87 - (قال أما من ظلم) بالشرك (فسوف نعذبه) نقتله (ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا) بسكون الكاف وضمها شديدا في النار
يقول جل ثناؤه " قال أما من ظلم فسوف نعذبه " يتول : أما من كفر فسوف نقتله .
كما حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " أما من ظلم فسوف نعذبه " قال : هو القتل . وقوله " ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا " يقول : ثم يرجع إلى الله تعالى بعد قتله ، فيعذبه عذابا عظيما ، وهو النكر، وذلك عذاب جهنم .
قال لأولئك القوم: " أما من ظلم " أي أقام على الكفر منكم: " فسوف نعذبه " أي بالقتل: " ثم يرد إلى ربه " أي يوم القيامة: " فيعذبه عذابا نكرا " أي شديداً في جهنم:
قال ابن عباس "فأتبع سبباً" يعني بالسبب المنزل, وقال مجاهد "فأتبع سبباً" منزلاً وطريقاً ما بين المشرق والمغرب, وفي رواية عن مجاهد "سبباً" قال: طريقاً في الأرض وقال قتادة : أي اتبع منازل الأرض ومعالمها, وقال الضحاك "فأتبع سبباً" أي المنازل, وقال سعيد بن جبير في قوله: "فأتبع سبباً" قال: علماً, وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى والسدي , وقال مطر : معالم وآثار كانت قبل ذلك.
وقوله: "حتى إذا بلغ مغرب الشمس" أي فسلك طريقاً حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب وهو مغرب الأرض, وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر, وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدة, والشمس تغرب من ورائه, فشيء لا حقيقة له, وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب واختلاف زنادقتهم وكذبهم, وقوله: "وجدها تغرب في عين حمئة" أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط, وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه, والحمئة مشتقة على إحدى القراءتين من الحمأة وهو الطين, كما قال تعالى: "إني خالق بشراً من صلصال من حمإ مسنون" أي طين أملس, وقد تقدم بيانه.
وقال ابن جرير : حدثني يونس , أخبرنا ابن وهب , أنبأنا نافع بن أبي نعيم , سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول: كان ابن عباس يقول في عين حمئة ثم فسرها ذات حمئة, قال نافع : وسئل عنها كعب الأحبار , فقال: أنتم أعلم بالقرآن مني, ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء, وكذا روى غير واحد عن ابن عباس , وبه قال مجاهد وغير واحد. وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع , عن ابن عباس عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه حمئة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وجدها تغرب في عين حامية, يعني حارة, وكذا قال الحسن البصري . وقال ابن جرير : والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارىء فهو مصيب, قلت: ولا منافاة بين معنييهما إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا حائل, وحمئة في ماء وطين أسود, كما قال كعب الأحبار وغيره.
وقال ابن جرير حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام حدثني مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله قال نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت فقال: "في نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض" قلت ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وفي صحة رفع هذا الحديث نظر ولعله من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك والله أعلم, وقال ابن أبي حاتم حدثنا حجاج بن حمزة حدثنا محمد يعني ابن بشر حدثنا عمرو بن ميمون أنبأنا ابن حاضر أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الاية التي في سورة الكهف " تغرب في عين حمئة " قال ابن عباس لمعاوية ما نقرؤها إلا حمئة, فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرؤها ؟ فقال: عبد الله كما قرأتها, قال ابن عباس فقلت لمعاوية في بيتي نزل القرآن, فأرسل إلى كعب فقال له أين تجد الشمس تغرب في التوراة ؟ فقال له كعب سل أهل العربية فإنهم أعلم بها, وأما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين وأشار بيده إلى المغرب قال ابن حاضر : لو أني عندك أفدتك بكلام تزداد فيه بصيرة في حمئة, قال ابن عباس : وإذاً ما هو ؟ قلت: فيما يؤثر من قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في تخلقه بالعلم واتباعه إياه:
بلغ المشارق والمغارب يبتغي أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد
فقال ابن عباس : ما الخلب ؟ قلت: الطين بكلامهم, قال: فما الثأط ؟ قلت: الحمأة, قال: فما الحرمد ؟ قلت: الأسود, قال: فدعا ابن عباس رجلاً أو غلاماً فقال: اكتب ما يقول هذا الرجل وقال سعيد بن جبير بينا ابن عباس يقرأ سورة الكهف فقرأ "وجدها تغرب في عين حمئة" قال: كعب والذي نفس كعب بيده ما سمعت أحداً يقرؤها كما أنزلت في التوراة غير ابن عباس فإنا نجدها في التوراة تغرب في مدرة سوداء, وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا هشام بن يوسف قال في تفسير ابن جريج "ووجد عندها قوماً" قال مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا أصوات أهلها لسمع الناس وجوب الشمس حين تجب, وقوله: "ووجد عندها قوماً" أي أمة من الأمم ذكروا أنها كانت أمة عظيمة من بني آدم وقوله: "قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً" معنى هذا أن الله تعالى مكنه منهم وحكمه فيهم وأظفره بهم وخيره إن شاء قتل وسبى وإن شاء من أوفدى فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه عدله وبيانه في قوله: " أما من ظلم " أي استمر على كفره وشركه بربه "فسوف نعذبه" قال قتادة بالقتل وقال السدي كان يحمي لهم بقر النحاس ويضعهم فيها حتى يذوبوا وقال وهب بن منبه كان يسلط الظلمة فتدخل أجوافهم وبيوتهم وتغشاهم من جميع جهاتهم والله أعلم, وقوله: "ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً" أي شديداً بليغاً وجيعاً أليماً وفي هذا إثبات المعاد والجزاء. وقوله: "وأما من آمن" أي اتبعنا على ما ندعوه إليه من عبادة الله وحده لا شريك له "فله جزاء الحسنى" أي في الدار الاخرة عند الله عز وجل "وسنقول له من أمرنا يسراً" قال مجاهد معروفاً.
87- "قال" ذو القرنين مختاراً للدعوة التي هي الشق الأخير من الترديد "أما من ظلم" نفسه بالإصرار على الشرك ولم يقبل دعوتي "فسوف نعذبه" بالقتل في الدنيا "ثم يرد إلى ربه" في الآخرة "فيعذبه" فيها "عذاباً نكراً" أي منكراً فظيعاً. قال الزجاج: خيره الله بين الأمرين. قال النحاس: ورد علي بن سليمان قوله لأنه لم يصح أن ذا القرنين نبي فيخاطب بهذا، فكيف يقول لربه عز وجل "ثم يرد إلى ربه" وكيف يقول "فسوف نعذبه" فيخاطبه بالنون، قال: والتقدير قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين. قال النحاس: وهذا الذي ذكره لا يلزم لجواز أن يكون الله عز وجل خاطبه على لسان نبي في وقته، وكأن ذا القرنين خاطب أولئك القوم فلا يلزم ما ذكره. ويمكن أن يكون مخاطباً للنبي الذي خاطبه الله على لسانه، أو خاطب قومه الذين وصل بهم إلى ذلك الموضع. قال ثعلب: إن في قوله: "إما أن تعذب وإما أن تتخذ" في موضع نصب، ولو رفعت لكان صواباً بمعنى فأما هو كقول الشاعر:
فسيروا فإما حاجة تقضيانها وإما مقيل صالح وصديق
87 - " قال أما من ظلم " أي : كفر ، " فسوف نعذبه " ، أي : نقتله ، " ثم يرد إلى ربه " ، في الآخرة " فيعذبه عذاباً نكراً " أي : منكراً ، يعني : بالنار ، والنار أنكر من القتل .
87."قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً"أي فاختار الدعوة وقال : أما من دعوته فظلم نفسه بالإصرار على كفره أو استمر على ظلمه الذي هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل ، ثم يعذبه الله في الآخرة عذاباً منكراً لم يعهد مثله.
87. He said: As for him who doeth wrong, we shall punish him, and then he will be brought back unto, his Lord, who will punish him with awful punishment!
87 - He said: whoever doth wrong, him shall we punish; then shall he be sent back to his Lord; and he will punish him with a punishment unheard of (before).