84 - (قال فالحق والحق أقول) بنصبهما ورفع الأول ونصب الثاني فنصبه بالفعل بعده ونصب الأول قيل بالفعل المذكور وقيل على المصدر أي أحق الحق وقيل على نزع حرف القسم ورفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي فالحق مني وقيل فالحق قسمي وجواب القسم
اختلف القراء في قراءة قوله "قال فالحق والحق أقول" فقرأه بعض أهل الحجاز وعامة الكوفيين برفع الحق الأول ، ونصب الثاني. وفي رفع الحق الأول إذا قرئ كذلك وجهان : أحدهما رفعه بضمير الله الحق ، أو أنا الحق وأقول الحق . والثاني : أن يكون مرفوعاً بتأويل قوله "لأملأن" فيكون معنى الكلام حينئذ : فالحق أن أملأ جهنم منك ، كما يقول : عزمة صادقة لآتينك ، فرفع عزمة بتأويل لآتينك ، لأن تأويله أن آتيك ، كما قال : "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه" فلا بد لقوله "بدا لهم" من مرفوع ، وهو مضمر في المعنى. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين بنصب الحق الأول والثاني كليهما، بمعنى حقاً لأملأن جهنم والحق أقول ، ثم أدخلت الألف واللام عليه ، وهو منصوب ، لأن دخولهما إذا كان كذلك معنى الكلام وخروجهما منه سواء، كما سواء قولهم : حمداً لله ، والحمد لله عندهم إذا نصب . وقد يحتمل أن يكون نصبه على وجه الإغراء بمعنى : الزموا الحق ، واتبعوا الحق ، والأول أشبه لأنه خطاب من الله لإبليس بما هو فاعل به وبتباعه.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لصحة معنييهما.
وأما الحق الثاني ، فلا اختلاف في نصبه بين قراء الأمصار كلهم ، بمعنى : وأقول الحق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد، في قوله "فالحق والحق أقول" يقول الله : أنا الحق، والحق أقول.
وحدثت عن ابن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد "فالحق والحق أقول" يقول الله : الحق مني ، وأقول الحق.
حدثنا أحمد بن يوسف، قال : ثنا القاسم، قال : ثنا حجاج، عن هارون، فال : ثنا أبان بن تغلب، عن طلحة اليامي، عن مجاهد، أنه قرأها "فالحق" بالرفع "والحق أقول" نصباً وقال : يقول الله : أنا الحق ، والحق أقول.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله "فالحق والحق أقول" قال : قسم أقسم الله به.
قوله تعالى : " قال فالحق والحق أقول " هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة و الكسائي . وقرأ ابن عباس و مجاهد و عاصم و الأعمش و حمزة برفع الأول . وأجاز الفراء فيه الخفض . ولا اختلاف في الثاني في أنه منصوب بـ < أقول > ونصب الأول على الإغراء أي فاتبعوا الحق واستمعوا الحق ، والثاني بإيقاع القول عليه . وقيل : هو بمعنى أحق الحق أي أفعله . قال أبو علي : الحق الأول منصوب بفعل مضمر أي يحق الله الحق ، أو على القسم وحذف حرف الجر ، كما تقول : الله لأفعلن ، ومجازه : قال فبالحق وهو الله تعالى أقسم بنفسه . < والحق أقول > جملة اعترضت بين القسم والمقسم عليه ، وهو توكيد القصة ، وإذا جعل الحق منصوباً بإضمار فعل كان < لأملأن > على إرادة القسم . وقد أجاز الفراء و أبو عبيد أن يكون الحق منصوباً بمعنى حقاً < لأملأن جهنم > وذلك عند جماعة من النحويين خطأ ، لا يجوز زيداً لأضربن ، لأن ما بعد اللام مقطوع مما قبلها فلا يعمل فيه . والتقدير على قولهما لأملان جهنم حقاً . ومن رفع < الحق > رفعه بالابتداء ، أي فأنا الحق أو الحق مني . رويا جميعاً عن مجاهد . ويجوز أن يكون التقدير هذا الحق . وقول ثالث على مذهب سيبويه و الفراء أن معنى فالحق لأملأن جهنم بمعنى فالحق أن أملأ جهنم . وفي الخفض قولان وهي قراءة ابن السميقع و طلحة بن مصرف : أحدهما أنه على حذف حرف القسم . هذا قول الفراء قال كما يقول : الله عز وجل لأفعلن . وقد أجاز مثل هذا سيبويه وغلطه فيه أبو العباس ولم يجز الخفض ، لأن حروف الخفض لا تضمر ، والقوم الآخر أن تكون الفاء بدلاً من واو القسم ، كما أنشدوا :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
هذه القصة ذكرها الله تبارك وتعالى في سورة البقرة وفي أول سورة الأعراف وفي سورة الحجر وسبحان والكهف وههنا وهي أن الله سبحانه وتعالى أعلم الملائكة قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام بأنه سيخلق بشراً من صلصال من حمأ مسنون وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته فليسجدوا له إكراماً وإعظاماً واحتراماً وامتثالاً لأمر الله عز وجل فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس ولم يكن منهم جنساً. كان من الجن فخانه طبعه وجبلته أحوج ما كان إليه فاستنكف عن السجود لادم وخاصم ربه عز وجل فيه وادعى أنه خير من آدم فإنه مخلوق من نار وآدم خلق من طين والنار خير من الطين في زعمه, وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله تعالى وكفر بذلك فأبعده الله عز وجل وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه, وحضرة قدسه, وسماه إبليس إعلاماً له بأنه قد أبلس من الرحمة وأنزله من السماء مذموماً مدحوراً إلى الأرض فسأل الله النظرة إلى يوم البعث فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه. فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى
وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين" كما قال عز وجل: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " وهؤلاء هم المستثنون في الاية الأخرى وهي قوله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً".
وقوله تبارك وتعالى: "قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع الحق الأول وفسره مجاهد بأن معناه أنا الحق والحق أقول, وفي رواية عنه: الحق مني وأقول الحق, وقرأ آخرون بنصبهما قال السدي هو قسم أقسم الله به (قلت) وهذه الاية كقوله تعالى: "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" وكقوله عز وجل: "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً".
قل مآ أسألكم عليه من أجر ومآ أنآ من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين
يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجراً تعطونيه من عرض الحياة الدنيا "وما أنا من المتكلفين" أي وما أريد على ما أرسلني الله تعالى به ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه, وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الاخرة, قال سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال: أتينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم, الله أعلم, فإن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم: "قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين" أخرجاه من حديث الأعمش, به وقوله تعالى: "إن هو إلا ذكر للعالمين" يعني القرآن ذكر لجميع المكلفين به من الإنس والجن, قاله ابن عباس رضي الله عنهما, وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي غسان مالك بن إسماعيل: حدثنا قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "للعالمين" قال: الجن والإنس, وهذه الاية الكريمة كقوله تعالى: "لأنذركم به ومن بلغ" وكقوله عز وجل: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" وقوله تعالى: "ولتعلمن نبأه" أي خبره وصدقه "بعد حين" أي عن قريب قال قتادة بعد الموت وقال عكرمة يعني يوم القيامة, ولا منافاة بين القولين فإن من مات فقد دخل في حكم القيامة, وقال قتادة في قوله تعالى: "ولتعلمن نبأه بعد حين" قال الحسن يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
وجملة 84- "قال فالحق والحق أقول" مستأنفة كالجمل التي قبلها. قرأ الجمهور بنصب الحق في الموضعين على أنه مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب، أو هما منصوبان على الإغراء: أي الزموا الحق، أو مصدران مؤكدان لمضمون.
84. " قال فالحق والحق أقول "، قرأ عاصم و حمزة و يعقوب : ((فالحق)) برفع القاف على الابتداء، وخبره محذوف تقديره: الحق مني، ونصب الثانية أي: وانا أقول الحق، قاله مجاهد ، وقرأ الآخرون بنصبهما، واختلفوا في وجههما، قيل: نصب الأولى على الإغراء كأنه قال: الزم الحق، والثاني بإيقاع القول عليه أي: أقول الحق. وقيل: الأول قسم، أي، فبالحق وهو الله عز وجل، فانتصب بنزع [الخافض،وهو] حرف الصفة، وانتصاب الثاني بإيقاع القول عليه. وقيل: الثاني تكرار القسم، أقسم الله بنفسه.
84-" قال فالحق والحق أقول " أي فأحق الحق وأقوله ، وقيل الحق الأول اسم الله نصبه بحذف حرف القسم كقوله :
إن عليك الله أن تبايعا
وجوابه .
84. He said: The Truth is, and the Truth I speak,
84 - (God) said: Then it is just and fitting and I say what is just and fitting