(فقاتل) يا محمد (في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) فلا تهتم بتخلفهم عنك ، المعنى: قاتل ولو وحدك فإنك موعود بالنصر (وحرض المؤمنين) حثهم على القتال ورغبهم فيه (عسى الله أن يكف بأس) حرب (الذين كفروا والله أشد بأسا) منهم (وأشد تنكيلا) تعذيبا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي" فخرج بسبعين راكبا إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الكفار بإلقاء الرعب في قلوبهم ومنع أبي سفيان عن الخروج كما تقدم في آل عمران
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك"، فجاهد، يا محمد، أعداء الله من أهل الشرك به ، "في سبيل الله"، يعني : في دينه الذي شرعه لك ، وهو الإسلام ، وقاتلهم فيه بنفسك .
فأما قوله : "لا تكلف إلا نفسك" فإنه يعني : لا يكلفك الله فيما فرض عليك من جهاد عدوه وعدوك ، إلا ما حملك من ذلك دون ما حمل غيرك منه ، أي : أنك إنما تتبع بما اكتسبته دون ما اكتسبه غيرك ، وإنما عليك ما كلفته دون ما كلفه غيرك .
ثم قال له : "وحرض المؤمنين"، يعني : وحضهم على قتال من أمرتك بقتالهم معك ، "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا"، يقول : لعل الله أن يكف قتال من كفر بالله وجحد وحدانيته وأنكر رسالتك ، عنك وعنهم ، ونكايتهم.
وقد بينا فيما مضى أن "عسى" من الله واجبة، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
"والله أشد بأسا وأشد تنكيلا"، يقول : والله أشد نكاية في عدوه ، من أهل الكفر به ، منهم فيك يا محمد وفي أصحابك ، فلا تنكلن عن قتالهم ، فإني راصدهم بالباس والنكاية والتنكيل والعقوبة، لأوهن كيدهم ، وأضعف بأسهم ، وأعلي الحق عليهم .
و التنكيل مصدر من قول القائل : نكلت بفلان ، فأنا أنكل به تنكيلاً، إذا أوجعته عقوبة، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "وأشد تنكيلا"، أي عقوبة.
قوله تعالى:" فقاتل في سبيل الله " هذه الفاء متعلقة بقوله " ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما" " فقاتل في سبيل الله " أي من أجل هذا فقاتل وقيل: هي متعلقة بقوله :" وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله " " فقاتل" كأن هذا المعنى: لا تدع جهاد العدو والاستنصار عليهم للسمتضعفين من المؤمنين ولو وحدك لأنه قد ضمن له النصرة قال ابن عطية: هذا ظاهر اللفظ إلا أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة مدة ما فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه، أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له :" فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك " ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده ومن ذلك "قول النبي صلى الله عليه وسلم:
والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي" وقول أبي بكر وقت الردة : ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي وقيل: إن هذه الآية نزلت في موسم بدر الصغرى فإن أبا سفيان لما انصرف من أحد واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موسم بدر الصغرى فلما جاء المعياد خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكباً فلم يحضر أبو سفيان ولم يتفق قتال، وهذا على معنى ما قاله مجاهد كما تقدم في آل عمران ووجه النظم على هذا والاتصال بما قبل أنه وصف المنافقين بالتخليط وإيقاع الأراجيف، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم وبالجد في القتال في سبيل الله وإن لم يساعده أحد على ذلك .
قوله تعالى: "لا تكلف إلا نفسك " " تكلف " مرفوع لأنه مستقبل ولم يجزم لأنه ليس علة للأول وزعم الأخفش أنه يجوز جزمه " إلا نفسك " خبر ما لم يسم فاعله والمعنى لا تلزم فعل غيرك ولا تؤاخذ به .
فيه ثلاث مسائل:
الأولى -قوله تعالى " وحرض المؤمنين" أي حضهم على الجهاد والقتال، يقال، حرضت فلاناً على كذا إذا أمرته به وحارض فلان على الأمر وأكب وواظب بمعنى واحد .
الثانية -قوله تعالى :" عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا " إطماع والإطماع من الله عز وجل واجب على أن الطمع قد جاء في كلام العرب على الوجوب ومنه قوله تعالى :" والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " [الشعراء:82] وقال مقبل :
ظني بهم كعسى وهم بتنوفة يتنازعون جوائز الأمثال
قوله تعالى :" والله أشد بأسا" أي صولة وأعظم سلطاناً وأقدر بأساً على ما يريده " وأشد تنكيلا" أي عقوبة عن الحسن وغيره قال ابن دريد: رماه الله بنكلة أي رماه بما نيكله قال: ونكلت بالرجل نكيلاً من النكال والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان قال:
وارم على أقفائهم بمنكل
الثالثة- إن قال قائل : نحن نرى الكفار في بأس وشدة وقلتم: إن عسى بمعنى اليقين فأين ذلك الوعد قيل له : قد وجد هذا الوعد ولا يلزم وجوده على الاستمرار والدوام فمتى وجد ولو لحظة مثلاً فقد صدق الوعد فكف اله بأس المشركين ببدر الصغرى وأخلفوا ما كانوا عاهدوه من الحرب والقتال" وكفى الله المؤمنين القتال " [الأحزاب: 25] وبالحديبية أيضاً عما راموه من الغدر وانتهاز الفرصة ففطن بهم المسلمون فخرجوا فأخذوهم أسرى وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح وهو المراد بقوله تعالى :" وهو الذي كف أيديهم عنكم " [ الفتح : 24] على ما يأتي وقد ألقى الله في قلوب الأحزاب الرعب وانصرفوا من غير قتل ولا قتال، كما قال تعالى : " وكفى الله المؤمنين القتال " وخرج اليهود من ديارهم وأموالهم بغير قتال المؤمنين لهم، فهذا كله بأس قد كف الله عن المؤمنين، مع أنه قد دخل من اليهود والنصارى العدد الكثير والجم الغفير تحت الجزية صاغرين وتركوا المحاربة داخرين فكف الله بأسهم عن المؤمنين والحمد لله رب العالمين .
يأمر تعالى عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يباشر القتال بنفسه, ومن نكل عنه فلا عليه منه, ولهذا قال "لا تكلف إلا نفسك" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن عمرو بن نبيح, حدثنا حكام, حدثنا الجراح الكندي عن أبي إسحاق, قال: سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة من العدو فيقاتل فيكون ممن قال الله فيه: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" ؟ قال: قد قال الله تعالى لنبيه: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين". ورواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود, عن أبي بكر بن عياش, عن أبي إسحاق, قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين, أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال: لا, إن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم وقال: "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك" إنما ذلك في النفقة وكذا رواه ابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش وعلي بن صالح, عن أبي إسحاق, عن البراء به. ثم قال ابن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا أحمد بن النضر العسكري, حدثنا مسلم بن عبد الرحمن الجرمي, حدثنا محمد بن حمير, حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق, عن البراء, قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين" الاية, قال لأصحابه: "وقد أمرني ربي بالقتال فقاتلوا" حديث غريب.
وقوله: "وحرض المؤمنين" أي على القتال ورغبهم فيه وشجعهم عليه, كما قال لهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر وهو يسوي الصفوف: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض" وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك, فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالله ورسوله, وأقام الصلاة وآتى الزكاة, وصام رمضان, كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها". قالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس بذلك ؟ فقال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبييل الله, بين كل درجتين كما بين السماء والأرض, فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة, وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة" وري من حديث عبادة ومعاذ وأبي الدرداء, نحو ذلك. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا سعيد, من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً, وجبت له الجنة", قال: فعجب لها أبو سعيد, فقال: أعدها علي يا رسول الله, ففعل, ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة, ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض". قال: وما هي يا رسول الله ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" , رواه مسلم. وقوله: "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا" أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء. ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله, ومقاومتهم ومصابرتهم. وقوله تعالى: "والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً" أي هو قادر عليهم في الدنيا والاخرة كما قال تعالى: " ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض " الاية.
وقوله: "من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها" أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك, "ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها" اي يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته, كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: "اشفعوا تؤجروا, ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء", وقال مجاهد بن جبر: نزلت هذه الاية في شفاعات الناس بعضهم لبعض. وقال الحسن البصري: قال الله تعالى: "من يشفع" ولم يقل من يشفع, وقوله: "وكان الله على كل شيء مقيتاً". قال ابن عباس وعطاء وعطية وقتادة ومطر الوارق "مقيتاً" أي حفيظاً. وقال مجاهد: شهيداً, وفي رواية عنه: حسيباً. وقال سعيد بن جبير والسدي وابن زيد: قديراً. وقال عبد الله بن كثير: المقيت الواصب, وقال الضحاك المقيت الرزاق, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبد الرحيم بن مطرف, حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل عن رجل. عن عبد الله بن رواحة, وسأله رجل عن قول الله تعالى: "وكان الله على كل شيء مقيتا" قال: مقيت لكل إنسان بقدر عمله.
وقوله: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" أي إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم, أو ردوا عليه بمثل ما سلم, فالزيادة مندوبة, والمماثلة مفروضة, قال ابن جرير: حدثنا موسى بن سهل الرملي, حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي, حدثنا هشام بن لاحق عن عاصم الأحول, عن أبي عثمان النهدي, عن سلمان الفارسي, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله, فقال: "وعليك السلام ورحمة الله", ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته, فقال له: "وعليك", فقال له الرجل: يا نبي الله, بأبي أنت وأمي, أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال: "إنك لم تدع لنا شيئاً, قال الله تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" فرددناها عليك", وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقاً, فقال: ذكر عن أحمد بن الحسن الترمذي حدثنا عبد الله بن السري أبو محمد الأنطاكي, قال أبو الحسن, وكان رجلاً صالحاً: حدثنا هشام بن لاحق فذكره بإسناده مثله, ورواه أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن قانع, حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثنا أبي, حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان فذكره مثله, ولم أره في المسند, والله أعلم.
وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, إذ لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كثير أخو سليمان عن كثير, حدثنا جعفر بن سليمان بن عوف, عن أبي رجاء العطاردي, عن عمران بن حصين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: السلام عليكم يا رسول الله فرد عليه ثم جلس فقال: "عشر", ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله يا رسول الله, فرد عليه ثم جلس, فقال: "عشرون", ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, فرد عليه, ثم جلس فقال: "ثلاثون", وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير وأخرجه الترمذي والنسائي والبزار من حديثه, ثم قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف, وقال البزار: قد روي هذا عن البني صلى الله عليه وسلم من وجوه هذا أحسنها إسناداً وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي, حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسياً, ذلك بأن الله يقول: فحيوا بأحسن منها أو ردوها, وقال قتادة: فحيوا بأحسن منها, يعني للمسلمين, أو ردوها يعني لأهل الذمة, وهذا التنزيل فيه نظر كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به, فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام, رد عليه مثل ما قال, فأما أهل الذمة فلا يبدؤون بالسلام ولا يزادون, بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليكم, فقل: وعليك" في صحيح مسلم عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه". وقال سفيان الثوري, عن رجل, عن الحسن البصري, قال: السلام تطوع والرد فريضة, وهذا الذي قال هو قول العلماء قاطبة, أن الرد واجب على من سلم عليه, فيأثم إن لم يفعل, لأنه خالف أمر الله في قوله: فحيوا بأحسن منها أو ردوها وقد جاء في الحديث الذي رواه (أبو داود بسنده إلى أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده, لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم") .
وقوله: "الله لا إله إلا هو" إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات وتضمن قسماً لقوله: "ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه" وهذه اللام موطئة للقسم, فقوله الله لا إله إلا هو خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والاخرين في صعيد واحد, فيجازي كل عامل بعمله, وقوله تعالى: "ومن أصدق من الله حديثاً" أي لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ووعده ووعيده, فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
الفاء في قوله 84- "فقاتل" قيل: هي متعلقة بقوله "ومن يقاتل في سبيل الله" إلخ: أي من أجل هذا فقاتل، وقيل: متعلقة بقوله "وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله" فقاتل، وقيل: هي جواب شرط محذوف يدل عليه السياق تقديره: إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل، أو إذا أفردوك وتركوك فقاتل. قال الزجاج: أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصر. قال ابن عطية: هذا ظاهر اللفظ، إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة، فالمعنى والله أعلم: أنه خطاب له في اللفظ، وفي المعنى له ولأمته: أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له "فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك" أي: لا تكلف غير نفسك ولا تلزم فعل غيرك، وهو استئناف مقرر لما قبله، لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده، وقرئ "لا تكلف" بالجزم على النهي، وقرئ بالنون. قوله "وحرض المؤمنين" أي: حضهم على القتال والجهاد، يقال: حرضت فلاناً على كذا: إذا أمرته به، وحارض فلان على الأمر وأكب عليه وواظب عليه بمعنى واحد. قوله "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا" فيه إطماع للمؤمنين بكف بأس الذين كفروا عنهم والاطماع من الله عز وجل واجب، فهو وعد منه سبحانه، ووعده كائن لا محالة "والله أشد بأساً" أي: أشد صولة وأعظم سلطاناً "وأشد تنكيلاً" أي: عقوبة، يقال: نكلت بالرجل تنكيلاً من النكال وهو العذاب. والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان.
84-قوله تعالى:"فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك"، وذلك أن الني صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج فكرهه بعضهم ، فأنزل الله عز وجل"فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك" أي: لا تدع جهاد العدو والانتصار للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك ، فإن الله قد وعدك النصرة وعاتبهم على ترك القتال، والفاء قوله تعالى:"فقاتل" جواب عن قوله"ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" فقاتل،"وحرض المؤمنين"، على القتال أي حضهم على الجهاد ورغبهم في الثواب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكباً فكفاهم الله القتال، فقال جل ذكره "عسى الله"أي: لعل الله،"أن يكف بأس الذين كفروا"،أي: قتال الذين كفروا المشركين وعسى من الله واجب،"والله أشد بأساً" أي: أشد صولة وأعظم سلطاناً ،"وأشد تنكيلاً"أي: عقوبة.
84"فقاتل في سبيل الله" أن تثبطوا وتركوك وحدك. "لا تكلف إلا نفسك"إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم، فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود. روي "أنه عليه الصلاة والسلام دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت. فخرج عليه الصلاة والسلام وما معه إلا سبعون لا يلو على أحد". وقرئ لا "تكلف" بالجزم، و "لا نكلف" بالنون على بناء الفاعل أي لا نكلفك إلا فعل نفسك، لا أنا لا نكلف أحداً إلا نفسك لقوله: "وحرض المؤمنين" على القتال إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا" يعني قريشاً، وقد فعل بأن ألقى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا. "والله أشد بأساً" من قريش. "وأشد تنكيلاً" تعذيباً منهم، وهو تقريع وتهديد لمن لم يتبعه.
84. So fight (O Muhammad) in the way of Allah Thou art not taxed (with the responsibility for anyone) except for thyself and urge on the believers. Peradventure Allah will restrain the might of those who disbelieve. Allah is stronger in might and stronger in inflicting punishment.
84 - Then fight in God's cause thou are held responsible only for thyself and rouse the believers. it may be that God will restrain the fury of the unbelievers; for God is the strongest in might and in punishment.