84 - (إنا مكنا له في الأرض) بتسهيل السير فيها (وآتيناه من كل شيء) يحتاج إليه (سببا) طريقا يوصله إلى مراده
وقوله " إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا" يقول : إنا وطأنا له في الأرض . " وآتيناه من كل شيء سببا" يقول : وآتيناه من كل شيء : يعني ما يتسبب إليه وهوالعلم به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأوبل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وآتيناه من كل شيء سببا" يقول : علما.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وآتيناه من كل شيء سببا" : أي علما.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وآتيناه من كل شيء سببا" قال : من كل شيء علما
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله " وآتيناه من كل شيء سببا" قال : علم كل شيء .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " وآتيناه من كل شيء سببا" علما.
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وآتيناه من كل شيء سببا" يقول : علما.
قوله تعالى: " إنا مكنا له في الأرض " قال علي رضي الله عنه: سخر له السحاب، ومدت له الأسباب، وبسط له في النور، فكان الليل والنهار عليه سواء. وفي حديث عقبة بن عامر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجال من أهل الكتاب سألوه عن ذي القرنين فقال:
إن أول أمره كان غلاماً من الروم فأعطي ملكاً فسار حتى أتى أرض مصر فابتنى بها مدينة يقال لها الإسكندرية فلما فرغ أتاه ملك فعرج به فقال له انظر ما تحتك قال أرى مدينتي وحدها لا أرى غيرها فقال له الملك تلك الأرض كلها وهذا السواد الذي تراه محيطاً بها هو البحر وإنما أراد الله تعالى أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطاناً فيها فسر في الأرض فعلم الجاهل وثبت العالم " الحديث.
قوله تعالى: " وآتيناه من كل شيء سببا " قال ابن عباس: من كل شيء علماً يتسبب به إلى ما يريد. وقال الحسن : بلاغاً إلى حيث أراد. وقيل: من كل شيء يحتاج إليه الخلق. وقيل: من كل شيء يستعين به الملوك من فتح المدائن وقهر الأعداء. وأصل السبب الحبل فاستعير لكل ما يتوصل به إلى شيء.
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "ويسألونك" يا محمد "عن ذي القرنين" أي عن خبره وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض, وعن فتية لا يدرى ما صنعوا, وعن الروح, فنزلت سورة الكهف, وقد أورد ابن جرير ههنا والأموي في مغازيه حديثاً أسنده, وهو ضعيف, عن عقبة بن عامر أن نفراً من اليهود جاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين, فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء, فكان فيما أخبرهم به أنه كان شاباً من الروم, وأنه بنى الاسكندرية, وأنه علا به ملك إلى السماء وذهب به إلى السد, ورأى أقواماً وجوههم مثل وجه الكلاب, وفيه طول ونكارة, ورفعه لا يصح, وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل.
والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره, ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة, وذلك غريب منه, وفيه من النكارة أنه من الروم, وإنما الذي كان من الروم الاسكندر الثاني, وهو ابن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم, فأما الأول فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه وآمن به واتبعه, وكان وزيره الخضر عليه السلام, وأما الثاني فهو اسكندر بن فيلبس المقدوني اليوناني, وكان وزيره ارسطاطاليس الفيلسوف المشهور. والله أعلم. وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم, وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو ثلثمائة سنة, فأما الأول المذكور في القرآن, فكان في زمن الخليل, كما ذكره الأزرقي وغيره, وأنه طاف مع الخليل عليه السلام بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم عليه السلام, وقرب إلى الله قرباناً, وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من أخباره في كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية, ولله الحمد.
وقال وهب بن منبه : كان ملكا, وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس, قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس. وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين. وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين. فقال: كان عبداً ناصحاً لله, فناصحه, دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه, فمات, فأحياه الله, فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات, فسمي ذا القرنين, وكذا رواه شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمع علياً يقول ذلك. ويقال: إنه سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب.
وقوله: "إنا مكنا له في الأرض" أي أعطيناه ملكاً عظيماً ممكناً فيه من جيمع ما يؤتى الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحصارات, ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض, ودانت له البلاد, وخضعت له ملوك العباد, وخدمته الأمم من العرب والعجم, ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها. وقوله: "وآتيناه من كل شيء سبباً" قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وغيرهم: يعني علماً. وقال قتادة أيضاً في قوله "وآتيناه من كل شيء سبباً" قال: منازل الأرض وأعلامها.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "وآتيناه من كل شيء سبباً" قال: تعليم الألسنة, قال: كان لا يغزو قوماً إلا كلمهم بلسانهم, وقال ابن لهيعة , حدثني سالم بن غيلان عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار : أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا ؟ فقال له كعب : إن كنت قلت ذلك فإن الله تعالى قال: "وآتيناه من كل شيء سبباً" وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب الأحبار هو الصواب, والحق مع معاوية في ذلك الإنكار, فإن معاوية كان يقول عن كعب : إن كنا لنبلو عليه الكذب, يعني فيما ينقله, لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه, ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق, ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء منها بالكلية, فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض. وتأويل كعب قول الله "وآتيناه من كل شيء سبباً" واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق, فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك, ولا إلى الترقي في أسباب السموات, وقد قال الله في حق بلقيس "وأوتيت من كل شيء" أنه مما يؤتى مثلها من الملوك, وهكذا ذو القرنين, يسر الله له الأسباب, أي الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي, وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض وإذلال أهل الشرك قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سبباً والله أعلم. وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من طريق قتيبة عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن حبيب بن حماز قال: كنت عند علي رضي الله عنه وسأله رجل عن ذي القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب ؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب وقدر له الأسباب وبسط له اليد.
ثم شرع سبحاغنه في بيان ما أمر به رسوله أن يقوله لهم من أنه سيتلو عليهم منه ذكراً فقال: 84- "إنا مكنا له في الأرض" أي أقدرناه بما مهدنا له من الأسباب، فجعلنا له مكنة وقدرة على التصرف فيها، وسهل عليه المسير في مواضعها، وذلل له طرقها حتى تمكن منها أين شاء وكيف شاء؟ ومن جملة تمكينه فيها أنه جعل له الليل والنهار سواء في الإضاءة "وآتيناه من كل شيء" مما يتعلق بمطلوبه "سبباً" أي طريقاً يتوصل بها إلى ما يريده.
84 - قوله عز وجل : " إنا مكنا له في الأرض " ، أوطأنا ، والتمكين : تمهيد الأسباب . قال علي : سخر له السحاب فحمله عليها ، ومد له في الأسباب ، وبسط له النور ، فكان الليل والنهار عليه سواء ، فهذا معنى تمكينه في الأرض ، وهو أنه سهل عليه السير فيها وذلل له طرقها .
" وآتيناه من كل شيء " أي : أعطيناه من كل شيء يحتاج إليه الخلق .
وقيل : من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء .
"سبباً " ، أي : علماً يتسبب به كل ما يريد ، ويسير به في أقطار الأرض ،والسبب : ما يوصل الشيء .
وقال الحسن : بلاغاً إلى حيث أراد . وقيل : قربنا إليه أقطار الأرض .
84."إنا مكنا له في الأرض"أي مكنا له أمره من التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول ."وآتيناه من كل شيء"أراده وتوجه إليه."سبباً"وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة.
84. Lo! We made him strong in the land and gave unto every thing a road.
84 - Verily we established his power on earth, and we gave him the ways and the means to all ends.