84 - (واجعل لي لسان صدق) ثناء حسنا (في الآخرين) الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة
القول في تأويل قوله تعالى : " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " .
قوله تعالى : " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " قال ابن عباس : هو اجتماع الأمم عليه . وقال مجاهد هو الثناء الحسن . قال ابن عطية : هو الثناء وخلد المكانة بإجماع المفسرين ، وكذلك أجاب الله دعوته ، وكل أمة تتمسك به وتعظمه ، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم . وقال مكي : وقيل معناه سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق ، فأجيبت الدعوة في محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عطية : وهذا معنى حسن إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ . قال القشيري : أراد الدعاء الحسن إلى قيام الساعة ، فإن زيادة الثواب مطلوبة في حق كل أحد .
قلت : وقد فعل الله ذلك إذ ليس أحد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو يصلي على إبراهيم وخاصة في الصلوات ، وعلى المنابر التي هي أفضل الحالات وأفضل الدرجات . والصلاة دعاء بالرحمة ، والمراد باللسان القول ، وأصله جارحة الكلام . قال القتبي : وموضع اللسان موضع القول على الاستعارة ، وقد تكني العرب بها عن الكلمة . قال الأعشى :
إني أتتني لسان أسر بها من علو لا عجب منها ولا سخر
قال الجوهري : يروى من علو بضم الواو وفتحها وكسرها . أي أتاني خبر من أعلى ، والتأنيث لكلمة . وكان قد أتاه خبر مقتل أخيه المنتشر .روى أشهب عن مالك قال : قال الله عز وجل : " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " لا بأس أن يجب الرجل لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحاً ويرى في عمل الصالحين ، إذا قصد به وجه الله تعالى ، وقد قال الله تعالى : " وألقيت عليك محبة مني " [ طه : 39 ] وقلا : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " [ مريم : 96] أي حبات في قلوب عباده وثناء حسنا ، فنبه تعالى بقوله " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل . الليث بن سليمان : إذ هي الحياة الثانية . قيل :
قد مات قوم وهم في الناس أحياء
قال ابن العربي : قال المحققون من شيوخ الزهد في هذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " الحديث وفي رواية إنه كذلك في الغرس والزرع وكذلك فيمن مات مرابطاً يكتب له عمله إلى يوم القيامة . وقد بيناه في آخر ( آل عمران ) والحمد لله.
وهذا سؤال من إبراهيم عليه السلام أن يؤتيه ربه حكماً. قال ابن عباس : وهو العلم. وقال عكرمة : هو اللب, وقال مجاهد : هو القرآن. وقال السدي : هو النبوة. وقوله "وألحقني بالصالحين" أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والاخرة, كما " قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الاحتضار اللهم في الرفيق الأعلى" قالها ثلاثاً. وفي الحديث في الدعاء "اللهم أحينا مسلمين, وأمتنا مسلمين, وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مبدلين" وقوله " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " أي واجعل لي ذكراً جميلاً بعدي أذكر به ويقتدى بي في الخير, كما قال تعالى: " وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم * كذلك نجزي المحسنين ".
قال مجاهد وقتادة " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " يعني الثناء الحسن. قال مجاهد : كقوله تعالى "وآتيناه في الدنيا حسنة" الاية, وكقوله "وآتيناه أجره في الدنيا" الاية, قال ليث بن أبي سليم : كل ملة تحبه وتتولاه, وكذا قال عكرمة . وقوله تعالى: "واجعلني من ورثة جنة النعيم" أي أنعم علي في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي, وفي الاخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم. وقوله "واغفر لأبي" الاية, كقوله "ربنا اغفر لي ولوالدي" وهذا مما رجع عنه إبراهيم عليه السلام, كما قال تعالى: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم " وقد قطع تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه فقال تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ".
وقوله: "ولا تخزني يوم يبعثون" أي أجرني من الخزي يوم القيامة يوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم. وقال البخاري عند هذه الاية: قال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري , عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة". وفي رواية أخرى: حدثنا إسماعيل , حدثنا أخي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنك وعدتني أنك لا تخزيني يوم يبعثون, فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين" هكذا رواه عند هذه الاية. وفي أحاديث الأنبياء بهذا الإسناد بعينه منفرداً به, ولفظه "يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة, وعلى وجه آزر قترة وغبرة, فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصيني, فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك, فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون, فأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين, ثم يقال: يا إبراهيم انظر تحت رجلك, فينظر, فإذا هو بذيخ متلطخ, فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار" وقال عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه الكبير.
وقوله "ولا تخزني يوم يبعثون" أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله , حدثني أبي , حدثني إبراهيم بن طهمان عن محمد بن عبد الرحمن , عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة, وقال له: قد نهيتك عن هذا فعصيتني, قال: لكني اليوم لا أعصيك واحدة, قال: يا رب وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون, فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد. قال: يا إبراهيم إني حرمتها على الكافرين فأخذ منه. قال: يا إبراهيم أين أبوك ؟ قال: أنت أخذته مني, قال: انظر أسفل منك, فنظر, فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه, فأخذ بقوائمه فألقي في النار" وهذا إسناد غريب, وفيه نكارة, والذيخ هو الذكر من الضباع, كأنه حول آزر إلى صورة ذيخ متلطخ بعذرته فيلقى في النار كذلك, وقد رواه البزار بإسناده من حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه غرابة, ورواه أيضاً من حديث قتادة عن جعفر بن عبد الغافر عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وقوله "يوم لا ينفع مال ولا بنون" أي لا يقي المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهباً "ولا بنون" أي ولو افتدى بمن على الأرض جميعاً, ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله وإخلاص الدين له, والتبري من الشرك وأهله, ولهذا قال "إلا من أتى الله بقلب سليم" أي سالم من الدنس والشرك. قال ابن سيرين : القلب السليم أن يعلم أن الله حق, وأن الساعة آتية لا ريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور. وقال ابن عباس "إلا من أتى الله بقلب سليم" حيي أن يشهد أن لا إله إلا الله. وقال مجاهد والحسن وغيرهما "بقلب سليم" يعني من الشرك. وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم هو القلب الصحيح, وهو قلب المؤمن, لأن قلب المنافق مريض, قال الله تعالى: "في قلوبهم مرض". قال أبو عثمان النيسابوري : هو القلب السالم من البدعة, المطمئن إلى السنة.
84- "واجعل لي لسان صدق في الآخرين" أي اجعل لي ثناءً حسناً في الآخرين الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة. قال القتيبي: وضع اللسان موضع القول على الاستعارة. لأن القول يكون به. وقد تكني العرب بها عن الكلمة، ومنه قول الأعشى:
إني أتتني لسان لا أسر بها
وقد أعطى الله سبحانه إبراهيم ذلك بقوله: "تركنا عليه في الآخرين" فإن كل أمة تتمسك به وتعظمه. وقال مكي: قيل معنى سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق، فأجيبت دعوته في محمد صلى الله عليه وسلم، ولا وجه لهذا التخصيص. وقال القشيري: اراد الدعاء الحسن إلى قيام الساعة، ولا وجه لهذا أيضاً، فإن لسان الصدق أعم من ذلك.
84- "واجعل لي لسان صدق في الآخرين"، أي: ثناء حسناً، وذكراً جميلاً، وقبولاً عاماً في الأمم التي تجيء بعدي، فأعطاه الله ذلك، فجعل كل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه. قال القتيبي: وضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون به.
84 -" واجعل لي لسان صدق في الآخرين " جاهاً وحسن صيت في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين ، ولذلك ما من أمة إلا وهم محبون له مثنون عليه ، أو صادقاً من ذريتي يجدد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم .
84. And give unto me a good report in later generations.
84 - Grant me honorable mention on the tongue of truth among the latest (generations);