94 - (وما أرسلنا في قرية من نبي) فكذبوه (إلا أخذنا) عاقبنا (أهلها بالبأساء) شدة الفقر (والضراء) المرض (لعلهم يضَّرَّعون) يتذللون فيؤمنوا
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، معرفه سنته في الأمم التي قد خلت من قبل أمته، ومذكر من كفر به من قريش، لينزجروا عما كانوا عليه مقيمين من الشرك بالله، والتكذيب لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " وما أرسلنا في قرية من نبي "، قبلك، " إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء "، وهو البؤس وشظف المعيشة وضيقها، و " الضراء "، وهي الضر وسوء الحال في أسباب دنياهم، " لعلهم يضرعون "، يقول: فعلنا ذلك ليتضرعوا إلى ربهم ويستكينوا إليه، وينيبوا، بالإقلاع عن كفرهم، والتوبة من تكذيب أنبيائهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " أخذنا أهلها بالبأساء والضراء "، يقول: بالفقر والجوع.
وقد ذكرنا فيما مضى الشواهد على صحة القول بما قلنا في معنى: " البأساء "، و " الضراء "، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقيل: " يضرعون "، والمعنى: يتضرعون، ولكن أدغمت ((التاء)) في ((الضاد))، لتقارب مخرجهما.
قوله تعالى: "وما أرسلنا في قرية من نبي" فيه إضمار، وهو فكذب أهلها إلا أخذناهم. "بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون" تقدم القول فيه.
يقول تعالى مخبراً عما اختبر به الأمم الماضية الذين أرسل إليهم الأنبياء بالبأساء والضراء, يعني بالبأساء ما يصيبهم في أبدانهم من أمراض وأسقام, والضراء ما يصيبهم من فقر وحاجة ونحو ذلك "لعلهم يضرعون", أي يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم, وتقدير الكلام أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا فما فعلوا شيئاً من الذي أراد منهم, فقلب عليهم الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه, ولهذا قال "ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة" أي حولنا الحالة من شدة إلى رخاء ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية ومن فقر إلى غنى ليشكروا على ذلك فما فعلوا, وقوله "حتى عفوا" أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم, يقال عفا الشيء إذا كثر.
"وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون" يقول تعالى: ابتليناهم بهذا وهذا ليتضرعوا وينيبوا إلى الله فما نجع فيهم لا هذا ولا هذا ولا انتهوا بهذا ولا بهذا, بل قالوا: قد مسنا من البأساء والضراء ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الزمان والدهر, وإنما هو الدهر تارات وتارات, بل لم يتفطنوا لأمر الله فيهم و لا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين, وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء ويصبرون على الضراء كما ثبت في الصحيحين "عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له, وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له" فالمؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء, ولهذا جاء في الحديث "لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقياً من ذنوبه, والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله ولا فيم أرسلوه" أو كما قال, ولهذا عقب هذه الصفة بقوله "فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون" أي أخذناهم بالعقوبة بغتة, أي على بغتة, وعدم شعور منهم أي أخذناهم فجأة كما في الحديث "موت الفجأة رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر".
قوله: 94- "وما أرسلنا في قرية من نبي" لما فصل الله سبحانه أحوال بعض الأنبياء مع أممهم، وهم المذكورون سابقاً أجمل حال سائر الأمم المرسل إليها: أي وما أرسلنا في قرية من القرى من نبي من الأنبياء، وفي الكلام محذوف أي فكذب أهلها إلا أخذناهم، والاستثناء مفرغ: أي ما أرسلنا في حال من الأحوال إلا في حال أخذنا أهلها فمحل أخذنا النصب، والبأساء: البؤس والفقر، والضراء: الضر، وقد تقدم تحقيق معنى البأساء والضراء "لعلهم يضرعون" أي لكي يتضرعوا ويتذللوا، فيدعوا ما هم عليه من الاستكبار وتكذيب الأنبياء.
94- قوله تعالى : " وما أرسلنا في قرية من نبي " ، فيه إضمار ، يعني : فكذبوه ، " إلا أخذنا" ، عاقبنا " أهلها " ، حين لم يؤمنوا ، " بالبأساء والضراء " ، قال ابن مسعود : البأساء : الفقر ، والضراء : المرض ، وهذا يعني قول من قال : البأساء في المال ، والضراء في النفس . وقيل : البأساء البؤس وضيق العيش ، والضراء والضر سوء الحال . وقيل : البأساء في الحرب والضراء : الجدب ، " لعلهم يضرعون " ، لكي يتضرعوا فيتوبوا .
94. " وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء " بالبؤس والضر . "لعلهم يضرعون " حتى يتضرعوا ويتذللوا .
94. And We sent no prophet unto any township but We did afflict its folk with tribulation and adversity that haply they might grow humble.
94 - Whenever we sent a prophet to a town, we took up its people in suffering and adversity, in order that they might learn humility.