92 - (فاليوم ننجيك) نخرجك من البحر (ببدنك) جسدك الذي لا روح فيه (لتكون لمن خلفك) بعدك (آية) عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يُقدِموا على مثل فعلك ، وعن ابن عباس أن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موته فأُخرج لهم ليروه (وإن كثيراً من الناس) أي أهل مكة (عن آياتنا لغافلون) لا يعتبرون بها
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لفرعون: اليوم نجعلك على نجوة من الأرض ببدنك، ينظر إليك هالكاً من كذب بهلاكك، " لتكون لمن خلفك آية "، يقول: لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك، فينزجرون عن معصية الله، والكفر والسعي في أرضه بالفساد.
و((النجوة))، الموضع المرتفع على ما حوله من الأرض، ومنه قول أوس بن حجر:
فمن بعقوته كمن بنجوته والمستكن كمن يمشي بقرواح
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد وغيره قال: قالت بنو إسرائيل لموسى: إنه لم يمت فرعون! قال: فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه مثل الثور الأحمر.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد قال - وكان من أكثر الناس - أو: أحدث الناس - عن بني إسرائيل، قال: فحدثنا أن أول جنود فرعون لما انتهى إلى البحر، هابت الخيل اللهب. قال: ومثل لحصان منها فرس وديق، فوجد ريحها - أحسبه أنا قال: - فانسل فاتبعته. قال: فلما تتام آخر جنود فرعون في البحر، وخرج آخر بني إسرائيل، أمر البحر فانطبق عليهم. فقالت بنو إسرائيل: ما مات فرعون، وما كان ليموت أبداً! فسمع الله تكذيبهم نبيه، قال: فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمر، يتراءاه بنو إسرائيل.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن شداد: " فاليوم ننجيك ببدنك "، قال: ((بدنه))، جسده، رمى به البحر.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " فاليوم ننجيك ببدنك "، قال: بجسدك.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب قال، حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما جاوز موسى البحر بجميع من معه، التقى البحر عليهم - يعني: على فرعون وقومه - فأغرقهم، فقال أصحاب موسى: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه. فدعا ربه فأخرجه فنبذه البحر، حتى استيقنوا بهلاكه.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية "، يقول: أنكر ذلك طوائف من بني إسرائيل، فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه.
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " لتكون لمن خلفك آية "، قال: لما أغرق الله فرعون، لم تصدق طائفة من الناس بذلك، فأخرجه الله آيةً وعظةً.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد، أو غيره، بنحو حديث ابن عبد الأعلى، عن معمر.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد : " فاليوم ننجيك ببدنك "، قال: بجسدك.
... قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، بلغني عن مجاهد : " فاليوم ننجيك ببدنك "، قال: بجسدك.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: كذب بني إسرائيل بموت فرعون، فرمى به على ساحل البحر ليراه بنو إسرائيل، قال: أحمر، كأنه ثور.
وقال آخرون: تنجو بجسدك من البحر، فنخرجه منه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية "، يقول. أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر، فنظروا إليه بعد ما غرق.
فإن قال قائل: وما وجه قوله: " ببدنك "؟وهل يجوز أن ينجيه بغير بدنه، فيحتاج الكلام إلى أن يقال فيه: " ببدنك "؟
قيل: كان جائزاً أن ينجيه بهيئته حياً كما دخل البحر. فلما كان جائزاً ذلك قيل: " فاليوم ننجيك ببدنك "، ليعلم أنه ينجيه بالبدن بغير روح، ولكن ميتاً.
وقوله: " وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون "، يقول تعالى ذكره: " وإن كثيرا من الناس عن آياتنا "، يعني: عن حججنا وأدلتنا على أن العبادة والألوهة لنا خالصة، " لغافلون "، يقول: لساهون، لا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بها.
قوله تعالى: "فاليوم ننجيك ببدنك" أي نلقيك على نجوة من الأرض. وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق، وقالوا: هو أعظم شأناً من ذلك، فألقاه الله على نجوة من الأرض، أي مكان مرتفع من البحر حتى شاهدوه. قال أوس بن حجر يصف مطراً:
فمن بعقوته كمن بنجوته والمستكن كمن يمشي بقرواح
وقرأ اليزيدي وابن السميقع ننحيك بالحاء من التنحية، وحكاها علقمة عن ابن مسعود، أي تكون على ناحية من البحر. قال ابن جريج: فرمى به على ساحر البحر حتى رآه بنو إسرائيل، وكان قصيراً أحمر كأنه ثور. وحكى علقمة عن عبد الله أنه قرأ بندائك من النداء. قال أبو بكر الأنباري: وليس بمخالف لهجاء مصحفنا، إذ سبيله أن يكتب بياء وكاف بعد الدال، لأن الألف تسقط من ندائك في ترتيب خط المصحف كما سقط من الظلمات والسموات، فإذا وقع بها الحذف استوى هجاء بدنك وندائك، على أن هذه القراءة مرغوب عنها لشذوذها وخلافها ما عليه عامة المسلمين، والقراءة سنة يأخذها آخر عن أول، وفي معناها نقص عن تأويل قراءتنا، إذ ليس فيها للدرع ذكر الذي تتابعت الآثار بأن بني إسرائيل اختلفوا في غرق فرعون، وسألوا الله تعالى أن يريهم إياه غريقاً فألقوه على نجوة من الأرض ببدنه وهو درعه التي يلبسها في الحروب. قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي: وكان درعه من لؤلؤ منظوم. وقيل: من الذهب وكان يعرف بها. وقيل: من حديد، قاله أبو صخر: والبدن الدرع القصيرة. وأنشد أبو عبيدة للأعشى:
وبيضاء كالنهي موضونة لها قونس فوق جيب البدن
وأنشد أيضاً لعمرو بن معد يكرب:
ومضى نساؤهم بكل مفاضة جدلاء سابغة وبالأبدان
وقال كعب بن مالك:
ترى الأبدان فيها مسبغات على الأبطال واليلب الحصينا
أراد بالأبدان الدروع، واليلب الدروع اليمانية، كانت تتخذ من الجلود يخرز بعضها إلى بعض، وهو اسم جنس، الواحد يلبة. قال عمرو بن كلثوم:
علينا البيض واليلب اليماني وأسياف يقمن وينحنينا
وقيل: ببدنك بجسد لا روح فيه، قاله مجاهد: قال الأخفش: وأما قول من قال بدرعك فليس بشيء. قال أبو بكر: لأنهم لما ضرعوا إلى الله يسألونه مشاهدة فرعون غريقاً أبرزه لهم فرأوا جسداً لا روح فيه، فلما رأته بنو إسرائيل قالوا نعم! يا موسى هذا فرعون وقد غرق، فخرج الشك من قلوبهم وابتلع البحر فرعون كما كان. فعلى هذا ننجيك ببدنك احتمل معنيين: أحدهما -نلقيك على نجوة من الأرض. والثاني -نظهر جسدك الذي لا روح فيه. والقراءة الشاذة بندائك يرجع معناها إلى معنى قراءة الجماعة، لأن النداء يفسر تفسيرين، أحدهما -نلقيك بصياحك بكلمة التوبة، وقولك بعد أن أغلق بابها ومضى وقت قبولها: "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين" على موضع رفيع. والآخر -فاليوم نعزلك عن غامض البحر بندائك لما قلت أنا ربكم الأعلى، فكانت تنجيته بالبدن معاقبةً من رب العالمين له على ما فرط من كفره الذي منه نداؤه الذي افترى فيه وبهت، وادعى القدرة والأمر الذي يعلم أنه كاذب فيه وعاجز عنه وغير مستحق له. قال أبو بكر الأنباري: فقراءتنا تتضمن ما في القراءة الشاذة من المعاني وتزيد عليها.
قوله تعالى: "لتكون لمن خلفك آية" أي لبني إسرائيل ولمن بقي من قوم فرعون ممن لم يدركه الغرق ولم ينته إليه هذا الخبر. "وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون" أي معرضون عن تأمل آياتنا والتفكر فيها. وقرئ لمن خلفك (بفتح اللام)، أي لمن بقي بعدك يخلفك في أرضك. وقرأ علي بن أبي طالب لمن خلقك بالقاف، أي تكون آية لخالقك.
يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر بصحبة موسى عليه السلام وهم فيما قيل ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية وقد كانوا استعاروا من القبط حلياً كثيراً فخرجوا به معهم فاشتد حنق فرعون عليهم فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده من أقاليمه فركب وراءهم في أبهة عظيمة وجيوش هائلة لما يريده الله تعالى بهم ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته فلحقوهم وقت شروق الشمس " فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون " وذلك أنهم لما انتهوا إلى ساحل البحر وفرعون وراءهم ولم يبق إلا أن يتقاتل الجمعان وألح أصحاب موسى عليه السلام عليه في السؤال كيف المخلص مما نحن فيه ؟ فيقول: إني أمرت أن أسلك ههنا "كلا إن معي ربي سيهدين" فعند ما ضاق الأمر اتسع فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم أي كالجبل العظيم وصار اثني عشر طريقاً لكل سبط واحد وأمر الله الريح فنشفت أرضه "فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى" وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك ليرى كل قوم الاخرين لئلا يظنوا أنهم هلكوا. وجاوزت بنو إسرائيل البحر فلما خرج آخرهم منه انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى وهو في مائة ألف أدهم سوى بقية الألوان, فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهم بالرجوع وهيهات ولات حين مناص, نفذ القدر, واستجيبت الدعوة.
وجاء جبريل عليه السلام على فرس وديق حائل فمر إلى جانب حصان فرعون فحمحم إليها واقتحم جبريل البحر فاقتحم الحصان وراءه ولم يبق فرعون يملك من نفسه شيئاً فتجلد لأمرائه وقال لهم ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا فاقتحموا كلهم عن آخرهم وميكائيل في ساقتهم لا يترك منهم أحداً إلا ألحقه بهم, فلما استوسقوا فيه وتكاملوا وهم أولهم بالخروج منه أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم فارتطم عليهم فلم ينج منهم أحد وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم وتراكمت الأمواج فوق فرعون وغشيته سكرات الموت فقال وهو كذلك: "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين" فآمن حيث لا ينفعه الإيمان " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون " ولهذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال " آلآن وقد عصيت قبل " أي أهذا الوقت تقول, وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه "وكنت من المفسدين" أي في الأرض الذين أضلوا الناس "وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون" وهذا الذي حكى الله تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله ذلك من أسرار الغيب التي أعلم الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قال فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ـ قال ـ قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة".
ورواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم من حديث حماد بن سلمة به, وقال الترمذي: حديث حسن, وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة" وقد رواه أبو عيسى الترمذي أيضاً وابن جرير أيضاً من غير وجه عن شعبة به فذكر مثله, وقال الترمذي: حسن غريب صحيح, ووقع في رواية عند ابن جرير عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن عطاء وعدي عن سعيد عن ابن عباس رفعه أحدهما فكأن الاخر لم يرفع فالله أعلم, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أغرق الله فرعون أشار بأصبعه ورفع صوته "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل" قال فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه, وكذا رواه ابن جرير عن سفيان بن وكيع عن أبي خالد به موقوفاً, وقد روي من حديث أبي هريرة أيضاً فقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا حكام عن عنبسة هو ابن أبي سعيد عن كثير بن زاذان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له" يعني فرعون. كثير بن زاذان هذا قال ابن معين: لا أعرفه, وقال أبو زرعة وأبو حاتم: مجهول وباقي رجاله ثقات.
وقد أرسل هذا الحديث جماعة من السلف قتادة وإبراهيم التيمي وميمون بن مهران ونقل عن الضحاك بن قيس أنه خطب بهذا للناس فالله أعلم. وقوله: "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" قال ابن عباس وغيره من السلف: إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح وعليه درعه المعروفة على نجوة من الأرض وهو المكان المرتفع ليتحققوا موته وهلاكه ولهذا قال تعالى: "فاليوم ننجيك" أي نرفعك على نشز من الأرض "ببدنك" قال مجاهد: بجسدك, وقال الحسن: بجسم لا روح فيه, وقال عبد الله بن شداد: سوياً صحيحاً أي لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه, وقال ابو صخر: بدرعك. وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها كما تقدم والله أعلم. وقوله: "لتكون لمن خلفك آية" أي لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك وأن الله هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده وأنه لا يقوم لغضبه شيء ولهذا قرأ بعضهم "لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون" أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون بها, وقد كان إهلاكهم يوم عاشوراء كما قال البخاري حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: "ماهذا اليوم الذي تصومونه ؟" فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم فصوموه".
قوله: 92- "فاليوم ننجيك ببدنك" قرئ ننجيك بالتخفيف، والجمهور على التثقيل. وقرأ اليزيدي: ننحيك بالحاء المهملة من التنحية، وحكاها علقمة عن ابن مسعود، ومعنى ننجيك بالجيم: نلقيك على نجوة من الأرض، وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق، وقالوا: هو أعظم شأناً من ذاك، فألقاه الله على نجوة من الأرض، أي مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه، وقيل المعنى: نخرجك مما وقع فيه قومك من الرسول في قعر البحر ونجعلك طافياً ليشاهدوك ميتاً بالغرق، ومعنى ننحيك بالمهملة: نطرحك على ناحية من الأرض. وروي عن ابن مسعود أنه قرأ بأبدانك.
وقد اختلف المفسرون في معنى ببدنك، فقيل معناه: بجسدك بعد سلب الروح منه، وقيل معناه: بدرعك، والدرع يسمى بدناً، ومنه قول كعب بن مالك:
ترى الأبدان فيها مسبغات على الأبطال واليلب الحصينا
أراد بالأبدان الدروع، وقال عمرو بن معدي كرب:
ومضى نساؤهم بكل مضاضة جدلاء سابغة وبالأبدان
أي بدروع سابغة ودروع قصيرة: وهي التي يقال لها أبدان كما قال أبو عبيدة. وقال الأخفش: وأما قول من قال بدرعك فليس بشيء، ورجح أن البدن المراد به هنا الجسد. قوله: "لتكون لمن خلفك آية" هذا تعليل لتنجيته ببدنه، وفي ذلك على أنه لم يظهر جسده دون قومه إلا لهذه العلة لا سوى، والمراد بالآية العلامة: أي لتكون لمن خلفك من الناس علامة يعرفون بها هلاكك، وأنك لست كما تدعي ويندفع عنهم الشك في كونك قد صرت ميتاً بالغرق، وقيل: المراد ليكون طرحك على الساحل وحدك دون المغرقين من قومك آية من آيات الله، يعتبر بها الناس أو يعتبر بها من سيأتي من الأمم إذا سمعوا ذلك حتى يحذروا من التكبر والتجبر والتمرد على الله سبحانه، فإن هذا الذي بلغ ما بلغ إليه من دعوى الإلهية واستمر على ذلك دهراً طويلاً كانت له هذه العاقبة القبيحة. وقرئ لمن خلفك على صيغة الفعل الماضي أي لمن يأتي بعدك من القرون أو من خلفك في الرياسة أو في السكون في المسكن الذي كنت تسكنه "وإن كثيراً من الناس عن آياتنا" التي توجب الاعتبار والتفكر وتوقظ من سنة الغفلة "لغافلون" عما توجبه الآيات، وهذه الجملة تذييلية.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ربنا اطمس على أموالهم" يقول: دمر على أموالهم وأهلكها "واشدد على قلوبهم" قال: اطبع "فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم" وهو الغرق. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن قوله: "ربنا اطمس على أموالهم" فأخبرته أن الله طمس على أموال فرعون وآل فرعون حتى صارت حجارة، فقال عمر: كما أنت حتى آتيك، فدعا بكيس مختوم ففكه، فإذا فيه الفضة مقطوعة كأنها الحجارة والدنانير والدراهم وأشباه ذلك من الأموال حجارة كلها. وقد روي أن أموالهم تحولت حجارة من طريق جماعة من السلف. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قد أجيبت دعوتكما، قال: فاستجاب له وحال بين فرعون وبين الإيمان. وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: كان موسى إذا دعا أمن هارون على دعائه يقول: آمين. قال أبو هريرة: وهو اسم من أسماء الله، فذلك قوله: "قد أجيبت دعوتكما". وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس نحوه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه. وأخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب القرظي نحوه أيضاً. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: يزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله. وأخرج الحكيم الترمذي عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فاستقيما فامضيا لأمري، وهي الاستقامة. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: العدو والعتو والعلو في كتاب الله التجبر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما خرج آخر أصحاب موسى ودخل آخر أصحاب فرعون أوحى الله إلى البحر أن انطبق عليهم، فخرجت أصبع فرعون بلا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل: فعرفت أن الرب رحيم وخفت أن تدركه الرحمة، فرمسته بجناحي وقلت: آلان وقد عصيت قبل؟ فلما خرج موسى وأصحابه قال من تخلف من قوم فرعون: ما غرق فرعون ولا أصحابه، ولكنهم في جزائر البحر يتصيدون، فأوحى الله إلى البحر أن الفظ فرعون عرياناً، فلفظه عرياناً أصلع أخينس قصيراً فهو قوله: "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" لمن قال: إن فرعون لمن يغرق، وكأن نجاة غيره لمن تكن نجاة عافية، ثم أوحى الله إلى البحر أن الفظ ما فيك فلفظهم على الساحل، وكان البحر لا يلفظ غريقاً في بطنه حتى يأكله السمك، فليس يقبل البحر غريقاً إلى يوم القيامة. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أغرق الله فرعون فقال: "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل" قال لي جبريل: يا محمد لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة". وقد روى هذا الحديث الترمذي من غير وجه، وقال: حسن صحيح غريب، وصححه أيضاً الحاكم. وروي عن ابن عباس مرفوعاً من طرق أخرى. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال لي جبريل: ما كان على الأرض شيء أبغض إلي من فرعون، فلما آمن جعلت أحشو فاه حمأة وأنا أغطه خشية أن تدركه الرحمة". وأخرج ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج أبو الشيخ عن أبي أمامة مرفوعاً نحوه أيضاً، وفي إسناد حديث أبي هريرة رجل مجهول، وباقي رجاله ثقات. والعجب كل العجب ممن لا علم له بفن الرواية من المفسرين، ولا يكاد يميز بين أصح الصحيح من الحديث وأكذب الكذب منه، كيف يتجارى على الكلام في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطلان ما صح منها، ويرسل لسانه وقلمه بالجهل البحت، والقصور الفاضح الذي يضحك منه كل من له أدنى ممارسة لفن الحديث، فيا مسكين ما لك ولهذا الشأن الذي لست منه في شيء؟ ألا تستر نفسك وتربع على ضلعك، وتعرف بأنك بهذا العلم من أجهل الجاهلين، وتشتغل بما هو علمك الذي لا تجاوزه، وحاصلك الذي ليس لك غيره، وهو علم اللغة وتوابعه من العلوم الآلية، ولقد صار صاحب الكشاف رحمه الله بسبب ما يتعرض له في تفسيره من علم الحديث الذي ليس هو منه في ورد ولا صدر سخرة للساخرين وعبرة للمعتبرين، فتارة يروي في كتابه الموضوعات وهو لا يدري أنها موضوعات، وتارة يتعرض لرد ما صح، ويجزم بأنه من الكذب على رسول الله والبهت عليه، وقد يكون في الصحيحين وغيرهما مما يلتحق بهما من رواية جماعة من الصحابة بأسانيد كلها أئمة ثقات أثبات حجج، وأدنى نصيب من عقل يحجر صاحبه عن التكلم في علم لا يعلمه ولا يدري به أقل دراية، وإن كان ذلك العلم من علوم الاصطلاح التي يتواضع عليها طائفة من الناس، ويصطلحون على أمور فيما بينهم، فما بالك بعلم السنة الذي هو قسيم كتاب الله، وقائله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراويه عنه خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وكل حرف من حروفه وكلمة من كلماته يثبت بها شرع عام لجميع أهل الإسلام. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "فاليوم ننجيك ببدنك" قال: أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر فنظروا إليه بعدما غرق. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال: بجسدك، قال: كذب بعض بني إسرائيل بموت فرعون، فألقي على ساحل البحر حتى يراه بنو إسرائيل أحمر قصيراً كأنه ثور. وأخرج ابن الأنباري عن محمد بن كعب في قوله: "فاليوم ننجيك ببدنك" قال: بدرعك، وكان درعه من لؤلؤة يلاقي فيها الحروب.
92-"فاليوم ننجيك"، أي نلقيك على نجوة من الأرض، وهي: المكان المرتفع. وقرأ يعقوب "ننجيك" بالتخفيف، "ببدنك"، بجسدك لا روح فيه. وقيل: ببدنك: بدرعك، وكان له درع مشهور مرصع بالجواهر، فرأوه في درعه فصدقوا. "لتكون لمن خلفك آية"، عبرة وعظة، "وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون".
92."فاليوم ننجيك"ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافياً ، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل . وقرأيعقوب"ننجيك"من أنجى، وقرأ(ننحيك)بالحاء أي نلقيك بناحية من الساحل."ببدنك "في موضع الحال أي ببدنك عارياً عن الروح ، أو كاملاً سوياً أو عرياناً من غير لباس .أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها . وقرئ (بأبدانك)أي بأجزاء البدن كلها كقولهم هوى بإجرامه أو بدروعك كأن كان مظاهراً بينها."لتكون لمن خلفك آيةً"لمن وراءك علامة وهم بنوا إسرائيل إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك، حتى كذبوا موسى عليه السلام حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحاً ممرهم من الساحل ، أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالاً عن الطغيان ،أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن وكبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية.وقرئ لمن (خلقك)أي لخالقك آية أي كسائر الآيات فإن إفراده إياك بالإلقاء إلى الساحل دليل على أنه تعمد منه لكشف تزويرك وإماطة الشبهة في أمرك.وذلك دليل على كمال قدرته وعلمه وإرادته، وهذا الوجه أيضاً محتمل على المشهور."وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون" لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.
92. But this day We save thee in thy body that thou mayest be a portent for those after thee. Lo! most of mankind are heedless of Our portents.
92 - This day shall we save thee in thy body, that thou mayest be a sign to those who come after thee but verily, many among mankind are heedless of our signs