ولت" ثم قال البزار : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: "في جيدها حبل من مسد" أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها, ثم كذلك دائماً, قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير, وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو, كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: كل مسد رشاء, وأنشد في ذلك:
وبكرة ومحوراً صراراً ومسداً من أبق مغاراً
قال: والأبق القنب. وقال الاخر:
يامسد الخوص تعوذ مني إن تك لدناً ليناً فإني
ماشئت من أشمط مقسئن
قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة, فإنه منذ نزل قوله تعالى: " سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد " فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً, لا مسراً ولا معلناً, فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة, آخر تفسير السورة, ولله الحمد والمنة.
هي خمس آيات
وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة قالوا: نزلت "تبت يدا أبي لهب" بمكة.
معنى 1- "تبت" هلكت. وقال مقاتل: خسرت، وقيل خابت. وقال عطاء: ضلت. وقيل صفرت من كل خير، وخص اليدين بالتباب، لأن أكثر العمل يكون بهما. وقيل المراد باليدين نفسه، وقد يعبر باليد عن النفس، كما في قوله: "بما قدمت يداك" أي نفسك، والعرب تعبر كثيراً ببعض الشيء عن كله، كقولهم: أصابته بيد الدهر، وأصابته يد المنايا، كما في قول الشاعر:
لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مخبر
وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم، وقوله: "وتب" أي هلك. قال الفراء: الأول دعاء عليه، والثاني خبر، كما تقول: أهلكه الله، وقد هلك. والمعنى: أنه قد وقع ما دعا به عليه ويؤيده قراءة ابن مسعود: وقد تب. وقيل كلاهما إخبار، أراد بالأول هلاك عمله، وبالثاني هلاك نفسه. وقيل كلاهما دعاء عليه، ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص، وإن كان حقيقة الدين غير مرادة، وذكره سبحانه بكنيته لاشتهاره بها، ولكون اسمه كما تقدم عبد العزى، والعزى اسم صنم، ولكون في هذه [الكنية] ما يدل على أنه ملابس للنار، لأن اللهب هي لهب النار، وإن كان إطلاق ذلك عليه في الأصل لكونه كان جميلاً، وأن وجهه يتلهب لمزيد حسنه كما تتلهب النار. قرأ الجمهور "لهب" بفتح اللام والهاء. وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن بإسكان الهاء، واتفقوا على فتح الهاء في قوله: "ذات لهب" وروى صاحب الكشاف أنه قرئ تبت يدا أبو لهب، وذكر وجه ذلك.
1- "تبت يدا أبي لهب وتب"، أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن حماد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال: يا صباحاه، قال: فاجتمعت إليه قريش، فقالوا له: مالك؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تباً لك، ألهذا دعوتنا جميعاً؟ فأنزل الله عز وجل: "تبت يدا أبي لهب وتب" إلى آخرها".
قوله: "تبت" أي: خابت وخسرت يدا أبي لهب، أي هو، أخبر عن يديه، والمراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله.
وقال: اليد صلة، كما يقال: يد الدهر ويد الرزايا والبلايا.
وقيل: المراد بها ماله وملكه، يقال: فلان قليل ذات اليد، يعنون به المال، و التباب: الخسار والهلاك.
وأبو لهب: هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم / واسمه عبد العزى. قال مقاتل: كني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه.
وقرأ ابن كثير "أبي لهب" ساكنة الهاء، وهي مثل: نهر ونهر. واتفقوا في ذات لهب أنها مفتوحة لوفاق الفواصل.
"وتب"، أبو لهب، وقرأ عبد الله: وقد تب. وقال الفراء: الأول دعاء، والثاني خبر، كما يقال: أهلكه الله، وقد فعل.
1-" تبت " هلكت أو خسرت والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك . " يدا أبي لهب " نفسه كقوله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقيل إنما خصتا لأنه عليه الصلاة والسلام "لما نزل عليه " وأنذر عشيرتك الأقربين " جمع أقاربه فأنذرهم فقال أبو لهب : تباً لك ألهذا دعوتنا ،وأخذ حجراً ليرميه به فنزلت ". وقيل المراد بهما دنياه وأخراه ،وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته ولأن اسمه عبد العزى فاستكره ذكره ، ولأنه لما كان من أصحاب النار كما قيل علي بن أبو طالب ." وتب " إخبار بعد دعاء والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه كقوله :
جزاني جزاه الله شر جزائه جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
ويدل عليه أنه قرئ وقد تب أو الأول إخبار عما كسبت يداه والثاني عن عمل نفسه .
Surah 111. Al-Lahab
1. The power of Abu Lahab will perish, and he will perish.
SURA 111: LAHAB
1 - Perish the hands of the Father of Flame! Perish he!