98 - (قال) ذو القرنين (هذا) أي السد أي الإقدار عليه (رحمة من ربي) نعمة لأنه مانع من خروجهم (فإذا جاء وعد ربي) بخروجهم القريب من البعث (جعله دكاء) مدكوكا مبسوطا (وكان وعد ربي) بخروجهم وغيره (حقا) كائنا
يقول عز ذكره : فلما رآى ذو القرنين أن يأجوج ومأجوج لا يستطيعون أن يظهروا ما بني من الردم ، ولا يقدرون على نقبه ، قال : هذا الذي بنيته وسويته حاجزا بين هذه الأمة ومن دون الردم رحمة من ربي رحم بها من دون الردم من الناس ، فأعانني برحمته لهم حتى بنيته وسويته ليكف بذلك غائلة هذه الأمة عنهم . وقوله ملأفإذا جاء وعد ربي جعله دكاء يقول : فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم ، جعله دكاء، يقول : سواه بالأرض ، فالزمه بها من قولهم : ناقة دكاء : مستوية الظهر لا سنام لها . وإنما معنى العلام : جعله مدكوكا، فقيل : دكاء وكان قتادة يقول في ذلك ما :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء" قال : لا أدري الجبلين يعني به ، أو ما بينهما . وذكر أن ذلك يكون كذلك بعد قتل عيسى ابن مريم عليه السلام الدجال .
ذكر الخبر بذلك :
حذثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال : ثنا هشيم بن بشير ، قال : أخبرنا العوام ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفارة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لقيت ليلة الإسراء إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة ، وردوا الأمر إلى إبراهيم فقال إبراهيم : لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى موسى، فقال موسى : لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى عيسى، قال عيسى : أما قيام الساعة لا يعلمة إلأ الله ، ولكن ربي قد عهد إلي بما هو كائن دون وقتها، عهد إلي أن الدجال خارخ ، وأنه مهبطي إليه ، فذكر أن معه قصبتين ، فإذا راني أهلكه الله ، قال : فيذوب كما يذوب الرصاص ، حتر، إن الحجر والشجر ليقول : يا مسلم هذا كافر فاقتله ، فيهلكهم الله ، ويرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم فيستقبلهم يأجوج وماجوج من كل حدب ينسلون ، لا ياتون على شيء إلأ أكلوه ، ولا يمرون على ماء إلأ شربوه ، فيرجع الناس إلن ، فيشكونهم ، فادعو الله عليهم فيميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم ، فينزل المطر، فيجر أنجسادهم ، فيلقيهم في البحر، ثم ينسف الجبال حتى تكون الأرض كالأديم ، فعهد إلن ربي أن ذلك إذا كان كذلك ، فإن الساعة منهم كالحامل المتم التي لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها، ليلا أو نهارا.
حدثني عبيد بن إسماعيل ، قال ،: ثنا المحاربي ، عن أصبع بن زيد ، عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثربن عفارة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام . فتذاكروا أمر الساعة فذكر نحو حديث إبراهيم الدورقي عن هشيم ، وزاد فيه : قال العوام بن حوشب : فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ، قال الله عز وجل " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا" وقال " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا" يقول : وكان وعد ربي الذي وعد خلته في دك هذا الردم ، وخروج هؤلاء القوم على الناس ، وعيثهم فيه، وغيرذلك من وعده حقا، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن .
قوله تعالى: " قال هذا رحمة من ربي " القائل ذو القرنين، وأشار بهذا إلى الردم، والقوة عليه، والانتفاع به في دفع ضرر يأجوج ومأجوج. وقرأ ابن أبي عبلة ( هذه رحمة من ربي ).
قوله تعالى: "فإذا جاء وعد ربي " أي يوم القيامة. وقيل: وقت خروجهم. " جعله دكاء " أي مستوياً بالأرض، ومنه قوله تعالى: " إذا دكت الأرض " [الفجر: 21] قال ابن عرفة: أي جعلت مستوية لا أكمة فيها، ومنه قوله تعالى: " جعله دكاء " قال اليزيدي: أي مستوياً، يقال: ناقة دكاء إذا ذهب سنامها. وقال القتبي : أي جعله مدكوكاً ملصقاً بالأرض. وقال الكلبي: قطعاً متكسراً، قال:
هل غير غاد دك غاراً فانهدم
وقال الأزهري : يقال دككته أي دققته. ومن قرأ " دكاء " أراد جعل الجبل أرضاً دكاء، وهي الرابية التي لا تبلغ أن تكون جبلاً وجمعها دكاوات. قرأ حمزة وعاصم و الكسائي " دكاء " بالمد على التشبيه بالناقة الدكاء، وهي التي لا سنام لها، وفي الكلام حذف تقديره: جعله مثل دكاء، ولا بد من تقدير هذا الحذف. لأن السد مذكر فلا يوصف بدكاء. ومن قرأ دكا فهو مصدر دك يدك إذا هدم ورض، ويحتمل أن يكون جعل بمعنى خلق. وينصب دكا على الحال. وكذلك النصب أيضاً في قراءة من مد يحتمل الوجهين.
يقول تعالى مخبراً عن يأجوج ومأجوج أنهم ما قدروا على أن يصعدوا من فوق هذا السد ولا قدروا على نقبه من أسفله ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلاً بما يناسبه فقال "فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً" وهذا دليل على أنهم لم يقدروا على نقبه ولا على شيء منه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا روح حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة حدثنا أبو رافع عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً فيعودون إليه كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله فيعودون إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفاً في رقابهم فيقتلهم بها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكراً من لحومهم ودمائهم" ورواه أحمد أيضاً عن حسن هو ابن موسى الأشهب عن سفيان عن قتادة به وكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان عن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: حدث أبو رافع وأخرجه الترمذي من حديث أبي عوانة عن قتادة ثم قال غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الاية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل فيقولون غداً نفتحه فيأتون من الغد وقد عاد كما كان فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل فيقولون فذلك فيصبحون وهو كما كان فيلحسونه ويقولون غداً نفتحه ويلهمون أن يقولوا إن شاء الله فيصبحون وهو كما فارقوه فيفتحونه وهذا متجه ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كان كثيراً ما كان يجالسه ويحدثه فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه والله أعلم.
ويؤيد ما قلناه من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه ومن نكارة هذا المرفوع قول الإمام أحمد حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمى عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان عن أمها أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال سفيان أربع نسوة ـ قالت: " استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " وحل " قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم إذا كثر الخبث" هذا حديث صحيح اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث الزهري ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة وأثبتها مسلم وفيه أشياء عزيزة قليلة نادرة الوقوع في صناعة الإسناد منها رواية الزهري عن عروة وهما تابعيان ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده كلهن يروي بعضهم عن بعض ثم كل منهن صحابية ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان رضي الله عنهن.
قد روي نحو هذا عن أبي هريرة أيضاً, فقال ا لبزار : حدثنا محمد بن مرزوق , حدثنا مؤمل بن إسماعيل , حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأموج مثل هذا" وعقد التسعين, وأخرجه البخاري ومسلم من حديث وهيب به, وقوله: "قال هذا رحمة من ربي" أي لما بناه ذو القرنين "قال هذا رحمة من ربي" أي بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلاً يمنعهم من العيث في الأرض والفساد, "فإذا جاء وعد ربي" أي إذا اقترب الوعد الحق "جعله دكاً" أي ساواه بالأرض, تقول العرب: ناقة دكاء إذا كان ظهرها مستوياً لاسنام لها, وقال تعالى: " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " أي مساوياً للأرض.
وقال عكرمة في قوله: "فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء" قال: طريقاً كما كان, "وكان وعد ربي حقاً" أي كائناً لا محالة. وقوله: "وتركنا بعضهم" أي الناس يومئذ, أي يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم, وهكذا قال السدي في قوله: "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: ذاك حين يخرجون على الناس, وهذا كله قبل القيامة وبعد الدجال, كما سيأتي بيانه عند قوله: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق" الاية, وهكذا قال ههنا "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: هذا أول القيامة "ونفخ في الصور" على أثر ذلك "فجمعناهم جمعاً" وقال آخرون: بل المراد بقوله: "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: إذا ماج الجن والإنس يوم القيامة يختلط الإنس والجن.
وروى ابن جرير عن محمد بن حميد عن يعقوب القمي عن هارون بن عنترة , عن شيخ من بني فزارة في قوله "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: إذا ماج الإنس والجن قال إبليس: أنا أعلم لكم علم هذا الأمر, فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد قطعوا الأرض, ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض, فيقول: ما من محيص, ثم يظعن يميناً وشمالاً إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض فيقول ما من محيص, فبينما هو كذلك إذ عرض له طريق كالشراك فأخذ عليه هو وذريته, فبينما هم عليه إذ هجموا على النار, فأخرج الله خازناً من خزان النار, فقال: يا إبليس ألم تكن لك المنزلة عند ربك, ألم تكن في الجنان ؟ فيقول: ليس هذا يوم عتاب, لو أن الله فرض علي فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه, فيقول: فإن الله قد فرض عليك فريضة, فيقول: ما هي ؟ فيقول يأمرك أن تدخل النار فيتلكأ عليه, فيقول: به وبذريته بجناحيه, فيقذفهم في النار, فتزفر النار زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى لركبتيه, وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به, ثم رواه من وجه آخر عن يعقوب عن هارون عن عنترة , عن أبيه عن ابن عباس "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: الإنس والجن يموج بعضهم في بعض.
وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصفهاني , حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات , حدثنا أبو داود الطيالسي , حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي إسحاق عن وهب بن جابر , عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم, ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم, ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً, وإن من ورائهم ثلاث أمم: تاويل وتايس ومنسك" هذا حديث غريب, بل منكر ضعيف.
وروى النسائي من حديث شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبيه , عن جده أوس بن أبي أوس مرفوعاً "إن يأجوج ومأجوج لهم نساء يجامعون ما شاءوا, وشجر يلقحون كما شاءوا, ولا يموت رجل إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً". وقوله: "ونفخ في الصور" والصور كما جاء في الحديث: قرن ينفخ فيه, والذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام, كما تقدم في الحديث بطوله, والأحاديث فيه كثيرة, وفي الحديث عن عطية عن ابن عباس وأبي سعيد مرفوعاً "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته واستمع متى يؤمر ؟ قالوا: كيف نقول ؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". وقوله: "فجمعناهم جمعاً" أي أحضرنا الجميع للحساب " قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً".
98- "قال هذا رحمة من ربي" أي قال ذو القرنين مشيراً إلى السد: هذا السد رحمة من ربي: أي أثر من آثار رحمته لهؤلاء المتجاوزين للسد ولمن خلفهم ممن يخشى عليهم معرتهم لو لم يكن ذلك السد، وقيل الإشارة إلى التمكين من بنائه "فإذا جاء وعد ربي" أي أجل ربي أن يخرجوا منه، وقيل هو مصدر بمعنى المفعول، وهو يوم القيامة "جعله دكاءً" أي مستوياً بالأرض ومنه قوله: "كلا إذا دكت الأرض دكاً". قال الترمذي: أي مستوياً، يقال ناقة دكاء: إذا ذهب سنامها. وقال القتيبي أي جعله مدكوكاً ملصقاً بالأرض. وقال الحليمي: قطعاً متكسراً. قال الشاعر:
هل غير غار دك غاراً فانهدم
قال الأزهري: دككته: أي دققته. ومن قرأ "دكاء" بالمد وهو عاصم وحمزة والكسائي أراد التشبيه بالناقة الدكاء، وهي التي لا سنام لها: أي مثل دكاء، لأن السد مذكر فلا يوصف بدكاء. وقرأ الباقون "دكاً" بالتنوين على أنه مصدر، ومعناه ما تقدم، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الحال: أي مدكوكاً "وكان وعد ربي حقاً" أي وعده بالثواب والعقاب، أو الوعد المعهود حقاً ثابتاً لا يتخلف، وهذا آخر قول ذي القرنين.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "حتى إذا بلغ بين السدين" قال: الجبلين أرمينية وأذربيجان. وأخرج أيضاً عن ابن جريج "لا يكادون يفقهون قولاً" قال: الترك. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال: يأجوج ومأجوج شبر وشبران وأطولهم ثلاثة أشبار، وهم من ولد آدم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث وابن عساكر عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً، وإن من ورائهم ثلاث أمم: تاويل، وتاريس، ومنسك". وأخرج النسائي من حديث عمرو بن أوس عن أبيه مرفوعاً "أنه لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض يحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستفتحونه غداً، فيعودون إليه أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستفتحونه غداً إن شاء الله، ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء، فيقولون قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسراً وعلواً، فيبعث الله عليهم نغفاً في أفقائهم فيهلكون"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فوالذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم" وقد ثبت في الصحيحين من حديث زينت بنت جحش قالت "استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق، قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث"، وأخرجا نحوه من حديث أبي هريرة مرفوعاً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فهل نجعل لك خرجاً" قال: أجراً عظيماً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "ردماً" قال: هو كأشد الحجاب. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "زبر الحديد" قال: قطع الحديد. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "بين الصدفين". قال: الجبلين. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: رؤوس الجبلين. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس في قوله: "قطراً" قال النحاس: وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة " فما اسطاعوا أن يظهروه " قال: أن يرتقوه. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: أن يعلوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "جعله دكاء" قال: لا أدري الجبلين يعني به أم بينهما.
98 - " قال " ، يعني ذا القرنين ، " هذا " ، أي السد ، " رحمة " ، أي : نعمة ، " من ربي فإذا جاء وعد ربي " ، قيل : القيامة . وقيل وقت خروجهم . " جعله دكاء " ، قرأ أهل الكوفة " دكاء " بالمد والهمز ، أ ي: أرضاً ملساء ، وقرأ الآخرون بلا مد ، أي : جعله مدكوكاً مستوياً مع وجه الأرض ، " وكان وعد ربي حقاً " ، وروى قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة يرفعه : " أن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غداً فيعيده الله كما كان ، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله ، واستثنى فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه فيخرجون على الناس، فيتبعون المياه ويتحصن الناس في حصونهم منهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء ، فيرجع فيها كهيئة الدم ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ، فيبعث الله عليها نغفاً في أقفائهم فيهلكون ، وإن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكراً " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغفر بن محمد الفارسي ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن مهران الرازي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا ، فقال : ما شأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ذكرت الدجال ذات غداة فخفضت فيه ورفعت ، حتى ظنناه في طائفة النخل ، فقال: غير الدجال أخوفني عليكم ؟ إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم ، إنه شاب قطط عينه اليمنى طافية ، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، إنه خارج خلةً بين الشام والعراق ، فعاث يميناً وعاث شمالاً ، يا عباد الله ! فاثبتوا قلنا : يا رسول الله فما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره ، قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : كالغيث استدبرته الريح ، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنوا به ويستجيبوا له ،فيأمر السماء فتمطر الأرض ، فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرىً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر ، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ، قال: فينصرف عنهم ، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، ويمر بالخربة ، فيقول لها : أخرجي كنورك ، فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين زمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك ، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي باب دمشق ، بين مهرورتين ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ،
إذا طأطأ رأسه قطر ، وإذا رفعه تحدر منه مثل جمان اللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه ، فيطلبه حتى يدركه بباب لدً فيقتله ، ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقول : لقد كان بهذه مرةً ما، ويحصر نبي الله وأصحابه ، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء ، ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض ، حتى يتركها كالزلفة . ثم يقال للأرض : أنبتي ثمرتك ، وردي بركتك ، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ، ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبةً ، فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة.
وبهذا الإسناد حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا علي بن حجر السعدي ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، و الوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بهذا الإسناد نحو ما ذكرنا وزاد بعد قوله : - لقد كان بهذه مرة ماء - : "ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس ، فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء ، فيرمون بنشابهم إلى السماء ، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبةً دماً ".
وقال وهب : إنهم كانوا يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ،ثم يأكلون الخشب والشجر ، ومن ظفروا به من الناس ، ولا يقدرون أن يأتوا مكة ولا المدينة ولا بيت المقدس .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا أحمد ، أنبأنا أبي ، أنبأنا إبراهيم عن الحجاج بن الحجاج ، عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبه ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج " .
وفي القصة : أن ذا القرنين دخل الظلمة فلما رجع توفي بشهر زور . وذكر بعضهم : أن عمره كان نيفاً وثلاثين سنة .
98."قال هذا "هذا السد أو الأقدار على تسويته."رحمة من ربي"على عباده . "فإذا جاء وعد ربي"وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج ، أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة ."جعله دكاً"مدكوكاً مبسوطاً مسوى بالأرض ، مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل أدك لمنبسط السنام . وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي أرضاً مستوية . "وكان وعد ربي حقاً"كائناً لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين.
98. He said: This is a mercy from my Lord; but when the promise of my Lord cometh to pass, He will lay it low, for the promise of my Lord is true.
98 - He said: this is a mercy from my Lord: but when the promise of my Lord comes to pass, he will make it into dust; and the promise of my Lord is true.