[يونس : 6] إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ
6 - (إن في اختلاف الليل والنهار) بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان (وما خلق الله في السماوات) من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك (والأرض) في الأرض من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها (لآيات) دلالات على قدرته تعالى (لقوم يتقون) فيؤمنون خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، منبهاً عباده على موضع الدلالة على ربوبيته، وأنه خالق كل ما دونه: إن في اعتقاب الليل النهار، واعتقاب النهار الليل، إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب هذا، وفيما خلق الله في السموات من الشمس والقمر والنجوم، وفي الأرض من عجائب الخلق الدالة على أن لها صانعاً ليس كمثله شيء، " لآيات "، يقول: لأدلة وحججاً وأعلاماً واضحةً، " لقوم يتقون " الله، فيخافون وعيده، ويخشون عقابه على إخلاص العبادة لربهم.
فإن قال قائل: أولا دلالة فيما خلق الله في السموات والأرض على صانعه إلا لمن اتقى الله؟
قيل: في ذلك الدلالة الواضحة على صانعه لكل من صحت فطرته، وبرىء من العاهات قلبه. ولم يقصد بذلك الخبر عن أن فيه الدلالة لمن كان قد أشعر نفسه تقوى الله، وإنما معناه: إن في ذلك لآيات لمن اتقى عقاب الله، فلم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحق، لأن ذلك يدل كل ذي فطرة صحيحة على أن له مدبراً يستحق عليه الإذعان له بالعبودة، دون ما سواه من الآلهة والأنداد.
تقدم في البقرة وغيرها معناه، والحمد لله. وقد قيل: إن سبب نزولها أن أهل مكة سألوا آية فردهم إلى تأمل مصنوعاته والنظر فيها، قاله ابن عباس. "لقوم يتقون" أي الشرك، فأما من أشرك ولم يستدل فليست الآية له آية.
يخبر تعالى عما خلق من الايات الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وجعل شعاع القمر نوراً, هذا فن وهذا فن آخر, ففاوت بينهما لئلا يشتبها, وجعل سلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل, وقدر القمر منازل, فأول ما يبدو صغيراً ثم يتزايد نوره وجرمه حتى يستوسق ويكمل إبداره, ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في تمام شهر كقوله تعالى: " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " وقوله تعالى: "والشمس والقمر حسباناً" الاية, وقوله في هذه الاية الكريمة: "وقدره" أي القمر "منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" فبالشمس تعرف الأيام وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام "ما خلق الله ذلك إلا بالحق" أي لم يخلقه عبثاً بل له حكمة عظيمة في ذلك وحجة بالغة كقوله تعالى: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" وقال تعالى: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم " وقوله: " نفصل الآيات " أي نبين الحجج والأدلة "لقوم يعلمون" وقوله: "إن في اختلاف الليل والنهار" أي تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا وإذا ذهب هذا جاء هذا لا يتأخر عنه شيئاً كقوله تعالى: "يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً" وقال: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" الاية.
وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً" الاية, وقوله: "وما خلق الله في السموات والأرض" أي من الايات الدالة على عظمته تعالى كما قال: "وكأين من آية في السموات والأرض" الاية, وقوله: " قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " وقال: "أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض" وقال: " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " أي العقول, وقال ههنا " لآيات لقوم يتقون " أي عقاب الله وسخطه وعذابه.
ثم ذكر سبحانه المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار وما خلق في السموات والأرض من تلك المخلوقات، فقال: 6- "إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون" أي الذين يتقون الله سبحانه ويجتنبون معاصيه وخصهم بهذه الآيات لأنهم الذين يمعنون النظر والتفكر في مخلوقات الله سبحانه حذراً منهم عن الوقوع في شيء مما يخالف مراد الله سبحانه ونظراً لعاقبة أمرهم، وما يصلحهم في معادهم. قال القفال: من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لبقاء الناس فيها، وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم بل جعلها لهم دار عمل، وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله تعالى: "جعل الشمس ضياء والقمر نوراً" قال: لم يجعل الشمس كهيئة القمر لكي يعرف الليل من النهار، وهو قوله: "فمحونا آية الليل" الآية. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: وجوههما إلى السموات، وأقفيتهما إلى الأرض. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو مثله. وأخرج أبو الشيخ عن خليفة العبدي قال: لو أن الله تبارك وتعالى لم يعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد، ولكن المؤمنون تفكروا في مجيء هذا الليل إذا جاء فملأ كل شيء، وغطى كل شيء، وفي مجيء سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل، وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض، وفي النجوم، وفي الشتاء والصيف، فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم.
6-" إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون" يؤمنون.
6."إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض"من أنواع الكائنات ."لآيات"على وجود الصانع ووحدته وكمال علنه وقدرته."لقوم يتقون"العواقب فإنه يحملهم على التفكر والتدبر.
6. Lo! in the difference of day and night and all that Allah hath created in the heavens and the earth are portents, verily, for folk who ward off (evil).
6 - Verily in the alternation of the night and the day, and in all that God hath created, in the heavens and the earth are signs for those who fear him.