88 - (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) مفعول والجار والمجرور قبله حال متعلق به (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، لهؤلاء المؤمنين الذين نهاهم أن يحرموا طيبات ما أحل الله لهم: كلوا، أيها المؤمنون، من رزق الله الذي رزقكم وأحله لكم، حلالاً طيباً، كما:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج، عن عكرمة: "وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا"، يعني: ما أحل الله لهم من الطعام.
وأما قوله: "واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون"، فإنه يقول: وخافوا، أيها المؤمنون، أن تعتدوا في حدوده، فتحلوا ما حرم عليكم، وتحرموا ما أحل لكم، واحذروه في ذلك أن تخالفوه، فينزل بكم سخطه، أو تستوجبوا به عقوبته، "الذي أنتم به مؤمنون"، يقول: الذي أنتم بوحدانيته مقرون،وبربوبيته مصدقون.
قوله تعالى :" وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا" فيه مسألة واحدة: الأكل في هذه الآية عبارة عن التمتع بالأكل والشرب واللباس والركوب ونحو ذلك وخص الأكل بالذكر لأنه أعظم المقصود وأخص الانتفاعات بالإنسان وسيأتي بيان حكم الأكل والشرب واللباس في الأعراف إن شاء الله تعالى ، وأما شهوة الأشياء الملذة ومنازعة النفس إلى طلب الأنواع الشهية فمذاهب الناس في تمكين النفس منها مختلفة فمنهم من يرى صرف النفس عنها وقهرها عن اتباع شهواتها أحرى ليذل له قيادها، ويهون عليه عنادها، فإنه إذا أعطاها المراد يصير أسير شهواتها ومنقاداً بانقيادها حكي أن أبا حازم كان يمر على الفاكهة فيشتهيها فيقول: موعدك الجنة وقال آخرون: تمكين النفس من لذاتها أولى لما فيه من ارتياحها ونشاطها بإدراك إرادتها وقال آخرون: بل التوسط في ذلك أولى لأن في إعطائها ذلك مرة ومنعها أخرى منعها أخرى جمع بين الأمرين وذلك النصف غير شين وتقدم معنى الاعتداء والرزق في البقرة والحمد لله .
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: نقطع مذاكيرنا, ونترك شهوات الدنيا, ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك, فقالوا: نعم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لكني أصوم وأفطر, وأصلي, وأنام, وأنكح النساء, فمن أخذ بسنتي فهو مني, ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني" رواه ابن أبي حاتم, وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك, وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على الفراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال "ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا, لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني" .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري, حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد, عن عثمان يعني ابن سعيد, أخبرني عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إني إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت إلى النساء, وإني حرمت علي اللحم, فنزلت "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم". وكذا رواه الترمذي وابن جرير جميعاً عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي عاصم النبيل به. وقال, حسن غريب. وقد روي من وجه آخر مرسلاً, وروي موقوفاً على ابن عباس, فالله أعلم. وقال سفيان الثوري ووكيع عن إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن أبي حازم, عن عبد الله بن مسعود, قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء, فقلنا: ألا نستخصي ؟ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك, ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل, ثم قرأ عبد الله "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم" الآية, أخرجاه من حديث إسماعيل, وهذا كان قبل تحريم نكاح المتعة, والله أعلم .
وقال الأعمش, عن إبراهيم, عن همام بن الحارث, عن عمرو بن شرحبيل, قال: جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني حرمت فراشي, فتلا هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم" الآية. وقال الثوري, عن منصور, عن أبي الضحى, عن مسروق, قال: كنا عند عبد الله بن مسعود, فجيء بضرع فتنحى رجل, فقال له عبد الله: ادن, فقال: إني حرمت أن آكله, فقال عبد الله: ادن فاطعم وكفر عن يمينك, وتلا هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم" الاية: رواهن ابن أبي حاتم, وروى الحاكم هذا الأثر الأخير في مستدركه من طريق إسحاق بن راهويه, عن جرير, عن منصور به، ثم قال: على شرط الشيخين, ولم يخرجاه, ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, حدثنا ابن وهب, أخبرني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه أن عبد الله بن رواحة أضافه ضيف من أهله, وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم, ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظاراً له, فقال لامرأته حبست ضيفي من أجلي هو علي حرام, فقالت امرأته: هو علي حرام. وقال الضيف: هو علي حرام, فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا باسم الله, ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الذي كان منهم, ثم أنزل الله "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم" وهذا أثر منقطع .
وفي صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه شبيه بهذا, وفيه وفي هذه القصة دلالة لمن ذهب من العلماء كالشافعي وغيره إلى أن من حرم مأكلاً أو ملبساً أو شيئاً ما عدا النساء أنه لا يحرم عليه, ولا كفارة عليه أيضاً, ولقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم" ولأن الذي حرم اللحم على نفسه كما في الحديث المتقدم لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة, وذهب آخرون منهم الإمام أحمد بن حنبل إلى أن من حرم مأكلاً أو مشرباً أو ملبساً أو شيئاً من الأشياء, فإنه يجب عليه بذلك كفارة يمين, كما إذا التزم تركه باليمين, فكذلك يؤاخذ بمجرد تحريمه على نفسه إلزاماً له بما التزمه, كما أفتى بذلك ابن عباس, وكما في قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم ", ثم قال "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" الاية, وكذلك هاهنا لما ذكر هذا الحكم, عقبه بالاية المبينة لتكفير اليمين, فدل على أن هذا منزل منزلة اليمين في اقتضاء التكفير, والله أعلم .
وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا حجاج عن ابن جريج, عن مجاهد قال: أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو أن يتبتلوا, ويخصوا أنفسهم, ويلبسوا المسوح, فنزلت هذه الاية إلى قوله "واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون". قال ابن جريج, عن عكرمة: أن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والمقداد بن الأسود وسالماً مولى أبي حذيفة في أصحابه تبتلوا, فجلسوا في البيوت, واعتزلوا النساء, ولبسوا المسوح, وحرموا طيبات الطعام واللباس, إلا ما يؤكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل, وهموا بالاختصاء, وأجمعوا لقيام الليل, وصيام النهار, فنزلت هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" يقول لا تسيروا بغير سنة المسلمين, يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس, وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار, وما هموا به من الاختصاء, فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "إن لأنفسكم حقاً, وإن لأعينكم حقاً, صوموا وأفطروا, وصلوا وناموا, فليس منا من ترك سنتنا" فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت .
وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة, ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين كما تقدم ذلك, ولله الحمد والمنة. وقال أسباط عن السدي في قوله "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوماً فذكر الناس, ثم قام ولم يزدهم على التخويف, فقال ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, كانوا عشرة منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون: ما حقنا إن لم نحدث عملاً, فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم فنحن نحرم, فحرم بعضهم أن يأكل اللحم والودك, وأن يأكل بالنهار, وحرم بعضهم النوم, وحرم بعضهم النساء, فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء فكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه, فأتت امرأته عائشة رضي الله عنها وكان يقال لها الحولاء, فقالت لها عائشة ومن عندها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالك يا حولاء متغيرة اللون, لا تمتشطين ولا تتطيبين ؟ فقالت: وكيف أمتشط وأتطيب وما وقع علي زوجي, وما وقع عني ثوباً منذ كذا وكذا. قال: فجعلن يضحكن من كلامها, فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن, فقال "ما يضحككن ؟" قالت: يا رسول الله إن الحولاء سألتها عن أمرها. فقالت: ما وقع عني زوجي ثوباً منذ كذا وكذا, فأرسل إليه فدعاه فقال "مالك يا عثمان ؟" قال: إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة, وقص عليه أمره, وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك". فقال: يا رسول الله إني صائم. فقال "أفطر" فأفطر وأتى أهله, فرجعت الحولاء إلى عائشة وقد امتشطت واكتحلت وتطيبت, فضحكت عائشة وقالت: مالك يا حولاء ؟ فقالت: إنه أتاها أمس .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والنوم, ألا إني أنام وأقوم وأفطر وأصوم وأنكح النساء, فمن رغب عني فليس مني" فنزلت "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا" يقول لعثمان: لا تجب نفسك, فإن هذا هو الاعتداء, وأمرهم أن يكفروا عن أيمانهم فقال "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان", رواه ابن جرير. وقوله تعالى: "ولا تعتدوا" يحتمل أن يكون المراد منه ولا تبالغوا في التضييق على أنفسكم بتحريم المباحات عليكم, كما قاله من قاله من السلف, ويحتمل أن يكون المراد كما لا تحرموا الحلال فلا تعتدوا في تناول الحلال, بل خذوا منه بقدر كفايتكم وحاجتكم ولا تجاوزوا الحد فيه: كما قال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" الاية, وقال "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً" فشرع الله عدل بين الغالي فيه والجافي عنه, لا إفراط ولا تفريط, ولهذا قال "لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" ثم قال "وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً" أي في حال كونه حلالاً طيباً "واتقوا الله" أي في جميع أموركم, واتبعوا طاعته ورضوانه, واتركوا مخالفته وعصيانه "واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون".
88- "وكلوا مما رزقكم الله" حال كونه "حلالاً طيباً" أي غير محرم ولا مستقذر، أو أكلاً حلالاً طيباً، أو كلوا حلالاً طيباً مما رزقكم الله، ثم وصاهم الله سبحانه بالتقوى فقال: "واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون".
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني إذا أكلت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوة، وإني حرمت علي اللحم، فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم" وقد روي من وجه آخر مرسلاً، وروي موقوفاً على ابن عباس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال:" نزلت في رهط من الصحابة قالوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني". وقد ثبت نحو هذا في الصحيحين وغيرهما من دون ذكر أن ذلك سبب نزول الآية. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل وابن جرير عن أبي مالك أن هؤلاء الرهط: هم عثمان بن مظعون وأصحابه، وفي الباب روايات كثيرة بهذا المعنى، وكثير منها مصرح بأن ذلك سبب نزول الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم
"أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله وهو عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله، فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظاراً له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي هو حرام علي، فقالت امرأته: هو حرام علي فقال الضيف: هو حرام علي، فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا بسم الله، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أصبت فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم"" وهذا أثر منقطع، ولكن في صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه ما هو شبيه بهذا. وأخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال: كنا عند عبد الله فجيء بضرع، فتنحى رجل، فقال له عبد الله: ادن، فقال: إني حرمت أن آكله، فقال عبد الله: ادن فاطعم وكفر عن يمينك، وتلا هذه الآية. وأخرجه أيضاً الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
89- قوله عز وجل : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت :( لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ) ، قالوا: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ وكانوا حلفوا على ما أتفقوا عليه ، فأنزل الله :" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " ، قرأ حمزة و الكسائي ( وأبو بكر ) " عقدتم " بالتخفيف ، وقرأ ابن عامر ( عاقدتم ) بالألف وقرأ الآخرون ( عقدتم ) بالتشديد ، أي : وكدتم ، والمراد من الآية قصدتم وتعمدتم ، " فكفارته " ، أي : كفارة ما عقدتم الإيمان إذا حنثتم ، " إطعام عشرة مساكين " ، واختلفوا في قدره : فذهب قوم إلىة أنه يطعم كل مسكين مداً من الطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد ، وكذلك في جميع الكفارات ، وهو قول زيد بن ثابت و ابن عمر ، وبه قال سعيد بن المسيب و القاسم و سليمان بن يسار و عطاء والحسن .
وقال أهل العراق : عليه لكل مسكين مدان ، وهو نصف صاع ، يروى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما .
وقال ابو حنيفه : إن أطعم من الحنطة فنصف صاع ، وإن أطعم من غيرها فصاع ، وهو قول الشعبي و النخعي و سعيد بن جبير و مجاهد و الحكم .
ولو غداهم وعشاهم لا يجوز ، وجوز أبو خنيفه ، ويروى ذلك عن علي رضي الله عنه .
ولا تجوز الدراهم والدنانير ولا الخبز ولا الدقيق ، بل يجب إخراج الحب إليهم ، وجوز أبو حنيفه رضي الله عنه كل ذلك .
ولو صرف الكل إلى مسكين واحد ( لا يجوز ) ، وجوز أبو حنيفه أن يصرف طعام عشرة إلى مسكين واحد في عشرة أيام ، ولا يجوز ان يصرف إلا إلى مسلم حر محتاج ، فإن إلى ذمي أو عبد أو غني لا يجوز ، وجوز أبو حنيفه صرفها إلى أهل الذمة . واتفقوا على أن تصرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز .
وقوله تعالى :" من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، أي من خير قوت عيالكم ، وقال عبيدة السلماني : الأوسط الخبز والخل ، والأعلى الخبز واللحم ، والأدنى الخبز البحت والكل ( يجزىء ) .
قوله تعالى : " أو كسوتهم " ، كل من لزمته كفارة اليمين فهو فيها مخير إن شاء أطعم عشرة من المساكين ، وإن شاء كساهم ، وإن شاء اعتق رقبة ، فإن اختار الكسوة فاختلفوا في قدرها :
فذهب قوم إلى أنه يكسو كل مسكين ثوباً واحداً مما يقع عليه اسم الكسوة ، إزار أو رداء او قميص أو سراويل أو عمامة او كساء ونحوها ، وهو قول ابن عباس و الحسن و مجاهد و عطاء و طاووس ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى .
وقال مالك : يجب لكل إنسان ما تجوز فيه صلاته ، فيكسو ثوباً واحداً والنساء ثوبين درعاً وخماراً .
وقال سعيد بن المسيب لكل مسكين ثوبان .
قوله عز وجل : " أو تحرير رقبة " ، وإذا اختار العتق يجب إعتاق رقبة مؤمنة ، وكذلك جميع الكفارات مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان يجب فيها إعتاق الرقبة الكافرة في جميعها إلا في كفارة القتل ، لن الله تعالى قيد الرقبة فيها بالإيمان ، قلنا : المطلق يحمل على المقيد { كما أن الله تعالى قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال : " وأشهدوا ذوي عدل منكم " ، و( والطلاق ، 2 ) ، وأطلق في موضع ، فقال : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " ( البقرة ،282 ) ، ثم العدالة شرط في جميعها حملاً للمطلق على المقيد } ، وكذلك ها هنا ، ولا يجوز إعتاق المرتد بالاتفاق عن الكفارة .
ويشترط أن يكون سليم الرق حتى لو أعتق عن كفارته مكاتباً أوأم ولد أو عبداً اشتراه بشرط العتق أو اشترى قريبه الذي يعتق عليه بنية الكفارة ، يعتق ولكن لا يجوز عن الكفارة ، وحو. أصحاب الرأي عتق المكاتب إذا لم يكن أدى شيئاً من النجوم ، وعتق القريب عن الكفارة ويشترط ان تكون الرقبة سليمة من كل عيب يضر بالعمل ضرراً بيناً حتى لا يجوز مقطوع إحدى اليدين ، او إحدى الرجلين ، ولا الأعمى ولا الزمن ولا المجنون المطبق ، ويجوز الأعور والأصم ومقطوع الأذنين والأنف لأن هذه العيوب لا تضر بالعمل ضرراً بيناً .
وعند أبي حنيفة رضي الله عنه كل عيب يفوت جنساً من المنفعة( على الكمال ) يمنع الجواز ، حتى جوز مقطوع إحدى اليدين ، ولم يجوز مقطوع الأذنين .
قوله عز وجل : " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " ، إذا عجز الذي لزمته كفارة اليمين عن الإطعام والكسوة وتحرير اللرقبة ، يجب عليه صوم ثلاثة أيام ، والعجز أن لا يفضل من ماله عن قوته وقوت عياله وحاجته ما يطعم او يعتق فإنه يصوم ثلاثة أيام .
وقال بعضهم : إذا ملك ما يمكنه الإطعام وإن لم يفضل عن كفايته فليس له الصيام ، وهو قول الحسن و سعيد بن جبير .
واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصوم : فذهب جماعة إلى انه لا يجب فيه التتابع بل إن شاء تابع وإن شاء فرق ، والتتابع أفضل وهو أحد قولي الشافعي ، وذهب قوم إلى انه يجب فيه التتابع قياساً على كفارة القتل والظهار ، وهو قول الثوري و أبي حنيفة ، ويدل على قراءة ابن مسعود رضي الله عنه فصيام ثلاثة أيام متتابعات . " ذلك " ، أي : ذلك الذي ذكرت ، " كفارة أيمانكم إذا حلفتم " ، وحنثتم ، فإن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث .
واختلفوا في تقديم الكفارة على الحنث : فذهب قوم إلى جوازه ، لما روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير " . وهو قول عمر { وابن عمر } و ابن عباس وعائشة وبه قال الحسن و ابن سيرين ، وإليه ذهب مالك و الاوزاعي و الشافعي ، إلا أن الشافعي يقول : إن كفر بالصوم قبل الحنث لا يجوز لأنه بدني ، وإنما يجوز بالإطعام أو الكسوة أو العتق كما يجوز تقديم الزكاة على الحول ، ولا يجوز تعجيل صوم رمضان قبل وقته ، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث ، وبه قال أبو حنيفه رضي الله عنه .
قوله عز وجل : " واحفظوا أيمانكم " ، قيل : أراد به ترك الحلف ، أي: لا تحلفوا ، وقيل : وهو الأصح ، أراد به : إذا حلفتم فلا تحنثوا ، فالمراد منه حفظ اليمين من الحنث هذا إذا لم تكن يمينه على ترك مندوب أو فعل مكروه ، فإن حلف على فعل مكروه أو ترك مندوب ، فالأفضل أن يحنث نفسه ويكفر / لما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليجي أنا احمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا حجاج بن منهال أنا جرير بن حازم عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها ، و إن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير " .
قوله تعالى :" كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون " .
88" وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا " أي كلوا ما حل لكم وطاب مما رزقكم الله، فيكون حلالاً مفعول كلوا ومما حال منه تقدمت عليه لأنه نكرة، ويجوز أن تكون من ابتدائية متعلقة بكلوا، ويجوز أن تكون مفعولاً وحلالاً حال من الموصول، أو العائد المحذوف، أو صفة لمصدر محذوف وعلى الوجوه لو لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة. " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ".
88. Eat of that which Allah hath bestowed on you as food lawful and good, and keep your duty to Allah in Whom ye are believers.
88 - Eat of the things which God hath provided for you, lawful and good; but fear God, in whom ye believe.