[هود : 26] أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ
26 - (أن) أي بأن (لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم) إن عبدتم غيره (عذاب يوم أليم) مؤلم في الدنيا والآخرة
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه : إني لكم ، ايها القوم ، نذير من الله ، أنذركم بأسه على كفركم به ،فآمنوا به وأطيعوا أمره .
ويعني بقوله : "مبين" ، يبين لكم عما أرسل به إليكم من أمر الله ونهيه .
واختلفت القراة في قراءة قوله : "إني" .
فقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة وبعض المدنيين بكسر إن على وجه الابتداء إذ كان في الإرسال ، معنى : القول .
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة والكوفة ، والبصرة بفتح أن ، على إعمال الإرسال فيها ، كأن معنى الكلام عندهم : لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه بأني لكم نذير مبين .
قال ابو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان متفقتا المعنى ،قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرأة ، فبأيتهما قرأ القارىء كان مصيباً للصواب في ذلك .
وقوله : "أن لا تعبدوا إلا الله" ، فمن كسر الألف في قوله : "إني" ، جعل قوله : "أرسلنا" ، عاملاً في "أن" التي في قوله : "أن لا تعبدوا إلا الله" ، ويصير المعنى حينئذ : ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه أن لا تعبدوا إلا الله ، وقل لهم : إني لكم نذير مبين ، ومن فتحها رد "أن" في قوله : "أن لا تعبدوا" ، عليها . فيكون المعنى حينئذ : لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه بأني لكم نذير مبين ، بأن لا تعبدوا إلا الله .
ويعني قوله : بأن لا تعبدوا إلا الله ، أيها الناس ، عبادة الآلهة والأوثان ، وإشراكها في عبادته ، وأفردوا الله بالتوحيد ، وأخلصوا له العبادة ، فإنه لا شريك له في خلقه .
وقوله : "إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم" ، يقول : إني ، أيها القوم ، إن لم تخصوا الله بالعبادة ،وتفردوه بالتوحيد ، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان أخاف عليكم من الله عذاب يوم مؤلم عقابه وعذابه لمن عذب فيه .
وجعل الأليم ، من صفة اليوم وهو من صفة العذاب ، إذ كان العذاب فيه ،كما قيل : ( وجعل الليل سكنا ) ، وإنما السكن من صفة ما سكن فيه ، دون الليل .
قوله تعالى: " أن لا تعبدوا إلا الله " أي اتركوا الأصنام فلا تعبدوها، وأطيعوا الله وحده. ومن قرأ ( إني) بالكسر جعله معترضاً في الكلام، والمعنى أرسلناه بألا تعبدوا إلا الله. " إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ".
يخبر تعالى عن نوح عليه السلام وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه "إني لكم نذير مبين" أي ظاهر النذارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله, ولهذا قال: "أن لا تعبدوا إلا الله" وقوله: "إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم" أي إن استمررتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذاباً أليماً موجعاً شاقاً في الدار الاخرة "فقال الملأ الذين كفروا من قومه" والملأ هم السادة والكبراء من الكافرين منهم "ما نراك إلا بشراً مثلنا" أي لست بملك ولكنك بشر فكيف أوحي إليك من دوننا ثم ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن ترو منهم ولا فكر ولا نظر بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك فاتبعوك ولهذا قالوا "وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي" أي في أول بادىء الرأي "وما نرى لكم علينا من فضل" يقولون ما رأينا لكم علينا فضيلة في خلق ولا خلق ولا رزق ولا حال لما دخلتم في دينكم هذا "بل نظنكم كاذبين" أي فيما تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة والسعادة في الدار الاخرة إذا صرتم إليها, هذا اعتراض الكافرين على نوح عليه السلام وأتباعه وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه, فإن الحق في نفسه صحيح سواء اتبعه الأشراف أو الأراذل بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء ثم الواقع غالباً أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس, والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته كما قال تعالى: "وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون".
ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم قال له فيما قال: أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم. قال: بل ضغفاؤهم, فقال هرقل هم أتباع الرسل, وقولهم "بادي الرأي" ليس بمذمة ولا عيب لأن الحق إذا وضح لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال بل لا بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل ذي زكاء وذكاء بل لا يفكر ههنا إلا غبي أو عيي, والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنما جاءوا بأمر جلي واضح. وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم" أي ما تردد ولا تروى لأنه رأى أمراً جلياً عظيماً واضحاً فبادر إليه وسارع وقوله: "وما نرى لكم علينا من فضل" هم لا يرون ذلك لأنهم عمي عن الحق لا يسمعون ولا يبصرون بل هم في ريبهم يترددون في ظلمات الجهل يعمهون وهم الأفاكون الكاذبون الأقلون الأرذلون وهم في الاخرة هم الأخسرون.
وجملة 26- "أن لا تعبدوا إلا الله" بدل من إني لكم نذير مبين: أي أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله، أو تكون أن مفسرة متعلقة بأرسلنا، أو بنذير، أو بمبين، وجملة "إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم" تعليلية. والمعنى: نهيتكم عن عبادة غير الله لأني أخاف عليكم، وفيها تحقيق لمعنى الإنذار، واليوم الأليم: هو يوم القيامة، أو يوم الطوفان، ووصفه بالأليم من باب الإسناد المجازي مبالغة.
26-"أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم"، أي: مؤلم. قال ابن عباس: بعث نوح عليه السلام بعد أربعين سنة، ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، وكان عمره ألفا وخمسين سنة.
وقال مقاتل: بعث وهو ابن مائة سنة.
وقيل: بعث هو ابن خمسين سنة.
وقيل: بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة، ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة، وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة قال الله تعالى: "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما" (العنكبوت-14)أي: فلبث فيهم داعيا.
26." أن لا تعبدوا إلا الله "بدل من" إني لكم "، أو مفعول مبين، ويجوز أن تكون أن مفسرة متعلقة بـ"أرسلنا"أو بـ"نذير "."إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم"مؤلم وهو في الحقيقة صفة المعذب لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة جد جده ونهاره صائم للمبالغة .
26. That ye serve none, save Allah. Lo! I fear for you the retribution of a painful Day.
26 - That ye serve none but God: verily I do fear for you the penalty of a grievous day.