[الكافرون : 2] لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
2 - (لا أعبد) في الحال (ما تعبدون) من الأصنام
وقوله : " لا أعبد ما تعبدون " من الآلهة والأوثان الآن .
قل للذين كفروا " لا أعبد ما تعبدون " وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على رب العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة وإبطال ما قصده الله من ان يذل نبيه للمشركين بخطابه اياهم بهذا الخطاب الزري، والزامهم ما يأنف منه كل ذي لب وحجا. وذلك ان الذي يدعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلاً ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم. فمعنى قراءتنا: قل للذين كفروا: يا أيها الكافرون، دليل صحة هذا: أن العربي إذا قال لمخاطبه قل لزيد أقبل إلينا، فمعناه قل لزيد يا زيد أقبل إلينا. فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وابلغ معنى، إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدها في ناديهم، فيقول لهم :(يا أيها الكافرون) وهو يعلم أنهم يغضبون من ان ينسبوا الى الكفر، ويدخلوا في جملة أهله إلا وهو محروس ممنوع من ان تنبسط عليه منهم يدا، او تقع به في جهتهم أذية. فمن لم يقرأ " قل يا أيها الكافرون" كما انزلها الله، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبيل اهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه، التي منحه الله إياها، شرفه بها. وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم، كما تقول: والله لا أفعل كذا، ثم والله لا أفعله. قال اكثر اهل المعاني: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء، أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد، قال الله تعالى:" فبأي آلاء ربكما تكذبان " [الرحمن:45] . " ويل يومئذ للمكذبين" [المطففين:10] " كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون" [النبأ:4-5] و" فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا" كل هذا على التأكيد. وقد يقول القائل : ارم، ارم، اعجل اعجل، ومنه قول عليه السلام في الحديث الصحيح:
(فلان آذن، ثم آذنن إنما فاطمة يضعة مني). خرجهمسلم وقال الشاعر:
هلا سالت جموع كندة يوم ولوا أين أينا
وقال آخر:
يا لبكر أنشروا لي كليباً يا لبكر أين أين الفرار
وقال آخر:
يا علقمة يا علقمة يا علقمة خير تميم كلها وأكرمه
وقال آخر:
ألا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي ثلاث تحيات وإن لم تكلم
ومثله كثير. وقيل: هذا على مطابقة قولهم: تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك، فنجري على هذا أبداً سنة سنة. فأجيبوا عن كل ما قالوه بضده، أي إن هذا لا يكون أبداً. قال ابن عباس: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجل بمكة، ونزوجك من شئت، ونطأ عقبك، أي نمشي خلفك، وتكف عن شتم آلهتنا، فإن لم تفعل فنحن نعرض عليك خصلة واحدة هي لنا ولك صلاح، تعبد آلهتنا (اللات والعزى) سنة، ونحن نعبد إلهك سنة، فنزلت السورة. فكان التكرار في (لا اعبد ما تعبدون)،لأن القوم كرروا عليه مقالهم مرة بعد مرة. والله أعلم . وقيل: إنما كرر بمعنى التغليظ. وقيل: أي (لا أعبد) الساعة(ما تعبدون ولا انتم عابدون) الساعة (ما أعبد) ثم قال: (ولا انا عابد) في المستقبل (ما عبدتم. ولا انتم) في المستقبل (عابدون ما أعبد) قاله الأخفش والمبرد. وقيل: إنهم كانوا يعبدون الأوثان، فإذا ملوا وثناً، وسئموا العبادة له، رفضوه، ثم أخذوا وثناً غيره بشهوة نفوسهم، فإذا مروا بحجارة تعجبهم ألقوا هذه، ورفعوا تلك ، فعظموها ونصبوها آلهة يعبدونها، فأمر عليه السلام ان يقول لهم:(لا أعبد ما تعبدون) اليوم من هذه الآلهة التي بني ايديكم. ثم قال: (ولا انا عابد ما عبدتم) أي بالأمس من الآلهة التي رفضتموها، وأقبلتم على هذه. " ولا أنتم عابدون ما أعبد" فإني أعبد إلهي. وقيل إن قوله تعالى: " لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد " في الاستقبال .
هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون, وهي آمرة بالإخلاص فيه فقوله تعالى: "قل يا أيها الكافرون" يشمل كل كافر على وجه الأرض, ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش, وقيل إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة, ويعبدون معبوده سنة, فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية فقال: "لا أعبد ما تعبدون" يعني من الأصنام والأنداد "ولا أنتم عابدون ما أعبد" وهو الله وحده لا شريك له, فما ههنا بمعنى من, ثم قال: "ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد" أي ولا أعبد عبادتكم أي لا أسلكها ولا أقتدي بها وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه, ولهذا قال: "ولا أنتم عابدون ما أعبد" أي لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته, بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم كما قال: "إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى".
فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه, فإن العابد لا بد له من معبود يعبده وعبادة يسلكها إليه, فالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرعه, ولهذا كان كلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله أي لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله, ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "لكم دينكم ولي دين" كما قال تعالى: "وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون" وقال: "لنا أعمالنا ولكم أعمالكم" . وقال البخاري يقال: "لكم دينكم" الكفر "ولي دين" الإسلام ولم يقل ديني لأن الايات بالنون فحذف الياء كما قال: "فهو يهدين" و "يشفين" وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الان ولا أجيبكم فيما بقي من عمري ولا أنتم عابدون ما أعبد, وهم الذين قال: "وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً" انتهى ما ذكره. ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد كقوله: "فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً" وكقوله "لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين" وحكاه بعضهم كابن الجوزي وغيره عن ابن قتيبة , فالله أعلم. فهذه ثلاثة أقوال (أولها) ما ذكرناه أولاً (والثاني) ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد "لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد" في الماضي "ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد" في المستقبل (الثالث) إن ذلك تأكيد محض (وثم قول رابع) نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه, وهو أن المراد بقوله: "لا أعبد ما تعبدون" نفي الفعل لأنها جملة فعلية "ولا أنا عابد ما عبدتم" نفي قبوله لذلك بالكلية لأن النفي بالجملة الاسمية آكد, فكأنه نفي الفعل وكونه قابلاً لذلك, ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضاً, وهو قول حسن أيضاً, والله أعلم. وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الاية الكريمة "لكم دينكم ولي دين" على أن الكفر ملة واحدة, فورث اليهود من النصارى وبالعكس إذ كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به لأن الأديان ما عدا الإسلام كلها كالشيء الواحد في البطلان. وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود, وبالعكس لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتوارث أهل ملتين شتى" آخر تفسير سورة قل يا أيها الكافرون.
فأمره الله سبحانه أن يقول لهم: 2- "لا أعبد ما تعبدون" أي لا أفعل ما تطلبون مني من عبادة ما تعبدون من الأصنام، قيل والمراد فيما يستقبل من الزمان لأن لا النافية لا تدخل في الغالب إلا على [المضارع] الذي في معنى الاستقبال، كما أن ما لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال.
ومعنى الآية: 2- "لا أعبد ما تعبدون"، في الحال.
2-" لا أعبد ما تعبدون " أي فيما يستقبل فأن لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الاستقبال كما أن " ما " لا تدخل إلا مضارع بمعنى الحال .
2. I worship not that which ye worship;
2 - I worship not that which ye worship,