88 - (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا) آتيتهم ذلك (ليضلوا) في عاقبته (عن سبيلك) دينك (ربنا اطمس على أموالهم) امسخها (واشدد على قلوبهم) اطبع عليها واستوثق (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) المؤلم ، دعا عليهم وأمَّن هارون على دعائه
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره: وقال موسى: يا ربنا، إنك أعطيت فرعون وكبراء قومه وأشرافهم - وهم ((الملأ))، " زينة "، من متاع الدنيا وأثاثها، " وأموالا " من أعيان الذهب والفضة، " في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك "، يقول موسى لربه: ربنا، أعطيتهم ما أعطيتهم من ذلك، ليضلوا عن سبيلك.
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم: " ليضلوا عن سبيلك "، بمعنى: ليضلوا الناس عن سبيلك، ويصدوهم عن دينك.
وقرأ ذلك آخرون: " ليضلوا عن سبيلك "، بمعنى: ليضلوا هم عن سبيلك، فيجوروا عن طريق الهدى.
فإن قال قائل: أفكان الله جل ثناؤه، أعطى فرعون وقومه ما أعطاهم من زينة الدنيا وأموالها، ليضلوا الناس عن دينه - أو: ليضلوا هم عنه -؟ فإن كان لذلك أعطاهم ذلك، فقد كان منهم ما أعطاهم لذلك، فلا عتب عليهم في ذلك؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت. وقد اختلف أهل العلم بالعربية في معنى هذه ((اللام)) التي في قوله: " ليضلوا ".
فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ربنا فضلوا عن سبيلك، كما قال: " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا " [القصص: 8]، أي: فكان لهم، وهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً، وإنما التقطوه فكان لهم. قال: فهذه ((اللام)) تجيء في هذا المعنى.
وقال بعض نحويي الكوفة: هذه ((اللام))، ((لام كي))، ومعنى الكلام: ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم، كي يضلوا، ثم دعا عليهم.
وقال آخر: هذه اللامات في قوله: " ليضلوا "، " ليكون لهم عدوا " [القصص: 8]، وما أشبهها بتأويل الخفض: آتيتهم ما آتيتهم لضلالهم - والتقطوه لكونه - لأنه قد آلت الحالة إلى ذلك. والعرب تجعل ((لام كي))، في معنى ((لام الخفض)) و((لام الخفض)) في معنى ((لام كي))، لتقارب المعنى، قال الله تعالى: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم " [التوبة: 95]: أي: لإعراضكم، ولم يحلفوا لإعراضهم، وقال الشاعر:
سموت ولم تكن أهلاً لتسمو ولكن المضيع قد يصاب
قال: وإنما يقال: ((وما كنت أهلاً للفعل))، ولا يقال: ((لتفعل))، إلا قليلاً. قال: وهذا منه.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أنها ((لام كي))، ومعنى الكلام: ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من زينة الحياة الدنيا والأموال لتفتنهم فيه، ويضلوا عن سبيلك عبادك، عقوبة منك. وهذا كما قال جل ثناؤه: " لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه "، [الجن: 16 -17].
وقوله: " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم "، هذا دعاء من موسى، دعا الله على فرعون وملأه أن يغير أموالهم عن هيئتها، ويبدلها إلى غير الحال التي هي بها، وذلك نحو قوله: " من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها "، [النساء: 47]، يعني به: من قبل أن نغيرها عن هيئتها التي هي بها.
يقال منه: ((طمست عينه أطمسها وأطمسها طمساً وطموساً)). وقد تستعمل العرب ((الطمس)) في العفو والدثور، وفي الاندقاق والدروس، كما قال كعب بن زهير:
من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك في هذا الموضع.
فقال جماعة منهم فيه مثل قولنا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحرى بن زائدة قال، حدثنا حجاج قال، حدثني ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال: بلغنا عن القرظي في قوله: " ربنا اطمس على أموالهم "، قال: اجعل سكرهم حجارة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير، عن محمد بن كعب القرظي قال: اجعل سكرهم حجارة.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية : " اطمس على أموالهم "، قال: اجعلها حجارة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله: " اطمس على أموالهم "، قال: صارت حجارة.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:" ربنا اطمس على أموالهم "، قال: بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " ربنا اطمس على أموالهم "، قال: بلغنا أن حرثاً لهم صارت حجارة.
حدثنا المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان: " ربنا اطمس على أموالهم "، قال: يقولون: صارت حجارة.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا يحيى الحماني قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن اسمعيل، عن أبي صالح في قوله: " ربنا اطمس على أموالهم "، قال صارت حجارة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ربنا اطمس على أموالهم "، قال: بلغنا أن حروثاً لهم صارت حجارة.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " ربنا اطمس على أموالهم "، قال: جعلها الله حجارة منقوشة على هيئة ما كانت.
حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ربنا اطمس على أموالهم "، قال: قد فعل ذلك، وقد أصابهم ذلك، طمس على أموالهم فصارت حجارةً، ذهبهم ودراهمهم وعدسهم، وكل شيء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أهلكها.
ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " ربنا اطمس على أموالهم " قال: أهلكها.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ربنا اطمس على أموالهم "، يقول: دمر عليهم وأهلك أموالهم.
وأما قوله: " واشدد على قلوبهم "، فإنه يعني: واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح بالإيمان، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: وقال موسى قبل أن يأتي فرعون: ((ربنا اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم))، فاستجاب الله له، وحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق، فلم ينفعه الإيمان.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثن عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " واشدد على قلوبهم "، يقول: واطبع على قلوبهم، " حتى يروا العذاب الأليم "، وهو الغرق.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبا حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " واشدد على قلوبهم "، بالضلالة.
... قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " واشدد على قلوبهم "، قال: بالضلالة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " واشدد على قلوبهم "، يقول: أهلكهم كفاراً.
وأما قوله: " فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم "، فإن معناه: فلا يصدقوا بتوحيد الله ويقروا بوحدانيته، حتى يروا العذاب الموجع، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " فلا يؤمنوا " بالله، فيما يرون من الآيات، " حتى يروا العذاب الأليم ".
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
... قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، سمعت المنقري يقول: " فلا يؤمنوا "، يقول: دعا عليهم.
واختلف أهل العربية في موضع " يؤمنوا ".
فقال بعض نحويي البصرة: هو نصب، لأن جواب الأمر بالفاء، أو يكون دعاء عليهم إذ عصوا، وقد حكي عن قائل هذا القول أنه كان يقول: هو نصب، عطفاً على قوله: " ليضلوا عن سبيلك ".
وقال آخر منهم، وهو قول نحويي الكوفة: موضعه جزم، على الدعاء من موسى عليهم، بمعنى: فلا آمنوا، كما قال الشاعر:
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم
بمعنى: ((فلا انبسط من بين عينيك ما انزوى))، ((ولا لقيتني))، على الدعاء.
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هو دعاء، كأنه قال: اللهم فلا يؤمنوا. قال: وإن شئت جعلتها جواباً لمسألته إياه، لأن المسألة خرجت على لفظ الأمر، فتجعل: " فلا يؤمنوا "، في موضع نصب على الجواب، وليس يسهل. قال: ويكون كقول الشاعر:
يا ناق سيري عنقاً فسيحا إلى سليمان فنستريحا
قال: وليس الجواب في الدعاء، لأنه ليس بشرط.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك، أنه في موضع جزم على الدعاء، بمعنى: فلا آمنوا، وإنما اخترت ذلك، لأن ما قبله دعاء، وذلك قوله: " ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم "، فإلحاق قوله: " فلا يؤمنوا "، إذ كان في سياق ذلك، بمعناه أشبه وأولى.
وأما قوله: " حتى يروا العذاب الأليم "، فإن ابن عباس كان يقول معناه: حتى يروا الغرق، وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك من بعض وجوهها فيما مضى.
حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، قال ابن عباس: " فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم "، قال: الغرق.
قوله تعالى: "وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه" آتيت أي أعطيت. "زينة وأموالاً في الحياة الدنيا" أي مال الدنيا، وكان لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن الذهب والفضة والزبرجد والزمرد الياقوت.
قوله تعالى: "ربنا ليضلوا عن سبيلك" اختلف في هذه اللام، وأصح ما يقال يفها -وهو قول الخليل وسيبويه- أنها لام العاقبة والصيرورة، وفي الخبر:
"إن لله تعالى ملكا ينادي كل يوم لدوا للموت وابنوا للخراب". أي ما كان عاقبة أمرهم إلى الضلال صار كأنه أعطاهم ليضلوا. وقيل: هي لا كي، أي أعطيتهم لكي يضلوا ويبطروا ويتكبروا. وقيل: هي لام أجل، أي أعطيتهم لأجل إعراضهم عنك فلم يخافوا أن تعرض عنهم. وزعم قوم أن المعنى: أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا، فحذفت لا كما قال عز وجل: "يبين الله لكم أن تضلوا "[النساء: 176]. والمعنى: لأن لا تضلوا. قال النحاس: ظاهر هذا الجواب حسن، إلا أن العرب لا تحذف لا إلا مع أن، فموه صاحب هذا الجواب بقوله عز وجل: "أن تضلوا". وقيل: اللام للدعاء، أي أبتلهم بالضلال عن سبيلك، لأن بعده: "اطمس على أموالهم واشدد". وقيل: الفعل معنى المصدر أي إضلالهم، كقوله عز وجل: "لتعرضوا عنهم": [التوبة: 95]. قرأ الكوفيون: ليضلوا بضم الياء من الإضلال، وفتحها الباقون.
قوله تعالى: "ربنا اطمس على أموالهم" أي عاقبهم على كفرهم بإهلاك أموالهم. قال الزجاج: طمس الشيء إذهابه عن صورته. قال ابن عباس ومحمد بن كعب: صارت أموالهم ودراهمهم حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأثلاثا وأنصافاً، ولم يبق لهم معدن إلا طمس الله عليهم فلم ينتفع به أحد بعد. وقال قتادة: بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة. وقال مجاهد وعطية: أهلكها حتى لا ترى، يقال: عين مطموسة، وطمس الموضع إذا عفا ودرس. وقال ابن زيد: صارت دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة. محمد بن كعب: وكان الرجل منهم يكون مع أهله في فراشه وقد صارا حجرين، قال: وسألني عمر بن عبد العزيز فذكرت ذلك له فدعا بخريطة أصيبت بمصر فأخرج منها الفواكه والدراهم والدنانير وإنها لحجارة. وقال السدي: وكانت إحدى الآيات التسع. "واشدد على قلوبهم". قال ابن عباس: أي امنعهم من الإيمان. وقيل: قسها وأطبع عليهم حتى لا تنشرح للإيمان، والمعنى واحد. "فلا يؤمنوا" قيل: هو عطف على قوله: ليضلوا أي آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا، قاله الزجاج والمبرد. وعلى هذا لا يكون فيه من معنى الدعاء شيء. وقوله: "ربنا اطمس" "واشدد" كلام معترض. وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة: هو دعاء، فهو في موضع جزم عندهم، أي اللهم فلا يؤمنوا، أي فلا آمنوا. ومنه قول الأعشى:
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم
أي لا انبسط. ومن قال ليضلوا دعاء -أي ابتلهم بالضلال- قال: عطف عليه فلا يؤمنوا. وقيل: هو في موضع نصب لأنه جواب الأمر، أي واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا. وهذا قول الأخفش والفراء أيضاً، وأنشد الفراء:
يا ناق سيري عنقاً فسيحا إلى سليمان فنستريحا
فعلى هذا حذفت النون لأنه منصوب. "حتى يروا العذاب الأليم" قال ابن عباس: هو الغرق. وقد استشكل بعض الناس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم وحكم الرسل استدعاء إيمان قومهم، فالجواب أنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن من الله، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن، دليله قوله لنوح عليه السلام: "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" [هود: 36] وعند ذلك قال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا" [نوح: 26] الآية. والله أعلم.
هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى عليه السلام على فرعون وملئه لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين ظلماً وعلواً وتكبراً وعتواً قال موسى: "ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة" أي من أثاث الدنيا ومتاعها "وأموالاً" أي جزيلة كثيرة "في" هذه "الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك" بفتح الياء أي أعطيتهم ذلك وأنت تعلم أنهم لا يؤمنون بما أرسلتني به إليهم استدراجاً منك لهم كقوله تعالى: "لنفتنهم فيه" وقرأ آخرون بضم الياء أي ليفتتن بما أعطيتهم من شئت من خلقك ليظن من أغويته أنك إنما أعطيتهم هذا لحبك إياهم واعتنائك بهم "ربنا اطمس على أموالهم" قال ابن عباس ومجاهد: أي أهلكها, وقال الضحاك وأبو العالية والربيع بن أنس: جعلها الله حجارة منقوشة كهيئة ما كانت, وقال قتادة بلغنا أن زروعهم تحولت حجارة, وقال محمد بن كعب القرظي جعل سكرهم حجارة.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث حدثنا يحيى بن أبي بكير عن أبي معشر حدثني محمد بن قيس أن محمد بن كعب قرأ سورة يونس على عمر بن عبد العزيز حتى بلغ "وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا" إلى قوله: "ربنا اطمس على أموالهم" الاية, فقال عمر: يا أبا حمزة أي شيء الطمس ؟ قال: عادت أموالهم كلها حجارة, فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له: ائتني بكيس فجاءه بكيس فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة. وقوله: "واشدد على قلوبهم" قال ابن عباس: أي اطبع عليها " فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " وهذه الدعوة كانت من موسى عليه السلام غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم ولا يجيء منهم شيء كما دعا نوح عليه السلام فقال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" ولهذا استجاب الله تعالى لموسى عليه السلام فيهم هذه الدعوة التي أمن عليها أخوه هارون فقال تعالى: "قد أجيبت دعوتكما" قال أبو العالية وأبو صالح وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس دعا موسى وأمن هارون أي قد أجبنا كما فيما سألتما من تدمير آل فرعون, وقد يحتج بهذه الاية من يقول: إن تأمين المأموم على قراءة الفاتحة ينزل منزلة قراءتها لأن موسى دعا وهارون أمن, وقال تعالى: "قد أجيبت دعوتكما فاستقيما" الاية, أي كما أجيبت دعوتكما فاستقيما على أمري قال ابن جريج عن ابن عباس: فاستقيما فامضيا لأمري وهي الاستقامة قال ابن جريج يقولون إن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة, وقال محمد بن علي بن الحسين أربعين يوماً .
لما بالغ موسى عليه السلام في إظهار المعجزات وإقامة الحجج البينات، ولم يكن لذلك تأثير فيمن أرسل إليهم دعا عليهم بعد أن بين سبب إصرارهم على الكفر وتمسكهم بالجحود والعناد، فقال مبيناً للسبب أولاً: 88- "ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا" قد تقدم أن الملأ هم الأشراف، والزينة: اسم لكل ما يتزين به من ملبوس ومركوب وحلية وفراش وسلاح وغير ذلك، ثم كرر النداء للتأكيد فقال: "ربنا ليضلوا عن سبيلك".
وقد اختلف في هذه اللام الداخلة على الفعل، فقال الخليل وسيبويه: إنها لام العاقبة والصيرورة. والمعنى: أنه لما كان عاقبة أمرهم الضلال صار كأنه سبحانه أعطاهم ما أعطاهم من النعم ليضلوا، فتكون اللام على هذا متعلقة بآتيت، وقيل إنها لام كي: أي أعطيتهم لكي يضلوا. وقال قوم: إن المعنى أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا، فحذفت لا كما قال سبحانه: "يبين الله لكم أن تضلوا". قال النحاس: ظاهر هذا الجواب حسن إلا أن العرب لا تحذف لا إلا مع أن، فموه صاحب هذا التأويل بالاستدلال بقوله: "يبين الله لكم أن تضلوا" وقيل: اللام للدعاء عليهم. والمعنى: ابتلهم بالهلاك عن سبيلك، واستدل هذا القائل بقوله سبحانه بعد هذا: "اطمس" "واشدد". وقد أطال صاحب الكشاف في تقرير هذا بما لا طائل تحته، والقول الأول هو الأولى. وقرأ الكوفيون "ليضلوا" بضم حرف المضارعة: أي يوقعوا الإضلال على غيرهم. وقرأ الباقون بالفتح: أي يضلون في أنفسهم "ربنا اطمس على أموالهم". قال الزجاج: طمس الشيء إذهابه عن صورته، والمعنى: الدعاء عليهم بأن يمحق الله أموالهم ويهلكها، وقرئ بضم الميم عن اطمس "واشدد على قلوبهم" أي اجعلها قاسية مطبوعة لا تقبل الحق ولا تنشرح للإيمان. قوله: "فلا يؤمنوا". قال المبرد والزجاج: هو معطوف على ليضلوا، والمعنى: آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا، ويكون ما بين المعطوف والمعطوف عليه اعتراضاً. وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة: هو دعاء بلفظ النهي، والتقدير: اللهم فلا يؤمنوا، ومنه قول الأعشى:
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وقال الأخفش: إنه جواب الأمر: أي اطمس واشدد فلا يؤمنوا، فيكون منصوباً. وروي هذا عن الفراء أيضاً، ومنه:
يا ناق سيري عنقاً فسيحاً إلى سليمان فنستريحا
"حتى يروا العذاب الأليم" أي لا يحصل منهم الإيمان إلا مع المعاينة لما يعذبهم الله به، وعند ذلك لا ينفع إيمانهم. وقد استشكل بعض أهل العلم ما في هذه الآية من الدعاء على هؤلاء، وقال: إن الرسل إنما تطلب هداية قومهم وإيمانهم. وأجيب بأنه لا يجوز لنبي أن يدعو على قومه إلا بإذن الله سبحانه، وإنما يأذن الله بذلك لعلمه بأنه ليس فيهم من يؤمن، ولهذا لما أعلم الله نوحاً عليه السلام بأنه لا يؤمن من قومه إلا من قد آمن، قال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً".
88-قوله تعالى:"وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينةً"، من متاع الدنيا، "وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك"، اختلفوا في هذه اللام، قيل: هي لام كي، معناه: آتيتهم كي تفتنهم فيضلوا ويضلوا، كقوله: " لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه " (الجن-16).
وقيل: هي لام العاقبة يعني: فيضلوا وتكون عاقبة أمرهم الضلال، كقوله: "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً" (القصص-8).
قوله: "ربنا اطمس على أموالهم"، قال مجاهد: أهلكها، والطمس: المحق.
وقال أكثر أهل التفسير: امسخها وغيرها عن هيئتها.
وقال قتادة: صارت أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم حجارة.
وقال محمد بن كعب: جعل سكرهم حجارة، وكان الرجل مع أهله في فراشه فصارا حجرين، والمرأة قائمة تخبز فصارت حجرا.
قال ابن عباس رضي الله عنه: بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا.
ودعا عمر بن عبد العزيز بخريطة فيها أشياء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة مشقوقة والجوزة مشقوقة وإنها لحجر.
قال السدي: مسخ الله أموالهم حجارة، والنخيل والثمار والدقيق والأطعمة، فكانت إحدى الآيات التسع.
"واشدد على قلوبهم"، أي: أقسها واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح الإيمان، "فلا يؤمنوا"، قيل: هو نصب بجواب الدعاء بالفاء. وقيل: هو عطف على قوله "ليضلوا" أي: ليضلوا فلا يؤمنوا. وقال الفراء: هو دعاء محله جزم، فكأنه قال: اللهم فلا يؤمنوا، "حتى يروا العذاب الأليم"، وهو الغرق.
قال السدي: معناه أمتهم على الكفر.
88."وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينةً"ما يتزين به من الملابس والمراكب ونحوهما."وأموالاً في الحياة الدنيا"وأنواعاً من المال."ربنا ليضلوا عن سبيلك"دعاء عليهم بلفظ الأمر بما علم من ممارسة أحوالهم أنه لا يكون فيره كقولك : لعن الله إبليس .وقيل اللام للعاقبة وهي متعلقة بـ"آتيت" ويحتمل أن تكون للعلة لأن إيتاء النعم على الكفر استدراج وتثبيت على الضلال ، ولأنهم لما جعلوها سبباًً للضلال فكأنهم أوتوها ليضلوا فيكون"ربنا"تكريراً للأول تأكيداً وتنبيهاً على أن المقصود عرض ضلالهم وكفرانهم تقدمة لقوله:" ربنا اطمس على أموالهم "أي أهلكها، والطمس المحق وقرئ (اطمس)بالضم ."واشدد على قلوبهم"أي وأقسها عليها حتى لا تنشرح لإيمان." فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم"جواب للدعاء أو دعاء بلفظ النهي ، أو عطف على"ليضلوا" وما بينهم دعاء معترض.
88. And Moses said: Our Lord! Lo! Thou hast given Pharaoh and his chiefs splendor and riches in the life of the world, Our Lord! that they may lead men astray from Thy way. Our Lord! Destroy their riches and harden their hearts so that they believe not till they see the painful doom.
88 - Moses prayed: Our Lord thou hast indeed bestowed on Pharaoh and his chiefs splendour and wealth in the life of the present, and so, our Lord, they mislead (men) from thy path. deface. our Lord, the features of their wealth and send hardness to their hearts, so they will not believe until they see the grievous penalty.