[يونس : 31] قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
31 - (قل) لهم (من يرزقكم من السماء) بالمطر (والأرض) بالنبات (أم من يملك السمع) بمعنى الأسماع أي خلقها (والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر) بين الخلائق (فسيقولون) هو (الله فقل) لهم (أفلا تتقون) فتؤمنون
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قل "، يا محمد، لهؤلاء المشركين بالله الأوثان والأصنام، " من يرزقكم من السماء "، الغيث والقطر، ويطلع لكم شمسها، ويغطش ليلها، ويخرج ضحاها، ومن الأرض، أقواتكم وغذاءكم الذي ينبته لكم، وثمار أشجارها، " أمن يملك السمع والأبصار "، يقول: أم من ذا الذي يملك أسماعكم وأبصاركم التي تسمعون بها: أن يزيد في قواها أو يسلبكموها، فيجعلكم صماً، وأبصاركم التي تبصرون بها: أن يضيئها لكم وينيرها، أو يذهب بنورها، فيجعلكم عمياً لا تبصرون، " ومن يخرج الحي من الميت "، يقول: ومن يخرج الشيء الحي من الميت، " ويخرج الميت من الحي "، يقول: ويخرج الشيء الميت من الحي.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين من أهل التأويل، والصواب من القول عندنا في ذلك بالأدلة الدالة على صحته، في ((سورة آل عمران))، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
" ومن يدبر الأمر "، وقل لهم: من يدبر أمر السماء والأرض وما فيهن، وأمركم وأمر الخلق؟، " فسيقولون الله "، يقول جل ثناؤه: فسوف يجيبونك بأن يقولوا: الذي يفعل ذلك كله الله، " فقل أفلا تتقون "، يقول: أفلا تخافون عقاب الله على شرككم وادعائكم رباً غير من هذه الصفة صفته، وعبادتكم معه من لا يرزقكم شيئاً، ولا يملك لكم ضراً ولا نفعاً، ولا يفعل فعلاً؟.
المراد بمساق هذا الكلام الرد على المشركين وتقرير الحجة عليهم، فمن اعترف منهم فالحجة ظاهرة عليهم، ومن لم يعترف فيقرر عليه أن هذه السموات والأرض لا بد لها من خالق، ولا يتمارى في هذا عاقل. وهذا قريب من مرتبة الضرورة. "من السماء" أي بالمطر. "والأرض" بالنبات. "أمن يملك السمع والأبصار" أي من جعلهما وخلقهما لكم. "ومن يخرج الحي من الميت" أي النبات من الأرض، والإنسان من النطفة، والسنبلة من الحبة، والطير من البيضة، والمؤمن من الكافر. "ومن يدبر الأمر" أي يقدره ويقضيه. "فسيقولون الله" لأنهم كانوا يعتقدون أن الخالق هو الله، أو فسيقولون هو الله إن فكروا وأنصفوا "فقل" لهم يا محمد. "أفلا تتقون" أي أفلا تخافون عقابه ونقمته في الدنيا والآخرة.
يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية إلاهيته فقال تعالى: "قل من يرزقكم من السماء والأرض" أي من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر فيشق الأرض شقاً بقدرته ومشيئته فيخرج منها " حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وأبا " أإله مع الله ؟ فسيقولون الله "أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ؟" وقوله: " أمن يملك السمع والأبصار " أي الذي وهبكم هذه القوة السامعة, والقوة الباصرة, ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها كقوله تعالى: "قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار" الاية. وقال: "قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم" الاية وقوله: "ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي" أي بقدرته العظيمة ومنته العميمة, وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك وأن الاية عامة لذلك كله وقوله: "ومن يدبر الأمر" أي من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه, ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون "يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن" فالملك كله العلوي والسفلي وما فيهما من ملائكة وإنس وجان فقيرون إليه عبيد له خاضعون لديه "فسيقولون الله" أي وهم يعلمون ذلك ويعترفون به.
"فقل أفلا تتقون" أي أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم وقوله: "فذلكم الله ربكم الحق" الاية أي فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة "فماذا بعد الحق إلا الضلال" أي فكل معبود سواه باطل لا إله إلا هو واحد لا شريك له "فأنى تصرفون" أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شيء والمتصرف في كل شيء, وقوله: "كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا" الاية أي كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره مع أنهم يعترفون بأنه الخالق المتصرف في الملك وحده الذي بعث رسله بتوحيده, فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار كقوله: "قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين".
لما بين فضائح المشركين أتبعها بإيراد الحجج الدامغة من أحوال الرزق والحواس والموت والحياة والابتداء والإعادة والإرشاد والهدى، وبنى سبحانه الحج على الاستفهام وتفويض الجواب إلى المسؤولين ليكون أبلغ في إلزام الحجة وأوقع في النفوس، فقال: 31- "قل" يا محمد للمشركين احتجاجاً لحقية التوحيد وبطلان ما هم عليه من الشرك "من يرزقكم من السماء والأرض" من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات والمعادن، فإن اعترفوا حصل المطلوب، وإن لم يعترفوا فلا بد أن يعترفوا بأن الله هو الذي خلقهما " أمن يملك السمع والأبصار " أم هي المنقطعة، وفي هذا انتقال من سؤال إلى سؤال، وخص السمع والبصر بالذكر لما فيهما من الصنعة العجيبة والقدرة الباهرة العظيمة: أي من يستطيع ملكهما وتسويتهما على هذه الصفة العجيبة والخلقة الغريبة حتى ينتفعوا بهما هذا الانتفاع العظيم، ويحصلون بهما من الفوائد ما لا يدخل تحت حصر الحاصرين، ثم انتقل إلى حجة ثالثة، فقال: "ومن يخرج الحي من الميت" الإنسان من النطفة، والطير من البيضة، والنبات من الحبة، أو المؤمن من الكافر "ويخرج الميت من الحي" أي النطفة من الإنسان أو الكافر من المؤمن، والمراد من هذا الاستفهام عمن يحيي ويميت ثم انتقل إلى حجة رابعة، فقال: "ومن يدبر الأمر" أي يقدره ويقضيه، وهذا من عطف العام على الخاص لأنه قد عم ما تقدم وغيره "فسيقولون الله" أي سيكون قولهم في جواب هذه الاستفهامات إن الفاعل لهذه الأمور هو الله سبحانه إن أنصفوا وعملوا على ما يوجبه الفكر الصحيح والعقل السليم، وارتفاع الاسم الشريف على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف، أي الله يفعل ذلك، ثم أمره الله سبحانه بعد أن يجيبوا بهذا الجواب أن يقول لهم "أفلا تتقون" والاستفهام للإنكار، والفاء للعطف على مقدر: أي تعلمون ذلك أفلا تتقون وتفعلون ما يوجبه هذا العلم من تقوى الله الذي يفعل هذه الأفعال.
31-قوله تعالى: "قل من يرزقكم من السماء والأرض"، أي: من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، " أمن يملك السمع والأبصار " أي: من إعطائكم السمع والأبصار، " ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي" يخرج الحي من النطفة والنطفة من الحي، "ومن يدبر الأمر"؟ أي: يقضي الأمر، "فسيقولون الله"، هو الذي يفعل هذه الأشياء، "فقل: أفلا تتقون"؟ أفلا تخافون عقابه في شرككم؟ وقيل: أفلا تتقون الشرك مع هذا الإقرار؟
31."قل من يرزقكم من السماء والأرض"أي منهما جميعاً فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ومواد أرضية أو"من"كل واحد منهما توسعة عليكم .وقيل من لبيان من على حذف المضاف أي من أهل السماء والأرض ."أمن يملك السمع والأبصار"أم من يستطيع خلقهما وتسويتهما، أومن يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالهما من أدنى شيء."ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي"ومن يحيي ويميت، أو من ينشئ الحيوان من النطفة منه."ومن يدبر الأمر"ومن يلي تدبير أمر العالم وهو تعميم بعد تخصيص ."فسيقولون الله"إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه."فقل أفلا تتقون"أنفسكم عقابه بإشراككم إياه ما لا يشاركه في شيء من ذلك.
31. Say (unto them, O Muhammad): Who provideth for you from the sky and the earth, or Who owneth hearing and sight; and Who bringeth forth the living from the dead and bringeth forth the dead from the living; and Who directeth the course? They will say : Allah. Then say : Will ye not then keep your duty (unto Him)?
31 - Say: who is it that Sustains you (in life) from the sky and from the earth? or who is it that has power over hearing and sight? and who is it that brings out the living from the dead and the dead from the living? and who is it that rules and regulates all affairs? they will soon say, God. say will ye not then show piety (to him)?