[يونس : 78] قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ
78 - (قالوا أجئتنا لتلفتنا) لتردنا (عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء) الملك (في الأرض) أرض مصر (وما نحن لكما بمؤمنين) مصدقين
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره قال فرعون وملأه لموسى: " أجئتنا لتلفتنا "، يقول: لتصرفنا وتلوينا، " عما وجدنا عليه آباءنا "، من قبل مجيئك، من الدين.
يقال منه: ((لفت فلان عنق فلان))، إذا لواها، كما قال رؤبة:
لفتاً وتهزيعاً سواء اللفت
((التهزيع))، الدق، و((اللفت))، اللي، كما:
حدينا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " لتلفتنا "، قال: لتلوينا عما وجدنا عليه آباءنا.
وقوله: " وتكون لكما الكبرياء في الأرض "، يعني العظمة، وهي ((الفعلياء)) من ((الكبر))، ومنه قول ابن الرقاع:
سؤدداً غير فاحش لا يدا نيه تجبارة ولا كبرياء
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " وتكون لكما الكبرياء في الأرض "، قال: الملك.
... قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد : " وتكون لكما الكبرياء في الأرض "، قال: السلطان في الأرض.
... قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج ، قال: بلغني عن مجاهد قال: الملك في الأرض.
... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك : " وتكون لكما الكبرياء في الأرض "، قال: الطاعة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " وتكون لكما الكبرياء في الأرض "، قال: الملك.
... قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد قال: السلطان في الأرض.
قال أبو جعفر: وهذا الأقوال كلها متقاربات المعاني. وذلك أن الملك سلطان، والطاعة ملك، غير أن معنى " الكبرياء "، وهو ما ثبت في كلام العرب، ثم يكون ذلك عظمة بملك وسلطان وغير ذلك.
وقوله: " وما نحن لكما بمؤمنين "، يقول: " وما نحن لكما "، يا موسى وهرون، " بمؤمنين "، يعني: بمقرين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا.
قوله تعالى: "قالوا أجئتنا لتلفتنا" أي تصرفنا وتلوينا، يقال: لفته يلفته لفتاً إذا لواه وصرفه. قال الشاعر:
تلفت نحو الحي حتى رأيتني وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا
ومن هذا التفت إنما هو عدل عن الجهة التي بين يديه. "عما وجدنا عليه آباءنا" يريد من عبادة الأصنام. "وتكون لكما الكبرياء" أي العظمة والملك والسلطان. "في الأرض" يريد أرض مصر. ويقال للملك: الكبرياء لأنه أعظم ما يطلب في الدنيا. "وما نحن لكما بمؤمنين" وقرأ ابن مسعود و الحسن وغيرهما ويكون بالياء لأنه تأنيث غير حقيقي وقد فصل بينهما. وحكى سيبويه: حضر القاضي اليوم امرأتان.
يقول تعالى: "ثم بعثنا" من بعد تلك الرسل "موسى وهارون إلى فرعون وملئه" أي قومه "بآياتنا" أي حججنا وبراهيننا "فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين" أي استكبروا عن اتباع الحق والانقياد له وكانوا قوماً مجرمين "فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين" كأنهم قبحهم الله أقسموا على ذلك وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان كما قال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" الاية "قال" لهم "موسى" منكراً عليهم "أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون * قالوا أجئتنا لتلفتنا" أي تثنينا "عما وجدنا عليه آباءنا" أي الدين الذي كانوا عليه "وتكون لكما" أي لك ولهارون "الكبرياء" أي العظمة والرياسة "في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين".
وكثيراً ما يذكر الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون في كتابه العزيز لأنها من أعجب القصص فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ثم ترعرع وعقد الله له سبباً أخرجه من بين أظهرهم ورزقه النبوة والرسالة والتكليم وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه هذا مع ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان, فجاءه برسالة الله تعالى وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام, فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية, والنفس الخبيثة وقوى رأسه وتولى بركنه وادعى ما ليس له وتجهرم على الله وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل والله تعالى يحفظ رسوله موسى عليه السلام وأخاه هارون ويحوطهما بعنايته ويحرسهما بعينه التي لا تنام ولم تزل المحاجة والمجادلة والايات تقوم على يدي موسى شيئاً بعد شيء, ومرة بعد مرة مما يبهر العقول ويدهش الألباب مما لا يقوم له شيء ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله " وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها " وصمم فرعون وملؤه قبحهم الله على التكذيب بذلك كله والجحد والعناد والمكابرة حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد, وأغرقهم في صبيحة واحدة أجمعين "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين".
وجملة 78- "قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا" مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا قالوا بعد أن قال لهم موسى ما قال؟ وفي هذا ما يدل على أنهم انقطعوا عن الدليل وعجزوا عن إبراز الحجة، ولم يجحدوا ما يجيبون به عما أورده عليهم، بل لجأوا إلى ما يلجأ إليه أهل الجهل والبلادة، وهو الاحتجاج بما كان عليهم آباؤهم من الكفر، وضموا إلى ذلك ما هو غرضهم وغاية مطلبهم وسبب مكابرتهم للحق وجحودهم للآيات البينة، وهو الرياسة الدنيوية التي خافوا عليها وظنوا أنها ستذهب عنهم إن آمنوا، وكم بقي على الباطل، وهو يعلم أنه باطل بهذه الذريعة من طوائف هذا العالم في سابق الدهر ولا حقه، فمنهم من حبسه ذلك عن الخروج من الكفر، ومنهم من حبسه عن الخروج إلى السنة من البدعة، وإلى الرواية الصحيحة من الرأي البحت، يقال لفته لفتاً: إذا صرفه عن الشيء ولواه عنه، ومنه قال الشاعر:
تلفت نحو الحي حتى رأيتني وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا
أي تريد أن تصرفنا عن الشيء الذي وجدنا عليه آباءنا، وهو عبادة الأصنام، والمراد بالكبرياء الملك. قال الزجاج: سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا، وقيل سمي بذلك لأن الملك يتكبر.
والحاصل أنهم عللوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين: التمسك بالتقليد للآباء والحرص على الرياسة الدنيوية، لأنهم إذا أجابوا النبي وصدقوه صارت مقاليد أمر أمته إليه ولم يبق للملك رئاسة تامة، لأن التدبير للناس بالدين يرفع تدبير الملوك لهم بالسياسات والعادات، ثم قالوا: "وما نحن لكما بمؤمنين" تصريحاً منهم بالتكذيب وقطعاً للطمع في إيمانهم، وقد أفرد الخطاب لموسى في قولهم: أجئتنا لتلفتنا، ثم جمعوا بينه وبين هارون في الخطاب في قولهم: "وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين" ووجه ذلك أنهم أسندوا المجيء والصرف عن طريق آبائهم إلى موسى، لكونه المقصود بالرسالة المبلغ عن الله ما شرعه لهم، وجمعوا بينهما في الضميرين الآخرين، لأن الكبرياء شامل لهما في زعمهم ولكون ترك الإيمان بموسى يستلزم ترك الإيمان بهارون.
78-"قالوا"، يعني: فرعون وقومه لموسى، "أجئتنا لتلفتنا"، لتصرفنا. وقال قتادة لتلوينا، "عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء"، الملك والسلطان، "في الأرض"، أرض مصر وقرأ أبو بكر: ويكون بالياء، "وما نحن لكما بمؤمنين"، بمصدقين.
78."قالوا أجئتنا لتلفتنا"لتصرفنا واللفت والفتل أخوان ."عما وجدنا عليه آباءنا" من عبادة الأصنام."وتكون لكما الكبرياء في الأرض"الملك فيها سمي بها لاتصاف الملوك بالكبر ، أو التكبر على الناس باستتباعهم ."وما نحن لكما بمؤمنين"بمصدقين فيما جئتما به.
78. They said: Hast thou come unto us to pervert us from that (faith) in which we found our fathers, and that you two may own the place of greatness in the land? We will not believe you two.
78 - They said: hast thou come to us to turn us away from the ways we found our fathers following, in order that thou and thy brother may have greatness in the land? but not we shall believe in you