[يونس : 29] فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ
29 - (فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن) مخففة أي إنا (كنا عن عبادتكم لغافلين)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبراً عن قيل شركاء المشركين من الآلهة والأوثان لهم يوم القيامة، إذ قال المشركون بالله لها: إياكم كنا نعبد، " كفى بالله شهيدا بيننا وبينكم "، أي إنها تقول. حسبنا الله شاهداً بيننا وبينكم، أيها المشركون، فإنه قد علم أنا ما علمنا ما تقولون، " إن كنا عن عبادتكم لغافلين "، يقول: ما كنا عن عبادتكم إيانا دون الله إلا غافلين، لا نشعر به ولا نعلم، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد :" إن كنا عن عبادتكم لغافلين "، قال: كل شيء يعبد من دون الله.
حدثني المثنى قال، حدثني إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد : " إن كنا عن عبادتكم لغافلين "، قال: يقول ذلك كل شيء كان يعبد من دون الله.
قوله تعالى: "فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم" شهيداً مفعول، أي كفى الله شهيداً، أو تمييز، أي اكتف به شهيداً بيننا وبينكم إن كنا أمرناكم بهذا أو رضيناه منكم. "إن كنا" أي ما كنا "عن عبادتكم لغافلين" إلا غافلين لا نسمع ولا نبصر ولا نعقل، لأنا كنا جماداً لا روح فينا.
يقول تعالى: "ويوم نحشرهم" أي أهل الأرض كلهم من جن وإنس وبر وفاجر كقوله: "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً" "ثم نقول للذين أشركوا" الاية أي الزموا أنتم وهم مكاناً معيناً امتازوا فيه عن مقام المؤمنين كقوله تعالى: "وامتازوا اليوم أيها المجرمون" وقوله: "ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون" وفي الاية الأخرى "يومئذ يصدعون" أي يصيرون صدعين وهذا يكون إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء ولهذا قيل ذلك بياض في الأصل يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا, وفي الحديث الاخر "نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس" وقال الله تعالى في هذه الاية الكريمة إخباراً عما يأمر به المشركين وأوثانهم يوم القيامة " مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم " الاية أنهم أنكروا عبادتهم وتبرؤوا منهم كقوله: "كلا سيكفرون بعبادتهم" الاية وقوله: "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا" وقوله: "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء" الاية وقوله في هذه الاية إخباراً عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم: "فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم" الاية أي ما كنا نشعر بها ولا نعلم بها, وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا أمرناكم بها ولا رضينا منكم بذلك.
وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئاً, ولم يأمرهم بذلك ولا رضي به ولا أراده بل تبرأ منهم وقت أحوج ما يكونون إليه وقد تركوا عبادة الحي القيوم السميع البصير القادر على كل شيء العليم بكل شيء, وقد أرسل رسله وأنزل كتبه آمراً بعبادته وحده لا شريك له ناهياً عن عبادة ما سواه كما قال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة" وقال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال: " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " والمشركون أنواع وأقسام كثيرون قد ذكرهم الله في كتابه وبين أحوالهم وأقوالهم ورد عليهم فيما هم فيه أتم رد, وقال تعالى: "هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت" أي في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خير وشر كقوله تعالى: "يوم تبلى السرائر" وقال تعالى: "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر" وقال تعالى: "ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً" وقد قرأ بعضهم "هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت" وفسرها بعضهم بالقراءة, وفسرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمت من خير وشر وفسرها بعضهم بحديث "لتتبع كل أمة ما كانت تعبد, فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر, ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت" الحديث, وقوله: "وردوا إلى الله مولاهم الحق" أي ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل ففصلها وأدخل أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار "وضل عنهم" أي ذهب عن المشركين "ما كانوا يفترون" أي ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه.
29- "فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم" إن كنا أمرنا بعبادتنا أو رضينا ذلك منكم "إن كنا عن عبادتكم لغافلين"، إن هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والقائل لهذا الكلام هم المعبودون. قالوا: لمن عبدهم من المشركين: إنا كنا عن عبادتكم لنا لغافلين، والمراد بالغفلة هنا: عدم الرضا بما فعله المشركون من العبادة لهم، وفي هذا دليل على أن هؤلاء المعبودين غير الشياطين لأنهم يرضون بما فعله المشركون من عبادتهم، ويمكن أن يكونوا من الشياطين، ويحمل هذا الجحد منهم على أنهم لم يجبروهم على عبادتهم ولا أكرهوهم عليها.
29-"فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين"، أي: ما كنا عن عبادتكم إيانا إلا غافلين، ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل.
29."فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم" فإنه العالم بكنه الحال. " إن كنا عن عبادتكم لغافلين""إن"هي المخففة من الثقيلة وللام هي الفارقة .
29. Allah sufficeth as a witness between us and you, that we were unaware of your worship.
29 - Enough is God for a witness between us and you: we certainly knew nothing of your worship of us