97 - (جعل الله الكعبة البيت الحرام) المحرم (قياما للناس) يقوم به أمر دينهم بالحج إليه ودنياهم بأمن داخله وعدم التعرض له وجبي ثمرات كل شيء إليه وفي قراءة {قيما} بلا ألف مصدر قام غير معل (والشهر الحرام) بمعنى الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة المحرم ورجب قياما لهم بأمنهم من القتال فيها (والهدي والقلائد) قياما لهم بأمن صاحبهما من التعرض له (ذلك) الجعل المذكور (لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم) فإن جعله ذلك لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل وقوعها دليل على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن
قال أبوجعفر: يقول تعالى ذكره : صير الله الكعبة البيت الحرام قواما للناس الذين لا قوام لهم من رئيس يحجز قويهم عن ضعيفهم ، ومسيئهم عن محسنهم ، وظالمهم عن مظلومهم ، "والشهر الحرام والهدي والقلائد" فحجز بكل واحد من ذلك بعضهم عن بعض ، إذ لم يكن لهم قيام غيره ، وجعلها معالم لدينهم ، ومصالح أمورهم .
و"الكعبة"، سميت فيما قيل (كعبة)، لتربيعها.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : إنما سميت الكعبة)، لأنها مربعة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن أبي سعيد المؤدب ، عن النضر بن عربي، عن عكرمة قال : إنما سميت (الكعبة) ، لتربيعها.
وقيل : "قياما للناس" بالياء، وهو من ذوات الواو، لكسرة القاف ، وهي (فاء) الفعل، فجعلت (العين ) منه بالكسرة (ياء)، كما قيل في مصدر: (قمت) (قياماً) و (صمت) (صياماً)، فحولت (العين) من الفعل: وهي (واو) (ياء) لكسرة فائه. وإنما هو في الأصل: (قمت قواماً) و(صمت صواماً)، وكذلك قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس" فحولت واوها ياء، إذ هي (قوام). وقد جاء ذلك من كلامهم مقولاً على أصله الذي هو أصله، قال الراجز:
قوام دنيا وقوام دين
فجاء به بالواو على أصله.
وجعل تعالى ذكره الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد قواماً لمن كان يحرم ذلك من العرب وبعظمه، بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر تباعه.
وأما "الكعبة"، فالحرم كله. وسماها الله تعالى حراماً، لتحريمه إياها أن يصاد صيدها أو يختلى خلاها، أو يعضد شجرها، وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى قبل. وقوله: "والشهر الحرام والهدي والقلائد"، يقول تعالى. ذكره: وجعل الشهر الحرام والهدي والقلائد أيضا قياماً للناس، كما جعل الكعبة البيت الحرام لهم قياماً.
والناس الذين جعل ذلك لهم قياماً، مختلف فيهم.
فقال بعضهم: جعل الله ذلك في الجاهلية قياماً للناس كلهم. وقال بعضهم: بل عنى به العرب خاصة. وبمثل بالذي قلنا في تأويل القوام، قال أهل التأويل. ذكر من قال: عنى الله تعالى ذكره بقوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس"، القوام، على نحو ما قلنا.
حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا من سمع خصيفاً يحدث عن مجاهد في: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس"، قال: قواماً للناس.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن خصيف، عن سعيد بن جبير: "قياما للناس"، قال: صلاحاً لدينهم.
حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا داود، عن ابن جريج، عن مجاهد في: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس"، قال: حين لا يرجون جنة ولا يخافون ناراً، فشدد الله ذلك بالإسلام.
حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس"، قال: شدة لدينهم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير، مثله.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس"، قال، قيامها، أن يأمن من توجه إليها.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد"، يعني: قياماً لدينهم، ومعالم لحجهم.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد"، جعل الله هذه الاربعة قياماً للناس، هو قوام أمرهم. قال أبو جعفر: وهذه الأقوال وإن اختلفت من قائليها ألفاظها، فإن معانيها آيلة إلى ما قلنا في ذلك، من أن القوام للشيء، هو الذي به صلاحه، كما الملك الأعظم، قوام رعيته ومن في سلطانه، لأنه مدبر أمرهم، وحاجز ظالمهم عن مظلومهم، والدافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم. وكذلك كانت الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد، قوام أمر العرب الذي كان به صلاحهم في الجاهلية، وهي في الاسلام لأهله معالم حجهم ومناسكهم، ومتوجههم لصلاتهم، وقبلتهم التي باستقبالها يتم فرضهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قالت جماعة أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سيد، عن قتادة قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد"، حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية، فكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب. وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه. وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من الناس. وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من لحاء السمر، فمنعته من الناس حتى يأتي أهله، حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية.
حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد"، قال: كان الناس كلهم فيهم ملوك تدفع بعضهم عن بعض. قال: ولم يكن في العرب ملوك تدفع بعضهم عن بعض، فجعل الله تعالى ذكره لهم البيت الحرام قياماً، يدفع بعضهم عن بعض به ، والشهر الحرام كذلك، يدفع الله بعضهم عن بعضهم بالأشهر الحرام، والقلائد. قال: ويلقى الرجل قاتل أخيه أو ابن عمه فلا يعرض له. وهذا كله قد نسخ.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس "والقلائد"، كان ناس يتقلدون لحاء الشجر في الجاهلية إذا أرادوا الحج، فيعرفون بذلك.
وقد أتينا على البهيان عن ذكرالشهر الحرام، والهدي والقلائد، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ذلك"، تصبيره الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد. يقول تعالى ذكره: صيرت لكم، أيها الناس، ذلك قياماً، كي تعلموا أن من أحدث لكم لمصالح دنياكم ما أحدث، مما به قوامكم، علماً منه بمنافعكم ومضاركم، أنه كذلك يعلم جميع ما في السموات وما في الأرض مما فيه صلاح عاجلكم وآجلكم ، ولتعلموا أنه بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء من أموركم وأعمالكم، وهو محصيها عليكم ، حتى يجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسيء منكم بإساءته.
فيه خمس مسائل :
الأولى - قوله تعالى " جعل الله الكعبة " جعل هنا بمعنى خلق وقد تقدم وقد سميت الكعبة كعبة لأنها مربعة وأكثر بيوت العرب مدورة وقيل: إنما سميت كعبة لنتوئها وبروزها فكل ناتئ بارز كعب مستديراً كان أو غير مستدير، ومنه كعب القدم وكعوب القناة وكعب ثدي المرأة إذا ظهر في صدرها والبيت سمي بذلك لأنها ذات سقف وجدار وهي حقيقة البيتية وإن لم يكن بها ساكن وسماه سبحانه حراماً بتحريمه إياه "قال النبي صلى الله عليه وسلم .
إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس" وقد تقدم أكثر هذا مستوفى والحمد لله .
الثانية - قوله تعالى :" قياما للناس" أي صلاحا ومعاشاً لأمن الناس بها وعلى هذا يكون قياماً بمعنى يقومون بها وقيل: قياماً أي يقومون بشرائعها .
وقرأ ابن عامر وعاصم قيماً هما من ذوات الواو فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها وقد قيل قوام قال العلماء: والحكمة في جعل الله تعالى هذه الأشياء قياماً للناس أن الله سبحانه خلق الخلق على سليقة الآدمية من التحاسد والتنافس والتقاطع والتدابر، والسلب والغارة والقتل والثأر فلم يكن بد في الحكمة الإلهية، والمشيئة الأولية من كاف يدوم معه الحال ووازع يحمد معه المال قال الله تعالى :" إني جاعل في الأرض خليفة" [البقرة: 30] فأمرهم الله سبحانه بالخلافة وجعل أمورهم إلى واحد يزعهم عن التنازع ويحملهم على التآلف من التقاطع ويرد الظالم عن المظلوم ويقرر كل يد على ما تستولي عليه روى ابن القاسم قال حدثنا مالك أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقول: ما يزع الأمام أكثر ما يزع القرآن، ذكره أبو عمر رحمه الله . وجور السلطان عاماً واحداً أقل أذاية من كون الناس فوضى لحظة واحدة ، فأنشأ الله سبحانه .
الخليفة لهذه الفائدة لتجري على رأيه الأمور، ويكف الله به عادية الجمهور فعظم الله سبحانه في قلوبهم البيت الحرام وأوقع في نفوسهم هيبته، وعظم بينهم حرمته، فكان من لجأ إليه معصوماً به وكان من اضطهد محمياً بالكون فيه قال الله تعالى: " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " [ العنكبوت: 67] قال العلماء: فلما كان موضعاً مخصوصاً لا يدركه كل مظلوم ولا يناله كل خائف جعل الله الشهر الحرام ملجأ آخر وهي :
الثالثة- وهو اسم جنس، والمراد الأشهر الثلاثة بإجماع من العرب فقرر الله في قلوبهم حرمتها فكانوا لا يروعون فيها سرباً -أي نفساً- ولا يطلبون فيها دماً ولا يتوقعون فيها ثأراً حتى كان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه وأخيه فلا يؤذيه واقتطعوا فيها ثلث الزمان، ووصلوا منها ثلاثة متوالية فسحة وراحة ومجالاً للسياحة في الأمن والاستراحة وجعلوا منها واحداً منفرداً في نصف العام دركاً للاحترام وهو شهر رجب الأصم ويسمى مر وإنما قيل له: رجب الأصم ، لأنه كان لا يسمع فيه صوت الحديد ويسمى منصل الأسنة، لأنهم كانوا ينزعون فيه الأسنة من الرماح، وهو شهر قريش وله يقول عوف بن الأحوس :
وشهر بني أمية والهدايا إذا سيت مضرجها الدماء
وسماه النبي صلى الله عليه وسلم أي شهر آل الله، وكان يقال لأهل الحرم: آل الله ويحتمل أن يريد شهر الله لان الله متنه وشدده إذ كان كثير من العرب لا يراه وسيأتي في براءة أسماء الشهور إن شاء الله ثم يسر لهم الإلهام وشرع على ألسنة الرسل الكرام الهدي والقلائد وهي :
الرابعة - فكانوا إذا أخذوا بعيراً أشعروه دماً أو علقوا عليه نعلاً أو فعل ذلك الرجل بنفسه من التقليد على ما تقدم بينه أول السورة - لم يروعه أحد حيث لقيه وكان الفيصل بينه وبين من طلبه أو ظلمه حتى جاء الله بالإسلام وبين الحق بمحمد عليه السلام فانتظم الدين في سلكه وعاد الحق إلى نصابه فأسندت الإمامة إليه ، وانبنى وجوبها على الخلق عليه وهو قوله سبحانه :" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " [النور: 55] وقد مضى في البقرة أحكام الإمامة فلا معنى لأعادتها .
الخامسة- قوله تعالى :" ذلك لتعلموا " ذلك إشارة إلى جعل الله هذه الأمور قياماً والمعنى فعل الله ذلك لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمور السماوات والأرض ويعلم مصالحكم أيها الناس قبل وبعد فانظروا لطفه بالعباد على حال كفرهم .
قال ابن أبي طلحة, عن ابن عباس في رواية عنه, وسعيد بن المسيب, وسعيد بن جبير وغيرهم, في قوله تعالى: "أحل لكم صيد البحر" يعني ما يصطاد منه طرياً "وطعامه" ما يتزود منه مليحاً يابساً, وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه: صيده ما أخذ منه حياً "وطعامه" ما لفظه ميتاً, وهكذا روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهم, وعكرمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي والحسن البصري, قال سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن أبي بكر الصديق أنه قال "طعامه" كل ما فيه, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن مغيرة, عن سماك قال: حدثت عن ابن عباس قال: خطب أبو بكر الناس, فقال "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم" وطعامه ما قذف. قال: وحدثنا ابن علية عن سليمان التيمي, عن أبي مجلز, عن ابن عباس في قوله "أحل لكم صيد البحر وطعامه" قال "طعامه" ما قذف .
وقال عكرمة عن ابن عباس, قال: طعامه ما لفظ من ميتة, ورواه ابن جرير أيضاً. وقال سعيد بن المسيب: طعامه ما لفظه حياً أو حسر عنه فمات, رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الوهاب, حدثنا أيوب عن نافع أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر, فقال: إن البحر قد قذف حيتاناً كثيرة ميتة, أفنأكلها ؟ فقال: لا تأكلوها, فلما رجع عبد الله إلى أهله, أخذ المصحف فقرأ سورة المائدة فأتى هذه الاية "وطعامه متاعاً لكم وللسيارة" فقال: اذهب فقل له: فليأكله فإنه طعامه, وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مات فيه. وقد روي في ذلك خبر, وإن بعضهم يرويه موقوفاً, حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو, حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم" قال "طعامه ما لفظه ميتاً" ثم قال: وقد وقف بعضهم هذا الحديث على أبي هريرة. حدثنا هناد, حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة في قوله "أحل لكم صيد البحر وطعامه" قال: طعامه ما لفظه ميتاً .
وقوله "متاعاً لكم وللسيارة" أي منفعة وقوتاً لكم أيها المخاطبون "وللسيارة" وهم جمع سيار, قال عكرمة: لمن كان بحضرة البحر والسفر وقال غيره: الطري منه لمن يصطاده من حاضرة البحر, وطعامه ما مات فيه أو اصطيد منه وملح وقدد, زاداً للمسافرين والنائين عن البحر وقد روي نحوه عن ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم. وقد استدل الجمهور على حل ميتته بهذه الاية الكريمة, وبما رواه الإمام مالك بن أنس عن ابن وهب وابن كيسان, عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قبل الساحل, فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلثمائة وأنا فيهم, قال فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد, فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش, فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر, قال: فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني, فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة, فقال: فقد وجدنا فقدها حين فنيت, قال: ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب, فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة, ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا, ثم أمر براحلة فرحلت ومرت تحتهما, فلم تصبهما, وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله طرق عن جابر.
وفي صحيح مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر, فإذا على ساحل البحر مثل الكثيب الضخم, فأتيناه فإذا بدابة يقال لها العنبر, قال: قال أبو عبيدة: ميتة, ثم قال: لا, نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد اضطررتم فكلوا, قال: فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلثمائة حتى سمنا, ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن, ويقتطع منه الفدر كالثور, قال: ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينيه, وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا, فمر من تحته, وتزودنا من لحمه وشائق, فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له, فقال "هو رزق أخرجه الله لكم هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟" قال فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه, فأكله.
وفي بعض روايات مسلم أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين وجدوا هذه السمكة, فقال بعضهم: هي واقعة أخرى, وقال بعضهم: بل هي قضية واحدة, ولكن كانوا أولاً مع النبي صلى الله عليه وسلم, ثم بعثهم سرية مع أبي عبيدة فوجدوا هذه في سريتهم تلك مع أبي عبيدة, والله أعلم. وقال مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق: أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار, أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال, يا رسول الله, إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء, فإن توضأنا به عطشنا, أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو الطهور ماؤه الحل ميتته", وقد روى هذا الحديث الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل وأهل السنن الأربع, وصححه البخاري والترمذي وابن حبان وغيرهم, وقد روي عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن حماد بن سلمة, حدثنا أبو المهزم هو يزيد بن سفيان سمعت أبا هريرة يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة, فاستقبلنا جراد, فجعلنا نضربهن بعصينا وسياطنا, فنقتلهن, فسقط في أيدينا, فقلنا: ما نصنع ونحن محرمون ؟ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "لا بأس بصيد البحر" أبو المهزم ضعيف, والله أعلم. وقال ابن ماجة: حدثنا هارون بن عبد الله الجمال, حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا زياد بن عبد الله عن علام, عن موسى بن محمد بن إبراهيم, عن أبيه, عن جابر وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال "اللهم أهلك كباره, واقتل صغاره, وأفسد بيضه, واقطع دابره, وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا, إنك سميع الدعاء", فقال خالد: يا رسول الله, كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال "إن الجراد نثرة الحوت: في البحر" قال هاشم: قال زياد: فحدثني من رأى الحوت ينثره, تفرد به ابن ماجه .
وقد روى الشافعي عن سعيد, عن ابن جريج, عن عطاء عن ابن عباس أنه أنكر على من يصيد الجراد في الحرم, وقد احتج بهذه الاية الكريمة من ذهب من الفقهاء إلى أنه تؤكل دواب البحر ولم يستثن من ذلك شيئاً, قد تقدم عن الصديق أنه قال: طعامه كل ما فيه. وقد استثنى بعضهم الضفادع وأباح ما سواها, لما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية ابن أبي ذئب, عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب, عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع, وللنسائي عن عبد الله بن عمرو قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع, وقال: نقيقها تسبيح. وقال آخرون: يؤكل من صيد البحر السمك, ولا يؤكل الضفدع, واختلفوا فيما سواهما, فقيل: يؤكل سائر ذلك. وقيل: لا يؤكل. وقيل: ما أكل شبهه من البر, أكل مثله في البحر. وما لا يؤكل شبهه لا يؤكل, وهذه كلها وجوه في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يؤكل مامات في البحر, كما لا يؤكل مامات في البر, لعموم قوله تعالى: "حرمت عليكم الميتة" وقد ورد حديث بنحو ذلك, فقال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي هو ابن قانع, حدثنا الحسين بن إسحاق التستري وعبد الله بن موسى بن أبي عثمان, قالا: حدثنا الحسين بن يزيد الطحان, حدثنا حفص بن غياث عن ابن أبي ذئب, عن أبي الزبير, عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما صدتموه وهو حي فمات فكلوه, وما ألقى البحر ميتاً طافياً فلا تأكلوه", ثم رواه من طريق إسماعيل بن أمية ويحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر به, وهو منكر, وقد احتج الجمهور من أصحاب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل بحديث العنبر المتقدم ذكره, وبحديث "هو الطهور ماؤه الحل ميتته", وقد تقدم أيضاً.
وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, عن أبيه, عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحلت لنا ميتتان ودمان, فأما الميتتان: فالحوت والجراد, وأما الدمان: فالكبد والطحال" ورواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وله شواهد, وروي موقوفاً, والله أعلم.
وقوله " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " أي في حال إحرامكم يحرم عليكم الاصطياد, ففيه دلالة على تحريم ذلك فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمداً, أثم وغرم, أو مخطئاً, غرم وحرم عليه أكله, لأنه في حقه كالميتة, وكذا في حق غيره من المحرمين والمحلين, عند مالك والشافعي في أحد قوليه, وبه يقول عطاء والقاسم وسالم وأبو سيف ومحمد بن الحسن وغيرهم, فإن أكله أو شيئاً منه فهل يلزمه جزاء ثان ؟ فيه قولان للعلماء (أحدهما) نعم, قال: عبد الرزاق عن ابن جريج, عن عطاء قال: إن ذبحه ثم أكله فكفارتان, وإليه ذهب طائفة. (والثاني) لا جزاء عليه في أكله, نص عليه مالك بن أنس. قال أبو عمر بن عبد البر: وعلى هذا مذاهب فقهاء الأمصار وجمهور العلماء, ثم وجهه أبو عمر بما لو وطىء, ثم وطىء, ثم وطىء قبل أن يحد, فإنما عليه حد واحد, وقال أبو حنيفة: عليه قيمة ما أكل. وقال أبو ثور: إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه وحلال أكل ذلك الصيد, إلا أنني أكرهه للذي قتله للخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم" وهذا الحديث سيأتي بيانه, وقوله بإباحته للقاتل غريب. وأما لغيره ففيه خلاف قد ذكرنا المنع عمن تقدم, وقال آخرون بإباحته لغير القاتل سواء المحرمون والمحلون لهذا الحديث, والله أعلم.
وأما إذا صاد حلال صيداً, فأهداه إلى محرم, فقد ذهب ذاهبون إلى إباحته مطلقاً, ولم يستفصلوا بين أن يكون قد صاده من أجله أم لا, حكى هذا القول أبو عمر بن عبد البر, عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة والزبير بن العوام وكعب الأحبار ومجاهد وعطاء في رواية, وسعيد بن جبير, وبه قال الكوفيون. قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع, حدثنا بشر بن الفضل, حدثنا سعيد عن قتادة أن سعيد بن المسيب حدثه عن أبي هريرة أنه سئل عن لحم صيد صاده حلال, أيأكله المحرم ؟ قال: فأفتاهم بأكله, ثم لقي عمر بن الخطاب فأخبره بما كان من أمره, فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك. وقال آخرون: لا يجوز أكل الصيد للمحرم بالكلية, ومنعوا من ذلك مطلقاً لعموم هذه الاية الكريمة.
وقال عبد الرزاق عن معمر, عن ابن طاوس, وعبد الكريم عن ابن أبي آسية عن طاوس, عن ابن عباس أنه كره أكل الصيد للمحرم, وقال: هي مبهمة يعني قوله " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " قال: وأخبرني معمر عن الزهري, عن ابن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال. قال معمر: وأخبرني أيوب عن نافع, عن ابن عمر مثله, قال ابن عبد البر: وبه قال طاوس وجابر بن زيد, وإليه ذهب الثوري وإسحاق بن راهويه في رواية, وقد روي نحوه عن علي بن أبي طالب, رواه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب أن علياً كره أكل لحم الصيد للمحرم على كل حال.
وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في رواية والجمهور: إن كان الحلال قد قصد المحرم بذلك الصيد لم يجز للمحرم أكله لحديث الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان, فرده عليه, فلما رأى ما في وجهه قال "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين, وله ألفاظ كثيرة, قالوا: فوجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن هذا إنما صاده من أجله, فرده لذلك, فأما إذا لم يقصده بالاصطياد فإنه يجوز له الأكل منه لحديث أبي قتادة حين صاد حمار وحش, وكان حلالاً لم يحرم, وكان أصحابه محرمين, فتوقفوا في أكله ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "هل كان منكم أحد أشار إليها أو أعان في قتلها ؟" قالوا: لا. قال "فكلوا" وأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه القصة ثابتة أيضاً في الصحيحين بألفاظ كثيرة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد, قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب, عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال قتيبة في حديثه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "صيد البر لكم حلال" قال سعيد ـ وأنتم حرم ـ ما لم تصيدوه أو يصد لكم , وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي, جميعاً عن قتيبة. وقال الترمذي: لا نعرف للمطلب سماعاً من جابر, ورواه الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه من طريق عمرو بن أبي عمرو, عن مولاه المطلب, عن جابر, ثم قال: وهذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس. وقال مالك رضي الله عنه, عن عبد الله بن أبي بكر. عن عبد الله بن عامر بن ربيعة, قال: رأيت عثمان بن عفان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان, ثم أتى بلحم صيد, فقال لأصحابه: كلوا, فقالوا: أولا تأكل أنت ؟ فقال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي .
قوله: 97- "جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس" جعل هنا بمعنى خلق، وسميت الكعبة كعبة لأنها مربعة والتكعيب التربيع وأكثر بيوت العرب مدورة لا مربعة، وقيل سميت كعبة لنتوئها وبروزها، وكل بارز كعب مستديراً كان أو غير مستدير، ومنه كعب القدم، وكعوب القنا، وكعب ثدي المرأة، و "البيت الحرام" عطف بيان وقيل مفعول ثان ولا وجه له، وسمي بيتاً لأن له سقوفاً وجدراً وهي حقيقة البيت وإن لم يكن به ساكن، وسمي حراماً لتحريم الله سبحانه إياه. وقوله: "قياماً للناس" كذا قرأ الجمهور وقرأ ابن عامر "قيماً" وهو منصوب على أنه المفعول الثاني إن كان جعل هو المتعدي إلى مفعولين، وإن كان بمعنى خلق كما تقدم فهو منتصب على الحال، ومعنى كونه قياماً: أنه مدار لمعاشهم ودينهم: أي يقومون فيه بما يصلح دينهم ودنياهم: يأمن فيه خفائفهم، وينصر فيه ضعيفهم، ويربح فيه تجارهم، ويتعبد فيه متعبدهم. قوله: "والشهر الحرام" عطف على الكعبة، وهو ذو الحجة، وخصه من بين الأشهر الحرم لكونه زمان تأدية الحج، وقيل هو اسم جنس. والمراد به الأشهر الحرم ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، فإنهم كانوا لا يطلبون فيها دماً، ولا يقاتلون بها عدواً، ولا يهتكون فيها حرمة، فكانت من هذه الحيثية قياماً للناس "والهدي والقلائد" أي وجعل الله الهدي والقلائد قياماً للناس. والمراد بالقلائد: ذوات القلائد من الهدي، ولا مانع من أن يراد بالقلائد أنفسها، والإشارة بذلك إلى الجعل: أي ذلك الجعل "لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض" أي لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمر السموات والأرض ويعلم مصالحكم الدينية والدنيوية فإنها من جملة ما فيهما، فكل ما شرعه لكم فهو جلب لمصالحكم، ودفع لما يضركم "وأن الله بكل شيء عليم" هذا تعميم بعد التخصيص.
97- " ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم " ، فإن قيل : أي اتصال لهذا الكلام بما قبله ؟ قيل : أراد أن الله عز وجل جعل الكعبة قياماً للناس لأنه يعلم صلاح العباد كما يعلم ما في السموات وما في الأرض ، وقال الزجاج : قد سبق في هذه السورة الإخبار عن العيوب والكشف عن الأسرار ، مثل قوله ( سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ) ، ومثل إخباره بتحريفهم الكتب ونحو ذلك ، فقوله " ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض " راجع إليه .
97"جعل الله الكعبة" صيرها، وإنما سمي كعبة لتكعبه. "البيت الحرام" عطف بيان على جهة المدح، أو المفعول الثاني " قياما للناس " انتعاشاً لهم أي سبب انتعاشهم في أمر معاشهم ومعادهم يلوذ به الخائف ويأمن فيه الضعيف، ويربح فيه التجار ويتوجه إليه الحجاج والعمار، أو ما يقوم به أمر دينهم ودنياهم. وقرأ ابن عامر "قيماً" على أنه مصدر على فعل كالشبع أعل عينه كما أعل في فعله ونصبه على المصدر أو الحال. " والشهر الحرام والهدي والقلائد " سبق تفسيرها والمراد بالشهر الذي يؤدي فيه الحج، وهو ذو الحجة لأنه المناسب لقرنائه وقيل الجنس. "ذلك" إشارة إلى الجعل، أو إلى ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الإحرام وغيره. " لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض " فإن شرع الأحكام لدفع المضار قبل وقوعها وجلب المنافع المترتبة عليها، دليل حكمة الشارع وكمال علمه. " وأن الله بكل شيء عليم " تعميم بعد تخصيص ومبالغة بعد إطلاق.
97. Allah hath appointed the Ka'bah, the Sacred House, a standard for mankind, and the Sacred Month and the offerings and the garlands. That is so that ye may know that Allah knoweth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth, and that Allah is Knower of all things.
97 - God made the kaba, the sacred house, an asylum of security of men as also the sacred months, the animals for offerings, and the garlands that mark them: that ye may know that God hath knowledge of what is in the heavens and on earth and that God is well acquainted with all things.