94 - (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم) ليختبرنكم (الله بشيء) يرسله لكم (من الصيد تناله) أي الصغار منه (أيديكم ورماحكم) الكبار منه ، وكان ذلك بالحديبية وهم محرمون فكانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم (ليعلم الله) علم الظهور (من يخافه بالغيب) حال أي غائبا لم يره فيجتنب الصيد (فمن اعتدى بعد ذلك) النهي عنه فاصطاده (فله عذاب أليم)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره : ليختبرنكم الله ، أيها المؤمنون ، ببعض الصيد في حال إحرامكم ، كي يعلم أهل طاعة الله والإيمان به ، والمنتهين إلى حدوده وأمره ونهيه ، ومن الذي يخاف الله فيتقي ما نهاه عنه ، ويجتنبه خوف عقابه ، "بالغيب"، بمعنى : في الدنيا، بحيث لا يراه .
وقد بينا أن الغيب، إنما هو مصدر قول القائل غاب عني هذا الأمر فهو يغيب غيباً وغيبة، وأن ما لم يعاين ، فإن العرب تسميه غيباً.
فتأويل الكلام إذا: ليعلم أولياء الله من يخاف الله فيتقي محارمه التي حرمها عليه من الصيد وغيره ، بحيث لا يراه ولا يعاينه .
وأما قوله : "فمن اعتدى بعد ذلك"، فإنه يعني : فمن تجاوز حد الله الذي حده له ، بعد ابتلائه بتحريم الصيد عليه وهو حرام ، فاستحل ما حرم الله عليه منه بأخذه وقتله ، "فله عذاب"، من الله ، "أليم"، يعني : مؤلم موجع .
فيه ثمان مسائل:
الأولى - قوله تعالى :" ليبلونكم" أي ليختبرنكم والابتلاء الاختبار، وكان الصيد أحد معايش العرب العاربة، وشائعاً عند الجميع منهم ، مستعملاً جداً فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم، كما ابتلى بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت، وقيل: إنها نزلت عام الحديبية أحرم بعض الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرم بعضهم فكان إذا عرض صيد اختلف فيه أحوالهم وأفعالهم واشتبهت أحكامه عليهم، فأنزل الله هذه الآية بياناً لأحكام أحوالهم وأفعالهم ومحظورات حجتهم وعمرتهم .
الثانية - اختلف العلماء من المخاطب بهذه الآية على قولين: أحدهما - أنهم المحلون قاله مالك الثاني - أنهم المحرمون قاله ابن عباس وتعلق بقوله تعالى " ليبلونكم " فإن تكليف فإن تكليف الامتناع الذي يتحقق به الابتلاء هو مع الإحرام قال ابن العربي: وهذا لا يلزم فإن التكليف يتحقق في المحل بما شرط له من أمور الصيد وما شرع له من وصفة في كيفية الاصطياد والصحيح أن الخطاب في الآية لجميع الناس محلهم ومحرمهم لقوله تعالى : " ليبلونكم الله " أي ليكلفنكم والتكليف كله ابتلاء وإن تفاضل في الكثرة والقلة وتباين في الضعف والشدة.
الثالثة- قوله تعالى :" بشيء من الصيد " يريد ببعض الصيد فمن للتبعيض وهو صيد البر خاصة ولم يعم الصيد كله قاله الطبري وغيره وأراد بالصيد المصيد لقوله:" تناله أيديكم "
الرابعة -قوله تعالى :" تناله أيديكم ورماحكم " بيان لحكم صغار الصيد وكباره وقرأ ابن وثاب والنخعي يناله بالياء منقوطة من تحت قال مجاهد: الأيدي تنال الفراخ والبيض وما لا يستطيع أن يفر، والرماح تنال كبار الصيد ، وقال ابن وهب قال مالك: قال الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " وكل شيء يناله الإنسان بيده أو برمحه أو بشيء من سلاحه فقتله فهو صيد كما قال الله تعالى .
الخامسة- خص الله تعالى الأيدي بالذكر لأنها عظم التصرف في الاصطياد وفيها تدخل الجوارح والحبالات وما عمل باليد من فخاخ وشباك، وخص الرماح بالذكر لأنها عظم ما يجرح به الصيد، وفيها يدخل السهم ونحوه ، وقد مضى القول فيما يصاد به من الجوارح والسهام في أول السورة بما يه الكفاية والحمد لله .
السادسة -ما وقع في الفخ والحبالة فلربها فإن ألجا الصيد إليها أحد ولولاها لم يتهيأ له أخذه فربها فيه شريكه وما وقع في الجبح المنصوب في الجبل من ذباب النحل فهو كالحبالة والفخ وحمام الأبرجة ترد على أربابها إن استطيع ذلك، وكذلك نحل الجباح وقد روى عن مالك، وقال بعض أصحابه : إنه ليس على من حصل الحمام أو النحل عنده أن يرده ولو لجأت الكلام صيداً فدخل في بيت أحد أو داره فهو للصائد مرسل الكلاب دون صاحب البيت، ولو دخل في البيت من غير اضطرار الكلاب له فهو لرب البيت .
السابعة-احتج بعض الناس على أن الصيد للآخذ لا للمثير بهذه الآية، لأن المثير لم تنل يده ولا رمحه بعد شيئاً وهو قول أبي حنيفة.
الثامنة -كره مالك صيد أهل الكتاب ولم يحرمه لقوله تعالى :" تناله أيديكم ورماحكم " يعني أهل الكتاب لقوله تعالى في صدر الآية " يا أيها الذين آمنوا " فخرج عنهم أهل الكتاب وخالفه جمهور أهل العلم لقوله تعالى :" وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " وهو عندهم مثل ذبائحهم وأجاب علماؤنا بأن الآية إنما تضمنت أكل طعامهم والصيد باب آخر فلا يدخل فيء عموم الطعام ولا يتناوله مطلق لفظه.
قلت: هذا بناء على أن الصيد ليس مشروعاً عندهم فلا يكون من طعامهم فيسقط عنه هذا الإلزام فأما إن كان مشروعاً عندهم في دينهم فيلزمنا أكله بتناول اللفظ له فإنه من طعامهم والله أعلم .
قال الوالبي عن ابن عباس قوله "ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم" قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره, يبتلي الله به عباده في إحرامهم, حتى لو شاءوا لتناولوه بأيديهم, فنهاهم الله أن يقربوه. وقال مجاهد "تناله أيديكم" يعني صغار الصيد وفراخه, "ورماحكم" يعني كباره. وقال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الاية في عمرة الحديبية, فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم, لم يروا مثله قط فيما خلا, فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون "ليعلم الله من يخافه بالغيب" يعني أنه تعالى يبتليهم بالصيد, يغشاهم في رحالهم يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سراً وجهراً, لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره, كما قال تعالى: "إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير" وقوله ههنا "فمن اعتدى بعد ذلك" قال السدي وغيره: يعني بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم, "فله عذاب أليم" أي لمخالفته أمر الله وشرعه .
ثم قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم" وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام, ونهي عن تعاطيه فيه, وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول وما يتولد منه ومن غيره, فأما غير المأكول من حيوانات البر, فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها, والجمهور على تحريم قتلها أيضاً , ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة, عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب, والحدأة, والعقرب, والفأرة, والكلب العقور". وقال مالك, عن نافع, عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب, والحدأة, والعقرب, والفأرة, والكلب العقور" أخرجاه, ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله. قال أيوب: فقلت لنافع: فالحية ؟ قال الحية لا شك فيها. ولا يختلف في قتلها. ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور الذئب والسبع والنمر والفهد, لأنها أشد ضرراً منه, فالله أعلم .
وقال زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة: الكلب العقور يشمل هذه السباع العادية كلها, واستأنس من قال بهذا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على عتبة بن أبي لهب قال "اللهم سلط عليه كلبك بالشام" فأكله السبع بالزرقاء, قالوا: فإن قتل ما عداهن فداه, كالضبع والثعلب وهر البر ونحو ذلك, قال مالك: وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها, وصغار الملحق بها من السباع العوادي. وقال الشافعي: يجوز للمحرم قتل كل مالا يؤكل لحمه, ولا فرق بين صغاره وكباره, وجعل العلة الجامعة كونها لا تؤكل. وقال أبو حنيفة: يقتل المحرم الكلب العقور والذئب, لأنه كلب بري, فإن قتل غيرهما فداه إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله فلا فداء عليه وهذا قول الأوزاعي والحسن بن صالح بن حيي. وقال زفر بن الهذيل: يفدي ما سوى ذلك وإن صال عليه .
وقال بعض الناس: المراد بالغراب ههنا الأبقع, وهو الذي في بطنه وظهره بياض دون الأدرع وهو الأسود, والأعصم وهو الأبيض, لما رواه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس, عن يحيى القطان, عن شعبة, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب, عن عائشة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خمس يقتلهن المحرم: الحية, والفأرة, والحدأة, والغراب الأبقع, والكلب العقور" والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك, لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه. وقال مالك رحمه الله: لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وآذاه. وقال مجاهد بن جبر وطائفة: لا يقتله بل يرميه, ويروى مثله عن علي. وقد روى هشيم: حدثنا يزيد بن أبي زياد: عن عبد الرحمن بن أبي نعم, عن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عما يقتل المحرم ؟ فقال "الحية, والعقرب, والفويسقة, ويرمي الغراب ولا يقتله, والكلب العقور, والحدأة, والسبع العادي" رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل, والترمذي عن أحمد بن منيع, كلاهما عن هشيم وابن ماجه, عن أبي كريم وعن محمد بن فضيل, كلاهما عن يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن .
وقوله تعالى: "ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن علية عن أيوب قال: نبئت عن طاوس أنه قال: لا يحكم على من أصاب صيداً خطأ, إنما يحكم على من أصابه متعمداً, وهذا مذهب غريب عن طاوس وهو متمسك بظاهر الاية, وقال مجاهد بن جبر: المراد بالمتعمد هنا القاصد إلى قتل الصيد, الناسي لإحرامه, فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه, فذاك أمره أعظم من أن يكفر, وقد بطل إحرامه, ورواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح, وليث بن أبي سليم وغيرهما عنه, وهو قول غريب أيضاً, والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه. وقال الزهري: دل الكتاب على العامد, وجرت السنة على الناسي, ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله "ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه" وجاءت السنة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ, كما دل الكتاب عليه في العمد, وأيضاً فإن قتل الصيد إتلاف, والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان, لكن المتعمد مأثوم, والمخطىء غير ملوم .
وقوله تعالى: "فجزاء مثل ما قتل من النعم" قرأ بعضهم بالإضافة, وقرأ آخرون بعطفها "فجزاء مثل ما قتل من النعم", وحكى ابن جرير, أن ابن مسعود قرأها " فجزاء مثل ما قتل من النعم ". وفي قوله "فجزاء مثل ما قتل من النعم" على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد والجمهور, من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم, إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله, حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثلياً أو غير مثلي, قال: وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه, وإن شاء اشترى به هدياً, والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع, فإنهم حكموا في النعامة ببدنة, وفي بقرة الوحش ببقرة, وفي الغزال بعنز, وذكر قضايا الصحابة وأسانيدها مقرر في كتاب الأحكام, وأما إذا لم يكن الصيد مثلياً فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة, رواه البيهقي .
وقوله تعالى: "يحكم به ذوا عدل منكم" يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة في غير المثل عدلان من المسلمين, واختلف العلماء في القاتل: هل يجوز أن يكون أحد الحكمين ؟ على قولين (أحدهما) لا, لأنه قد يتهم في حكمه على نفسه, وهذا مذهب مالك . (والثاني) نعم, لعموم الاية, وهو مذهب الشافعي وأحمد, واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكوماً عليه في صورة واحدة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين, حدثنا جعفر هو ابن برقان عن ميمون بن مهران أن أعرابياً أتى أبا بكر, فقال: قتلت صيداً وأنا محرم, فما ترى علي من الجزاء ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه لأبي بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيما قال ؟ فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك, فإذا أنت تسأل غيرك ؟ فقال أبو بكر: وما تنكر ؟ يقول الله تعالى: "فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم" فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به, وهذا إسناد جيد, لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق, ومثله يحتمل ههنا, فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابياً جاهلاً, وإنما دواء الجهل التعليم, فأما إذا كان المعترض منسوباً إلى العلم, فقد قال ابن جرير: حدثنا هناد وأبو هشام الرفاعي,قالا: حدثنا وكيع بن الجراح عن المسعودي, عن عبد الملك بن عمير, عن قبيصة بن جابر, قال: خرجنا حجاجاً, فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا, فنتماشى نتحدث. قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي أو برح, فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ خشاءه (وهو العظم الناتى خلف الأذن), فركب ردعه ميتاً. قال: فعظمنا عليه, فلما قدمنا مكة, خرجت معه حتى أتينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقص عليه القصة فقال: وإذا إلى جنبه رجل كأن وجهه قلب فضة, يعني عبد الرحمن بن عوف, فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه, قال: ثم أقبل على الرجل فقال: أعمداً قتلته أم خطأ ؟ فقال الرجل: لقد تعمدت رميه وما أردت قتله, فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ, اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها, واستبق إهابها, قال: فقمنا من عنده, فقلت لصاحبي: أيها الرجل, عظم شعائر الله, فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه, اعمد إلى ناقتك فانحرها. فلعل ذلك يعني أن يجزىء عنك, قال قبيصة: ولا أذكر الاية من سورة المائدة "يحكم به ذوا عدل منكم" فبلغ عمر مقالتي, فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدرة, قال: فعلا صاحبي ضرباً بالدرة, أقتلت في الحرم وسفهت في الحكم. قال: ثم أقبل علي, فقلت: يا أمير المؤمنين, لا أحل لك اليوم شيئاً يحرم عليك مني, فقال: يا قبيصة بن جابر, إني أراك شاب السن, فسيح الصدر, بين اللسان, وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيء, فيفسد الخلق السيء الأخلاق الحسنة, فإياك وعثرات الشباب .
وروى هشيم هذه القصة عن عبد الملك بن عمير, عن قبيصة بنحوه. ورواها أيضاً عن حصين, عن الشعبي, عن قبيصة بنحوه. وذكرها مرسلة عن عمر بن بكر بن عبد الله المزني ومحمد بن سيرين بنحوه. وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا شعبة عن منصور, عن أبي وائل, أخبرني ابن جرير البجلي, قال: أصبت ظبياً وأنا محرم, فذكرت ذلك لعمر, فقال: ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك, فأتيت عبد الرحمن وسعداً فحكما علي بتيس أعفر. وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع, حدثنا ابن عيينة عن مخارق, عن طارق, قال: أوطأ أربد ظبياً فقتله وهو محرم, فأتى عمر ليحكم عليه, فقال له عمر: احكم معي, فحكما فيه جدياً قد جمع الماء والشجر, ثم قال عمر "يحكم به ذوا عدل منكم", وفي هذا دلالة على جواز كون القاتل أحد الحكمين, كما قاله الشافعي وأحمد رحمهما الله. واختلفوا: هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم, فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل, وإن كان قد حكم في مثله الصحابة أو يكتفى بأحكام الصحابة المتقدمة ؟ على قولين, فقال الشافعي وأحمد: يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة, وجعلاه شرعاً مقرراً لا يعدل عنه, ومالم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين. وقال مالك وأبو حنيفة: بل يجب الحكم في كل فرد فرد سواء وجد للصحابة في مثله حكم أم لا, لقوله تعالى: "يحكم به ذوا عدل منكم".
وقوله تعالى: "هدياً بالغ الكعبة" أي واصلاً إلى الكعبة, والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك ويفرق لحمه على مساكين الحرم, وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة. وقوله "أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً" أي إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم, أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال, أو قلنا بالتخيير في هذا المقام بين الجزاء والإطعام والصيام, كما هو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن, وأحد قولي الشافعي, والمشهور عن أحمد, رحمهم الله, لظاهر "أو" بأنها للتخيير, والقول الاخر أنها على الترتيب, فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة, فيقوم الصيد المقتول عند مالك وأبي حنيفة وأصحابه وحماد وإبراهيم. وقال الشافعي: يقوم مثله من النعم لو كان موجوداً, ثم يشترى به طعام فيتصدق به فيصرف لكل مسكين مد منه, عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز, واختاره ابن جرير, وقال أبو حنيفة وأصحابه: يطعم كل مسكين مدين, وهو قول مجاهد. وقال أحمد: مد من حنطة أو مدان من غيره, فإن لم يجد أو قلنا بالتخيير, صام عن إطعام كل مسكين يوماً. وقال ابن جرير: وقال آخرون: يصوم مكان كل صاع يوماً كما في جزاء المترفه بالحلق ونحوه, فإن الشارع أمر كعب بن عجرة أن يقسم فرقاً بين ستة, أو يصوم ثلاثة أيام, والفرق ثلاثة آصع, واختلفوا في مكان هذا الإطعام, فقال الشافعي: مكانه الحرم, وهو قول عطاء. وقال مالك يطعم في المكان الذي أصاب فيه الصيد أو أقرب الأماكن إليه. وقال أبو حنيفة: إن شاء أطعم في الحرم, وإن شاء أطعم في غيره .
ذكر أقوال السلف في هذا المقام
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن المغيرة, حدثنا جرير عن منصور, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس في قوله الله تعالى: "فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً" قال: إذا أصاب المحرم الصيد حكم عليه جزاؤه من النعم, فإن لم يجد, نظر كم ثمنه, ثم قوم ثمنه طعاماً, قال الله تعالى: "أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً", قال: إنما أريد بالطعام والصيام, أنه إذا وجد الطعام وجد جزاؤه, ورواه ابن جرير من طريق جرير. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً", فإذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه, فإن قتل ظبياً أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة, فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين, فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام, فإن قتل أيلاً أو نحوه, فعليه بقرة, فإن لم يجد أطعم عشرين مسكيناً, فإن لم يجد صام عشرين يوماً, وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه, فعليه بدنة من الإبل, فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكيناً, فإن لم يجد صام ثلاثين يوماً" رواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وزاد: الطعام مد مد يشبعهم, وقال جابر الجعفي, عن عامر الشعبي وعطاء ومجاهد "أو عدل ذلك صياماً" قالوا إنما الطعام لمن لا يبلغ الهدي رواه ابن جرير وكذا روى ابن جريج عن مجاهد وأسباط عن السدي أنها على الترتيب. وقال عطاء وعكرمة ومجاهد في رواية الضحاك وإبراهيم النخعي: هي على الخيار, وهي رواية الليث عن مجاهد, عن ابن عباس, واختار ذلك ابن جرير رحمه الله .
وقوله "ليذوق وبال أمره" أي أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة "عفا الله عما سلف" أي في زمان الجاهلية لمن أحسن في الإسلام واتبع شرع الله, ولم يرتكب المعصية, ثم قال "ومن عاد فينتقم الله منه" أي ومن فعل ذلك بعد تحريمه في الإسلام وبلوغ الحكم الشرعي إليه "فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام". قال ابن جريج: قلت لعطاء: ما "عفا الله عما سلف" ؟ قال: عما كان في الجاهلية. قال: قلت: وما "ومن عاد فينتقم الله منه" ؟ قال: ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه, وعليه مع ذلك الكفارة. قال: قلت: فهل في العود من حد تعلمه ؟ قال: لا, قال قلت: فترى حقاً على الإمام أن يعاقبه ؟ قال: لا, هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله عز وجل, ولكن يفتدي" رواه ابن جرير. وقيل: معناه فينتقم الله منه بالكفارة, قاله سعيد بن جبير وعطاء, ثم الجمهور من السلف والخلف على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء, ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة, وإن تكرر ما تكرر سواء الخطأ في ذلك والعمد .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, قال: من قتل شيئاً من الصيد خطأ وهو محرم, يحكم عليه فيه كلما قتله, فإن قتله عمداً يحكم عليه فيه مرة واحدة, فإن عاد يقال له: ينتقم الله منك, كما قال الله عز وجل. وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي, حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي, جميعاً عن هشام هو ابن حسان, عن عكرمة, عن ابن عباس, فيمن أصاب صيداً يحكم عليه ثم عاد قال: لا يحكم عليه, ينتقم الله منه. وهكذا قال شريح ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي, رواهن ابن جرير, ثم اختار القول الأول. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا العباس بن يزيد العبدي, حدثنا المعتمر بن سليمان عن زيد بن أبي المعلى, عن الحسن البصري أن رجلاً أصاب صيداً فتجوز عنه, ثم عاد فأصاب صيداً آخر, فنزلت نار من السماء فأحرقته, فهو قوله "ومن عاد فينتقم الله منه". وقال ابن جرير في قوله "والله عزيز ذو انتقام" يقول, عز ذكره: والله منيع في سلطانه, لا يقهره قاهر ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه, ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع, لأن الخلق خلقه, والأمر أمره, له العزة والمنعة. وقوله "ذو انتقام" يعني أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه .
قوله: 94- "ليبلونكم" أي ليختبرنكم، واللام جواب قسم محذوف، كان الصيد أحد معايش العرب فابتلاهم الله بتحريمه مع الإحرام وفي الحرم، كما ابتلى بني إسرائيل أن لا يعتدوا في السبت، وكان نزول الآية في عام الحديبية، أحرم بعضهم وبعضهم لم يحرم، فكان إذا عرض صيد اختلفت فيه أحوالهم.
وقد اختلف العلماء في المخاطبين بهذه الآية هل هم المحلون أو المحرمون؟ فذهب إلى الأول مالك وإلى الثاني ابن عباس، والراجح أن الخطاب للجميع، ولا وجه لقصره على البعض دون البعض، و من في "من الصيد" للتبعيض وهو صيد البر، قاله ابن جرير الطبري وغيره، وقيل إن من بيانية: أي شيء حقير من الصيد، وتنكير شيء للتحقير. قوله: "تناله أيديكم ورماحكم". قرأ ابن وثاب "يناله" بالياء التحتية، هذه الجملة تقتضي تعميم الصيد، وأنه لا فرق بين ما يؤخذ باليد وهو ما لا يطيق الفرار كالصغار والبيض، وبين ما تناله الرماح: وهو ما يطيق الفرار وخص الأيدي بالذكر: لأنها أكثر ما يتصرف به الصائد في أخذ الصيد، وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم الآلات للصيد عند العرب. قوله: "ليعلم الله من يخافه بالغيب"، أي ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروي فإنه غائب عنكم غير حاضر "فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم" أي بعد هذا البيان الذي امتحنكم الله به، لأن الاعتداء بعد العلم بالتحريم معاندة لله سبحانه وتجرئة عليه.
95. قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم "، أي: محرمون بالحج والعمرة ، وهو جمع حرام ، يقال : رجل حرام وامرأة حرام، وقد يكون(من ) دخول الحرم ، يقال : أحرم الرجل إذا عقد الإحرام ، وأحرم إذا دخل الحرم . نزلت في رجل يقال له أبو اليسر شد على حمار وحش وهو محرم فقتله.
قوله تعالى : "ومن قتله منكم متعمداً " اختلفوا في هذا العمد فقال قوم : هو العمد بقتل الصيد مع نسيان الإحرام ، أما إذا قتله عمداً وهو ذاكر لإحرامه فلاحكم عليه ، وأمره إلى الله لأنه أعظم من أن يكون له كفارة، وهو قول مجاهد و الحسن.
وقال آخرون : أن يعمد المحرم قتل الصيد ذاكرا ً لإحرامه فعليه الكفارة .واختلفوا فيما لو قتله خطأ ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن العمد والخطأ سواء في لزوم الكفارة، قال الزهري : على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة ، وقال سعيد بن [ جبير ] : لا تجب كفارة الصيد بقتل الخطأ بل يختص بالعمد .
قوله عز وجل "فجزاء مثل " قرأ أهل الكوفة و يعقوب " فجزاء " منون ، " مثل " ، رفع على البدل من الجزاء ، وقرأ الآخرون بالإضافة " فجزاء مثل " ، " ما قتل من النعم " ، معناه أنه يجب عليه مثل ذلك الصيد من النعم ، وأراد به ما يقرب من الصيد المقتول شبها من حيث الخلقة لا من حيث القيمة .
" يحكم به ذوا عدل منكم " أي : يحكم بالجزاء رجلان عدلان ، وينبغي أن يكونا فقيهين ينظران إلى أشبه الأشياء من النعم فيحكمان به ، وممن ذهب إلى إيجاب المثل من النعم عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر وابن عباس ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم ، يحكم حاكم في النعامة ببدنه وهي لا تساوي بدنه ، وفي حمار الوحش ببقرة (وهي لا تساوي بقرة ) وفي الضبع بكبش وهي لا تساوي كبشاً ، فدل على أنهم نظروا إلى ما يقرب من الصيد شبهاً من حيث الخلقة (لا من حيث القيمة) ، وتجب في الحمام شاة، وهو كل ما عب وهدر من الطير ، كالفاختة و القمري .
وروي عن عمر وعثمان وابن عباس رضي الله عنهم أنهم قضوا في حمام مكة بشاة ، أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش ، وفي الغزال بعنز ، وفي الأرنب بعناق ، وفي اليربوع بجفرة
قوله تعالي : " هدياً بالغ الكعبة " ، أي : يهدي تلك الكفارة إلى الكعبة ، فيذبحها بمكة ويتصدق بلحمها على مساكين الحرم ، " أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً " ، قال الفراء رحمه الله : العدل بالكسر : المثل من جنسه ، والعدل بالفتح : المثل من غير جنسه ، وأراد به : أنه في جزاء الصيد مخير بين أن يذبح المثل من النعم ، فيتصدق بلحمه على مساكين الحرم ، وبين أن يقوم المثل دراهم ، والدراهم طعاماً ، فيتصدق بالطعام على مساكين الحرم ،أو يصوم عن كل مد من الطعام يوماً وله أن يصوم حيث شاء لأنه لا نفع فيه للمساكين .
وقال مالك : إن لم يخرج المثل يقوم الصيد ثم يجعل القيمة طعاماً فيتصدق به ، أو يصوم .
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يجب المثل من النعم ، بل يقوم الصيد فإن شاء صرف تلك القيمة إلى شئ من النعم ، وإن شاء إلى الطعام فيتصدق به ، وأن شاء صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من غيره يوماً.
وقال الشعبي و النخعي جزاء الصيد على الترتيب والآية حجة لمن ذهب إلى التخيير.
قوله تعالى: " ليذوق وبال أمره " أي : جزاء معصيته ، "عفا الله عما سلف " ، يعني : قبل التحريم ، ونزول الآية ، قال السدي : عفا الله عما سلف في الجاهلية ، " و من عاد فينتقم الله منه " في الاخرة . " والله عزيز ذو انتقام " ، وإذا تكرر من المحرم قتل الصيد فيتعدد عليه الجزاء عند عامة أهل العلم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا قتل المحرم صيداً متعمداً يسأل هل قتلت قبله شيئاً من الصيد ؟ فإن قال نعم لم يحكم عليه ، وقيل له : اذهب ينتقم الله منك ، وإن قال لم أقتل قبله شيئاً حكم عليه ، فإن عاد بعد ذلك لم يحكم عليه ، ولكن يملأ ظهره وصدره ضرباً وجيعاً ، وكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وج وهو واد بالطائف .
واختلفوا في المحرم هل يجوز له أكل لحم الصيد أم لا ؟ فذهب قوم إلى أنه لا يحل له بحال ، ويروى ذلك عن ابن عباس ، وهو قول طاووس وبه قال سفيان الثوري ، واحتجوا بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن احمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي "أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً ، وهو بالأبواء أو بودان ، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي ، قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم"
وذهب الأكثرون إلى أنه يجوز للمحرم أكله إذا لم يصطد بنفسه ولا اصطيد لأجله أو بإشارته ، وهو قول عمر وعثمان وأبي هريرة ، وبه قال عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير ، وهو مذهب مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق وأصحاب الرأي ، وإنما رد النبي صلى الله عليه وسلم على الصعب بن جثامة لأنه ظن أنه صيد من أجله .
والدليل على جوازه ما أخبرنا ابو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة " عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة ، تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حماراً وحشياً فاستوى على فرسه وسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأبى بعضهم فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك ، فقال : إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى ."
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن احمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أنا الشافعي أنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابربن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ، مالم تصيدوه أو يصاد لكم " ، قال أبو عيسى : المطلب لا نعرف له سماعاً من جابر بن عبد الله رضى الله عنه.
وإذا أتلف المحرم شيئاً من الصيد لا مثل له من النعم مثل بيض أو طائر دون الحمام ففيه قيمة يصرفها إلى الطعام ، فيتصدق به أو يصوم عن كل مد يوما ً، واختلفوا في الجراد فرخص فيه قوم للمحرم وقالوا هو من صيد البحر ، روى ذلك عن كعب الأحبار ، والأ كثرون على أنها لا تحل ، فإن أصابها فعليه صدقه ، قال عمر : في الجراد تمرة ، وروي عنه وعن ابن عباس قبضة من طعام.
94" يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " نزلت في عام الحديبية ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بالصيد، وكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث يتمكنون من صيدها أخذاً بأيديهم وطعناً برماحهم وهم محرمون، والتقليل والتحقير في بشيء للتنبيه على أنه ليس من العظائم التي تدحض الأقدام كالابتلاء ببذل الأنفس والأموال، فمن لم يثبت عنده كيف يثبت عند ما هو أشد منه. "ليعلم الله من يخافه بالغيب" ليتميز الخائف من عقابه وهو غائب منتظر لقوة إيمانه ممن لا يخافه لضعف قلبه وقلة إيمانه، فذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره أو تعلق العلم. "فمن اعتدى بعد ذلك" بعد ذلك الابتلاء بالصيد. "فله عذاب أليم" فالوعيد لاحق به، فإن من لا يملك جأشه في مثل ذلك ولا يراعي حكم الله فيه فكيف به فيما تكون النفس أميل إليه وأحرص عليه.
94. O ye who believe! Allah will surely try you somewhat (in the matter) of the game which ye take with your hands and your spears, that Allah may know him who feareth Him in secret. Whoso transgresseth after this, for him there is a painful doom.
94 - Ye who believe God doth but make a trial of you in a little matter of game well within reach of your hands and your lances, that he may test who feareth him unseen: any who transgress thereafter, will have a grievous penalty.