(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا) أي ما ينبغي أن يصدر منه قتل له (إلا خطأ) مخطئا في قتله من غير قصد (ومن قتل مؤمنا خطأ) بأن قصد رمي غيره كصيد أو شجرة فأصابه أو ضربه بما لا يقتل غالبا (فتحرير) عتق (رقبة) نسمة (مؤمنة) عليه (ودية مسلمة) مؤداة (إلى أهله) أي ورثة المقتول (إلا أن يصدقوا) يتصدقوا عليه بها بأن يعفوا عنها ، وبينت السنة أنها مئة من الإبل عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون وبنو لبون وحقاق وجذاع وأنها على عاقلة القاتل وهم عصبته في الأصل والفرع موزعة عليهم على ثلاث سنين على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني (فإن كان) المقتول (من قوم عدو) حرب (لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) على قاتله كفارة ولا دية تسلم إلى أهله لحرابتهم (وإن كان) المقتول (من قوم بينكم وبينهم ميثاق) عهد كأهل الذمة (فدية) له (مسلمة إلى أهله) وهي ثلث دية المؤمن إن كان يهوديا أو نصرانيا وثلثا عشرها إن كان مجوسيا (وتحرير رقبة مؤمنة) على قاتله (فمن لم يجد) الرقبة بأن فقدها وما يحصلها به (فصيام شهرين متتابعين) عليه كفارة ، ولم يذكر الله تعالى الانتقال إلى الطعام كالظهار وبه أخذ الشافعي في أصح قوليه (توبة من الله) مصدر منصوب بفعله المقدر (وكان الله عليما) بخلقه (حكيما) فيما دبره لهم
قوله تعالى وما كان لمؤمن الآية أخرج ابن جرير عن عكرمة قال كان الحرث بن يزيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج الحرث مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب انه كافر ثم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ الآية وأخرج نحوه عن مجاهد والسدي
وأخرج ابن إسحق وأبو يعلي والحرث بن أبي أسامة وأبو مسلم الكجي عن القاسم بن محمد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ"، وما أذن الله لمؤمن ولا أباح له أن يقتل مؤمناً. يقول: ما كان ذلك له فيما جعل له ربه وأذن له فيه من الأشياء البتة، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ "، يقول: ما كان له ذلك فيما آتاه من ربه، من عهد الله الذي عهد إليه.
وأما قوله: "إلا خطأ"، فإنه يقول: إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ، وليس له مما جعل له ربه فأباحه له. وهذا من الاستثناء الذي يسميه أهل العربية الاستثناء المنقطع، كما قال جرير بن عطية:
من البيض، لم تظعن بعيداً، ولم تطأ على الأرض إلا ريط برد مرحل
يعني: ولم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس ذيل البرد من الأرض.
ثم أخبر جل ثناؤه عباده بحكم من قتل من المؤمنين خطأ، فقال: "ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير"، يقول: فعليه تحرير، "رقبة مؤمنة"، في ماله، "ودية مسلمة"، تؤديها عاقلته، "إلى أهله إلا أن يصدقوا"، يقول: إلا أن يصدق أهل القتيل خطأ على من لزمته دية قتيلهم، فيعفوا عنه ويتجاوزوا عن ذنبه، فيسقط عنه.
وموضع "أن" من قوله: "إلا أن يصدقوا"، نصب، لأن معناه: فعليه ذلك، إلا أن يصدقوا. وذكر أن هذه الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان قد قتل رجلاً مسلماً بعد إسلامه، وهو لا يعلم بإسلامه.
ذكر الآثار بذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ"، قال: عياش بن أبي ربيعة، قتل رجلاً مؤمناً كان يعذبه مع أبي جهل- وهو أخوه لأمه- فاتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحسب أن ذلك الرجل كان كما هو.
وكان عياش هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً، فجاءه أبو جهل- وهو أخوه لأمه- فقال: إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها- وهي أسماء ابنة مخربة- فأقبل معه، فربطه أبو جهل حتى قدم مكة. فلما رآه الكفار زادهم ذلك كفراً وافتتاناً، وقالوا: إن أبا جهل ليقدر من محمد على ما يشاء ويأخذ أصحابه.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: فاتبع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل، وعياش حسبه أنه كافر كما هو. وكان عياش هاجر إلى المدينة مؤمناً، فجاءه أبو جهل- وهو أخوه لأمه - فقال: إن أمك تنشدك برحمها وحقها إلا رجعت إليها. وقال أيضاً: ويأخذ أصحابه فيربطهم. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه، قال ابن جريج، عن عكرمة قال: كان الحارث بن يزيد بن أنيسة -من بني عامر بن لؤي- يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل. ثم خرج الحارث بن يزيد مهاجراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه عياش بالحرة، فعلاه بالسيف حتى سكت، وهو يحسب أنه كافر. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، ونزلت: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ"، الآية فقرأها عليه، ثم قال له: قم فحرر.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ"، قال: نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان أخاً لأبي جهل بن هشام، لأمه، وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الأولين قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام، ومعهما رجل من بني عامر بن لؤي. فأتوه بالمدينة، وكان عياش أحب اخوته إلى أمه، فكلموه وقالوا: إن أمك قد حلفت أن لا يظلها بيت حتى تراك، وهي مضطجعة في الشمس، فأتها لتنظر إليك ثم ارجع وأعطوه موثقاً من الله لا يهيجونه حتى يرجع إلى المدينة، فأعطاه بعض أصحابه بعيراً له نجيباً وقال : إن خفت منهم شيئا، فاقعد على النجيب. فلما أخرجوه من المدينة، أخذوه فأوثقوه، وجلده العامري، فحلف ليقتلن العامري. فلم يزل محبوساً بمكة حتى خرج يوم الفتح، فاستقبله العامري وقد أسلم، ولا يعلم عياش بإسلامه، فضربه فقتله. فأنزل الله: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ"، يقول: وهو لا يعلم أنه مؤمن، " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا "، فيتركوا الدية.
قال آخرون: نزلت هذه الآية في أبي الدرداء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً " ، الآية، قال: نزل هذا في رجل قتله أبو الدرداء، نزل هذا كله فيه. كانوا في سرية، فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة له، فوجد رجلاً من القوم في غنم له، فحمل عليه بالسيف فقال: لا إله إلا الله! قال: فضربه، ثم جاء بغنمه إلى القوم. ثم وجد في نفسه شيئاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا شققت عن قلبه! فقال: ما عسيت أجد! هل هو يا رسول الله إلا دم أو ماء؟ قال: فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه؟ قال: كيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ قال: فكيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ حتى تمنيت أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي قال: ونزل القرآن: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" حتى بلغ "إلا أن يصدقوا"، قال: إلا أن يضعوها.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عرف عباده بهذه الآية ما على من قتل مؤمناً خطأ من كفارة ودية. وجائز أن تكون الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة وقتيله، وفي أبي الدرداء وصاحبه. وأي ذلك كان، فالذي عنى الله تعالى بالآية: تعريف عباده ما ذكرنا، وقد عرف ذلك من عقل عنه من عباده تنزيله، وغير ضائرهم جهلهم بمن نزلمت فيه.
وأما الرقبة المؤمنة، فإن أهل العلم مختلفون في صفتها.
فقال بعضهم: لا تكون الرقبة مؤمنة حتى تكون قد اختارت الإيمان بعد بلوغها، وصلت وصامت ، ولا يستحق الطفل هذه الصفة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي حيان قال: سألت الشعبي عن قوله: "فتحرير رقبة مؤمنة"، قال: قد صلت وعرفت الإيمان.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "فتحرير رقبة مؤمنة"، يعني بالمؤمنة، من عقل الإيمان وصام وصلى.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال: ما كان في القرآن من "رقبة مؤمنة"، فلا يجزىء إلا من صام وصلى. وما كان في القرآن من رقبة ليست مؤمنة، فالصبي يجزىء.
حدثت عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن الحسن قال: كل شيء في كتاب الله: "فتحرير رقبة مؤمنة"، فمن صام وصلى وعقل. وإذا قال: "فتحرير رقبة"، فما شاء. حدثنا الحسن بن يحيىقال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كل شيء في القرآن: "فتحرير رقبة مؤمنة"، فالذي قد صلى. وما لم يكن مؤمنة، فتحرير من لم يصل.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فتحرير رقبة مؤمنة"، والرقبة المؤمنة عند قتادة من قد صلى. وكان يكره أن يعتق في هذا الطفل الذي لم يصل ولم يبلغ ذلك.
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: "فتحرير رقبة مؤمنة"، قال: إذا عقل دينه.
حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال ف : "فتحرير رقبة مؤمنة"، لا يجزىء فيها صبي.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فتحرير رقبة مؤمنة"، يعني بالمؤمنة: من قد عقل الإيمان وصام وصلى. فإن لم يجد رقبة، فصيام شهرين متتابعين، وعليه دية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا بها عليه.
وقال آخرون: إذا كان مولوداً بين أبوين مسلمين فهو مؤمن، وإن كان طفلاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: كل رقبة ولدت في الإسلام، فهي تجزىء.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك، قول من قال: لا يجزىء في قتل الخطأ من الرقاب إلا من قد آمن وهو يعقل الإيمان من بالغي الرجال والنساء، إذا كان ممن كان أبواه على ملة من الملل سوى الإسلام، وولد بينهما وهما كذلك، ثم لم يسلما ولا واحد منهما حتى أعتق في كفارة الخطأ. وأما من ولد بين أبوين مسلمين، فقد أجمع الجميع من أهل العلم أنه وإن لم يبلغ حد الاختيار والتمييز، ولم يدرك الحلم، فمحكوم له بحكم أهل الإيمان في الموارثة، والصلاة عليه إن مات، وكما يجب عليه إن جنى، ويجب له إن جني عليه، وفي المناكحة. فإذ كان ذلك من جميعهم إجماعاً، فواجب أن يكون له من الحكم ، فيما يجزىء فيه من كفارة الخطأ إن أعتق فيها، من حكم أهل الإيمان، في الذي له من حكم الإيمان في سائر المعاني التي ذكرناها وغيرها، ومن أبى ذلك، عكس عليه الأمر فيه، ثم سئل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس. فلن يقول في شيء من ذلك قولاً إلا ألزم في غيره مثله.
وأما الدية المسلمة إلى أهل القتيل، فهي المدفوعة إليهم، على ما وجب لهم، موفرة غير منتقصتن حقوق أهلها منها.
وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول: هي الموفرة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: "ودية مسلمة إلى أهله"، قال: موفرة.
وأما قوله: "إلا أن يصدقوا"، فإنه يعني به: إلا أن يتصدقوا بالدية على القاتل، أو على عاقلته، فادغمت التاء من قوله: يتصدقوا في الصاد فصارتا صادا.
وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي، إلا أن يتصدقوا.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا بكر بن الشرود في حرف أبي: " إلا أن يصدقوا ".
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن"، فإن كان هذا القتيل الذي قتله المؤمن خطأ، أمن قوم عدو لكم، يعني: من عداد قوم أعداء لكم في الدين مشركين قد نابذوكم الحرب على خلافكم على الإسلام، "وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة"، يقول: فإذا قتل المسلم خطأ رجلاً من عداد المشركين، والمقتول مؤمن، والقاتل يحسب أنه على كفره، فعليه تحرير رقبة مؤمنة.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: لان كان المقتول من قوم هم عدو لكم وهو مؤمن -أي: بين أظهرهم لم يهاجر- فقتله مؤمن، فلا دية عليه، وعليه تحرير رقبة مؤمنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة والمغيرة، عن إبراهيم في قوله: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن "، قال: هو الرجل يسلم في دار الحرب فيقتل. قال : ليس فيه دية، وفيه الكفارة.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة في قوله: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن "، قال: يعني المقتول يكون مؤمناً وقومه كفار. قال: فليس له دية، ولكن تحرير رقبة مؤمنة.
حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن "، قال: يكون الرجل مؤمناً وقومه كفار، فلا دية له، ولكن تحرير رقبة مؤمنة.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن" في دار الكفر، يقول: "فتحرير رقبة مؤمنة"، وليس له دية.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة"، ولا دية لأهله، من أجل أنهم كفار، وليس بينهم وبين الله عهد ولا ذمة.
حدثني المثنى قال: حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا عطاء بن السائب، عن ابن عباس أنه قال في قول الله: " فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن " إلى آخر الآية، قال: كان الرجل يسلم ثم يأتي قومه فيقيم فيهم وهم مشركون، فيمر بهم الجيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقتل فيمن يقتل، فيعتق قاتله رقبة، ولا دية له.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منيرة، عن إبراهيم: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة"، قال: هذا إذا كان الرجل المسلم من قوم عدو لكم، أي: ليس لهم عهد، يقتل خطأ، فإن على من قتله تحرير رقبة مؤمنة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن"، فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن، فقتله خطأ، فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين، ولا دية عليه.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن "، القتيل مسلم وقومه كفار، فتحرير رقبة مؤمنة، ولا يؤدي إليهم الدية فيتقوون بها عليكم.
وقال آخرون: بل عني به الرجل من أهل الحرب يقدم دار الإسلام فيسلم، ثم يرجع إلى دار الحرب، فإذا مر بهم الجيش من أهل الإسلام هرب قومه، وأقام ذلك المسلم منهم فيها، فقتله المسلمون وهم يحسبونه كافراً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة "، فهو المؤمن يكون في العدو من المشركين، يسمعون بالسرية من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيفرون ويثبت المؤمن، فيقتل، ففيه تحرير رقبة مؤمنة.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، لان كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ، "من قوم بينكم"، أيها المؤمنون، "وبينهم ميثاق"، أي: عهد وذمة، وليسوا أهل حرب لكم، "فدية مسلمة إلى أهله"، يقول: فعلى قاتله دية مسلمة إلى أهله ، يتحملها عاقلته، "وتحرير رقبة مؤمنة"، كفارة لقتله.
ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق، أهو مؤمن أوكافر؟
فقال بعضهم: هو كافر، إلا أنه لزمت قاتله ديته، لأن له ولقومه عهداً، فواجب أداء ديته إلى قومه للعهد الذي بينهم وبين المؤمنين، وأنها مال من أموالهم، ولا يحل للمؤمنين شيء من أموالهم بغير طيب أنفسهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، يقول: إذا كان كافراً في ذمتكم فقتل، فعلى قاتله الدية مسلفة إلى أهله، وتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال، سمعت الزهري يقول: دية الذمي دية المسلم. قال وكان يتأول: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله".
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن عيسى بن أبي المغيرة، عن الشعبي في قوله: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله"، قال: من أهل العهد، وليس بمؤمن.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، وليس بمؤمن.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة"، بقتله، أي: بالذي أصاب من أهل ذمته وعهده، "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"، الآية.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله"، يقول: فأدوا إليهم الدية بالميثاق. قال: وأهل الذمة يدخلون في هذا، "وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين".
وقال آخرون: بل هو مؤمن، فعلى قاتله دية يؤديها إلى قومه من المشركين، لأنهم أهل ذمة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم : "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة"، قال: هذا الرجل المسلم وقومه مشركون لهم عقد، فتكون ديته لقومه، وميراثه للمسلمين، ويعقل عنه قومه، ولهم ديته.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن أبي إسحق الكوفي، عن جابر بن زيد في قوله: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، قال: وهو مؤمن.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن في قوله: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، قال: كلهم مؤمن.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: عني بذلك المقتول من أهل العهد. لأن الله أبهم ذلك فقال: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم"، ولم يقل: وهو مؤمن، كما قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب، وعنى المقتول منهم وهو مؤمن. فكان في تركه وصفه بالإيمان الذي وصف به القتيلين الماضي ذكرهما قبل، الدليل الواضح على صحة ما قلنا في ذلك. فإن ظن ظان أن في قوله تبارك وتعالى: "فدية مسلمة إلى أهله"، دليلاً على أنه من أهل الإيمان، لأن الدية عنده لا تكون إلا لمؤمن، فقد ظن خطأ. وذلك أن دية الذمي وأهل الإسلام سواء، لإجماع جميعهم على أن ديات عبيدهم الكفار وعبيد المؤمنين من أهل الإيمان سواء. فكذلك حكم ديات أحرارهم سواء، مع أن دياتهم لو كانت على ما قال من خالفنا في ذلك، فجعلها على النصف من ديات أهل الإيمان أو على الثلث، لم يكن في ذلك دليل على أن المعني بقوله: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، من أهل الإيمان، لأن دية المؤمنة لا خلاف بين الجميع - إلا من لا يعد خلافا- أنها على النصف من دية المؤمن، وذلك غير مخرجها من تكون دية. فكذلك حكم ديات أهل الذمة، لو كانت مقصرة عن ديات أهل الإيمان، لم يخرجها ذلك من أن تكون ديات. فكيف والأمر في ذلك بخلافه، ودياتهم وديات المؤمنين سواء؟
وأما الميثاق فإنه العهد والذمة . وقد بينا في غير هذا الموضع أن ذلك كذلك ، والأصل الذي منه أخذ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، يقول: عهد.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله : "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، قال : هو المعاهدة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو غسان قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق"، عهد.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة مثله.
فإن قال قائل: وما صفة الخطأ، الذي إذا قتل المؤمن أو المعاهد لزمته ديته والكفارة؟
قيل : هو ما قال النخعي في ذلك ، وذلك ما:
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن المغيرة، عن إبراهيم : الخطأ، أن يريد الشيء فيصيب غيره.
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا، حدثنا هشيم ، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: الخطأ، أن يرمي الشيء فيصيب إنساناً وهو لا يريده ، فهو خطأ، وهو على العاقلة.
فإن قال : فما الدية الواجبة في ذلك؟.
قيل : أما في قتل المؤمن ، فمئة من الإبل ، إن كان من أهل الإبل ، على عاقلة قاتله . لا خلاف بين الجميع في ذلك ، وإن كان في مبلغ أسنانها اختلاف بين أهل العلم.
فمنهم من يقول : هي أرباع : خمس وعشرون منها حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات مخاض ، وخمس وعشرون بنات لبون.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور، عن إبراهيم ، عن علي رضي الله عنه في الخطأ شبه العمد: ثلاث وثلاثون حقة، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها. وفي الخطأ: خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات مخاض ، وخمس وعشرون بنات لبون.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن فراس والشيباني ، عن الشعبي ، عن علي بن أبي طالب بمثله.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحق ، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه بنحوه.
حدثني واصل بن عبد الأعلى قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث بن سوار، عن الشعبي ، عن علي رضي الله عنه أنه قال في قتل الخطأ: الدية مئة أرباعاً، ثم ذكر مثله.
وقال آخرون : هي أخماس : عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات لبون ، وعشرون بني لبون ، وعشرون بنات مخاض.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن أبي عبيدة، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود قال : في الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات لبون ، وعشرون بني لبون ، وعشرون بنات مخاض.
حدثني واصل بن عبد الأعلى قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن عامر، عن عبد الله بن مسعود في قتل الخطأ: مئة من الإبل أخماساً: خمس جذاع ، وخمس حقاق ، وخمس بنات لبون ، وخمس بنات مخاض ، وخمس بنو مخاض.
حدثنا مجاهد بن موسى قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال : الدية أخماس : دية الخطأ: خمس بنات مخاض ، وخمس بنات لبون ، وخمس حقاق ، وخمس جذاع ، وخمس بنو مخاض.
واعتل قائلو هذه المقالة بحديث:
حدثنا به أبو هشام الرفاعي قال ، حدثنا يحيى بن أبي زائدة وأبو خالد الأحمر، عن حجاج ، عن زيد بن جبير، عن الخشف بن مالك ، عن عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الدية في الخطأ أخماساً، قال أبو هشام : قال ابن أبي زائدة : عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون ابنة لبون ، وعشرون ابنة مخاض ، وعشرون بني مخاض.
حدثنا أبو هشام قال ، حدثنا يحيى، عن أبيه ، عن أبي إسحق ، عن علقمة، عن عبد الله: أنه قضى بذلك.
وقال آخرون : هي أرباع ، غير أنها ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون ، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بنو لبون ذكور.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال ، حدثني محمد بن بكر قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عثمان وزيد بن ثابت قالا: في الخطأ شبه العمد: أربعون جذعة خلفة، وثلاثون حقة، وثلاثون بنات مخاض، وفي الخطأ ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بنو لبون ذكور.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب ، عن زيد بن ثابت : في دية الخطأ : ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون ، وعشرون بنات مخاض ، وعشرون بنو لبون ذكور.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عثمة قال ، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه . قال وحدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب ، عن زيد بن ثابت ، مثله.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك : أن الجميع مجمعون أن في الخطأ المحض على أهل الإبل : مئة من الإبل.
ثم اختلفوا في مبالغ أسنانها، وأجمعوا على أنه لا يقصر بها في الذي وجبت له الأسنان عن أقل ما ذكرنا من أسنانها التي حدها الذين ذكرنا اختلافهم فيها، وأنه لا يجاوز بها في الذي وجبت له عن أعلاها . وإذ كان ذلك من جميعهم إجماعاً، فالواجب أن يكون مجزياً من لزمته دية قتيل خطأ، أي هذه الأسنان التي اختلف المختلفون فيها، أداها إلى من وجبت له . لأن الله تعالى لم يحد ذلك بحد لا يجاوز به ولا يقصر عنه ولا رسوله ، إلا ما ذكرت من إجماعهم فيما أجمعوا عليه ، فإنه ليس للإمام مجاوزة ذلك في الحكم بتقصير ولا زيادة، وله التخيير فيما بين ذلك بما رأى الصلاح فيه للفريقين.
وإن كانت عاقلة القاتل من أهل الذهب ، فإن لورثة القتيل عليهم عندنا ألف دينار. وعليه علماء الأمصار.
وقال بعضهم : ذلك تقويم من عمر رحمة الله عليه ، للإبل على أهل الذهب في عصره . والواجب أن يقوم في كل زمان قيمتها، إذا عدم الإبل عاقلة القاتل، واعتلوا بما:
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن مكحول قال: كانت الدية ترتفع وتنخفض، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ثمانمائة دينار، فخشي عمر من بعد، فجعلها اثني عشر ألف درهم، وألف دينار.
وأما الذين أوجبوها في كل زمان على أهل الذهب ذهبا ألف دينار، فقالوا: ذلك فريضة فرضها الله على اسمان رسوله، كما فرض الإبل على أهل الإبل. قالوا: وفي إجماع علماء الأمصار في كل عصر وزمان، إلا من شذ عنهم، على أنها لا تزاد على ألف دينار ولا تنقص عنها، أوضح الدليل على أنها الواجبة على أهل الذهب، وجوب الإبل على أهل الإبل، لأنها لو كانت قيمة لمائة من الإبل، لاختلف ذلك بالزيادة والنقصان لتغير أسعار الإبل.
وهذا القول هو الحق في ذلك ، لما ذكرنا من إجماع الحجة عليه.
وأما من الورق على أهل الورق عندنا، فاثنا عشر ألف درهم، وقد بينا العلل في ذلك في كتابنا كتاب لطيف في أحكام شرائع الإسلام.
وقال آخرون: إنما على أهل الورق من الورق عشرة آلاف درهم.
وأما دية المعاهد الذي بيننا وبين قومه ميثاق، فإن أهل العلم اختلفوا في مبلغها.
فقال بعضهم: ديته ودية الحر المسلم سواء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا بشر بن السرى، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري: أن أبا بكر وعثمان رضوان الله عليهما، كانا يجعلان دية اليهودي والنصراني ، إذا كانا معاهدين ، كدية المسلم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا بشر بن السري ، عن الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير، عن الحكم بن عيينة: أن ابن مسعود كان يجعل دية أهل الكتاب، إذا كانوا أمل ذمة، كدية المسلمين.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد قال: سألني عبد الحميد عن دية أهل الكتاب، فأخبرته أن إبراهيم قال: إن ديتهم وديتنا سواء.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا حماد، عن إبراهيم وداود، عن الشعبي أنهما قالا: دية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم ، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كان يقال: دية اليهودي والنصراني والمجوسي كدية المسلم، إذا كانت له ذمة.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء أنهما قالا: دية المعاهد دية المسلم.
حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا المسعودي ، عن حماد، عن إبراهيم أنه قال : دية المسلم والمعاهد سواء.
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال: سمعت الزهري يقول: دية الذمي دية المسلم .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن أبي زائدة، عن أشعث ، عن عامر قال : دية الذمي مثل دية المسلم .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبى معشر، عن إبراهيم مثله .
حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم مثله. حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر، وبلغه أن الحسن كان يقول: دية المجوسي ثمانمائة، ودية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ، فقال: ديتهم واحد ة .
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الشعبي قال: دية المعاهد والمسلم في كفارتهما سواء.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: دية المعاهد والمسلم سواء.
وقال آخرون: بل ديته على النصف من دية المسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عمرو بن شعيب في دية اليهودي والنصراني، قال: جعلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف دية المسلم، ودية المجوسي ثمانمائة. فقلت لعمرو بن شعيب: إن الحسن يقول: أربعة الاف ! قال: كان ذلك قبل الغلمة. وقال: إنما جعل دية المجوسي بمنزلة العبد.
حدثنا أبوكريب قال ، حدثنا عبد الله الأشجعي، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن عمر بن عبد العزيز قال: دية المعاهد على النصف من دية المسلم.
وقال آخرون: بل ديته على الثلث من دية المسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، عن أبي عثمان- قال: وكان قاضياً لأهل مرو-قال: جعل عمر رضي الله عنه دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، أربعة آلاف.
حدثنا عمار بن خالد الواسطي قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن الأعمش، عن ثابت، عن سعيد بن المسيب قال ، قال عمر: دية النصراني أربعة آلاف، والمجوسي ثمانمائة.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال ، حدثنا شعبة عن ثابت قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول : قال عمر: دية أهل الكتاب أربعة آلاف ، ودية المجوسي ثمانمائة.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن ثابت ، عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ، فذكر مثله .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح : أن رجلاً من قومه رمى يهودياً أو نصرانياً بسهم فقتله ، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فأغرمه ديته ، أربعة آلاف .
وبه عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال ، قال عمر: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ، أربعة آلاف .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا بعض أصحابنا، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر مثله .
قال حدثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عمر مثله .
قال حدثنا هشيم قال ، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار أنه قال : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، والمجوسي ثمانمائة .
حدثنا سوار بن عبد الله قال ، حدثنا خالد بن الحارث قال ، حدثنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد قال ، سمعت الضحاك في قوله : "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين"، الصيام لمن لا يجد رقبة، وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء .
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين"، فمن لم يجد رقبة مؤمنة يحررها كفارة لخطئه في قتله من قتل من مؤمن أو معاهد، لعسرته بثمنها، "فصيام شهرين متتابعين"، يقول : فعليه صيام شهرين متتابعين .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم فيه بنحو ما قلنا.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين"، قال : من لم يجد عتقاً -أو عتاقة، شك أبو عاصم - في قتل مؤمن خطأ، قال : وأنزلت في عياش بن أبي ربيعة، قتل مؤمناً خطأ.
وقال آخرون: صوم الشهرين عن الدية والرقبة . قالوا : وتأويل الآية : فمن لم يجد رقبة مؤمنة، ولا دبة يسلمها إلى أهلها، فعليه صوم شهرين متتابعين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن زكريا، عن الشعبي ، عن مسروق : أنه سئل عن الآية التي في سورة النساء: "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين": صيام الشهرين عن الرقبة وحدها، أو عن الدية والرقبة؟ فقال : من لم يجد، فهو عن الدية والرقبة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن زكريا، عن عامر، عن مسروق بنحوه .
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ، أن الصوم عن الرقبة دون الدية، لأن دية الخطأ على عاقلة القاتل ، والكفارة على القاتل ، بإجماع الحجة على ذلك نقلاً عن نبيها صلى الله عليه وسلم، فلا يقضي صوم صائم عما لزم غيره في ماله .
والمتابعة صوم الشهرين، وأن لا يقطعه بإفطار بعض أيامه لغير علة حائلة بينه وبين صومه. ثم قال جل ثناؤه : "توبة من الله وكان الله عليما حكيما"، يعني : تجاوزاً من الله لكم إلى التيسير عليكم ، بتخفيفه عنكم ما خفف عنكم من فرض تحرير الرقبة المؤمنة إذا أعسرتم بها، بإيجابه عليكم صوم شهرين متتابعين ، "وكان الله عليما حكيما"، يقول : ولم يزل الله ، "عليما"، بما يصلح عباده فيما يكلفهم من فرائضه وغير ذلك ، "حكيما"، بما يقضي فيهم ويريد.
فيه عشرون مسألة
الأولى - قوله تعالى :" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" هذه آية من أمهات الأحكام والمعنى ما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ، فقوله " وما كان " ليس على النفي وإنما هو على التحريم والنهي كقوله : " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" [الأحزاب: 53] ولو كانت على النفي لما وجد مؤمن قتل مؤمناً قط لأن ما نفاه الله يجوز وجوده كوله تعالى :" ما كان لكم أن تنبتوا شجرها " [النمل: 60] فلا يقدر العباد أن ينبتوا شجرها أبداً وقال قتادة المعنى ما كان له ذلك في عهد الله وقيل: ما كان له ذلك فيا سلف، كما ليس له الآن ذلك بوجه ثم استثنى استثناء منقطعاً ليس من الأول وهو الذي يكون فيه" إلا " بمعنى لكن والتقدير ما كان له أن يقتله البتة لكن إن قتله خطأ فعليه كذا هذا قول سيبويه والزجاج رحمهما الله ومن الاستثناء المنقطع قوله تعالى :" ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " [النساء : 157] وقال النابغة:
وقفت فيها أصيلانا أسائلها عيت جواباً وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبينها والنوي كالحوض بالمظلومة الجلد
فلما لم تكن الأواري من جنس أحد حقيقة لم تدخل في لفظه، ومثله قوله الآخر:
أمسى سقام خلاءً لا أنيس به إلا السباع ومر الريح بالغرف
وقال الآخر:
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
وقال الآخر:
وبعض الرجال مخلة لا جنى لها ولا ظل إلا أن تعد من النخل
أنشده سيبويه ومثله كثير، ومن أبدعه قول جرير:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ على الأرض إلا ذيل مرط مرحل
كأنه قال : لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد ونزلت الآية بسبب قتل عياس بن أبي ربيعة الحارث بن يزيد بن أبي أنيسة العامري لحنة كانت بينهما ، فلما هاجر الحارث مسلماً لقيه عياش فقلته ولم يشعر بإسلامه فلما أخبر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال.
يا رسول الله ، إنه قد كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت، ولم أشعر بإسلامه حتى قتلته فنزلت الآية وقيل: هو استثناء متصل أي وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً ولا يقتص منه إلا أن يكون خطأ فلا يقتص منه ولكن فيه كذا وكذا ووجه آخر وهو أن يقدر كان بمعنى استقر ووجد، كأنه قال: وما وجد وما تقرر وما ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ إذ هو مغلوب فيه أحياناً، فيجيء الاستثناء على هذين التأويلين غير منقطع ولتضمن الآية على هذا إعظام العمد وبشاعة شأنه كما تقول: ما كان لك يا فلان أن تتكلم بهذا إلا ناسياً إعظاماً للعمد والقصد مع حظر الكلام به البتة وقيل: المعنى ولا خطأ قال النحاس: ولا يجوز أن تكون " إلا " بمعنى الواو، ولا يعرف ذلك في كلام العرب ولا يصح في المعنى لأن الخطأ لا يحظر ولا يفهم من دليل خطابه جواز قتل الكافر المسلم فإن المسلم محترم الدم، وإنما خص المؤمن بالذكر تأكيداً لحنانه وأخوته وشفقته وعقيدته . وقرأ الأعمش خطاء ممدوداً في المواضع الثلاث. ووجوه الخطأ كثيرة لا تحصى يربطها عدم القصد، مثل أن يرمي صفوف المشركين فيصيب مسلماً، أو يسعى بين يديه من يستحق القتل من زان أو محارب أو مرتد فطلبه ليقتله فلقي غيره فظنه هو فقتله فذلك خطأ أو يرمي إلى غرض فيصيب إنساناً أو ما جرى مجراه وهذا مما لا خلاف فيه والخطأ اسم من أخطأ وإخطاء إذا لم يصنع عن تعمد فالخطأ الاسم يقوم مقام الأخطاء ويقال لمن أراد شيئاً ففعل غيره: أخطأ ولمن فعل غير الصواب: أخطأ قال ابن المنذر: قال الله تبارك وتعالى :" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" إلى قوله تعالى :" ودية مسلمة إلى أهله " فحكم الله جل ثناؤه في الؤمن يقتل خطأ بالدية، وثبتت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وأجمع أهل العلم على القول به .
الثانية -ذهب داود إلى القصاص بين الحر والعبد في النفس، وفي كل ما يستطاع القصاص فيه من الأعضاء تمسكاً بقوله تعالى :" وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" إلى قوله تعالى :" والجروح قصاص" [المائدة:45]و"قوله عليه السلام:
المسلمون تتكافأ دماؤهم " فلم يفرق بين حر وعبد وهو قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة أصحابه لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا في النفس فيقتل الحر بالعبد كما يقتل العبد بالحر، ولا قصاص بينهما في شيء من الجراح والأعضاء ، وأجمع العلماء على أن قوله تعالى :" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" أنه لم يدخل فيه العبيد، وإنما أريد به الأحرار دون العبيد، فكذلك "قوله عليه السلام: المسلمون تتكافأ دماؤهم " أريد به الأحرار خاصة والجمهور على ذلك وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون فالنفس أحرى بذلك وقد مضى هذا في البقرة.
الثالثة- قوله تعالى :" فتحرير رقبة مؤمنة" أي فعليه تحرير رقبة، هذه الكفارة التي أوجبها الله تعالى في كفارة القتل والظهار أيضاً على ما يأتي. واختلف العلماء فيما يجزئ منها فقال ابن عباس والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم: الرقبة المؤمنة هي التي صلت علقت الإيمان لا تجزئ في ذلك الصغيرة وهو الصحيح في هذا الباب قال عطاء بن أبي رباح: يجزئ الصغير المولود بين مسلمين وقال جماعة منهم مالك والشافعي: يجزئ كل من حكم له بحكم في الصلاة عليه إن مات ودفنه، وقال مالك: ومن صلى وصام أحب إلي. ولا يجزئ في قول كافة العلماء أعمى ولا مقعد ولا مقطوع اليدين أو الرجلين ولا أشلهما، ويجزئ عند أكثرهم الأعرج والأعور. قال مالك ألا أن يكون عرجاً شديداً لوا يجزئ عند مالك والشافعي وأكثر العلماء أقطع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين, ويجزئ عند أبي حنيفة وأصحابه ولا يجزئ عند أكثرهم المجنون المطبق ولا يجزئ عند مالك الذي يجن ويفيق، ويجزئ عند الشافعي ولا يجزئ عند مالك المعتق إلى سنين، ويجزئ عند الشافعي ولا يجزئ المدبر عند مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي، ويجزئ في قول الشافعي وأبي ثور، واختاره ابن المنذر وقال
مالك: لا يصح من أعتق بعضه لقوله تعالى :" فتحرير رقبة "ومن أعتق البعض لا يقال حرر رقبة وإنما حرر بعضها، واختلفوا أيضاً في معناها فقيل: أوجبت تمحيصاً وطهوراً لذنب القاتل وذنبه ترك الاحتياط والتحفظ حتى هلك على يديه امرؤ محقون الدم وقيل: أوجبت بدلاً من تعطيل حق الله تعالى في نفس القتيل، فإنه كان له في نفسه حق وهو التنعم بالحياة والتصرف فيما أحل له تصرف الأحياء وكان لله سبحانه فيه حق وهو أنه كان عبداً من عباده يجب له من اسم العبودية صغيراً كان أو كبيراً حراً كان أو عبداً مسلماً كان أو ذمياً ما يتميز به عن البهائم الدواب، ويرتجى مع ذلك أن يكون من نسله من يعبد الله ويطيعه فلم يخل قاتله من أن يكون فوت منه الاسم الذي ذكرنا والمعنى الذي وصفنا فلذلك ضمن الكفارة وأي واحد من هذين المعنيين كان ففيه بيان أن النص وإن رفع على القاتل خطأ فالقاتل عمداً مثله، بل أولى بوجوب الكافرة عليه منه على ما يأتي بيانه والله أعلم .
الرابعة -قوله تعالى :" ودية مسلمة" الدية ما يعطى عوضاً عن دم القتيل إلى وليه " مسلمة " مدفوعة مؤداة ولم يعين الله في كتابه ما يعطى في الدية وإنما في الآية إيجاب الدية مطلقاً وليس فيها إيجابها على العاقلة أو على القاتل، وإنما أخذ ذلك من السنة ولا شك أن إيجاب المواساة على العاقلة خلاف قياس الأصول في الغرامات وضمان المتلفات، والذي وجب على العاقلة لم يجب تغليظاً، ولا أن وزر القاتل عليهم ولكنه مواساة محضة واعتقد أبو حنيفة أنها باعتبار النصرة فأوجبها على أهل ديوانه وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الدية مائة من الإبل.
ووادها صلى الله عليه وسلم في عبد الله بن سهل المقتول بخيبر لحويصة ومحصية وعبد الرحمن ، فكان ذلك بياناً على لسان نبيه عليه السلام لمجمل الكتابة وأجمع أهل العلم على أن على أهل الإبل مائة من الإبل، واختلفوا فيما يجب على غير أهل الإبل، فقالت طائفة : على أهل الذهب ألف دينار، وهم أهل الشام ومصر والمغرب، هذا قول مالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه، في القديم وروي هذا عن عمر وعروة بن الزبير وقتادة وأما أهل الورق فاثنا عشر ألف درهم، وهم أهل العراق وفارس وخراسان هذا مذهب مالك على ما بلغه عن عمر أنه قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم. وقال المزني: قال الشافعي الدية الإبل، فإن أعوزت فقيمتها بالدراهم والدنانير، على ما قومها عمر، ألف دينار على أهل الذهب واثنا عشر ألف درهم على أهل الورق، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: الدية من الورق عشرة آلاف درهم رواه الشعبي عن عبيدة عن عمر أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل البقرة مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألف شاة وعلى أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل الحلل مائتي حلة قال أبو عمرك في هذا الحديث ما يدل على أن الدنانير والدراهم صنف من أصناف الدية لا على وجه البدل والقيمة، وهو الظاهر من الحديث عن عثمان وعلي وابن عباس وخالف أبو حنيفة ما رواه عن عمر في البقر والشاء والحل وبه قال عطاء وطاوس وطائفة من التابعين وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين، قال ابن المنذر: وقالت طائفة دية الحر المسلم مائة من الإبل لا دية غيرها كما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قول الشافعي وبه قال طاوس: قال ابن المنذر: دية الحر المسلم مائة من الإبل في كل زمان كما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفت الروايات عن عمر رضي الله عنه في أعداد الدراهم وما منها شيء يصح عنه لأنها مراسيل، وقد عرفتك مذهب الشافعي وبه نقول.
الخامسة -واختلف الفقهاء في أسنان دية الإبل، فروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل، :ثلاث بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وعشر بني لبون" قال الخطابي: هذا الحديث لا أعرف أحداً قال به من الفقهاء وإنما قال أكثر العلماء : دية الخطأ أخماس كذا قال أصحاب الرأي والثوري وكذلك مالك وابن سيرين وأحمد بن حنبل إلا أنهم اختلفوا في الأصناف قال أصحاب الرأي وأحمد: خمس بنو مخاض، وخمس بنات مخاض وخمس بنات لبون، وخمس حقاق وخمس جذاع وروي هذا القول عن ابن مسعود وقال مالك والشافعي: خمس حقاق وخمس جذاع وخمس بنات لبون وخمس بنات مخاض وخمس بنو لبون وحكي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري وربيعة والليث بن سعد قال الخطابي: ولأصحاب الرأي فيه أثر، إلا أن رواية عبد الله بن خشف بن مالك وهو مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث وعدل الشافعي عن القول به لما ذكرنا من العلة في رواية ولأن فيه بني مخاض ولا مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر مائة من إبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض وقال ابن عمرك وقد روى زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية في الخطأ أخماساً إلا أن هذا لم يرفعه إلا خشف بن مالك الكوفي الطائي وهو مجهول، لأنه لم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن حرمل الطائي الجشمي من بني جشم بن معاوية أحد ثقات الكوفيين .
قلت: قد ذكر الدارقطني في سننه حديث خشف بن مالك من رواية حجاج بن أرطأة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود قال :
"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ مائة من الإبل، منها عشرون حقه وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنو مخاض"قال الدارقطني : هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجه عدة أحدها أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه بالسند الصحيح عنه الذي لا مطعن فيه ولا تأويل عليه، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه وبمذهبه وفتياه من خشف بن مالك ونظرائه وعبد الله بن مسعود أتقى لربه وأشح على دينه من أن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقضي بقضاء ويفتي هو بخلافه هذا لا يتوهم مثله على عبد الله بن مسعود وهو القائل في مسألة وردت عليه مل يسمع فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ولم يبلغه عنه فيها قوله: أقول فيها برأيي فإن يكن صواباً فمن الله ورسوله وأن يكون خطأ فمني ثم بلغه بعد ذلك أن فتياه فيها وافق قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثلها فرآه أصحابه عند ذلك فرح فرحاً شديداً لم يروه فرح مثله، لموافقة فتياه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كانت هذه صفته وهذا حاله فكيف يصح عنه أن يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ويخالفه، ووجه آخر - وهو أن الخبر المرفوع الذي فيه ذكر بني المخاض لا نعلمه رواه إلا خشف بن مالك عن ابن مسعود وهو رجل مجهول لم يروه عنه إلا زيد بن جبير بن حرمل الجشمي، وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل غير معروف، وإنما يثبت العلم عندهم بالخبر إذا كان رواية عدلاً مشهوراً، أو رجلاً قد ارتفع عنه اسم الجهالة، وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعداً فإذا كانت هذه صفته ارتفع عنه حينئذ اسم الجهالة وصار حينئذ معروفاً فأما من لم يرو عنه إلا رجل واحد وانفرد بخبر وجب التوقف عن خبره ذلك حتى يوافقه عليه غيره والله أعلم ووجه آخر وهو أن حديث خشف بن مالك لا نعلم أحداً رواه عن زيد بن جبير عنه إلا الحجاج بن أرطأة ، والحجاج رجل مشهور بالتدليس وبأنه يحدث عمن لم يلقه ولم يسمع منه وترك الرواية عنه سفيان بن عيينه ويحيى بن سعيد القطان وعيسى بن يونس بعد أن جالسوه وخبروه وكفاك بهم علماً بالرجل ونبلاً وقال يحيى بن معين : حجاج بن أرطأة لا يحتج بحديثه وقال عبد الله بن إدريس: سمعت الحجاج يقول لا ينبل الرجل حتى يدع الصلاة في الجماعة وقال عيسى بن يونس: سمعت الحجاج يقول: أخرج إلى الصلاة يزاحمني الحمالون والبقالون وقال جرير: سمعت الحجاج يقول: أهلكني حب المال والشرف. وذكر أوجهاً أخر منها أن جماعة من الثقات رووا هذا الحديث عن الحجاج بن أرطأ فاختلفوا عليه فيه إلى غير ذلك مما يطول ذكره، وفيما ذكرناه مما ذكروه كفاية ودلالة على ضعف ما ذهب إليه الكوفيون في الدية، وإن كان ابن المنذر مع جلالته قد اختاره على ما يأتي وروى حماد بن سلمة حدثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة أن ابن مسعود قال:
دية الخطأ خمسة أخماس: عشرون حقه وعشرون جذعة وعشرون بنات مخاض وعشرون بنات لبون وعشرون بني لبون ذكور قال الدارقطني: هذا إسناد حسن ورواته ثقاة، وقد وري عن علقمة عن عبد الله نحو هذا.
قلت: وهذا هو مذهب مالك والشافعي أن الدية تكون مخمسة قال الخطابي: وقد روي عن نفر من العلماء أنهم قالوا دية الخطأ أرباع، وهم الشعبي والنخعي والحسن البصري،وإليه ذهب إسحاق بن راهوية إلا أنهما قالوا: خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقه وخمس وعشرون بنات لبون وخمس عشرون بنات مخاض. وقد روي ذلك عن عليه بن أبي طالب قال أبو عمر: أما قول مالك والشافعي فروي عن سليمان بن يسار وليس فيه عن صحابي شيء، ولك عليه عمل أهل المدينة وكذلك حيى ابن جريج عن ابن شهاب.
قلت: قد ذكرنا عن ابن مسعود ما يوافق ما صار إليه مالك والشافعي قال أبو عمر: وأسنان الإبل في الديات لم تؤخذ قياساً ولا نظراً، وإنما أخذت اتباعاً وتسليماً وما أخذ من جهة الأثر فلا مدخل فيه للنظر، فكل يقول بما قد صح عنده من سلفه، رضي الله عنهم أجمعين .
قلت: وأما ما حكاه الخطابي من أنه لا يعلم من قال بحديث عمرو بن شعيب فقد حكاه ابن المنذر عن طاوس ومجاهد إلا أن مجاهداً جعل مكان بنت مخاض ثلاثين جذعة قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول يريد قول عبد الله وأصحاب الرأي الذي ضعفه الدارقطني والخطابي وابن عبد البر قال : لأنه الأقل مما قيل: وبحديث مرفوع رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوافق هذا القول .
قلت- وعجباً لابن المنذر؟ مع نقده واجتهاده كيف قال بحديث لم يوافقه أهل النقد على صحته لكن الذهول والنسيان قد يعتري الإنسان، وإنما الكمال لعزة ذي الجلال.
السادسة- ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم المختار محمد صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة، وأجمع أهل العلم على القول به وفي إجماع أهل العلم أن الدية في الخطأ على العاقلة دليل على أن المراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة حيث دخل عليه ومعه ابنه:
إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه العمد دون الخطأ وأجمعوا على أن ما زاد على ثلث الدية على العاقلة، واختلفوا في الثلث، والذي عليه جمهور العلماء أن العاقلة لا تحمل عمداً ولا اعترافاً ولا صلحاً، ولا تحمل من دية الخطأ إلا ما جاوز الثلث، وما دون الثلث في مال الجاني وقالت طائفة: عقل الخطأ على عاقلة الجاني قلت الجناية أو كثرت، لأن من غرم الأكثر غرم الأقل، كما عقل العمد في مال الجاني قل أو كثر هذا قول الشافعي .
السابعة- وحكمها أن تكون منجمة على العاقلة، والعاقلة العصبة وليس ولد المرأة إذا كان من غير عصبتها من العاقلة، ولا الإخوة من الأم بعصبة لأخوتهم من الأب والأم فلا يعقلون عنهم شيئاً وكذلك الديوان لا يكون عاقلة في قول جمهور أهل الحجاز وقال الكوفيون: يكون عاقلة إن كان من أهل الديوان، فتنجم الدية على العاقلة ثلاثة أعوام على ما قضاه عمر وعلي، لأن الإبل قد تكون حوامل فتضر به وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيها دفعة واحة لأغراض: منها أنه كان يعطيها صلحاً وتسديداً، ومنها أنه كان يعجلها تأليفاً فلما تمهد الإسلام قدرتها الصحابة على هذا النظام، قاله ابن العربي: وقال أبو عمر: أجمع العلماء قديماً وحديثاً أن الدية على العاقلة لا تكون إلا في ثلاث سنين ولا تكون في أقل منها وأجمعوا على أنها على البالغين من الرجال، وأجمع أهل السير والعلم أن الدية كنت في الجاهلية تحملها العاقلة فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام وكانوا يتعاقلون بالنصرة ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك حتى جعل عمر الديوان. واتفق الفقهاء على رواية ذلك والقول به وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زم أبي بكر ديوان وأن عمر جعل الديوان وجمع بين الناس وجعل أهل كل ناحية يداً وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو .
الثامنة -قلت: ومما ينخرط في سلك هذا الباب ويدخل في نظامه قتل الجنين في بطن أمة، وهو أن يضرب بطن أمة فتلقيه حياً ثم يموت، فقال كافة العلماء: فيه الدية كاملة في الخطأ وفي العمد بعد القسامة وقيل: بغير قسامة واختلفوا فيما به تعلم حياته بعد اتفاقهم على أنه إذا استهل صارخاً أو ارتضع أو تنفس نفساً محققة حي، فيه الدية كاملة فإن ترك فقال الشافعي وأبو حنيفة: الحركة تدل على حياته وقال مالك: لا إلا أن يقارنها طول إقامة والذكر والأنثى عند كافة العلماء في الحكم سواء فإن ألقته إلا أن يقارنها طول إقامة والذكر والأنثى عند كافة العلماء في الحكم سواء فإن ألقته ميتاً ففيه غرة : عبد أو وليدة فإن لم تلقه وماتت وهو في جوفها لم يخرج فلا شيء فيه وهذا كله إجماع لا خلاف فيه وروي عن الليث بن سعد وداود أنهما قالا في المرأة إذا ماتت من ضرب بطنها ثم خرج الجنين ميتاً بعد موتها : ففيه الغرة وسواء رمته قبل موتها أو بعد موتها، المعتبر حياة أمه في وقت ضربها لا غير. وقال سائر الفقهاء : لا شيء فيه إذا خرج ميتاً من بطنها بعد موتها قال الطحاوي محتجاً لجماعة الفقهاء بأن قال: قد أجمعوا والليث معهم على أنه لو ضرب بطنها وهي حية فماتت والجنين في بطنها ولم يسقط أنه لا شيء فيه فكذلك إذا سقط بعد موتها .
التاسعة -ولا تكون الغرة إلا بيضاء، قال أبو عمر بن العلاء في "قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
في الجنين غرة عبد أو أمة " ولوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى لقال: في الجنين عبد أو أمة، ولكنه عنى البياض، فلا يقبل في الدية إلا غلام أبيض أو جارية بيضاء لا يقل فيها أسود ولا سوداء، واختلف العلماء في قيمتها فقال مالك: تقوم بخمسين ديناراً أو ستمائة درهم، نصف عشر دية الحر المسلم، وعشر دية أمة الحرة وهو قول ابن شهاب وربيعة وسائر أهل المدينة، وقال أصحاب الرأي: قيمتها خمسمائة درهم. وقال الشافعي: سن الغرة سبع سنين أو ثمان سنين، وليس عليه أن يقبلها معيبة، مقتضى مذهب مالك أنه مخير بين إعطاء غرة أو عشرة دية الأم من الذهب عشرون ديناراً إن كانوا أهل ذهب ومن الورق -إن كانوا أهل ورق- ستمائة درهم، أو حمس فرائض من الإبل ، قال مالك وأصحابه: هي في مال الجاني، وهو قول الحسن بن حي وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما هي على العاقلة وهو أصح لحديث المغيرة بن شعبة :
أن امرأتين كانت تحت رجلين من الأنصار في رواية فتغايرتا فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها فاختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجلان فقالا: ندي من لا صاح لولا أكل ولا شرب ولا استهل، فمثل ذلك يطل فقال: أسجع كسجع الأعراب؟ فقضى فيه غرة وجعلها على عاقلة المرأة وهو حديث ثابت صحيح، نص في موضع الخلاف يوجب الحكم ولما كانت دية المرأة المضروبة على العاقلة كان الجنين كذلك في القياس والنظر واحتج علماؤنا بقول الذي قضى عليه: كيف أغرم؟ قالوا: وهذا يدل على أن الذي قضي عليه معين وهو الجاني ولو أن دية الجنين قضى بها على العاقلة لقال: فقال الذي قضى عليهم وفي القياس أن كل جان جنايته عليه إلا ما قام بخلافه الدليل الذي لا معارض له مثل إجماع لا يجوز خلافه، أن نص سنة من جهة نقل الآحاد العدول لا معارض لها فيجب الحكم بها، وقد قال الله تعالى :" ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى " [ الأنعام :164] .
العاشرة - ولا خلاف بين العلماء أن الجنين إذا خرج حياً فيه الكفارة مع الدية واختلفوا في الكفارة إذا خرج ميتاً فقال مالك فيه الغرة والكفارة وقال أبو حنيفة: والشافعي: فيه الغرة ولا كفارة واختلفوا في ميراث الغرة عن الجنين فقال مالك والشافعي وأصحابهما الغرة في الجنين موروثة عن الجنين على كتاب الله تعالى لأنها دية وقال أبو حنيفة وأصحابه : الغرة للأم وحدها لأنها جناية جني عليها بقطع عضو من أعضائها وليست بدية ومن الدليل على أنه لم يعتبر فيه الذكر والأنثى كما يلزم في الديات فدل على أن ذلك كالعضو، وكان ابن هرمز يقول: ديته لأبويه خاصة لأبيه ثلثاها ولأمة ثلثها، من كان منهما حياً كان ذلك له فإن كان أحدهما قد مات كانت للباقي منهما أباً كان أو أماً ولا يرث الإخوة شيئاً
الحادية عشرة- قوله تعالى :" إلا أن يصدقوا " أصله أن يتصدقوا فأدغمت التاء في الصاد والتصدق الإعطاء يعني إلا أن يبرئ الأولياء ورثة المقتول القاتلين مما أوجب الله لهم من الدية عليهم فهو استثناء ليس من الأول وقرأ أبو عبد الرحمن ونبيح إلا أن تصدقوا بتخفيف الصاد والتاء وكذلك قرأ أبو عمرو إلا أنه شدد الصاد ويجوز على هذه القراءة حذف التاء الثانية ولا يجوز حذفها على قراءة الياء وفي حرف أبي وابن مسعود إلا أن يتصدقوا وأما الكفارة التي هي لله تعالى فلا تسقط بإبرائهم لأنه أتلف شخصاً في عبادة الله سبحانه، فعليه أن يخلص آخر لعبادة ربه وإنما تسقط الدية التي هي حق لهم وتجب الكفارة في مال الجاني ولا تتحمل .
الثانية عشرة- قوله تعالى :" فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن " هذه مسألة المؤمن يقتل في بلاد الكفار أو حروبهم على أنه من الكفار، والمعنى عند ابن عباس وقتادة والسدي وعكرمة ومجاهد والنخعي: فإن كان هذا المقتول رجلاً مؤمناً قد آمن وبقي في قومه وهم كقرة " عدو لكم " فلا دية فيه وإنما كفارته تحرير الرقبة وهو المشهور من قول مالك وبه قال أبو حنيفة وسقطت الدية لوجهين أحدهما- أن أولياء القتيل كفار فلا يصح أن تدفع إليهم فيتقووا بها والثاني- أن حرمة هذا الذي آمن ولم يهاجر قليلة فلا دية لقوله تعالى :" والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا" [الأنفال: 72] وقالت طائفة: بل الوجه في سقوط الدية أن الأولياء كفار فقط، فسواء كان القتل خطأ بين أظهر المسلمين أو بين قومه ولم يهاجروا أو هاجر ثم رجع إلى قومه كفارته التحرير ولا دية فيه إذا لا يصح دفعها إلى الكفار، ولو وجبت الدية لوجبت لبيت المال على بيت المال فلا تجب الدية في هذا الموضع و'إن جرى القتل في بلاد الإسلام هذا قول الشافعي وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو ثور وعلى القول الأول إن قتل المؤمن في بلاد المسلمين وقومه حرب ففيه الدية لبيت المال والكفارة .
قلت : ومن هذا الباب ما جاء في صحيح مسلم "عن أسامة قال :
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقال لا إله إلا الله وقتلته قال: قلت يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح : قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا فلم يحكم عليه صلى الله عليه وسلم بقصاص ولا دية" وروي عن أسامة أنه قال:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لي بعد ثلاث مرات وقال : أعتق رقبة ولم يحكم بقصاص ولا دية فقال علماءنا: أما سقوط القصاص فواضح إذ لم يكن القتل عدواناً وأما سقوط الدية فلأوجه ثلاثة: الأول- لأنه كان أذن له في أصل القتال فكان عنه إتلاف نفس محترمة غلطاً كالخاتن والطبيب الثاني- لكونه من العدو ولم يكن له ولي من المسلمين تكون له ديته لقوله تعالى :" فإن كان من قوم عدو لكم" كما ذكرنا الثالث- أن أسامة اعترف بالقتل ولم تقم بذلك بينة ولا تعقل العاقلة اعترفا ولعل أسامة لم يكن له مال تكون فيه الدية والله أعلم .
الثالثة عشرة - قوله تعالى :" وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق" هذا في الذمي والمعاهد يقتل خطأ فتجب الدية والكفارة قاله ابن عباس والشعبي والنخعي والشافعي. واختاره الطبري قال : إلا أن الله سبحانه وتعالى أبهمه ولم يقل وهو مؤمن كما قال في القتيل من المؤمنين ومن أهل الحرب وإطلاقه ما قيد قبل يدل على أنه خلافه وقال الحسنوجابر بن زيد وإبراهيم أيضاً: المعنى وإن كان المقتول خطأ مؤمناً من قوم معاهدين لكم فعهدهم يوجب أنهم أحق بدية صاحبهم فكفارته التحرير وأداء الدية وقرأها الحسن: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن قال الحسن: إذا قتل المسلم الذمي فلا كفارة عليه قال أبو عمر: وأما الآية فمعناها عند أهل الحجاز مردود على قوله " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" ثم قال تعالى :" وإن كان من قوم " يريد ذلك المؤمن . والله أعلم . قال ابن العربي: والذي عندي أن الجملة محمولة حمل المطلق على المقيد.
قلت: وهذا معنى ما قاله الحسن وحكاه أبو عمر عن أهل الحجاز ، وقوله "فدية مسلمة" على لفظ النكرة ليس يقتضي دية بعينها . وقيل: هذا في مشركي العرب الذين كان بينهم وبين النبي عليه السلام عهد على أن يسلموا أو يؤذنوا بحرب إلى أجل معلوم، فمن قتل منهم وجبت في الدية والكفارة ثم نسخ بقوله تعالى :" براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين " [ التوبة :1].
الرابعة عشرة : وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل قال أبو عمر: إنما صارت ديتها- والله أعلم - على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل، وشهادة امرأتين بشهادة رجل وهذا إنما هو في دية الخطأ، وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء لقوله عز وجل " النفس بالنفس " [المائدة :45] " الحر بالحر " [ البقرة : 178] كما تقدم في البقرة
الخامسة عشرة - روى الدارقطني من حديث موسى بن علي بن رباح اللخمي قال سمعت أبي يقول إن أعمى كان ينشد في الموسم في خلافه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول:
يا أيها الناس لقيت منكرا هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معاً كلاهما تكسرا
وذلك أن الأعمى كان يقوده بصير فوقعا في بئر فوقع الأعمى على البصير فمات البصير فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى. وقد اختلف العلماء في رجل يسقط على آخر فيموت أحدهما فروي عن ابن الزبير: يضمن الأعلى الأسفل، ولا يضمن الأسفل الأعلى . وهذا قول شريح والنخعي وأحمد وإسحاق. وقال مالك في رجلين جر أحدهما صاحبه حتى سقطا وماتا: على عاقلة الذي جبذه الدية قال أبو عمر: ما أظن في هذا خلافاً والله أعلم - إلا ما قال بعض المتأخرين من أصحابنا وأصحاب الشافعي: يضمن نصف الدية لأنه مات من فعله ومن سقوط الساقط عليه وقال الحكم وابن شبرمة: إن سقط رجل على رجل من فوق بيت فمات أحدهما، قالا: يضمن الحي منهما وقال الشافعي في رجلين يصدم أحدهما الآخر فماتا قال : دية المصدوم على عاقلة الصادم ودية الصادم هدر وقال في الفارسين إذا اصطدما فماتا: على كل واحد منها نصف دية صاحبه لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه، وقاله عثمان البتي وزفر وقال مالك والأوزاعي والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه في الفارسين يصدمان فيموتان: على كل واحد منهما دية الآخر على عاقلته قال ابن خويز منداد: وكذلك عندنا السفينتان تصطدمان إذا لم يكن النوتي صرف السفينة ولا الفارس صرف الفرس. وروي عن مالك في السفينتين والفارسين على كل واحد منهما لقيمة ما أتلف لصاحبه كلاماً .
السادسة عشرة - واختلف العلماء من هذا الباب في تفصيل دية أهل الكتاب فقال مالك وأصحابه : هي على النصف من دية المسلم ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم، ودية نسائهم على النصف من ذلك روي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وعمرو بن شعيب وقال به أحمد بن حنبل. وهذا المعنى قد روى فيه سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية اليهودي والنصراني على النصف من دية المسلم وعبد الرحمن هذا قد روى عنه الثوري أيضاً. وقال ابن عباسو الشعبي والنخعي: المقتول من أهل العهد خطأ لا تبالي مؤمناً كان أو كافراً على عهد قومه فيه الدية كدية المسلم وهو قول أبي حنيفة والثوري وعثمان البتي والحسن بن حي جعلوا الديات كلها سواء المسلم واليهودي والنصراني والمجوسي والمعاهد والذمي، وهو قول عطاء والزهري وسعيد بن المسيب وحجتهم قوله تعالى :" فدية " وذلك يقتضي الدية كاملة كدية المسلم وعضدوا هذا بما رواه محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس في قصة بني قريظة والنضير .
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ديتهم سواء دية كاملة ، قال أبو عمر: هذا حديث فيه لين ليس في مثله حجة وقال الشافعي: دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وحجته أن ذلك أقل ما في قيل في ذلك والذمة برئة إلا بيقين أو حجة وروي هذا القول عن عمر وعثمان به قال ابن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعمرو بن دينار وأبو ثور وإسحاق.
السابعة عشرة-قوله تعالى :" فمن لم يجد " أي الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها "فصيام شهرين " أي فعليه صيام شهرين " متتابعين " حتى لو أفطر يوماً استأنف هذا قول الجمهور وقال مكي عن الشعبي: إن صيام الشهرين يجزئ عن الدية والعتق لمن لم يجد قال ابن عطية: وهذا القول وهم لأن الدية إنما هي على العاقلة وليست على القاتل. والطبري حكي هذا القول عن مسروق .
الثامنة عشرة- والحيض لا يمنع التتابع من غير خلاف، وأنها إذا طهرت ولم تؤخر وصلت باقي صيامها بما سلف منه لا شيء عليها غير ذلك إلا أن تكون طائراً قبل الفجر فتترك صيام ذلك اليوم عالمه بطهرها، فإن فعلت استأنفت عند جماعة من العلماء، قاله أبو عمر: واختلفوا في المريض الذي قد صام من شهري التتابع بعضها على قولين، فقال مالك: وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله تعالى أن يفطر إلا من عذر أو مرض أو حيض، وليس له أن يسافر فيفطر وممن قال يبني في المرض سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد وقتادة وطاوس: وقال سعيد بن جبير والنخعي والحكم بن عيينة وعطاء الخراساني: يستأنف في المرض وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحد قولي الشافعي: وله قول آخر: إنه يبني كما قال مالك وقال ابن شبرمة: يقضي ذلك اليوم وحده إن كان عذر غالب كصوم رمضان قال أبو عمر: حجة من قال يبني لأنه معذور في قطع التتابع لمرضه ولم يتعمد وقد تجاوز الله عن غير المتعمد وحجة من قال يستأنف لأن التتابع فرض لا يسقط لعذر وإنما يسقط المأثم قياساً على الصلاة لأنها ركعات متتابعات فإذا قطعها عذر استأنف ولم يبن .
التاسعة عشرة- قوله تعالى :" توبة من الله " نصب على المصدر، ومعناه رجوعاً وإما مست حاجة المخطئ إلى التوبة لأنه لم يتحرز وكان من حقه أن يتحفظ. وقيل: أي فليأت بالصيام تخفيفاً من الله تعالى عليه بقبول الصوم بدلاً عن الرقبة ومنه قوله تعالى :" علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم " [البقرة : 187] أي خففت وقوله تعالى :" علم أن لن تحصوه فتاب عليكم " [ المزمل:20]
الموفية عشرون- " وكان الله " أي في أزله وأبده " عليما" بجميع المعلومات " حكيما" فيما حكم وأبرم .
يقول تعالى: ليس لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه, وكما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله, إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس, والثيب الزاني, والتارك لدينه المفارق للجماعة" ثم إذا وقع شيء من هذه الثلاث, فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله, وإنما ذلك إلى الإمام أونائبه, وقوله: "إلا خطأ" قالوا: هو استثناء منقطع, كقول الشاعر:
البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ على الأرض إلا ربط برد مرحل
ولهذا شواهد كثيرة. واختلف في سبب نزول هذه, فقال مجاهد وغير واحد: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه وهي أسماء بنت مخرمة, وذلك أنه قتل رجلاً يعذبه مع أخيه على الإسلام وهو الحارث بن يزيد الغامدي, فأضمر له عياش السوء, فأسلم ذلك الرجل وهاجر وعياش لا يشعر, فلما كان يوم الفتح رآه فظن أنه على دينه فحمل عليه فقتله, فأنزل الله هذه الاية, قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نزلت في أبي الدرداء لأنه قتل رجلاً وقد قال كلمة الإيمان حين رفع عليه السيف, فأهوى به إليه فقال كلمته, فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, قال: إنما قالها متعوذاً فقال له: هل شققت عن قلبه ؟ وهذه القصة في الصحيح لغير أبي الدرداء.
وقوله: "ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله" هذان واجبان في قتل الخطأ, أحدهما الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم وإن كان خطأ, ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة فلا تجزىء الكافرة, وحكى ابن جرير عن ابن عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قالوا: لا يجزىء الصغير حتى يكون قاصداً للإيمان, وروي من طريق عبد الرزاق عن معمر,عن قتادة, قال: في حرف, فتحرير رقبة مؤمنة لا يجزىء فيها صبي, واختار ابن جرير أنه إن كان مولوداً بين أبوين مسلمين أجزأ وإلا فلا, والذي عليه الجمهور أنه متى كان مسلماً صح عتقه عن الكفارة سواء كان صغيراً أو كبيراً قال الإمام أحمد: أنبأنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله, عن رجل من الأنصار: أنه جاء بأمة سوادء, فقال: يا رسول الله: إن علي عتق رقبة مؤمنة, فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها, فقال لها رسول الله: "أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟" قالت: نعم. قال: "أتشهدين أني رسول الله ؟" قالت: نعم. قال: "أتؤمنين بالبعث بعد الموت ؟" قالت: نعم. قال: "أعتقها". وهذا إسناد صحيح وجهالة الصحابي لا تضره, وفي موطأ مالك ومسند الشافعي وأحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من طريق هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار, عن معاوية بن الحكم: أنه لما جاء بتلك الجارية السوادء, قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الله ؟ قالت: في السماء. قال: "من أنا" قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "أعتقها, فإنها مؤمنة" وقوله: "ودية مسلمة إلى أهله" هو الواجب الثاني فيما بين القاتل وأهل القتيل عوضاً لهم عما فاتهم من قتليهم, وهذه الدية إنما تجب أخماساً, كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث الحجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير, عن خشف بن مالك, عن ابن مسعود, قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض, وعشرين بني مخاض ذكوراً, وعشرين بنت لبون, وعشرين جذعة, وعشرين حقة, لفظ النسائي قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه, وقد روي عن عبد الله موقوفاً, كما روي عن علي وطائفة, وقيل: يجب أرباعاً وهذه الدية على العاقلة لا في ماله, قال الشافعي رحمه الله: لم أعلم مخالفاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة وهو أكثر من حديث الخاصة, وهذا الذي أشار إليه رحمه الله قد ثبت في غير ما حديث, فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة, وقضى بدية المرأة على عاقلتها وهذا يقتضي أن حكم عمد الخطأ المحض في وجوب الدية, لكن هذا تجب فيه الدية أثلاثاً لشبهة العمد, وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا, فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتهلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فرفع يديه وقال "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" وبعث علياً فودى قتلاهم وما أتلف من أموالهم حتى ميلغة الكلب, وهذا الحديث يؤخذ منه أن خطأ الإمام أو نائبه يكون في بيت المال.
وقوله: "إلا أن يصدقوا" أي فتجب فيه الدية مسلمة إلى أهله إلا أن يتصدقوا بها فلا تجب, وقوله: "فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة" أي إذا كان القتيل مؤمناً ولكن أولياؤه من الكفار أهل حرب, فلا دية لهم, وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير, وقوله: "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق" الاية, أي فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة فلهم دية قتيلهم, فإن كان مؤمنا فدية كاملة, وكذا إن كان كافراً أيضاً عند طائفة من العلماء, وقيل: يجب في الكافر نصف دية المسلم وقيل: ثلثها كما هو مفصل في كتاب الأحكام ويجب أيضاً على القاتل تحرير رقبة مؤمنة "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين" أي لا إفطار بينهما بل يسرد صومهما إلى آخرهما, فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيض أو نفاس استأنف, واختلفوا في السفر هل يقطع أم لا, على قولين, وقوله: "توبة من الله وكان الله عليماً حكيما" أي هذه توبة القاتل خطأ إذا لم يجد العتق صام شهرين متتابعين , واختلفوا فيمن لا يستطع الصيام, هل يجب عليه إطعام ستين مسكيناً كما في كفارة الظهار, على قولين أحدهما: نعم كما هو منصوص عليه في كفارة الظهار, وإنما لم يذكر ههنا, لأن هذا مقام تهديد وتخويف وتحذير فلا يناسب أن يذكر فيه الإطعام لما فيه من التسهيل والترخيص, والقول الثاني لا يعدل إلى الطعام, لأنه لو كان واجباً لما أخر بيانه عن وقت الحاجة " وكان الله عليما حكيما " قد تقدم تفسيره غير مرة,
ثم لما بين تعالى حكم القتل الخطأ شرع في بيان حكم القتل العمد, فقال: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً" الاية, وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله, حيث يقول سبحانه في سورة الفرقان "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق" الاية, وقال تعالى: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا " الأية, والايات والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً, فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء", وفي الحديث الاخر الذي رواه أبو داود من رواية عمرو بن الوليد بن عبدة المصري عن عبادة بن الصامت,قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً, فإذا أصاب دماً حراماً بلح" وفي حديث آخر "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم", وفي الحديث الاخر "ومن أعان على قتل المسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله" وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمداً, وقال البخاري: حدثنا آدم, حدثنا شعبة, حدثنا المغيرة بن النعمان, قال: سمعت ابن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة, فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها, فقال: نزلت هذه الاية "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم" هي آخر ما نزل, وما نسخها شيء, وكذا رواه هو أيضاً ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة به. ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهدي, عن سفيان الثوري, عن مغيرة بن النعمان, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله "من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم" فقال: ما نسخها شيء. وقال ابن جرير: حدثنا بن بشار, حدثنا ابن عون, حدثنا شعبة عن سعيد بن جبير, قال: قال عبد الرحمن بن أبزا سئل ابن عباس عن قوله: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً" الاية, قال: لم ينسخها شيء, وقال في هذه الاية "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر" إلى آخرها, قال: نزلت في أهل الشرك. وقال ابن جرير أيضاً حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن منصور, حدثني سعيد بن جبير أو حدثني الحكم عن سعيد بن جبير, قال: سألت ابن عباس عن قوله: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم" قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام, ثم قتل مؤمناً متعمداً, فجزاؤه جهنم ولا توبة له, فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من ندم. حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا: حدثنا جرير عن يحيى الجابر عن سالم بن أبي الجعد, قال: كنا عند ابن عباس بعدما كف بصره, فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس, ما ترى في رجل قتل مؤمناً متعمداً ؟ فقال: جزاؤه جهنم خالداً فيها, وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً. قال: أفرأيت إن تاب وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه وأنى له التوبة والهدى ؟ والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمداً جاء يوم القيامة أخذه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه من قبل عرش الرحمن, يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه, يقول: يا رب, سل هذا فيم قتلني" وايم الذي نفس عبد الله بيده, لقد أنزلت هذه الاية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه وسلم, وما نزل بعدها من برهان, وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة, سمعت يحيى بن المجبر يحدث عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أن رجلاً أتى إليه فقال: أرأيت رجلاً قتل رجلاً عمداً ؟ فقال: جزاؤه جهنم خالداً فيها, الاية, قال: لقد نزلت من آخر ما نزل, ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟ قال: وأنى له بالتوبة, وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثكلته أمه رجل قتل رجلاً متعمداً يجىء يوم القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره ـ أو آخذاً رأسه بيمينه أو بشماله ـ تشخب أوداجه دماً من قبل العرش, يقول : يا رب, سل عبدك فيم قتلني" وقد رواه النسائي عن قتيبة وابن ماجه, عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عيينة, عن عمار الدهني ويحيى الجابر وثابت الثمالي عن سالم بن أبي الجعد, عن ابن عباس فذكره, وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف زيد بن ثابت وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن وقتادة والضحاك بن مزاحم نقله ابن أبي حاتم, وفي الباب أحاديث كثيرة , فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ في تفسيره: حدثنا دعلج بن أحمد, حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي (ح), وحدثنا عبد الله بن جعفر, وحدثنا إبراهيم بن فهد, قالا: حدثنا عبيد بن عبيدة حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه, عن الأعمش, عن أبي عمرو بن شرحبيل بإسناده عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجىء المقتول متعلقاً بقاتله يوم القيامة آخذا رأسه بيده الأخرى فيقول يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ قال, فيقول: قتلته لتكون العزة لك, فيقول: فإنها لي, قال ويجىء آخر متعلقاً بقاتله فيقول: رب سل هذا فيم قتلني . قال فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان, قال: فإنها ليست له بؤ بإثمه, قال: فيهوي في النار سبعين خريفاً" وقد رواه النسائي عن إبراهيم بن المستمر العوفي, عن عمرو بن عاصم, عن معتمر بن سليمان به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا صفوان بن عيسى, حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون, عن أبي إدريس, قال: سمعت معاوية رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً, أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً" وكذا رواه النسائي عن محمد بن المثنى, عن صفوان بن عيسى به, وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا سمويه, حدثنا عبد الأعلى بن مسهر, حدثنا صدقة بن خالد, حدثنا خالد بن دهقان, حدثنا ابن أبي زكريا, قال سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً, أو من قتل مؤمناً متعمداً" وهذا غريب جداً من هذا الوجه, والمحفوظ حديث معاوية المتقدم, فالله أعلم, ثم روى ابن مردويه من طريق بقية بن الوليد عن نافع بن يزيد: حدثني ابن جبير الأنصاري عن داود بن الحصين, عن نافع, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل مؤمناً متعمداً فقد كفر بالله عز وجل" وهذا حديث منكر أيضاً, فإسناده تكلم فيه جداً, قال الإمام أحمد: حدثنا النضر, حدثنا سليمان بن المغيرة, حدثنا حميد, قال: أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي, فقال لنا: هلما فأنتما أشب سناً مني, وأوعى للحديث مني, فانطلق بنا إلى بشر بن عاصم, فقال له أبو العالية: حدث هؤلاء بحديثك, فقال: حدثنا عقبة بن مالك الليثي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم, فشد مع القوم رجل فاتبعه رجل من السرية شاهراً سيفه, فقال الشاد من القوم: إني مسلم فلم ينظر فيما قال, قال: فضربه فقتله, فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال فيه قولاً شديداً, فبلغ القاتل, فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل: والله ما قال الذي قال إلا تعوذاً من القتل, قال: فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته, ثم قال أيضاً: يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذاً من القتل, فأعرض عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته ثم لم يصبر حتى قال الثالثة: والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذاً من القتل, فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه, فقال: "إن الله أبى على من قتل مؤمناً ثلاثاً" ورواه النسائي من حديث سليمان بن المغيرة, والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز وجل, فإن تاب وأناب, وخشع وخضع وعمل عملاً صالحاً بدل الله سيئاته حسنات, وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته, قال الله تعالى: " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا " الاية, وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين وحمل هذه الاية على المؤمنين خلاف الظاهر, ويحتاج حمله إلى دليل, والله أعلم.
وقال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" الاية, وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك, كل من تاب أي من أي ذلك تاب الله عليه, قال الله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فهذه الاية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك, وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الاية وقبلها لتقوية الرجاء, والله أعلم, وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالماً هل لي من توبة ؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه, فهاجر إليه فمات في الطريق, فقبضته ملائكة الرحمة كما ذكرناه غير مرة, وإذا كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولى والأحرى, لأن الله وضع عنا الاصار والأغلال التي كانت عليهم وبعث نبينا بالحنيفية السمحة.
فأما الاية الكريمة وهي قوله تعالى: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً" الاية, فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف: هذا جزاؤه إن جازاه, وقد رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعاً من طريق محمد بن جامع العطار عن العلاء بن ميمون العنبري, عن حجاج الأسود, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة مرفوعاً ولكن لا يصح, ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه, وكذا كل وعيد على ذنب, لكن قد يكون كذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه على قولي أصحاب الموازنة والإحباط, وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد, والله أعلم بالصواب, وبتقدير دخول القاتل في النار, أما على قول ابن عباس ومن وافقه أنه لا توبة له, أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحاً ينجو به فليس بمخلد فيها أبداً, بل الخلود هو المكث الطويل, وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان", وأما حديث معاوية "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً, أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً" فعسى للترجي, فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين لا تنفي وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل لما ذكرنا من الأدلة, وأما من مات كافراً فالنص أن الله لا يغفر له البتة, وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه حق من حقوق الادميين, وهي لا تسقط بالتوبة, ولكن لا بد من ردها إليهم ولا فرق بين المقتول والمسروق منه, والمغصوب منه والمقذوف وسائر حقوق الادميين, فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة, ولكنه لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة, فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة, لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة, إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها, ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها, ورفع درجته فيها ونحو ذلك والله أعلم, ثم لقاتل العمد أحكام في الدنيا وأحكام في الاخرة, فأما في الدنيا فتسلط أولياء المقتول عليه, قال الله تعالى: "ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً" الاية, ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا, أو يعفوا, أو يأخذوا دية مغلظة أثلاثاً, ثلاثون حقة, وثلاثون جذعة, وأربعون خلفة, كما هو مقرر في كتاب الأحكام, واختلف الأئمة هل تجب عليه كفارة عتق رقبة, أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام, على أحد القولين كما تقدم في كفارة الخطأ, على قولين فالشافعي وأصحابه وطائفة من العلماء يقولون نعم, يجب عليه, لأنه إذا وجبت عليه الكفارة في الخطأ فلأن تجب عليه في العمد أولى, فطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس واعتذروا بقضاء الصلاة المتروكة عمداً كما أجمعوا على ذلك في الخطأ, وقال أصحابه,الإمام أحمد وآخرون: قتل العمد أعظم من أن يكفر فلا كفارة فيه, وكذا اليمين الغموس ولا سبيل لهم إلى الفرق بين هاتين الصورتين وبين الصلاة المتروكة عمداً, فإنهم يقولون بوجوب قضائها إذا تركت عمداً, وقد احتج من ذهب إلى وجوب الكفارة في قتل العمد بما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا عارم بن الفضل, حدثنا عبد الله بن المبارك عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن الغريف بن عياش عن واثلة بن الأسقع, قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم فقالوا: إن صاحباً لنا قد أوجب, قال: "فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضواً منه من النار" وقال أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق, حدثنا ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف الديلمي, قال: أتينا واثلة بن الأسقع الليثي فقلنا له حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب, فقال: "أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار" وكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث إبراهيم بن أبي عبلة به, ولفظ أبي داود عن الغريف الديلمي قال: أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له: حدثنا حديثاً ليس فيه زيادة ولا نقصان فغضب فقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته فيزيد وينقص, قلنا: إنما أردنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب, يعني النار بالقتل, فقال: "أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار" .
قوله 92- "وما كان لمؤمن" هذا النفي هو بمعنى النهي المقتضي للتحريم كقوله "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" ولو كان هذا النفي على معناه لكان خبراً وهو يستلزم صدقه، فلا يوجد مؤمن قتل مؤمناً قط، وقيل: المعنى ما كان له ذلك في عهد الله، وقيل: ما كان له ذلك فيما سلف كما ليس له الآين ذلك بوجه، ثم استثنى منه استثناءً منقطعاً فقال: إلا خطأ، أي ما كان له أن يقتله البتة، لكن إن قتله خطا فعليه كذا، هذا قول سيبويه والزجاج، وقيل: هو استثناء متصل، والمعنى: وما ثبت ولا وجد ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ إذ هو مغلوب حيئذ، وقيل المعنى: ولا خطأ. قال النحاس: ولا يعرف ذلك في كلام العرب، ولا يصح في المعنى لان الخطأ لا يحظر، وقيل إن المعنى: ما ينبغي أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده. فيكون قوله: خطأ منتصباً بانه مفعول له. ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف: أي: إلا قتلاً خطأ، ووجوه الخطأ كثيرة ويضبطها عدم القصد، والخطأ الاسم من أخطأ إذا لم يعتمد. قوله "فتحرير رقبة مؤمنة" أي: فعليه تحرير رقبة مؤمنة يعتقها كفارة عن قتل الخطأ، وعبر بالرقبة عن جميع الذات.
واختلف العلماء في تفسير الرقبة المؤمنة، فقيل: هي التي صلت وعقلت الإيمان فلا تجزئ الصغيرة، وبه قال ابن عباس والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم. وقال عطاء بن أبي رباح: إنها تجزئ الصغيرة المولودة بين المسلمين. وقال جماعة منهم مالك والشافعي: يجزئ كل من حكم له بوجوب الصلاة عليه إن مات، ولا يجزئ في قول جمهور العلماء أعمى ولا مقعد ولا أشل، ويجزئ عند الأكثر الأعرج والأعور. قال مالك إلا أن يكون عرجاً شديداً. ولا يجزئ عند أكثرهم المجنون، وفي المقام تفاصيل طويلة مذكورة في علم الفروع. قوله "ودية مسلمة إلى أهله" الدية: ما تعطى عوضاً عن دم المقتول إلى ورثته، والمسلمة: المدفوعة المؤداة، والأهل المراد بهم الورثة، وأجناس الدية وتفاصيلها قد بينتها السنة المطهرة. قوله "إلا أن يصدقوا" أي: إلا أن يتصدق أهل المقتول على القاتل بالدية، سمي العفو عنها صدقة ترغيباً فيه. وقرأ أبي: إلا يتصدقوا. وهذه الجملة المستثناة متعلقة بقوله "فدية مسلمة" أي: فعليه دية مسلمة إلا أن يقع العفو من الورثة عنها. قوله "فإن كان من قوم عدو لكم" أي: فإن كان المقتول من قوم عدو لكم وهم الكفار الحربيون، وهذه مسألة المؤمن الذي يقتله المسلمون في بلاد الكفار الذين كان منهم، ثم أسلم ولم يهاجر وهم يظنون أنه لم يسلم وأنه باق على دين قومه فلا دية على قاتله بل عليه تحرير رقبة مؤمنة. واختلفوا في وجه سقوط الدية، فقيل: وجهه أن أولياء القتيل كفار لا حق لهم في الدية، وقيل: وجهه أن هذا الذي آمن ولم يهاجر حرمته قليلة لقول الله تعالى "والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء" وقال بعض أهل العلم: إن ديته واجبة لبيت المال. قوله "وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق" أي: مؤقت أو مؤيد. وقرأ الحسن " وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله " أي: فعلى قاتله دية مؤداة إلى أهله من أهل الإسلام وهم ورثته "وتحرير رقبة مؤمنة" كما تقدم "فمن لم يجد" أي الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها "فصيام شهرين متتابعين" أي فعليه صيام شهرين متتابعين، لم يفصل بين يومين من أيام صومهما إفطار في نهار، فلو أفطر استأنف، هذا قول الجمهور، وأما الإفطار لعذر شرعي كالحيض ونحوه فلا يوجب الاستئناف. واختلف في الإفطار لعرض المرض. قوله "توبة من الله" منصوب على أنه مفعول له: أي شرع ذلك لكل توبة، أي: قبولاً لتوبتكم، أو منصوب على المصدرية: أي تاب عليكم توبة، وقيل منصوب على الحال: أي حال كونه ذا توبة كائنة من الله.
92-قوله تعالى:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً" ، الآية نزلت في عياش(بن أبي ربيعة) المخزومي، وذلك أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة فأسلم ثم خاف أن يظهر إسلامه لأهله فخرج هارباً إلى المدينة ، وتحصن في أطم من آطامها ، فجزعت أمة لذلك جزعاً شديداً وقالت لابنيها الحارث وأبي جهل ابن هاشم وهما أخواه لأمه : والله لا يظلني سقف ولا أذوق طعاماً ولا شرباً حتى تأتوني به ، فخرجا في طلبه ، وخرج معهما الحارث بن زيد بن أبي أنيسة حتى أتوا المدينة ، فأتوا عياشاً وهو في الأطم ، قالا له: انزل فإن أمك لم يؤوها سقف بيت بعدك، وقد حلفت الا تأكل طعاماً ولا تشرب شراباً حتى ترجع إليها (ولك عهد الله) علينا أن لا نكرهك على شيء ولا نحول بينك وبين دينك ، فلما ذكروا له جزع امه وأوثقوا له بالله نزل إليهم فأخرجوه من المدينة ثم اوثقوه بنسعة، فجلده كل واحد منهم مائة جلدة ، ثم قدموا به على أمه فلما أتاها قالت: والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ، ثم تركوه موثقاً مطروحاً في الشمس ما شاء الله ، فأعطاهم الذي أرادوا فأتاه الحارث بن زيد فقال: يا عياش أهذا الذي كنت عليه فوا الله لئن كان هدىً لقد تركت الهدى، ولئن كانت ضلالة لقد كنت عليها، فغضب عياش من مقالته ، وقال : والله لا ألقاك خالياً أبداً إلا قتلتك ، ثم إن عياشاً أسلم بعد ذلك وهاجر ثم أسلم الحراث ابن زيد بعده وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عياش حاضراً يومئذ ولم يشعر بإسلامه ، فبينا عياش يسير بظهر قباء إذ لقي الحارث فقتله ، فقال الناس: ويحك أي شيء صنعت؟ إنه قد أسلم ،فرجع عياش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله قد كان من أمري وأمر الحراث ما قد علمت ، وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته ، فنزل :"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ".
وهذا نهى عن قتل المؤمن كقوله تعالى:"وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله" (الأحزاب-53).
"إلا خطأ" استثناء منقطع معناه: لكن إن وقع خطأ،"ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة"أي: فعليه إعتاق رقبة مؤمنة كفارة،"ودية مسلمة"،كاملة،"إلى أهله"أي: إلى أهل القتيل الذين يرثونه،"إلا أن يصدقوا"أي: يتصدقوا بالدية فيعقوا ويتركوا الدية،"فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة"، أراد به إذا كان الرجل مسلماً في دار الحرب منفرداً مع الكفار فقتله من لم يعلم بإسلامه فلا دية فيه، وعليه الكفارة ، وقيل: المراد منه إذا كان المقتول مسلماً في دار الإسلام وهو من نسب قوم كفار، وقرابته في دار الحرب حرب للمسلمين ففيه الكفارة ولا دية لأهله، وكان الحراث بن زيد من قوم كفار حرب للمسلمين وكان فيه تحرير رقبة ولم يكن فيه دية لأنه لم يكن بين قومه وبين المسلمين عهد.
قوله تعالى:"وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة" أراد به إذا كان المقتول كافراً ذمياً أو معاهداً فيجب فيه الدية والكفارة، والكفارة تكون بإعتاق رقبة مؤمنة سواء كان المقتول مسلماً أو معاهداً، رجلاً كان أو امرأة ، حراً كان أو عبداً، وتكون في مال القاتل، "فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين" ، والقاتل إن كان واجداً للرقبة أو قادراً على تحصيلها بوجود ثمنها فاضلاً عن نفقته ونفقة عياله وحاجته من مسكن ونحوه فعليه الإعتاق، ولا يجوز أن ينتقل إلى الصوم فإن عجز عن تحصيلها فعليه صوم شهرين متتابعين ،فإن أفطر يوماً متعمداً في خلال الشهرين أو نسي النية ونوى صوماً آخر وجب عليه استئناف الشهرين.
وغن أفطر يوماً بعذر مرض أو سفر فهل ينقطع التتابع؟ اختلف أهل العلم فيه، فمنهم من قال : ينقطع وعليه استئناف الشهرين ،وهو قول النخعي وأظهر قولي الشافعي رضي الله عنه لأنه أفطر مختاراً ، ومنهم من قال: لا ينقطع وعليه أن يبني ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي.
ول حاضت المرأة في خلال الشهرين أفطرت أيام الحيض ولا ينقطع التتابع ، فإذا طهرت بنت على ما صامت ،لأنه أمر مكتوب على السناء لا يمكنهن الاحتراز عنه.
فإن عجز عن الصوم فهل يخرج عنه بإطعام ستين مسكيناً؟ فيه قولان، أحدهما : يخرج كما في كفارة الظهار، والثاني : لا يخرج لأن الشرع لم يذكر له بدلاً، فقال:"فصيام شهرين متتابعين".
"توبة من الله"أي: جعل الله ذلك توبة لقاتل الخطأ"وكان الله عليماً" بمن قتل خطأ "حكيماً" فيما حكم به عليكم.
أما الكلام في بيان الدية، فاعلم أن القتل على ثلاثة أنواع : عمد محض، وشبه عمد، وخطأ محض.
أما العمد المحض، أن يقصد قتل إنسان بما يقصد به القتل غالباً فقتله ففيه القصاص عند وجود التكافؤ، أو دية مغلظة في مال القاتل حالة.
وشبه العمد: أن يقصد ضربه بما لا يموت مثله من مثل ذلك الضرب غالباً،بأن ضربه بعصاً خفيفة، أو حجر صغير ضربة أو ضربتين، فمات فلا قصاص فيه، بل يجب فيه دية مغلظة على عاقلته مؤجلة إلى ثلاث سنين.
والخطأ الكفارة في ماله في الأنواع كلها، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: قتل العمد لا يوجب الكفارة، لأنه كبيرة كسائر الكبائر.
ودية الحر المسلم مائة من الإبل فإذا عدمت الإبل وجبت قيمتها من الدراهم أو الدنانير في قول، وفي قول يجب بدل مقدر منها وهو ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم ، لما روي عن عمر رضي الله عنه: فرض الدية على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم.
وذهب قوم إلى أن الواجب في الدية مائة من الإبل،أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي. ودية المرأة نصف دية الرجل ، ودية أهل الذمة والعهد ثلث دية المسلم،إن كان كتابياً ، وإن كان مجوسياً فخمس الدية، روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال:دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، ودية المجوسي ثمانمائة وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه.
وذهب قوم إلى أن دية الذمي والمعاهد مثل دية المسلم ، روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي.
وقال قوم: دية الذمي نصف دية المسلم وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك واحمد رحمهما الله.
والدية في العمد المحض وشبه العمد مغلظة بالسن فيجب ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها اولادها وهو قول عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما ، وبه قال عطاء، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه، لما اخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي رضي الله عنه أنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا إن في قتل العمد الخطأ بالسوط أوالعصا مائة من الإبل مغلظة ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها".
وذهب قوم إلى أن الدية المغلظة أرباع: خمس وعشرون بنت مخاص ، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمسق وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة ، وهو قول الزهري وربيعة وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي.
وأما دية الخطأ فمخففة ، وهي اخماس بالاتفاق ، غير أنهم اختلفوا في تقسيمها ،فذهب قوم إلى أنها عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون ، وعشرون ابن لبون ، وعشرون حقة ، وعشرون جذعة ،وهو قول عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري وربيعة ، وبه قال مالك والشافعي رحمهم الله ،وأبدل قوم بني اللبون ببنات المخاص، يروى ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه، وبه قال أحمد وأصحاب الرأي.
ودية الأطراف على هذا التقدير،ودية المرأة فيها على النصف من دية الرجل، والدية في قتل الخطأ وشبه العمد على العاقلة ،وهم عصبات القاتل من الذكور ، ولا يجب على الجاني منها شيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها على العاقلة.
92" وما كان لمؤمن " وما صح له وليس من شأنه. " أن يقتل مؤمنا " بغير حق. " إلا خطأ " فإنه على عرضته، ونصبه على الحال أو المفعول له أي: لا يقتله في شيء من الأحوال إلا حال الخطأ، أو لا يقتله لعلة إلا للخطأ أو على أنه صفة مصدر محذوف أي قتلاً خطأ. وقيل " ما كان " نفي معنى النهي، والاستثناء منقطع أي لكن إن قتله خطأ فجزاؤه ما يذكر، والخطأ ما لا يضامه القصد إلى الفعل أو الشخص أو لا يقصد به زهوق الروح غالباً، أو لا يقصد به محذور كرمي مسلم في صف الكفار مع الجهل بإسلامه، أ, يكون فعل غير مكلف. وقرئ " خطأ " بالمد و " خطا " كعصا بتخفيف الهمزة، والآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الأم، لقي حارث بن زيد في طريق وكان قد أسلم ولم يشعر به عياش فقتله. " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة " أي فعليه أو فواجبه تحرير رقبة، والتحرير الإعتاق، والحر كالعتيق للكريم من الشيء ومنه حر الوجه لأكرم موضع منه، سمي به لأن الكرم في الأحرار واللؤم في العبيد، والرقبة عبر بها عن النسمة كما عبر عنها بالرأس. " مؤمنة " محكوم بإسلامها وإن كانت صغيرة. " ودية مسلمة إلى أهله " مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كسائر المواريث، لقول ضحاك بن سفيان الكلابي،: (كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها). وهي على العاقلة فإن لم تكن فعلى بيت المال، فإن لم يكن ففي ماله. " إلا أن يصدقوا " إلا أن يصدقوا عليه بالدية. سمي العفو عنها صدقة حثاً عليه وتنبيهاً على فضله، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة" وهو متعلق بعليه، أو بمسلمة أي تجب الدية عليه أو يسلمها إلى أهله إلا حال تصدقهم عليه. أو زمانه فهو في محل النصب على الحال من القاتل أو الأهل أو الظرف. " فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة " أي فإن كان المؤمن المقتول من قوم كفار محاربين، أو في تضاعيفهم ولم يعلم إيمانه فعلى قاتله الكفارة دون الدية إلى أله إذ لا وراثة بينه وبينهم ولأنهم محاربون. " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة " أي وإن كان من قوم كفرة معاهدين، أو أ÷ل الذمة فحكمه حكم المسلمين في وجوب الكفارة والدية ولعله فيما إذا كان المقتول معاهداً، أو كان له وارث مسلم. " فمن لم يجد " رقبة بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها. " فصيام شهرين متتابعين " فعليه أو فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين. " توبة " نصب على المفعول له أي شرع ذلك توبة، من تاب الله عليه إذا قبل توبته. أو على المصدر أي وتاب الله عليكم توبة أو الحال بحذف مضاف أي فعليه صيام شهرين ذا توبة. " من الله " صفتها. " وكان الله عليما " بحاله. " حكيما " فيما أمر في شأنه.
92. It is not for a believer to kill a believer unless (it be) by mistake. He who hath killed a believer by mistake must set free a believing slave, and pay the blood money to the family of the slain, unless they remit it as a charity. If he (the victim) be of a people hostile unto you, and he is a believer, then (the penance is) to set free a believing slave. And if he cometh of a folk between whom and you there is a covenant, then the blood money must be paid unto his folk and (also) a believing slave must be set free. And whoso hath not the wherewithal must fast two consecutive months. A penance from Allah. Allah is Knower, Wise.
92 - Never should a believer kill a believer; but (if it so happens) by mistake, (compensation is due): if one (so) kills a believer, it is ordained that he should free a believing slave, and pay compensation to the deceased's family, unless they remit it freely. if the deceased belonged to a people at war with you, and he was a believer, the freing of a believing slave (is enough). if he belonged to a people with whom ye have a treaty of mutual alliance, compensation should be paid to his family, and a believing slave be freed. for those who find this beyond their means, (is prescribed) a fast for two months running: by way of repentance to God: for God hath all knowledge and all wisdom.