83 - (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) الباقين في العذاب
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما أبى قوم لوط -مع توبيخ لوط إياهم على ما يأتون من الفاحشة ، وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتحريم ذلك عليهم - إلا التمادي في غيهم ، أنجينا لوطاً وأهله المؤمنين به ، إلا امرأته ، فإنها كانت للوط خائنة ، وبالله كافرة .
وقوله : " من الغابرين " ، يقول : من الباقين .
وقيل : " من الغابرين " ، ولم يقل الغابرات ، لأنه أريد أنها ممن بقي مع الرجال ، فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قيل : " من الغابرين " .
والفعل منه : غبر يغبر غبوراً ، وغبراً ، وذلك إذا بقي ، كما قال الأعشى :
عض بما أبقى المواسي له من أمة في الزمن الغابر
وكما قال الآخر:
وأبي الذي فتح البلاد بسيفه فأذلتها لبني أبان الغابر
يعني : الباقي .
فإن قال قائل : فكانت امرأة لوط ممن نجا من الهلاك الذي هلك به قوم لوط ؟
قيل : لا، بل كانت فيمن هلك .
فإن قال : فكيف قيل : " إلا امرأته كانت من الغابرين "، وقد قلت إن معنىالغابر، الباقي ؟ فقد وجب أن تكون قد بقيت ؟
قيل : إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه ، وإنما عنى بذلك ، إلا امرأته كانت من الباقين قبل الهلاك ، والمعمرين الذين قد أتى عليهم دهر كبير، ومر بهم زمن كثير، حتى هرمت فيمن هرم من الناس ، فكانت ممن غبر الدهر الطويل قبل هلاك القوم ، فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب . وقيل : معنى ذلك : من الباقين في عذاب الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " إلا عجوزا في الغابرين " ، في عذاب الله .
"من الغابرين" أي الباقين في عذاب الله، قاله ابن عباس و قتادة. غبر الشيء إذا مضى، وغبر إذا بقي. وهو من الأضداد. وقال قوم: الماضي عابر بالعين غير معجمة. والباقي غابر بالغين معجمة. حكاه ابن فارس في المجمل. وقال الزجاج: من الغابرين أي من الغائبين عن النجاة وقيل، لطول عمرها. قال النحاس: وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من المعمرين، أي أنها قد هرمت. والأكثر في اللغة أن يكون الغابر الباقي، قال الراجز:
فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر
يقول تعالى فأنجينا لوطاً وأهله ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط, كما قال تعالى: "فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين" إلا امرأته فإنها لم تؤمن به, بل كانت على دين قومها تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم, ولهذا لما أمر لوط عليه السلام ليسري بأهله أمر أن لا يعلمها ولا يخرجها من البلد, ومنهم من يقول: بل اتبعتهم فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم, والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم, ولهذا قال ههنا "إلا امرأته كانت من الغابرين" أي الباقين, وقيل من الهالكين وهو تفسير باللازم, وقوله "وأمطرنا عليهم مطراً" مفسر بقوله " وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد " ولهذا قال "فانظر كيف كان عاقبة المجرمين" أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة من يجترىء على معاصي الله عز وجل ويكذب رسله.
وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط, وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصناً أو غير محصن وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" وقال آخرون هو كالزاني فإن كان محصناً رجم, وإن لم يكن محصناً جلد مائة جلدة, وهو القول الاخر للشافعي, وأما إتيان النساء في الأدبار فهو اللوطية الصغرى, وهو حرام بإجماع العلماء إلا قولاً شاذاً لبعض السلف, وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام عليها في سورة البقرة.
ثم أخبر الله سبحانه أنه أنجى لوطاً وأهله المؤمنين به، واستثنى امرأته من الأهل لكونها لم تؤمن به، ومعنى "كانت من الغابرين" أنها كانت من الباقين في عذاب الله، يقال: غبر الشيء إذا مضى، وغبر إذا بقي فهو من الأضداد. وحكى ابن فارس في المجمل عن قوم أنهم قالوا: الماضي عابر بالعين المهملة، والباقي غابر بالمعجمة. وقال الزجاج: "من الغابرين" أي من الغائبين عن النجاة. وقال أبو عبيد: المعنى "من الغابرين" أي من المعمرين وكانت قد هرمت، وأكثر أهل اللغة على أن الغابر الباقي.
83- " فأنجيناه " ، يعني : لوطاً ، " وأهله " ، المؤمنين ، وقيل : أهله : ابنتاه ، "إلا امرأته كانت من الغابرين " ، يعني : الباقين في العذاب . وقيل : معناه كانت من الباقين المعمرين ، قد أتى عليها دهر طويل فهلكت مر من هلك من قوم لوط ، وإنما قال : ( من الغابرين ) لأنه أراد : ممن بقي من الرجال فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قال : ( من الغابرين ) .
83." فأنجيناه وأهله " أي من آمن به . " إلا امرأته " استثناء من أهله فإنها كانت تسر الكفر . " كانت من الغابرين " من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا والتذكير لتغليب الذكور .
83. And We rescued him and his household, save his wife, who was of those who stayed behind.
83 - But we saved him and his family, except his wife: she was of those who lagged behind.