[هود : 95] كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
95 - (كأنْ) مخففة أي كأنهم (لم يغنوا) يقيموا (فيها ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود)
قال ابو جعفر : يقول تعالى ذكره : كأن لم يعش قوم شعيب الذين أهلكهم الله بعذابه ، حين أصبحوا جاثمين في ديارهم قبل ذلك ، ولم يغنوا .
من قولهم : غنيت بمكان كذا ، إذا أقمت به ، ومنه قول النابغة :
غنيت بذلك إذ هم لي جيرة منها بعطف رسالة وتودد
وكما :
حدثني المثنى قال ، حدثنا ابو صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "كأن لم يغنوا فيها" ، قال يقول : كأن لم يعيشوا فيها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن قتادة ، مثله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله .
وقوله : "ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود" ، يقول تعالى ذكره : ألا أبعد الله مدين من رحمته ، بإحلال نقمته بهم ، "كما بعدت ثمود" ، يقول : كما بعدت من قبلهم ثمود من رحمته ، بإنزال سخطه بهم .
" كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود " تقدم معناه. وحكى الكسائي أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ ( كما بعدت) ثمود بضم العين. قال النحاس : المعروف في اللغة إنما يقال بعد يبعد بعداً وبعداً إذا هلك. وقال المهدوي : من ضم العين من ( بعدت) فهي لغة تستعمل في الخير والشر، ومصدرها البعد، وبعدت تستعمل في الشر خاصة، يقال: بعد يبعد بعداً، فالبعد على قراءة الجماعة بمعنى اللعنة، وقد يجتمع معنى اللغتين لتقاربهما في المعنى، فيكون مما جاء مصدره على غير لفظه لتقارب المعاني.
لما يئس نبي الله شعيب من استجابتهم له قال يا قوم "اعملوا على مكانتكم" أي طريقتكم وهذا تهديد شديد "إني عامل" على طريقتي "سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب" أي مني ومنكم "وارتقبوا" أي انتظروا "إني معكم رقيب" قال الله تعالى: "ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين" وقوله جاثمين اي هامدين لا حراك بهم. وذكر ههنا أنه أتتهم صيحة, وفي الأعراف رجفة وفي الشعراء عذاب يوم الظلة وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها, وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه ففي الأعراف لما قالوا "لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا" ناسب أن يذكر الرجفة الرجفة فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها وأرادوا إخراج نبيهم منها, وههنا لما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ذكر الصيحة التي استلبثتهم وأخمدتهم, وفي الشعراء لما قالوا "فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين" قال "فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم" وهذا من الأسرار الدقيقة ولله الحمد والمنة كثيراً دائماً, وقوله: "كأن لم يغنوا فيها" أي يعيشوا في دارهم قبل ذلك "ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود" وكانوا جيرانهم قريباً منهم في الدار وشبيهاً بهم في الكفر وقطع الطريق وكانوا عرباً مثلهم.
وقد تقدم تفسيره وتفسير 95- "كأن لم يغنوا فيها" قريباً، وكذا تفسير "ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود". وحكى الكسائي أن أبا عبد الرحمن قرأ: "كما بعدت ثمود" بضم العين. قال المهدوي: من ضم العين من بعدت فهي لغة يستعمل في الخير والشر، وبعدت بالكسر على قراءة الجمهور يستعمل في الشر خاصة، وهي هنا بمعنى اللعنة.
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "إني أراكم بخير" قال: رخص السعر "وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط" قال: غلاء السعر. وأخرج ابن جرير عنه "بقية الله" قال: رزق الله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة "بقية الله خير لكم" يقول: حظكم من ربكم خير لكم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: طاعة الله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله: " أصلاتك تأمرك " قال: أقراءتك. وأخرج ابن عساكر عن الأحنف: أن شعيباً كان أكثر الأنبياء صلاة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: "أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء" قال: نهاهم عن قطع هذه الدنانير والدراهم فقالوا: إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء، إن شئنا قطعناها، وإن شئنا أحرقناها، وإن شئنا طرحناها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب نحوه. وأخرجا عن زيد بن أسلم نحوه أيضاً. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن المنذر وأبو الشيخ وعبد بن حميد عن سعيد بن المسيب نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: " إنك لأنت الحليم الرشيد " قال: يقولون إنك لست بحليم ولا رشيد. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: استهزاء به. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: "ورزقني منه رزقاً حسناً" قال: الحلال. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه" قال: يقول لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "وإليه أنيب" قال: إليه أرجع. وأخرج أبو نعيم في الحلية "عن علي قال: قال يا رسول الله أوصني، قال: قل الله ربي ثم استقم، قلت: ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، قال: ليهنك العلم أبا الحسن، لقد شرب العلم شرباً ونهلته نهلاً" وفي إسناده محمد بن يوسف الكديمي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة "لا يجرمنكم شقاقي" لا يحملنكم فراقي. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: شقاقي عداوتي. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال: لا تحملنكم عداوتي. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله: "وما قوم لوط منكم ببعيد" قال: إنما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح وثمود. وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن سعيد بن جبير "وإنا لنراك فينا ضعيفاً" قال: كان أعمى، وإنما عمي من بكائه من حب الله عز وجل. وأخرج الواحدي وابن عساكر عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بكى شعيب عليه السلام من حب الله حتى عمي". وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس في قوله: "وإنا لنراك فينا ضعيفاً" قال: كان ضرير البصر. وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح مثله. وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في قوله: "وإنا لنراك فينا ضعيفاً" قال: كان أعمى، وكان يقال له خطيب الأنبياء. وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: معناه إنما أنت واحد. وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب أنه خطب فتلا هذه الآية في شعيب "وإنا لنراك فينا ضعيفاً" قال: كان مكفوفاً، فنسبوه إلى الضعف "ولولا رهطك لرجمناك" قال علي: فوالله الذي لا إله إلا غيره ما هابوا جلال ربهم ما هابوا إلا العشيرة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال في الآية: لا تخافونه. وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: تهاونتم به.
95- "كأن لم يغنوا" أي: كأن لم يقيموا ولم يكونوا "فيها ألا بعداً"، هلاكاً، "لمدين كما بعدت"، هلكت "ثمود".
95."كأن لم يغنوا فيها"كأن لم يقيموا فيها"ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود " شبههم بهم لأن عذابهم كان أيضاً بالصيحة ، غير أن صيحتهم كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم .وقرئ "بعدت"الضم على الأصل فإن الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك ، والبعد مصدر لهما والبعد مصدر المكسور.
95. As though they had not dwelt there. A far removal for Midian, even as Thamud had been removed afar!
95 - As if they had never dwelt and flourished there Ah behold how the Madyan were removed (from sight) as were removed the Thamud