[هود : 116] فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ
116 - (فلولا) فهلا (كان من القرون) الأمم الماضية (من قبلكم أولوا بقية) أصحاب دين وفضل (ينهون عن الفساد في الأرض) المراد به النفي أي ما كان فيهم ذلك (إلا) لكن (قليلا ممن أنجينا منهم) نهوا فنجوا ومن للبيان (واتبع الذين ظلموا) بالفساد وترك النهي (ما أترفوا) نعموا (فيه وكانوا مجرمين)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فهلا كان من القرون الذين قصصت عليك نبأهم في هذه السور ، الذين أهلكتهم بمعصيتهم إياي ، وكفرهم برسلي ، "من قبلكم أولو بقية" ، يقول : ذوو بقية من الفهم والعقل ، يعتبرون مواعظ الله ويتدبرون حججه ، فيعرفون ما لهم في الإيمان بالله ، وما عليهم في الكفر به ، "ينهون عن الفساد في الأرض" ، يقول : ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم ، وأهل الكفر بالله عن كفرهم به ، في أرضه ،"إلا قليلا ممن أنجينا منهم" ، يقول : لم يكن من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ، إلا يسيراً فإنهم كانوا ينهون عن الفساد في الأرض ، فنجاهم الله من عذابه ، حين أخذ من كان مقيماً على الكفر بالله عذابه ، وهم أتباع الأنبياء والرسل .
ونصب قليلا لأن قوله : "إلا قليلا" ، استثناء منقطع مما قبله ، كما قال : ( إلا قوم يونس لما آمنوا ) ، وقد بينا ذلك في غير موضع ، بما أغنى عن إعادته .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال ،أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : اعتذر فقال : "فلولا كان من القرون من قبلكم" حتى بلغ "إلا قليلا ممن أنجينا منهم" فإذا هم الذين نجوا حين نزل عذاب الله . وقرأ : "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : "فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية" إلى قوله : "إلا قليلا ممن أنجينا منهم" ، قال : يستقلهم الله من كل قوم .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود قال : سألني بلال عن قول الحسن في القدر ، قال ، فقال : سمعت الحسن يقول : ( قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم من معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ) ، قال : بعث الله هوداً إلى عاد ، فنجى الله هوداً والذين آمنوا معه وهلك المتمتعون . وبعث الله صالحاً إلى ثمود ، فنجى الله صالحاً وهلك المتمتعون . فجعلت استقريه الأمم ، فقال ، ما أراه إلا كان حسن القول في القدر .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم" ، أي : لم يكن من قبلكم من ينهى عن الفساد في الأرض ، "إلا قليلا ممن أنجينا منهم" .
وقوله : "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" ، يقول تعالى ذكره : "واتبع الذين ظلموا" ، أنفسهم ، فكفروا بالله ، "ما أترفوا فيه" .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" ، قال : ما أنظروا فيه .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" ، من دنياهم .
وكأن هؤلاء وجهوا تأويل الكلام : واتبع الذين ظلموا الشيء الذي أنظرهم فيه ربهم من نعيم الدنيا ولذاتها ، إيثاراً له على عمل الآخرة وما ينجيهم من عذاب الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : واتبع الذين ظلموا ما تجبروا فيه من الملك ، وعتوا عن أمر الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" ، قال: فيي ملكهم وتجبرهم ، وتركوا الحق .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه ، إلا أنه قال : وتركهم الحق .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثل حديث محمد بن عمرو سواءً .
قال ابو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله أخبر تعالى ذكره : أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت ، فكفروا بالله ، اتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدنيا ، فاستكبروا وكفروا بالله ، واتبعوا ما أنظروا فيه من لذات الدينا ، فاستكبروا عن أمر الله ، وتجبروا وصدوا عن سبيله .
وذلك أن المترف ، في كلام العرب ، هو المنعم الذي قد غذي باللذات ، ومنه قول الراجز :
نهدي رؤوس المترفين الصداد إلى أمير المؤمنين الممتاد
وقوله : "وكانوا مجرمين" ، يقول : وكانوا مكتسبي الكفر بالله .
قوله تعالى: " فلولا كان " أي فهلا كان. " من القرون من قبلكم " أي من الأمم التي قبلكم. " أولو بقية " أي أصحاب طاعة ودين وعقل وبصر. " ينهون " قومهم. " عن الفساد في الأرض " لما أعطاهم الله تعالى من العقول وأراهم من الآيات، وهذا توبيخ للكفار. وقيل: لولا ها هنا للنفي، أي ما كان من قبلكم، كقوله: " فلولا كانت قرية آمنت " ( يونس: 98) أي ما كانت. " إلا قليلا " استثناء منقطع، أي لكن قليلاً. " ممن أنجينا منهم " نهوا عن الفساد في الأرض. قيل: هم قوم يونس، لقوله: " إلا قوم يونس " ( يونس: 98). وقيل: هم أتباع الأنبياء وأهل الحق. " واتبع الذين ظلموا " أي أشركوا وعصوا. " ما أترفوا فيه " أي من الاشتغال بالمال واللذات، وإيثار ذلك على الآخرة. " وكانوا مجرمين ".
يقول تعالى فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض, وقوله: "إلا قليلاً" أي قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته ولهذا أمر الله تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما قال تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" وفي الحديث "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب" ولهذا قال تعالى: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم" وقوله: "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" أي استمروا على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك حتى فجأهم العذاب "وكانوا مجرمين" ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين كما قال تعالى: "وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم" وقال: "وما ربك بظلام للعبيد".
هذا عود إلى أحوال الأمم الخالية لبيان أن سبب حلول عذاب الاستئصال بهم أنه ما كان فيهم من ينهى عن الفساد ويأمر بالرشاد. قال: 116- "فلولا" أي فهلا "كان من القرون" الكائنة " من قبلكم أولو بقية " من الرأي والعقل والدين "ينهون" قومهم "عن الفساد في الأرض" ويمنعونهم من ذلك لكونهم ممن جمع الله له بين جودة العقل، وقوة الدين، وفي هذا من التوبيخ للكفار ما لا يخفى، والبقية في الأصل لما يستبقيه الرجل مما يخرجه. وهو لا يستبقي إلا أجوده وأفضله، فصار لفظ البقية مثلاً في الجودة، والاستثناء في "إلا قليلاً" منقطع: أي لكن قليلاً "ممن أنجينا منهم" ينهون عن الفساد في الأرض. وقيل: هو متصل لأن في حرف التحضيض معنى النفي، فكأنه قال: ما كان في القرون أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم، ومن في ممن أنجينا بيانية لأنه لم ينج إلا الناهون، قيل: هؤلاء القليل هم قوم يونس لقوله فيما مر: "إلا قوم يونس" وقيل: هم أتباع الأنبياء وأهل الحق من الأمم على العموم "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه" معطوف على مقدر يقتضيه الكلام، تقديره: غلا قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد، والمعنى: أنه اتبع الذين ظلموا بسبب مباشرتهم الفساد وتركهم للنهي عنه ما أترفوا فيه. والمترف: الذي أبطرته النعمة، يقال: صبي مترف: منعم البدن، أي صاروا تابعين للنعم التي صاروا بها مترفين من خصب العيش ورفاهية الحال وسعة الرزق، وآثروا ذلك على الاشتغال بأعمال الآخرة واستغرقوا أعمارهم في الشهوات النفسانية، وقيل: المراد بالذين ظلموا تاركو النهي. ورد بأنه يستلزم خروج مباشري الفساد عن الذين ظلموا وهم أشد ظلماً ممن لم يباشر، وكان ذنبه ترك النهي. وقرأ أبو عمرو في رواية عنه: وأتبع الذين ظلموا على البناء للمفعول، ومعناه: اتبعوا جزاء ما أترفوا فيه، وجملة "وكانوا مجرمين" متضمنة لبيان سبب إهلاكهم، وهي معطوفة على أترفوا: أي وكان هؤلاء الذين أتبعوا ما أترفوا فيه مجرمين، والإجرام: الأثام. والمعنى: إنهم أهل إجرام بسبب اتباعهم الشهوات واشتغالهم بها عن الأمور التي يحق الاشتغال بها، ويجوز أن تكون جملة "وكانوا مجرمين" معطوفة على واتبع الذين ظلموا: أي اتبعوا شهواتهم وكانوا بذلك الاتباع مجرمين.
116- قوله عز وجل: "فلولا" فهلا، "كان من القرون"، التي أهلكناهم، "من قبلكم"، والآية للتوبيخ " أولو بقية "، أي: أولو تمييز. وقيل: أولو طاعة. وقيل: أولو خير. يقال: فلان ذو بقية إذا كان فيه خير. معناه: فهلا كان من القرون من قبلكم من فيه خير ينهى عن الفساد في الأرض؟ وقيل: معناه أولو بقية من خير. يقال: فلان على بقية من الخير إذا كان على خصلة محمودة.
"ينهون عن الفساد في الأرض"، أي يقومون بالنهي عن الفساد، ومعناه جحد، أي: لم يكن فيهم أولو بقية. "إلا قليلاً"، هذا استثناء منقطع معناه: لكن قليلا، "ممن أنجينا منهم"، وهم أتباع الأنبياء كانوا ينهون عن الفساد في الأرض. "واتبع الذين ظلموا ما أترفوا"، نعموا، "فيه،" والمترف: المنعم.
وقال مقاتل بن حيان: خولوا. وقال الفراء: عودوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا أي: واتبع الذين ظلموا ما عودوا من النعيم واللذات وإيثار الدنيا على الآخرة. "وكانوا مجرمين"، كافرين.
116."فلولا كان"فهلا كان ."من القرون من قبلكم أولو بقية" من الرأي والعقل ،أو أولو فضل وإنما سمي "بقية"لأن الرجل يستبقي أفضل ما يخرجه ، ومنه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم ، ويجوز أن يكون مصدراً كالتقية أي ذوو إبقاء على أنفسهم وصيانة لها من العذاب ، ويؤيده أنه قرئ "بقية " وهي المرة من مصدر بقاه يبقيه إذا راقبه ."ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم"لكن قليلاً منهم أنجيناهم لأنهم كانوا كذلك ، ولا يصح اتصاله إلا إذا جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض ."واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه"ما أنعموا فيه من الشهوات واهتموا بتحصيل أسبابها وأعرضوا عما وراء ذلك ."وكانوا مجرمين"كافرين كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة ، وهو فشو الظلم فيهم واتباعهم للهوى وترك النهي عن المنكرات مع الكفر ، وقوله واتبع معطوف مضمر دل عليه الكلام إذ المعنى : فلم ينهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا وكانوا مجرمين عطف على" اتبع "أو اعترض .وقرئ وأتبع أي وأتبعوا جزاء ما أترفوا فتكون الواو للحال ، ويجوز أن تفسر به المشهورة ويعضده تقدم الإنجاء.
116. If only there had been among the generations before you men possessing a remnant (of good sense ) to warn (their people) from corruption in the earth, as did a few of those whom We saved from them! The wrong doers followed that by which they were made sapless, and were guilty.
116 - Why were there not, among the generations before you, persons possessed of balanced good sense, prohibiting (men) from mischief in the earth except a few among them whom we saved (from harm)? but the wrong doers pursued the enjoyment of the good things of life which were given them and persisted in sin.