84 - (و) أرسلنا (إلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله) وحدوه (ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير) نعمة تغنيكم عن التطفيف (وإني أخاف عليكم) إن لم تؤمنوا (عذاب يوم محيط) بكم يهلككم ، ووصف اليوم به مجاز لوقوعه فيه
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وأرسلنا إلى ولد مدين أخاهم شعيباً ، فلما أتاهم قال : "يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" ، يقول : أطيعوه ، وتذللوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه ، "ما لكم من إله غيره" ، يقول : ما لكم من معبود سواه يستحق عليكم العبادة غيره ، "ولا تنقصوا المكيال والميزان" ، يقول : ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم ، "إني أراكم بخير" .
واختف أهل التأويل في الخير ، الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين إنه يراهم به .
فقال بعضهم : كان ذلك رخص السعر ، وحذرهم غلاءه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي قال ، حدثنا محمد بن موسى ، عن الذيال بن عمرو ، عن ابن عباس :"إني أراكم بخير" ، قال رخص السعر ، "إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط" ، قال : غلاء سعر .
حدثني أحمد بن عمرو البصري قال ، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا صالح بن رستم ، عن الحسن ، وذكر قوم شعيب ، قال : "إني أراكم بخير" ، قال: رخص السعر .
حدثني محمد بن عمرو بن علي قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن ابي عامر الخراز ، عن الحسن في قوله : "إني أراكم بخير" ، قال : الغنى ورخص السعر .
وقال آخرون : عني بذلك : إني أرى لكم مالاً وزينة من زين الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "إني أراكم بخير" ، قال : يعني خير الدنيا وزينتها .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "إني أراكم بخير" ، أبصر عليهم قشراً من قشر الدنيا وزينتها .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "إني أراكم بخير" ، قال : في دنياكم ، كما قال الله تعالى : ( إن ترك خيرا ) ، سماه خيرا ، لأن الناس يسمون المال خيرا .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه ، وذلك قوله : "إني أراكم بخير" ، يعني : بخير الدنيا . وقد يدخل في خير الدنيا ، المال ، وزينة الحياة الدنيا ورخص السعر ، ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض ، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها .
وإنما قال ذلك شعيب ، لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ، ورخص من أسعارهم ،كثيرة أموالهم ، فقال لهم : : لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم ، فقد وسع الله عليكم رزقكم ، "وإني أخاف عليكم" ، بمخالفتكم أمر الله ، وبخسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم ، "عذاب يوم محيط" ، يقول : أن ينزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه ، فجعل المحيط نعتاً لليوم ، وهو من نعت العذاب ، إذ كان مفهوماً معناه ، وكان العذاب في اليوم ، فصار كقولهم : بعض جبتك محترقة .
قوله تعالى: " وإلى مدين أخاهم شعيبا " أي وأرسلنا إلى مدين، ومدين هم قوم شعيب. وفي تسميتهم بذلك قولان: أحدهما - أنهم بنو مدين بن إبراهيم، فقيل: مدين والمراد بنو مدين. كما يقال مضر والمراد بنو مضر. الثاني - أنه اسم مدينتهم، فنسبوا إليها. قال النحاس : لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة، وقد تقدم في ( الأعراف) هذا المعنى وزيادة. " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " تقدم. " ولا تنقصوا المكيال والميزان " كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف، كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، واستوفوا بغاية ما يقدرون عليه وظلموا، وإن جاءهم مشتر للطعام باعوه بكيل ناقص، وشححوا له بغاية ما يقدرون، فأمروا بالإيمان إقلاعاً عن الشرك، وبالوفاء نهياً عن التطفيف. " إني أراكم بخير " أي في سعة من الرزق، وكثرة من النعم. وقال الحسن: كان سعرهم رخيصاً. " وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط " وصف اليوم بالإحاطة، وأراد وصف ذلك اليوم بالإحاطة بهم، فإن يوم العذاب إذا أحاط بهم فقد أحاط العذاب بهم، وهو كقولك: يوم شديد، أي شديد حره. واختلف في ذلك العذاب، فقيل: هو عذاب النار في الآخرة. وقيل: عذاب الاستئصال في الدنيا. وقيل: غلاء السعر، روي معناه عن ابن عباس. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء ". وقد تقدم.
يقول تعالى ولقد أرسلنا إلى مدين وهم قبيلة من العرب كانوا يسكنون بين الحجاز والشام قريباً من معان. بلاداً تعرف بهم يقال لها مدين فأرسل الله إليهم شعيباً وكان من أشرفهم نسباً, ولهذا قال: "أخاهم شعيباً" يأمرهم بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له وينهاهم عن التطفيف في المكيال والميزان "إني أراكم بخير" أي في معيشتكم ورزقكم وإني أخاف أن تسلبوا ما أنتم فيه بانتهاككم محارم الله "وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط" أي في الدار الاخرة.
أي وأرسلنا إلى مدين وهم قوم شعيب أخاهم في النسب شعيباً، وسموا مدين باسم أبيهم، وهو مدين بن إبراهيم، وقيل باسم مدينتهم. قال النحاس: لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة، وقد تقدم الكلام على هذا في الأعراف بأبسط مما هنا، وقد تقدم تفسير "قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" في أول السورة، وهذه الجملة مستأنفة، كأنه قيل: ماذا قال لهم شعيب لما أرسله الله إليهم؟ وقد كان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه، أمرهم أولاً بعبادة لله سبحانه الذي هو الإله وحده لا شريك له، ثم نهاهم عن أن ينقصوا المكيال والميزان، لأنهم كانوا مع كفرهم أهل تطفيف، كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد وكذلك إذا وصل إليهم الموزون أخذوا بوزن زائد، وإذا باعوا باعوا بكيل ناقص ووزن ناقص، وجملة "إني أراكم بخير" تعليل للنهي: أي لا تنقصوا المكيال والميزان لأني أراكم بخير: أي بثروة وسعة في الرزق فلا تغيروا نعمة الله عليكم بمعصيته والإضرار بعباده، ففي هذه النعمة ما يغنيكم عن أخذ أموال الناس بغير حقها، ثم ذكر بعد هذه العلة علة أخرى، فقال: "وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط" فهذه العلة فيها الإذكار لهم بعذاب الآخرة كما أن العلة الأولى فيها الإذكار لهم بنعيم الدنيا، ووصف اليوم بالإحاطة والمراد العذاب، لأن العذاب واقع في اليوم، ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم أنه لا يشذ منهم أحد عنه ولا يجدون منه ملجأً ولا مهرباً، واليوم هو يوم القيامة، وقيل: هو يوم الانتقام منهم في الدنيا بالصيحة.
84- قوله عز وجل: "وإلى مدين"، أي: وأرسلنا إلى ولد مدين، "أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان"، أي: لا تبخسوا، وهم كانوا يطفقون مع شركهم، "إني أراكم بخير"، قال ابن عباس: موسرين في نعمة. وقال مجاهد: في خصب وسعة، فحذرهم زوال النعمة, وغلاء السعر، وحلول النقمة، إن لم يتوبوا. فقال: "وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط"، يحيط بكم فيهلككم.
84."وإلى مدين أخاهم شعيباً"أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أو أهل مدين وهو بلد بناه فسمي باسمه ." قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان "أمرهم بالتوحيد أولاً فإنه ملاك الأمر ثم نهاهم عما اعتادوه من البخس المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض ."إني أراكم بخير "بسعة تغنيكم عن البخس ، أو بنعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شكراً عليها لا أن تنقصوا حقوقهم ، أو بسعة فلا تزيلوها مما أنتم عليه وهو في الجملة علة للنهي ."وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط"لا يشذ منه أحد منكم .وقيل عذاب منهلك من قوله:"وأحيط بثمره".والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالإحاطة وهي صفة العذاب لاشتماله عليه.
84. And unto Midian (We sent) their brother Shueyb. He said: O my people! Serve Allah. Ye have no other God save Him! And give not short measure and short weight. Lo! I see you well to do, and lo! I fear for you the doom of a besetting Day.
84 - To the Madyan people (we sent) Shu'aib, one of their own brethren: he said: O my people worship God: ye have no other god but him. and give not short measure or weight: I see you in prosperity, but I fear for you the penalty of a day that will compass (you) all round.