[هود : 44] وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
44 - (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) الذي نبع منك فشربته دون ما نزل من السماء أنهاراً وبحاراً (ويا سماء أقلعي) أمسكي عن المطر فأمسكت (وغيض) نقص (الماء وقضي الأمر) تم أمر هلاك قوم نوح (واستوت) وقفت السفينة (على الجودي) جبل بالجزيرة بقرب الموصل (وقيل بُعداً) هلاكاً (للقوم الظالمين) الكافرين
قال أبو جعفر : يقول الله تعالى ذكره : وقال الله للأرض ، بعد ما تناهى أمره في هلاك قوم نوح بما أهلكهم به من الغرق : "يا أرض ابلعي ماءك" ، أي :تشربي .
من قول القائل : بلع فلان كذا يبلعه ، أو : بلعه يبلعه ، إذا ازدرده .
"ويا سماء أقلعي" ، يقول : أقلعي عن المطر ، أمسكي ، "وغيض الماء" ، ذهبت به الأرض ونشفته ، "وقضي الأمر" ، يقول : قضي أمر الله ، فمضى بهلاك قوم نوح ، "واستوت على الجودي" ، يعني : الفلك ، "استوت" ، أرست ، "على الجودي" ، وهو جبل ، فيما ذكر ، بناحية الموصل أو الجزيرة ، "وقيل بعدا للقوم الظالمين" ، يقول : قال الله : أبعد الله القوم الظالمين الذين كفروا بالله من قوم نوح .
حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي قال ، حدثنا المحاربي ، عن عثمان بن مطر ، عن عبد العزيز بن عبد الغفور ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "في أول يوم من رجب ، ركب نوح السفينة ، فصام هو وجميع من معه ، وجرت بهم السفينة ستة أشهر ، فانتهى ذلك إلى المحرم ، فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء ، فصام نوح ، وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرا لله" .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : كانت السفينة أعلاها للطير ، ووسطها للناس ، وفي أسفلها السباع . وكان طولها في السماء ثلاثين ذراعاً ، ودفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر ليال مضين من رجب ، وأرست على الجودي يوم عاشوراء ، ومرت بالبيت فطافت به سبعاً ، وقد رفعه الله من الغرق ، ثم جاءت اليمن ، ثم رجعت .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي جعفر الرزاي ، عن قتادة قال : هبط نوح من السفينة يوم العاشر من المحرم ، فقال لمن معه : من كان منكم اليوم صائماً فليتم صومه ، ومن كان مفطراً فليصم .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : ما كان زمن نوح شبر من الأرض ، إلا إنسان يدعيه .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنها ـ يعني الفلك ـ استقلت بهم في عشر خلون من رجب ، فكانت في الماء خمسين ومئة يوم ، واستقرت على الجودي شهراً ، وأهبط بهم في عشر خلون من المحرم يوم عاشوراء .
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله : "وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي" ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وغيض الماء" ، قال : نقص ، "وقضي الأمر" ، قال : هلاك قوم نوح .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ،حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . قال ، قال ابن جريج : "وغيض الماء" ، نشفته الأرض .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "يا سماء أقلعي" ، يقول : أمسكي ، "وغيض الماء" ، يقول :ذهب الماء .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، وغيض الماء ، والغيوض ذهاب الماء ، "واستوت على الجودي" .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "واستوت على الجودي" ، قال : جبل بالجزيرة ، تشامخت الجبال من الغرق ، وتواضع هو لله ، فلم يغرق ، فأرسيت عليه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "واستوت على الجودي" ، قال : الجودي جبل بالجزيرة ، تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت ، وتواضع هو لله ، فلم يغرق ، وأرسيت سفينة نوح عليه .
حدثنا القاسم قال ،حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "واستوت على الجودي" ، يقول : على الجبل ، واسمه "الجودي" .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان : "واستوت على الجودي" ، قال : جبل بالجزيرة ، شمخت الجبال ، وتواضع حين أرادت أن ترفأ عليه سفينة نوح .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "واستوت على الجودي" ، ابقاها الله لنا بوادي أرض الجزيرة عبرة وآية .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول : "واستوت على الجودي" ، هو جبل بالموصل .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نوحاً بعث الغراب لينظر إلى الماء ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ، فأعطيت الطوق الذي في عنقها ، وخضاب رجليها .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما أراد الله أن يكف ذلك ـ يعني الطوفان ـ أرسل ريحاً على وجه الأرض ـ فسكن الماء ، واستدت ينابيع الأرض الغمر الأكبر وأبواب السماء . يقول الله تعالى : "وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي" إلى "بعدا للقوم الظالمين" ، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر . وكان استواء الفلك على الجودي ، فيما يزعم أهل التوارة ، في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ،في أول يوم من الشهر العاشر ، رؤي رؤوس الجبال . فلما مضى بعد ذلك أربعون يوماً ، فتح كوةً الفلك التي صنع فيها ، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء ، فلم يرجع إليه . فأرسل الحمامة ، فرجعت إليه ، ولم يجد لرجليها موضعاً ، فبسط يده للحمامة ، فأخذها . ثم مكث سبعة أيام ، ثم أرسلها لتنظر له ، فرجعت حين أمست ، وفي فيها ورق زيتونة ، فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض . ثم مكث سبعة أيام ، ثم أرسلها ، فلم ترجع ، فعلم نوح أن الأرض قد برزت . فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ، ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين ، برز وجه الأرض ، فظهر اليبس ، وكشف نوح غطاء الفلك ، ورأى وجه الأرض . وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين ، في سبع وعشرين ليلة منه ، قيل لنوح : ( اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ) .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول : تزعم ناس أن من غرق من الولدان مع آبائهم . وليس كذلك ، إنما الولدان بمنزلة الطير وسائر من أغرق الله بغير ذنب ،ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم ، والمدركون من الرجال والنساء كان الغرق عقوبة من الله لهم في الدنيا ، ثم مصيرهم إلى النار .
قوله تعالى: " وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي " هذا مجاز لأنها موات. وقيل: جعل فيها ما تميز به. والذي قال إنه مجاز قال: لو فتش كلام العرب والعجم ما وجد فيه مثل هذه الآية على حسن نظمها، وبلاغة رصفها، واشتمال المعاني فيها. وفي الأثر: إن الله تعالى لا يخلي الأرض من مطر في عام أو عامين، وأنه ما نزل من السماء ماء قط إلا بحفظ ملك موكل به إلا ما كان من ماء الطوفان، فإنه خرج منه ما لا يحفظه الملك. وذلك قوله تعالى: " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية " ( الحاقة: 11) فجرت بهم السفينة إلى أن تناهي الأمر، فأمر الله الماء المنهمر من السماء بالإمساك، وأمر الله الأرض بالابتلاع. يقال: بلع الماء يبلعه مثل منع يمنع وبلع يبلع مثل حمد ويحمد، لغتان حكاهما الكسائي والفراء. والبالوعة الموضع الذي يشرب الماء. قال ابن العربي : التقى الماءان على أمر قد قدر، ما كان في الأرض وما نزل من السماء، فأمر الله ما نزل من السماء بالإقلاع، فلم تمتص الأرض من قطرة، وأمر الأرض بابتلاع ما خرج منها فقط. وذلك قوله تعالى: " وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء " وقيل: ميز الله بين الماءين، فما كان من ماء الأرض أمرها فبلعته، وصار ماء السماء بحاراً.
قوله تعالى: " وغيض الماء " أي نقص، يقال: غاض الشيء وغضته أنا، كما يقال: نقص بنفسه ونقصه غيره، ويجوز ( غيض) بضم الغين. " وقضي الأمر " أي أحكم وفرغ منه، يعني أهلك قوم نوح على تمام وأحكام. ويقال: إن الله تعالى أعقم أرحامهم أي أرحام نسائهم قبل الغرق بأربعين سنة، فلم يكن فيمن هلك صغير. والصحيح أنه أهلك الولدان بالطوفان، كما هلكت الطير والسباع، ولم يكن الغرق عقوبة للصبيان والبهائم والطير، بل ماتوا بآجالهم. وحكي أنه لما كثر الماء في السكك خشيت أم صبي عليه، وكانت تحبه حباً شديداً، فخرجت به إلى الجبل، حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء رقبتها رفعت يديها بابنها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي.
قوله تعالى: " واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين " أي هلاكاً لهم. الجودي جبل بقرب الموصل، استوت عليه في العاشر من المحرم يوم عاشوراء، فصامه نوح وأمر جميع من معه من الناس والوحش والطير والدواب وغيرها فصاموه، شكراً لله تعالى، وقد تقدم هذا المعنى. وقيل: كان ذلك يوم الجمعة. وروي أن الله تعالى أوحى إلى الجبال أن السفينة ترسي على واحد منها فتطاولت، وبقي الجودي لم يتطاول تواضعاً لله، فاستوت السفينة عليه، وبقيت عليه أعوادها. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لقد بقي منها شيء أدركه أوائل هذه الأمة ". وقال مجاهد: تشامخت الجبال وتطاولت لئلا ينالها الغرق، فعلا الماء فوقها خمسة عشر ذراعاً، وتطامن الجودي، وتواضع لأمر الله تعالى فلم يغرق، ورست السفينة عليه. وقد قيل: إن الجودي اسم لكل جبل، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل:
سبحانه ثم سبحاناً يعود له وقبلنا سبح الجودي والجمد
ويقال: إن الجودي من جبال الجنة، فلهذا استوت عليه. ويقال: أكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة نفر: الجودي بنوح، وطور سيناء بموسى، وحراء بمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
مسألة: لما تواضع الجودي وخضع عز، ولما ارتفع غيره واستعلى ذلك، وهذه سنة الله في خلقه، يرفع من تخشع، ويضع من ترفع، ولقد أحسن القائل:
وإذا تذللت الرقاب تخشعاً منا إليك فعزها في ذلها
وفي صحيح البخاري و مسلم عن أنس بن مالك قال: " كانت ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سبقت العضباء! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حقا على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه ". وخرج مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد ". خرجه البخاري .
مسألة: نذكر فيها من قصة نوح مع قومه وبعض ذكر السفينة. ذكر الحافظ ابن عساكر في التاريخ له عن الحسن: أن نوحاً أول رسول بعثه الله إلى ( أهل) الأرض، فذلك قوله تعالى " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما " ( العنكبوت: 14). وكان قد: كثرت فيهم المعاصي، وكثرت الجبابرة وعتوا عتواً كبيراً، وكان نوح يدعوهم ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، وكان صبوراً حليماً، ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح، فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه حتى يترك وقيذاً، ويضربونه في المجالس ويطرد، وكان لا يدعو على من يصنع به بل يدعوهم ويقول: ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) فكان لا يزيدهم ذلك إلى فراراً منه، حتى أنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه، ويجعل أصبعيه في أذنيه لكيلا يسمع شيئاً من كلامه، وفذلك قوله تعالى: " وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم " ( نوح: 7). وقال مجاهد وعبيد بن عمير: كانوا يضربونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال: ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). وقال ابن عباس: إن نوحاً كان يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته يرون أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم، حتى إذا يئس من إيمان قومه جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصا، فقال: يا بني انظر هذا الشيخ لا يغرنك، قال: يا أبت أمكني من العصا، فأمكنه فأخذ العصا ثم قال: ضعني في الأرض فوضعه، فمشى إليه بالعصا فضربه فشجه شجة موضحة في رأسه، وسالت الدماء، فقال نوح: ( رب قد ترى ما يفعل بي عبادك فإن يك لك في عبادك خيرية فاهدهم وإن يك غير ذلك فصبرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين) فأوحى الله إليه وآيسه من إيمان قومه، وأخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال ولا في أرحام النساء مؤمن، قال: " وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون "، أي لا تحزن عليهم. " واصنع الفلك بأعيننا ووحينا " قال: يا رب وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر. قال: فغرس الساج عشرين سنة، وكف عن الدعاء، وكفوا عن الاستهزاء، وكانوا يسخرون منه، فلما أدرك الشجر أمره ربه فقطعها وجففها، فقال: يا رب كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله على ثلاثة صور، رأسه كرأس الديك، وجؤجؤه كجؤجؤ الطير، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة واجعل لها أبواباً في جنبها، وشدها بدسر، يعني مسامير الحديد. وبعث الله جبريل فعلمه صنعة السفينة، وجعلت يده لا تخطيء. قال ابن عباس: كانت دار نوح عليه السلام دمش، وأنشأ سفينته من خشب لبنان بين زمزم وبين الركن والمقام، فلما كملت حمل فيها السباع والدواب في الباب الأول، وجعل الوحش والطير في الباب الثاني، وأطبق عليهما، وجعل أولاد آدم أربعين رجلاً وأربعين امرأة في الباب الأعلى وأطبق عليهم، وجعل الذر معه في الباب الأعلى لضعفها ألا تطأها الدواب.
قال الزهري : إن الله عز وجل بعث ريحاً فحمل إليه من كل زوجين اثنين، من السباع والطير والوحش والبهائم. وقال جعفر بن محمد: بعث الله جبريل فحشرهم، فجعل يضرب بيديه على الزوجين فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى، فيدخله السفينة. وقال زيد بن ثابت: استصعبت على نوح الماعزة أن تدخل السفينة، فدفعها بيده في ذنبها، فمن ثم انكسر ذنبها فصار معقوفاً وبدا حياؤها. ومضت النعجة حتى دخلت فمسح على ذنبها فستر حياؤها، قال إسحق: أخبرنا رجل من أهل العلم أن نوحاً حمل أهل السفينة، وجعل فيها من كل زوجين اثنين، وحمل من الهدهد زوجين، فماتت الهدهدة في السفينة قبل أن تظهر الأرض، فحملها الهدهد فطاف بها الدنيا ليصيب لها مكاناً، فلم يجد طيناً ولا تراباً، فرحمه ربه فحفر لها في قفاه قبراً فدفنها فيه، فذلك الريش الناتيء في قفا الهدهد موضع القبر، فلذلك نتأت أقفية الهداهد. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان حمل نوح معه في السفينة من جميع الشجر وكانت العجوة من الجنة مع نوح في السفينة ". وذكر صاحب كتاب العروس وغيره: أن نوحاً عليه السلام لما أراد أن يبعث من يأتيه بخبر الأرض قال الدجاج: أنا، فأخذها وختم على جناحها وقال لها: أنت مختومة بخاتمي لا تطيري أبداً، أنت ينتفع بك أمتي، فبعث الغراب فأصاب جيفة فوقع عليها فاحتبس فلعنه، ولذلك يقتل في الحل والحرم ودعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت. وبعث الحمامة فلم تجد قراراً فوقعت على شجرة بأرض سيناء فحملت ورقة زيتونة، ورجعت إلى نوح فعلم أنها لم تستمكن من الأرض، ثم بعثها بعد ذلك فطارت حتى وقعت بوادي الحرم، فإذا الماء قد نضب من مواضع الكعبة، وكانت طينتها حمراء، فاختضبت رجلاها، ثم جاءت إلى نوح عليه السلام فقالت: بشراي منك أن تهب لي الطوق في عنقي، والخضاب في رجلي، وأسكن الحرم، فمسح يده على عنقها وطوقها، ووهب لها الحمرة في رجليها، ودعا لها ولذريتها بالبركة. وذكر الثعلبي أنه بعث بعد الغراب التدرج وكان من جنس الدجاج، وقال: إياك أن تعتذر، فأصاب الخضرة والفرجة فلم يرجع، وأخذ أولاده عنده رهناً إلى يوم القيامة.
يخبر تعالى أنه لما اغرق أهل الأرض كلهم إلا أصحاب السفينة أمر الأرض أن تبلع ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها, وأمر السماء أن تقلع عن المطر "وغيض الماء" أي شرع في النقص "وقضي الأمر" أي فرغ من أهل الأرض قاطبة ممن كفر بالله لم يبق منهم ديار "واستوت" السفينة بمن فيها "على الجودي" قال مجاهد: وهو جبل بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عز وجل فلم يغرق وأرست عليه سفينة نوح عليه السلام وقال قتادة: استوت عليه شهراً حتى نزلوا منها, قال قتادة: قد أبقى الله سفينة نوح عليه السلام على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى رآها أوائل هذه الأمة وكم من سفينة قد كانت بعدها فهلكت وصارت رماداً.
وقال الضحاك: الجودي جبل بالموصل وقال بعضهم: هو الطور, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا محمد بن عبيد عن توبة بن سالم قال: رأيت زر بن حبيش يصلي في الزاوية حين يدخل من أبواب كندة على يمينك فسألته إنك لكثير الصلاة ههنا يوم الجمعة قال بلغني أن سفينة نوح أرست من ههنا. وقال علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم وإنهم كانوا فيها مائة وخمسين يوماً وإن الله وجه السفينة إلى مكة فطافت بالبيت أربعين يوماً ثم وجهها الله إلى الجودي فاستقرت عليه فبعث نوح الغراب ليأتيه بخبر الأرض فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون فلطخت رجليها بالطين فعرف نوح عليه السلام أن الماء قد نضب فهبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية, وسماها ثمانين فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة إحدها اللسان العربي, فكان بعضهم لا يفقه كلام بعض فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم. وقال كعب الأحبار: إن السفينة طافت ما بين المشرق والمغرب قبل أن تستقر على الجودي, وقال قتادة وغيره: ركبوا في عاشر شهر رجب فساروا مائة وخمسين يوماً واستقرت بهم على الجودي شهراً وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم, وقد ورد نحو هذا في حديث مرفوع رواه ابن جرير وأنهم صاموا يومهم ذلك والله أعلم.
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو جعفر حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه حبيب بن عبد الله عن شبل عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال "ما هذا الصوم ؟ قالوا هذا اليوم الذي نجى الله به موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصام نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم" فصام وقال لأصحابه: "من كان أصبح منكم صائماً فليتم صومه, ومن كان أصاب من غذاء أهله فليتم بقية يومه" وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولبعضه شاهد في الصحيح, وقوله: "وقيل بعداً للقوم الظالمين" أي هلاكاً وخساراً لهم وبعداً من رحمة الله فإنهم قد هلكوا عن آخرهم فلم يبق لهم بقية.
وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير والحبر أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيريهما من حديث موسى بن يعقوب الزمعي عن قائد مولى عبيد الله بن أبي رافع أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو رحم الله من قوم نوح أحداً لرحم أم الصبي" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان نوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يعني وغرس مائة سنة الشجر فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعلها سفينة ويمرون عليه ويسخرون منه ويقولون تعمل سفينة في البر فكيف تجري ؟ قال سوف تعلمون فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حباً شديداً فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا, فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي" وهذا حديث غريب من هذا الوجه, وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد بن جبير قصة هذا الصبي وأمه بنحو من هذا.
قوله: 44- "وقيل يا أرض ابلعي ماءك" يقال: بلع الماء يبلعه مثل منع يمنع، وبلع يبلع مثل حمد يحمد لغتان حكاهما الكسائي والفراء: والبلع الشرب، ومنه البالوعة، وهي الموضع الذي يشرب الماء، والازدراد، يقال: بلع ما في فمه من الطعام إذا ازدرده، واستعير البلع الذي هو من فعل الحيوان للنشف دلالة على أن ذلك ليس كالنشف المعتاد الكائن على سبيل التدريج "ويا سماء أقلعي" الإقلاع الإمساك، يقال: أقلع المطر إذا انقطع. والمعنى: أمر السماء بإمساك الماء عن الإرسال، وقدم نداء الأرض على السماء لكون ابتداء الطوفان منها "وغيض الماء" أي نقص، يقال: غاض الماء وغضته أنا "وقضي الأمر" أي أحكم وفرغ منه: يعني أهلك الله قوم نوح على تمام وإحكام "واستوت على الجودي" أي استقرت السفينة على الجبل المعروف بالجودي، وهو جبل بقرب الموصل، وقيل: إن الجودي اسم لكل جبل، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل:
سبحانه ثم سبحاناً نعوذ به وقبلنا سبح الجودي والجمد
ويقال: إنه من جبال الجنة فلذا استوت عليه "وقيل بعداً للقوم الظالمين" القائل هو الله سبحانه ليناسب صدر الآية، وقيل: هو نوح وأصحابه. والمعنى: وقيل هلاكاً للقوم الظالمين، وهو من الكلمات التي تختص بدعاء السور ووصفهم بالظلم للإشعار بأنه علة الهلاك، وللإيماء إلى قوله: "ولا تخاطبني في الذين ظلموا". وقد أطبق علماء البلاغة على أن هذه الآية الشريفة بالغة من الفصاحة والبلاغة إلى محل يتقاصر عنه الوصف، وتضعف عن الإتيان بما يقاربه قدرة القادرين على فنون البلاغة، الثابتين الأقدام في علم البيان، الراسخين في علم اللغة، المطلعين على ما هو مدون من خطب مصاقع خطباء العرب وأشعار بواقع شعرائهم، المرتاضين بدقائق علوم العربية وأسرارها. وقد تعرض لبيان بعض ما اشتملت عليه من ذلك جماعة منهم فأطالوا وأطابوا، رحمنا الله وإياهم برحمته الواسعة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "فعلي إجرامي" قال: عملي "وأنا بريء مما تجرمون" أي مما تعملون. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" وذلك حين دعا عليهم نوح قال: "لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً". وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن قال: إن نوحاً لم يدع على قومه حتى نزلت الآية هذه، فانقطع عند ذلك رجاؤه منهم فدعا عليهم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "فلا تبتئس" قال: فلا تحزن. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عنه في قوله: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" قال: بعين الله ووحيه. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: لم يعلم نوح كيف يصنع الفلك، فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم، حتى كان آخر زمانه غرس شجرة فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم قطعها ثم جعل يعملها سفينة ويمرون فيسألونه فيقول أعملها سفينة فيسخرون منه ويقولون يعمل سفينة في البر، وكيف تجري؟ قال: سوف تعلمون، فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك خشيته أم الصبي عليه، وكانت تحبه حباً شديداً، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبته رفعته بين يديها حتى ذهب بها الماء، فلو رحم الله منهم أحداً لرحم أم الصبي". وقد ضعفه الذهبي في مستدركه على مستدرك الحاكم. وقد روي في صفة السفينة وقدرها أحاديث وآثار ليس في ذكرها هنا كثير فائدة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "من يأتيه عذاب يخزيه" قال: هو الغرق "ويحل عليه عذاب مقيم" قال: هو الخلود في النار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عنه قال: كان بين دعوة نوح وبين هلاك قومه ثلثمائة سنة، وكان فار التنور بالهند وطافت سفينة نوح بالبيت أسبوعاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: التنور العين التي بالجزيرة عين الوردة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: فار التنور من مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة. وقد روي عنه نحو هذا من طرق. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: التنور وجه الأرض، قيل له: إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك. والعرب تسمي وجه الأرض تنور الأرض. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن علي "وفار التنور" قال: طلع الفجر قيل له: إذا طلع الفجر فاركب أنت وأصحابك. وقد روي في تفسير التنور غير هذا، وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك. وروي في صفة القصة وما حمله نوح في السفينة، وكيف كان الغرق، وكم بقيت السفينة على ظهر الماء روايات كثيرة لا مدخل لها في تفسير كلام الله سبحانه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: " بسم الله مجريها ومرساها " قال: حين يركبون ويجرون ويرسون. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كان إذا أراد أن ترسي قال: بسم الله فأرست، وإذا أراد أن تجري قال: بسم الله فجرت. وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن السني وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا: بسم الله الملك الرحمن، بسم الله مجراها ومرساها، إن ربي لغفور رحيم، وما قدروا الله حق قدره إلى آخر الآية". وأخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أيضاً أبو الشيخ عنه مرفوعاً من طريق أخرى. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان اسم ابن نوح الذي غرق كنعان. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: هو ابنه غير أنه خالفه في النية والعمل. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم" قال: لا ناج إلا أهل السفينة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن القاسم بن أبي برة في قوله: "وحال بينهما الموج" قال: بين ابن نوح والجبل. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله: "يا أرض ابلعي" قال: هو بالحبشية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في ابلعي قال بالحبشية: أي ازدرديه. وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: معناه اشربي بلغة الهند. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله. أقول: وثبوت لفظ البلع وما يشتق منه في لغة العرب ظاهر مكشوف، فما لنا وللحبشة والهند.
44-"وقيل"، يعني: بعدما تناهى أمر الطوفان: "يا أرض ابلعي"، تشربي، "ماءك ويا سماء أقلعي"، أمسكي،" وغيض الماء"، نقص ونضب، يقال: غاض الماء يغيض غيضا إذا نقص، وغاضه الله أي أنقصه، "وقضي الأمر" فرغ من الأمر وهو هلاك القوم "واستوت"، يعني السفينة استقرت، "على الجودي"، وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل، "وقيل بعداً"، هلاكاً، "للقوم الظالمين".
وروي أن نوحا عليه السلام بعث الغراب ليأتيه بخبر الأرض فوقع على جيفة فلم يرجع فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون في منقارها ولطخت رجليها بالطين، فعلم نوح أن الماء قد نضب، فقيل إنه دعا على الغراب بالخوف فلذلك لا يألف البيوت، وطوق الحمامة الخضرة التي في عنقها ودعا لها بالأمان، فمن ثم تأمن وتألف البيوت.
وروي: أن نوحا عليه السلام ركب السفينة لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر، ومرت بالبيت فطافت به سبعا وقد رفعه الله من الغرق وبقي موضعه، وهبطوا يوم عاشوراء، فصام نوح، وأمر جميع من معه بالصوم شكرا لله عز وجل.
وقيل: ما نجا من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء إلى حجزته، وكان سبب نجاته أن نوحا احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقله فحمله عوج إليه من الشام، فنجاه الله تعالى من الغرق لذلك.
44."وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي "نوديا بما ينادى به أولو العلم وأمرا بما يؤمرون به ، تمثيلاً لكما قدرته وانقيادهما لما يشاء تكونيه فيهما بالأمر المطاع الذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر إلى امتثال أمره ، مهابة من عظمته وخشية من أليم عقابه ،والبلع النشف والإقلاع والإمساك ."وغيض الماء"نقص. " وقضي الأمر "وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين." واستوت " واستقرت السفينة."على الجودي"جبل بالموصل وقيل بالشام وقيل بآمل .روي أنه ركب السفينة عاشر رجب ونزل عنها عاشر المحرم فصام ذلك اليوم فصار ذلك سنة."وقيل بعداً للقوم الظالمين"هلاكاً لهم يقال بعد بعداً وبعداً إذا أبعد بعداً بعيداً بحيث لا يرجى عوده ، ثم استعير للهلاك وخص بدعاء السوء، والآية في غاية الفصاحة لفخامة الفظها وحسن نظمها والدلالة على كنه الحال مع الإيجاز الخالي عن الإخلال ، وفي إيراد الإخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل،وأنه متعين في نفسه مستغن عن ذكره ، إذ لا يذهب الوهم إلى غيره للعلم بأن مثل هذه الأفعال لا يقدر عليه سوى الواحد القهار.
44. And it was said: O earth! Swallow thy water and, O sky! be cleared of clouds! And the water was made to subside. And the commandment was fulfilled. And it (the ship) came to rest upon (the mount) Al-Judi and it was said: A far removal for wrongdoing folk!
44 - Then the word went forth: O earth swallow up thy water, and O sky withhold (thy rain) and the water abated, and the matter was ended. the Ark rested on mount Judi, and the word went forth: Away with those who do wrong