93 - (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها) فأراهم الله يوم بدر القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجلهم الله إلى النار (وما ربك بغافل عما تعملون) بالياء والتاء وإنما يمهلهم لوقتهم
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " قل " يا محمد لهؤلاء القائلين لك من مشركي قومك " متى هذا الوعد إن كنتم صادقين "" الحمد لله " على نعمته علينا بتوفيقه إيانا للحق الذي أنتم عنه عمون، سيريكم ربكم آيات عذابه وسخطه، فتعرفون بها حقيقة نصحي كان لكم، ويتبين صدق ما دعوتكم إليه من الرشاد.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " سيريكم آياته فتعرفونها " قال: في أنفسكم، وفي السماء والأرض والرزق.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله " سيريكم آياته فتعرفونها " قال: في أنفسكم والسماء والأرض والرزق.
وقوله " وما ربك بغافل عما تعملون " يقول تعالى ذكره: وما ربك يا محمد بغافل عما يعمل هؤلاء المشركون، ولكن لهم أجل هم بالغوه، فإذا بلغوه فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: فلا يحزنك تكذيبهم إياك، فإني من وراء إهلاكهم، وإني لهم بالمرصاد، فأيقن لنفسك بالنصر، ولعدوك بالذل والخزي.
قوله تعالى : " وقل الحمد لله " أي على نعمه وعلى ما هدانا . " سيريكم آياته " أي في أنفسكم وفي غيركم كما قال : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم " [ فصلت : 53] " فتعرفونها " أي دلائل قدرته ووحدانيته في أنفسكم وفي السموات وفي الأرض ، نظيره قوله تعالى : " وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [ الذاريات : 20_21] . " وما ربك بغافل عما تعملون " قرأ أهل المدينة وأهل الشام و حفص عن عاصم بالتاء على الخطاب ، لقوله : " سيريكم آياته فتعرفونها " فيكون الكلام على نسق واحد والباقون بالياء على أن يريد إلى ما قبله (( فمن اهتدى )) فأخبر عن تلك الآية . كملت السورة الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلىآله وصحبه وسلم
يقول تعالى مخبراً رسوله وآمراً له أن يقول: "إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء" كما قال تعالى: "قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم" وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها والاعتناء بها, كما قال تعالى: " فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ", وقوله تعالى: "الذي حرمها" أي الذي إنما صارت حراماً شرعاً وقدراً بتحريمه لها, كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, لا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها" الحديث بتمامه. وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع, كما هو مبين في موضعه من كتاب الأحكام, ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: "وله كل شيء" من باب عطف العام على الخاص, أي هو رب هذه البلدة ورب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو "وأمرت أن أكون من المسلمين" أي الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له. وقوله: "وأن أتلو القرآن" أي على الناس أبلغهم إياه كقوله تعالى: " ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم " وكقوله تعالى: " نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق " الاية, أي أنا مبلغ ومنذر, "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين" أي لي أسوة بالرسل الذين أنذروا قومهم, وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم, وخلصوا من عهدتهم وحساب أممهم على الله تعالى, كقوله تعالى: "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" وقال "إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل" "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها" أي لله الحمد الذي لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه, والإنذار إليه, ولهذا قال تعالى: "سيريكم آياته فتعرفونها" كما قال تعالى: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ".
وقوله تعالى: "وما ربك بغافل عما تعملون" أي بل هو شهيد على كل شيء. قال ابن أبي حاتم : ذكر عن أبي عمر الحوضي حفص بن عمر , حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي , حدثنا سعيد بن أبي سعيد , سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس لا يغترن أحدكم بالله, فإن الله لو كان غافلاً شيئاً لأغفل البعوضة والخردلة والذرة" وقال أيضاً: حدثنا محمد بن يحيى , حدثنا نصر بن علي قال أبي أخبرني خالد بن قيس عن مطر عن عمر بن عبد العزيز قال: فلو كان الله مغفلاً شيئاً لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم, وقد ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه كان ينشد هذين البيتين إما له وإما لغيره:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
آخر تفسير سورة النمل ولله الحمد والمنة.
93- "وقل الحمد لله" على نعمه التي أنعم بها علي من النبوة والعلم وغير ذلك، وقوله: "سيريكم آياته" هو من جملة ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله: أي سيريكم الله آياته في أنفسكم وفي غيركم "فتعرفونها" أي تعرفون آياته، ودلائل قدرته ووحدانيته، وهذه المعرفة لا تنفع الكفار لأنهم عرفوها حين لا يقبل منهم الإيمان، وذلك عند حضور الموت. ثم ختم السورة بقوله: "وما ربك بغافل عما تعملون" وهو كلام من جهته سبحانه غير داخل تحت الكلام الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله، وفيه ترهيب شديد وتهديد عظيم. قرأ أهل المدينة والشام وحفص عن عاصم "تعملون" بالفوقية على الخطاب، وقرأ الباقون بالتحتية.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "داخرين" قال: صاغرين. وأخرج هؤلاء عنه في قوله: "وترى الجبال تحسبها جامدة" قال: قائمة "صنع الله الذي أتقن كل شيء" قال: أحكم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "صنع الله الذي أتقن كل شيء" قال: أحسن كل شيء خلقه وأوثقه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من جاء بالحسنة فله خير منها " قال: هي لا إله إلا الله، "ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار" قال: هي الشرك، وإذا صح هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمصير إليه في تفسير كلام الله سبحانه متعين ويحمل على أن المراد قال: لا إله إلا الله بحقها، وما يجب لها، فيدخل تحت ذلك كل طاعة، ويشهد له ما أخرجه الحاكم في الكنى عن صفوان بن عسال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة: جاء الإيمان والشرك يجثوان بين يدي الله سبحانه، فيقول الله للإيمان: انطلق أنت وأهلك إلى الجنة، ويقول للشرك: انطلق أنت وأهلك إلى النار، "من جاء بالحسنة فله خير منها" يعني قوله: لا إله إلا الله، "ومن جاء بالسيئة" يعني الشرك "فكبت وجوههم في النار"". وأخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة وأنس ونحوه مرفوعاً. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -من جاء بالحسنة- يعني شهادة أن لا إله إلا الله "فله خير منها" يعني بالخير الجنة "ومن جاء بالسيئة" يعني الشرك فكبت وجههم في النار وقال هذه تنجي، وهذه تردي. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات، والخرائطي في مكارم الأخلاق: عن ابن مسعود "من جاء بالحسنة" قال: لا إله إلا الله. "ومن جاء بالسيئة" قال: بالشرك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم "فله خير منها" قال: له منها خير، يعني من جهتها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "فله خير منها" قال: ثواب. وأخرج أيضاً عنه أيضاً قال: البلدة مكة.
93- "وقل الحمد لله"، على نعمه، "سيريكم آياته"، يعني: يوم بدر، من القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، نظيره قوله عز وجل: "سأريكم آياتي فلا تستعجلون" (الأنبياء-37)، وقال مجاهد: سيريكم آياته في السماء والأرض وفي أنفسكم، كما قال: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم" (فصلت-53)، "فتعرفونها"، يعني: الآيات والدلالات، "وما ربك بغافل عما تعملون"، وعدهم بالجزاء على اعمالهم.
93 -" وقل الحمد لله " على نعمة النبوة أو على ما علمني ووفقني للعمل به . " سيريكم آياته " القاهرة في الدنيا كوقعة بدر وخروج دابة الأرض ، أو في الآخرة . " فتعرفونها " أنها آيات الله ولكن حين لا تنفعكم المعرفة . " وما ربك بغافل عما تعملون " فلا تحسبوا أن تأخير عذابكم لغفلة عن أعمالكم ، وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و الكسائي بالياء .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة طس كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق سليمان وكذب به وهوداً وصالحاً وإبراهيم وشعيباً ، ويخرج من قبره وهو ينادي لا إله إلا الله " .
93. And say: Praise be to Allah who will show you His portents so that ye shall know them. And thy Lord is not unaware of what ye (mortals) do.
93 - And say: Praise be to God, who will soon show you His Signs, so that ye shall know them; and thy Lord is not unmindful of all that ye do.