[هود : 22] لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ
22 - (لا جرم) حقاً (أنهم في الآخرة هم الأخسرون)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : حقاً إن هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم في الدنيا وفي الآخرة هم الأخسرون الذين قد باعوا منازلهم من الجنان ، بمنازل أهل الجنة من النار ، وذلك هو الخسران المبين .
وقد بينا فما مضى أن معنى قولهم : جرمت ، كسبت الذنب ، و جرمته ، وأن العرب كثر استعمالها إياه في مواضع الأيمان ، وفي مواضع لا بد ، كقولهم : لا جرم أنك ذاهب ، بمعنى : لا بد ، حتى استعملوا ذلك في مواضع التحقيق ، فقالوا : لا جرم لتقومن ، بمعنى : حقاً لتقومن . فمعنى الكلام : لا منع عن أنهم ، ولا صد عن أنهم .
قوله تعالى: " لا جرم " للعلماء فيها أقوال، فقال الخليل و سيبويه : ( لا جرم) بمعنى حق، فـ ( لا) و ( جرم) عندهما كلمة واحدة، و ( أن) عندهما في موضع رفع، وهذا قول الفراء ومحمد بن يزيد، حكاه النحاس. قال المهدوي : وعن الخليل أيضاً أن معناها لا بد ولا محالة، وهو قول الفراء أيضاً، ذكره الثعلبي . وقال الزجاج: ( لا) ها هنا نفي وهو رد لقولهم: إن الأصنام تنفعهم، كأن المعنى لا ينفعهم ذلك، وجرم بمعنى كسب، أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران، وفاعل كس مضمر، و ( أن) منصوبة بجرم، كما تقول كسب جفاؤك زيداً غضبه عليك، وقال الشاعر:
نصبنا رأسه في جذع نحل بما جرمت يداه وما اعتدينا
أي بما كسبت. وقال الكسائي : معنى ( لا جرم) لا صد ولا منع عن أنهم. وقيل: المعنى لا قطع قاطع، فحذف الفاعل حين كثر استعماله، والجرم القطع، وقد جرم النخل واجترمه أي صرمه فهو جارم، وقوم جرم وجرام وهذا زمن الجرام والجرام، وجرمت صوف الشاة أي جززته، وقد جرمت منه أي أخذت منه، مث جلمت الشيء جلماً أي قطعت، وجلمت الجزور أجلمها جلماً إذا أخذت ما على عظامها من اللحم، وأخذت الشيء بجلمته - ساكنة اللام - إذا أخذته أجمع، وهذه جلمة الجزور - بالتحريك - أي لحمها أجمع، قاله الجوهري . قال النحاس : وزعم الكسائي أن فيها أربع لغات: لا جرم، ولا عن ذا جرم، ولا أن ذا جرم، قال: وناس من فزارة يقولون: لا جر أنهم بغير ميم. وحكى الفراء فيه لغتين أخريين قال: بنو عامر يقولون لا ذا جرم، قال: وناس من العرب يقولون: لا جرم بضم الجيم.
يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الاخرة على رؤوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان كما قال الإمام أحمد حدثنا بهز وعفان أخبرنا همام حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر إذ عرض له رجل قال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال: سمعته يقول: "إن الله عز وجل يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له: أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم" ثم يعطى كتاب حسناته, وأما الكفار والمنافقون فيقول: "الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" الاية أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث قتادة به وقوله: "الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً" أي يردون الناس عن اتباع الحق وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عز وجل ويجنبونهم الجنة "ويبغونها عوجاً" أي ويريدون أن يكون طريقهم عوجاً غير معتدلة " وهم بالآخرة هم كافرون " أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها وكونها "أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء" أي بل كانوا تحت قهره وغلبته وفي قبضته وسلطانه وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الاخرة "إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار".
وفي الصحيحين "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ولهذا قال تعالى: "يضاعف لهم العذاب" الاية أي يضاعف عليهم العذاب, وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم بل كانوا صماً عن سماع الحق عمياً عن اتباعه كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار كقوله: "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" وقال تعالى: "الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب" الاية, ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه وعلى كل نهي ارتكبوه ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الاخرة وقوله: "أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون" أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا ناراً حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين كما قال تعالى: "كلما خبت زدناهم سعيراً" " وضل عنهم " أي ذهب عنهم "ما كانوا يفترون" من دون الله من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئاً بل ضرتهم كل الضرر كما قال تعالى: "وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين".
وقال تعالى: " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " وقال الخليل لقومه "إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين" وقوله: "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب" إلى غير ذلك من الايات الدالة على خسرهم ودمارهم ولهذا قال: " لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون " يخبر تعالى عن مآلهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الاخرة لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات, واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظل من يحموم وعن الحور العين بطعام من غسلين وعن القصور العالية بالهاوية, وعن قرب الرحمن, ورؤيته بغضب الديان وعقوبته, فلا جرم أنهم في الاخرة هم الأخسرون.
قوله: 22- "لا جرم" قال الخليل وسيبويه: لا جرم بمعنى حق فهي عندهما بمنزلة كلمة واحدة، وبه قال الفراء. وروي عن الخليل والفراء أنها بمنزلة قولك لا بد ولا محالة، ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقاً. وقال الزجاج: إن جرم بمعنى كسب: أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران، وفاعل كسب مضمر، وأن منصوبة برجم. قال الأزهري: وهذا من أحسن ما نقل في هذه اللغة. وقال الكسائي: معنى لا جرم: لا صد ولا منع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون. وقال جماعة من النحويين: إن معنى لا جرم ولا قطع قاطع "أنهم في الآخرة هم الأخسرون" قالوا: والجرم القطع، وقد جرم النخل واجترمه: أي قطعه، وفي هذه الآية بيان أنهم في الخسران قد بلغوا إلى حد يتقاصر عنه غيرهم ولا يبلغ إليه، وهذه الآيات مقررة لما سبق من نفي المماثلة بين من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها، وبين من كان على بينة من ربه.
22-"لا جرم"، أي: حقا. وقيل: بلى. وقال الفراء: لا محالة، "أنهم في الآخرة هم الأخسرون"، يعني: من غيرهم، وإن كان الكل فىالخسار.
22."لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون" لا أحد أبين واكثر خسراناً منهم.
22. Assuredly in the Hereafter they will be the greatest losers.
22 - Without a doubt, these are the very ones who will lose most in the hereafter