9 - (ولو جعلناه) أي المنزَّل إليهم (ملكا لجعلناه) أي الملك (رجلا) أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوة للبشر على رؤية الملك لو أنزلناه وجعلناه رجلا (وللبسنا) شبهنا (عليهم ما يلبسون) على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلاء العادلين بي، القائلين: لولا أنزل على محمد ملك بتصديقه - ملكاً ينزل عليهم من السماء، يشهد بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمرهم باتباعه، "لجعلناه رجلا"، يقول: لجعلناه في صورة رجل من البشر، لأنهم لا يقدرون أن يروا الملك قي صورته. يقول: وإذا كان ذلك كذلك، فسواء أنزلت عليهم بذلك ملكاً أو بشراً، إذ كنت إذا أنزلت عليهم ملكاً إنما أنزله بصورة إنسي، وحججي في كلتا الحالتين عليهم ثابتة: بأنك صادق، وأن ما جئتهم به حق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس "ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا" يقول: ما أتاهم إلا في صورة رجل، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا"، في صورة رجل، في خلق رجل.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا"، يقول: لو بعثنا إليهم ملكاً لجعلناه في صورة آدمي.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا"، يقول: في صورة آدمي.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا"، قال: لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل، لم نرسله في صورة الملائكة.
قال أبو جعفر:لم يعني تعالى ذكره بقوله: "وللبسنا عليهم": ولو أنزلنا ملكاً من السماء مصدقاً لك، يا محمد، شاهداً لك عند هؤلاء العادلين بي، الجاحدين آياتك على حقيقة نبوتك، فجعلناه في صورة رجل من بني آدم، إذ كانوا لا يطيقون رؤية الملك بصورته التي خلقته بها، التبس عليهم أمره، فلم يدروا أملك هو أم إنسي! فلم يوقنوا به أنه ملك، ولم يصدقوا به، وقالوا: ليس هذا ملكا! وللبسنا عليهم ما يلبسونه على أنفسهم من حقيقة أمرك، وصحة برهانك وشاهدك على نبوتك.
يقال منه: لبست عليهم الأمر ألبسه لباساً، إذا خلطته عليهم، ولبست الثوب ألبسه لبساً. و اللبوس، اسم الثياب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون"، يقول: لشبهنا عليهم.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وللبسنا عليهم ما يلبسون"، يقول: ما لبس قوم على أنفسهم إلا لبس الله عليهم. واللبس إنما هو من الناس.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وللبسنا عليهم ما يلبسون"، يقول: شبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم.
وقد روي عن ابن عباس في ذلك قول آخر، وهو ما:
حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون"، فهم أهل الكتاب، فارقوا دينهم، وكذبوا رسلهم، وهو تحريف الكلام عن مواضعه.
حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون"، يعني: التحريف، هم أهل الكتاب، فرقوا كتبهم ودينهم، وكذبوا رسلهم، فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم.
وقد بينا فيما مضى قبل أن هذه الآيات من أول السورة، بأن تكون في أمر المشركين من عبدة الأوثان، أشبه منها بأمر أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بما أغنى عن إعادته.
قوله تعالى :" ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا " أي لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة لأن كل جنس يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه فلو جعل الله تعالى الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته ولما أنسوا به ولداخلهم من العرب من كلامه والإتقاء له ما يكفهم عن كلامه، ويمنعهم عن سؤاله فلا تعم المصلحة، ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا : لست ملكاً وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك وعادا إلى مثل حالهم وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة البشر فأتوا إبراهيم ولوطاً في صورة الآدميين، وأتى جبرائيل النبي عليهما الصلاة والسلام في صورة دحية الكلبي أي لو نزل ملك لرأوه في صورة رجل كما جرت عادة الأنبياء ولو نزل على عادته لم يروه فإذا جعلناه رجلاً التبس عليهم فكانوا يقولون: هذا ساحر مثلك وقال الزجاج: المعنى " وللبسنا عليهم " أي على رؤسائهم كما يلبسون على ضعفتهم وكانوا يقولون لهم : إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق فيلبسون عليهم بهذا ويشككونهم ، فأعلمهم الله عز وجل أنه لو أنزل ملكاً في صورة رجل لوجدوا سبيلاً إلى اللبس كما يفعلون واللبس الخلط يقال: لبست عليه الأمر ألبسه لبساً أي خلطته وأصله التستر بالثوب ونحوه وقال : لبسنا بالإضافة إلى نفسه على جهة الخلق وقال : " ما يلبسون " فأضاف إليهم على جهة الإكتساب.
يقول تعالى مخبراً عن المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق, ومباهتتهم ومنازعتهم فيه, "ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم" أي عاينوه ورأوا نزوله, وباشروا ذلك, "لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين" وهذا كما قال تعالى مخبراً عن مكابرتهم للمحسوسات " ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون " وكقوله تعالى: "وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم" "وقالوا لولا أنزل عليه ملك" أي ليكون معه نذيراً, قال الله تعالى: "ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون" أي لو نزلت الملائكة على ما هم عليه, لجاءهم من الله العذاب, كما قال الله تعالى: "ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين" وقوله "يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين" الاية. وقوله تعالى: "ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون" أي ولو أنزلنا مع الرسول البشري ملكاً, أي لو بعثنا إلى البشر رسولاً ملكياً, لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه, ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر, كما هم يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري, كقوله تعالى: "قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً" فمن رحمته تعالى بخلقه, أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلاً منهم, ليدعو بعضهم بعضاً, وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض, في المخاطبة والسؤال, كما قال تعالى: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم " الاية, قال الضحاك عن ابن عباس في الاية يقول: لو أتاهم ملك, ما أتاهم إلا في صورة رجل, لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور, "وللبسنا عليهم ما يلبسون" أي ولخلطنا عليهم ما يخلطون, وقال الوالبي عنه: ولشبهنا عليهم. وقوله " ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون " هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه, ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة, في الدنيا والاخرة, ثم قال تعالى: "قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" أي فكروا في أنفسكم, وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية, الذين كذبوا رسله, وعاندوهم, من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا, مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم, في الاخرة, وكيف نجى رسله وعباده المؤمنين.
قوله: 9- "ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً" أي لو جعلنا الرسول إلى النبي ملكاً يشاهدونه ويخاطبونه لجعلنا ذلك الملك رجلاً، لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك على صورته التي خلقه الله عليها إلا بعد أن يتجسم بالأجسام الكثيفة المشابهة لأجسام بني آدم، لأن كل جنس يأنس بجنسه، فلو جعل الله سبحانه الرسول إلى البشر أو الرسول إلى رسوله ملكاً مشاهداً مخاطباً لنفروا منه ولم يأنسوا به، ولداخلهم الرعب وحصل معهم من الخوف ما يمنعهم من كلامه ومشاهدته، هذا أقل حال فلا تتم المصلحة من الإرسال. وعند أن يجعله الله رجلاً: أي على صورة رجل من بني آدم ليسكنوا إليه ويأنسوا به سيقول الكافرون إنه ليس بملك وإنما هو بشر، ويعودون إلى مثل ما كانوا عليه. قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم لأنهم إذا رأوه في صورة إنسان قالوا هذا إنسان وليس بملك، فإن استدل لهم بأنه ملك كذبوه. قال الزجاج: المعنى للبسنا عليهم: أي على رؤسائهم كما يلبسون على ضعفتهم، وكانوا يقولون لهم: إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق، فيلبسون عليهم بهذا ويشككونهم، فأعلم الله عز وجل أنه لو نزل ملكاً في صورة رجل لوجدوا سبيلاً إلى اللبس كما يفعلون. واللبس: الخلط، يقال: لبست عليه الأمر ألبسه لبساً: أي خلطته، وأصله التستر بالثوب ونحوه.
9- " ولو جعلناه ملكاً "، [يعني: لو أرسلنا إليهم ملكاً]، " لجعلناه رجلاً "،يعني في صورة [رجل ]آدمي، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة، وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وجاء الملكان إلى داود في صورة رجلين .
قوله عز وجل: " وللبسنا عليهم ما يلبسون "، أي: خلطنا عليهم ما يخلطون وشبهنا عليهم فلا يدرون أملك هو أم آدمي، وقيل معناه شبهوا على ضعفائهم فشبه عليهم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هم أهل الكتاب فرقوا دينهم وحرفوا الكلم عن مواضعه، فلبس الله عليهم ما لبسوا على أنفسهم وقرأ الزهري "وللبسنا " بالتشديد على التكرير والتأكيد .
9- " ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون " جواب ثان إن جعل الهاء للمطلوب، وإن جعل للرسول فهو جواب اقتراح ثان، فإنهم تارة يقولون لولا أنزل عليه ملك، وتارة يقولون لو شاء ربنا لأنزل ملائكة. والمعنى ولو جعلنا قريناً لك ملكاً يعاينوه أو الرسول ملكاً لمثلناه رجلاً كما مثل جبريل في صورة دحية الكلبي، فإن القوة البشرية لا تقوى على رؤية الملك في صورته، وإنما رآهم كذلك الأفراد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوتهم القدسية، وللبسنا جواب محذوف أي ولو جعلناه رجلاً للبسنا أي: لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم فيقولون ما هذا إلا بشر مثلكم. وقرئ (لبسنا) بلام واحدة و (لبسنا) بالتشديد للمبالغة .
9. Had We appointed an angel (Our messenger), We assuredly had made him (as) a man (that he might speak to men); and (thus) obscured for them (the truth) they (now) obscure.
9 - If we had mad it an angel, we should have sent him as man, and we should certainly have caused them confusion in a matter which they have already covered with confusion.