[هود : 34] وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
34 - (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) أي إغواءكم ، وجواب الشرط دل عليه ولا ينفعكم نصحي (هو ربكم وإليه ترجعون)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال نوح لقومه ،حين استعجلوه العذاب : يا قوم ، ليس الذي تستعجلون من العذاب إلي ، إنما ذلك إلى الله لا إلى غيره ، هو الذي يأتيكم به إن شاء ، "وما أنتم بمعجزين" ، يقول : ولستم إذا أراد تعذيبكم ، بمعجزيه ، أي : بفائتيه هرباً منه ، لأنكم حيث كنتم في ملكه وسلطانه وقدرته ، حكمه عليهم جار ، "ولا ينفعكم نصحي" ، يقول :ولا ينفعكم تحذيري عقوبته ، ونزول سطوته بكم على كفركم به ، "إن أردت أن أنصح لكم" ، في تحذيري إياكم ذلك ، لأن نصحي لا ينفعكم ، لأنكم لا تقبلونه ، "إن كان الله يريد أن يغويكم" ، يقول :إن كان الله يريد أن يهلككم بعذابه ، "هو ربكم وإليه ترجعون" ، يقول : وإليه تردون بعد الهلاك .
حكي عن طيىء أنها تقول : أصبح فلان غاوياً ، أي مريضاً .
وحكي عن غيرهم سماعاً منهم : أغويت فلاناً ، بمعنى : أهلكته ، و غوي الفصيل ، إذا فقد اللبن فمات .
وذكر أن قول الله : ( فسوق يلقون غيا ) ، أي هلاكاً .
قوله تعالى: " ولا ينفعكم نصحي " إي إبلاغي واجتهادي في إيمانكم. " إن أردت أن أنصح لكم " أي لأنكم لا تقبلون نصحاً، وقد تقدم في ( براءة) معنى النصح لغة. " إن كان الله يريد أن يغويكم " أي يضلكم. وهذا مما يدل على بطلان مذهب المعتزلة والقدرية ومن وافقهما، إذ زعموا أن الله تعالى لا يريد أن يعصي العاصي، ولا يكفر الكافر، ولا يغوي الغوي، وأنه يفعل ذلك، والله لا يريد ذلك، فرد الله عليهم بقوله: " إن كان الله يريد أن يغويكم ". وقد مضى هذا المعنى في ( الفتحة) ويغرها. وقد أكذبوا شيخهم اللعين إبليس على ما بيناه في ( الأعراف) في إغواء الله تعالى إياه حيث قال: " فبما أغويتني " ( الأعراف: 16) ولا محيص لهم عن قول نوح عليه السلام: ( إن كان الله يريد أن يغويكم) فأضاف إغواءهم إلى الله سبحانه وتعالى، إذ هو الهادي والمضل، سبحانه عما يقول الجاحدون والظالمون علواً كبيراً. وقيل: ( أن يغويكم) يهلككم، لأن الإضلال يفضي إلى الهلاك. الطبري : ( يغويكم) يهلككم بعذابه، حكي عن طيء: أصبح فلان غاوياً أي مريضاً، وأغويته أهلكته، ومنه " فسوف يلقون غيا " ( مريم: 59) " هو ربكم " فإليه الإغواء، وإليه الهداية. " وإليه ترجعون " تهديد ووعيد.
يقول تعالى مخبراً عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه, والبلاء موكل بالمنطق. "قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا" أي حاججتنا فأكثرت من ذلك ونحن لا نتبعك "فأتنا بما تعدنا" أي من النقمة والعذاب ادع علينا بما شئت فليأتنا ما تدعو به " إن كنت من الصادقين * قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين " أي إنما الذي يعاقبكم ويعجلها لكم الله الذي لا يعجزه شيء "ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم" أي أي شيء يجدي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي "إن كان الله يريد أن يغويكم" أي إغواؤكم ودماركم "هو ربكم وإليه ترجعون" أي هو مالك أزمة الأمور المتصرف الحاكم العادل الذي لا يجور, له الخلق وله الأمر وهو المبدىء المعيد مالك الدنيا والاخرة.
34- "ولا ينفعكم نصحي" الذي أبذله لكم وأستكثر منه قياماً مني بحق النصيحة لله بإبلاغ رسالته، ولكن بإيضاح الحق وبيان بطلان ما أنتم عليه "إن أردت أن أنصح لكم" وجواب هذا الشرط محذوف، والتقدير: إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي، كما يدل عليه ما قبله "إن كان الله يريد أن يغويكم" أي إن كان الله يريد إغواءكم فلا ينفعكم النصح مني، فكان جواب هذا الشرط محذوفاً كالأول، وتقديره ما ذكرنا، وهذا التقدير إنما هو على مذهب من يمنع من تقدم الجزاء على الشرط، وأما على مذهب من يجيزه، فجزاء الشرط الأول ولا ينفعكم نصحي، وجزاء الشرط الثاني الجملة الشرطية الأولى وجزاؤها. قال ابن جرير: معنى يغويكم يهلككم بعذابه، وظاهر لغة العرب أن الإغواء الإضلال، فمعنى الآية: لا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يضلكم عن سبيل الرشاد ويخذلكم عن طريق الحق. وحكي عن طي أصبح فلان غاوياً: أي مريضاً، وليس هذا المعنى هو المراد في الآية. وقد ورد الإغواء بمعنى الإهلاك، ومنه "فسوف يلقون غياً" وهو غير ما في هذه الآية "هو ربكم" فإليه الإغواء وإليه الهداية "وإليه ترجعون" فيجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي" قال: فيما ظهر لنا. وأخرج أبو الشيخ عن عطاء مثله. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "إن كنت على بينة من ربي" قال: قد عرفتها وعرفت بها أمره، وأنه لا إله إلا هو، "وآتاني رحمة من عنده" قال: الإسلام الهدى والإيمان والحكم والنبوة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "أنلزمكموها" قال: أما والله لو استطاع نبي الله لألزمها قومه، ولكنه لم يستطع ذلك ولم يمكنه. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه كان يقرأ أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال في قراءة أبي أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ أنلزمكموها من شطر قلوبنا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "وما أنا بطارد الذين آمنوا"، قال: قالوا له يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطردهم، وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأرض سواء، وفي قوله: "إنهم ملاقوا ربهم" قال: فيسألهم عن أعمالهم "ولا أقول لكم عندي خزائن الله" التي لا يفنيها شيء، فأكون إنما دعوتكم لتتبعوني عليها، لا أعطيكم بملكه لي عليها "ولا أعلم الغيب" لا أقول: اتبعوني على علمي بالغيب "ولا أقول إني ملك" نزلت من السماء برسالة، ما أنا إلا بشر مثلكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد "ولا أقول للذين تزدري أعينكم". قال: حقرتموهم. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: "لن يؤتيهم الله خيراً" قال: يعني إيماناً. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "فأتنا بما تعدنا" قال: تكذيباً بالعذاب وأنه باطل.
34-"ولا ينفعكم نصحي"، أي نصيحتي، "إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم"، يضلكم، "هو ربكم"، له الحكم والأمر "وإليه ترجعون"، فيجزيكم بأعمالكم.
34."ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم"شرط ودليل وجواب والجملة دليل جواب قوله:"إن كان الله يريد أن يغويكم"وتقدير الكلام إن كان الله يريد أن يغويكم ، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ، ولذلك تقول لو قال الرجل أنت طالق إن دخلت الدار إن كلمت زيداً فدخلت ثم كلمت لم تطلق ، وهو جواب لما أوهموا من أن جداله كلام بلا طائل . وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالإغواء وأن خلاف مراده محال.وقيل"أن يغويكم"أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم فهلك ،"هو ربكم"هو خالقكم والمتصرف فيكم وفق إرادته ."وإليه ترجعون "فيجازيكم على أعمالكم.
34. My counsel will not profit you if I were minded to advise you, if Allah's will is to keep you astray. He is your lord and unto Him ye will be brought hack.
34 - Of no profit will be my counsel to you, much as I desire to give you (good) counsel, if it be that God willeth to leave you astray: he is your Lord and to him will ye return