83 - (ويسألونك) أي اليهود (عن ذي القرنين) اسمه الإسكندر ولم يكن نبيا (قل سأتلوا) سأقص (عليكم منه) من حاله (ذكرا) خبرا
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ويسألك يا محمد هؤلاء المشركون عن ذي القرنين ما كان شأنه ، وما كانت قصته ، فقل لهم : سأتلو عليكم من خبره ذكرا. يقول : سأقص عليكم منه خبرا . وقد قيل : إن الذين سألوا رسول صلى الله عليه وسلم عن أمر ذي القرنين ، كانوا قوما من أهل الكتاب . فاما الخبر بأن الذين سألوه عن ذلك كانوا مشركي قومه فقد ذكرناه قبل .
وأما الخبر بأن الذين سألوه ، كانوا قوما من أهل الكتاب :
فحدثنا به أبوكريب ، قال : ثنا زيد بن حباب عن ابن لهيعة ، قال : ثني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن شيخين من تجيب ، قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى عقبة بن عامر نتحدث ، قالا: فاتياه فقالا : جئنا لتحدثنا ، فقال : كنت يوما أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت من عنده فلقيني قوم من أهل الكتاب . فقالوا : نريد أن نسال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأذن لنا عليه ، فدخلت عليه ، فأخبرته ، فقال مالي ومالهم مالي علم إلا ما علمني الله ، ثم قال : اسكب لي ماء، فتوضا ثم صلى، قال : فما فرغ حتى عرفت السرورفي وجهه ، ثم قال : أدخلهم علي ، ومن رأيت من أصحابي فدخلوا فقاموا بين يديه ، فقال : إن شئتم سألتم فأخبرتكم عما تجدونه في كتابكم مكتوبا، وإن شئتم أخبرتكم ، قالوا : بلى أخبرنا، قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، وما تجدونه في كتابكم : كان شابا من الروم ، فجاء فبنى مدينة مصر الإسكندرية، فلما فرغ جاءه ملك فعلا به في السماء، فقال له ما ترى؟ فقال : أرى مدينتي ومدائن ، ثم علا به ، فقال : ما ترى؟ فقال : أرى مدينتي ، ثم علا به فقال : ما ترى؟ قال : أرى الأرض ، قال ؟ فهذا اليم محيط بالدنيا، إن الله بعثني إليك تعلم الجاهل ، وتثبت العالم ، فاتى به السد، وهو جبلان لينان يزلق عنهما كل شيء ، ثم مضى به حتى جاوز يأجوج ومأجوج ، ثم مض به إلى أمة أخرى، وجوههم وجوه الكلاب يقاتلون يأجوج ومأجوج ، ثم مضى به حتى قطع به أمة أخرى يقاتلون هؤلاء الذين وجوههم وجوه الكلاب ، ثم مضى حتى قطع به هؤلاء إلى أمة أخرى قد سماهم . واختلف أهل العلم في المعنى الذي من أجله قيل لذي القرنين : ذو القرنين ، فقال بعضهم : قيل له ذلك من أجل أنه ضرب على قرنه فهلك ، ثم أحيي فضرب على القرن الآخر فهلك. ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عبيد المكتب ، عن أبي الطفيل ، قال : سأل ابن الكواء عليا عن ذي القرنين ، فقال : هو عبد أحب الله فأحبه ، وناصح الله فنصحه ، فأمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه فقتلوه ، ثم بعثه الله ، فضربوه على قرنه فمات .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، قال : سئل علي رضوان الله عليه عن ذي القرنين ، فقال : كان عبدا ناصح الله فناصحه ، فدعا قومه إلى الله ، فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله ، فضربوه على قرنه فمات ، فسمي ذا القرنين .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، قال : سمعت عليا وسألوه عن ذي القرنين أنبيا كان ؟ قال : كان عبدا صالحا، أحب الله فأحبه ، وناصح الله فنصحه ، فبعثه الله إلى قومه ، فضربوه ضربتين في رأسه ، فسمي ذا القرنين ، وفيكم اليوم مثله . وقال آخرون في ذلك بما :
حدثني به محمد بن سهل البخاري ، قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل ، قال : قال وهب بن منبه : كان ذو القرنين ملكا، فقيل له : فلم سمي ذا القرنين ؟ قال : اختلف فيه أهل الكتاب ، فقال بعضهم : ملك الروم وفارس . وقال بعضهم : كان في رأسه شبه القرنين . وقال آخرون : إنما سمي ذلك لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، قال : ثني من لا أتهم عن وهب بن منبه اليماني ، قال : إنما سمي ذا القرنين أن صفحتي رأسه كانتا من نحاس .
قوله تعالى: " ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا " قال ابن إسحق: وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت غيره، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضاً إلا سلط على أهلها، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق. قال ابن إسحق: حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذي القرنين أن ذا القرنين كان من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح. قال ابن هشام: واسمه الإسكندر، وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه. قال ابن إسحق: وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي - وكان خالد رجلاً قد أدرك الناس - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال:
ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب ". وقال خالد: وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلاً يقول: يا ذا القرنين، فقال: اللهم غفراً أما رضيتم أن تسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة! قال ابن إسحق: فالله أعلم أي ذلك كان؟ أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أم لا؟ والحق ما قال.
قلت: وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه مثل قول عمر، سمع رجلاً يدعو آخر يا ذا القرنين، فقال علي: أما كفاكم أن تسميتم بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة! وعنه أنه عبد ملك (بكسر اللام) صالح نصح الله فأيده. وقيل: هو نبي مبعوث فتح الله تعالى على يديه الأرض. وذكر الدارقطني في كتاب الأخبار أن ملكاً يقال له رباقيل كان ينزل على ذي القرنين، وذلك الملك هو الذي يطوي الأرض يوم القيامة، وينقضها فتقع أقدام الخلائق كلهم بالساهرة، فيما ذكر بعض أهل العلم. وقال السهيلي: وهذا مشاكل بتوكيله بذي القرنين الذي قطع الأرض مشارقها ومغاربها، كما أن قصة خالد بن سنان في تسخير النار له مشاكلة بحال الملك الموكل بها، وهو مالك عليه السلام وعلى جميع الملائكة أجمعين. ذكر ابن أبي خيثمة في كتاب البدء له خالد بن سنان العبسي وذكر نبوته، وذكر أنه وكل به من الملائكة مالك خازن النار، وكان من أعلام نبوته أن ناراً يقال لها نار الحدثان، كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكل الناس ولا يستطيعون ردها، فردها خالد بن سنان فلم تخرج بعد. واختلف في اسم ذي القرنين وفي السبب الذي سمي به بذلك اختلافاً كثيراً، فأما اسمه فقيل: هو الإسكندر الملك اليوناني المقدوني، وقد تشدد قافه فيقال: المقدوني. وقيل: اسمه هرمس. ويقال: اسمه هرديس. وقال ابن هشام: هو الصعب بن ذي يزن الحميري من ولد وائل بن حمير، وقد تقدم قول ابن إسحق. وقال وهب بن منبه: هو رومي. وذكر الطبري حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام:
" أن ذا القرنين شاب من الروم ". وهو حديث واهي السند، قال ابن عطية . قال السهيلي: والظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان: أحدهما: كان على عهد إبراهيم عليه السلام، ويقال: إنه الذي قضى لإبراهيم عليه السلام حين تحاكموا إليه في بئر السبع بالشام. والآخر: أنه كان قريباً من عهد عيسى عليه السلام. وقيل: إنه أفريدون الذي قتل بيوراسب بن أرونداسب الملك الطاغي على عهد إبراهيم عليه السلام، أو قبله بزمان. وأما الاختلاف في السبب الذي سمي به، فقيل: إنه كان ذا ضفيرتين من شعر فسمي بهما، ذكره الثعلبي وغيره. والضفائر قرون الرأس، ومنه قول الشاعر:
فلثمت فاها آخذاً بقرونها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
وقيل: إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس، فقص ذلك، ففسر أنه سيغلب ما ذرت عليه الشمس، فسمي بذلك ذا القرنين. وقيل: إنما سمي بذلك لأنه بلغ المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا. وقالت طائفة: إنه لما بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرونها فسمي بذلك ذا القرنين، أو قرني الشيطان بها. وقال وهب بن منبه: كان له قرنان تحت عمامته. وسأل ابن الكواء علياً رضي الله تعالى عنه عن ذي القرنين أنبياً كان أم ملكاً؟ فقال: لا ذا ولا ذا، كان عبداً صالحاً دعا قومه إلى الله تعالى فشجوه على قرنه، ثم دعاهم فشجوه على قرنه الآخر، فسمي ذا القرنين. واختلفوا أيضاً في وقت زمانه، فقال قوم: كان بعد موسى. وقال قوم: كان في الفترة بعد عيسى. وقيل: كان في وقت إبراهيم وإسماعيل. وكان الخضر عليه السلام صاحب لوائه الأعظم، وقد ذكرناه في ((البقرة)). وبالجملة فإن الله تعالى مكنه وملكه ودانت له الملوك، فروي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان بن داود وإسكندر، والكافران نمرود وبختنصر، وسيملكها من هذه الأمة خامس لقوله تعالى: " ليظهره على الدين كله " وهو المهدي. وقد قيل: إنما سمي ذا القرنين لأنه كان كريم الطرفين من أهل بيت شريف من قبل أبيه وأمه. وقيل: لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي. وقيل: لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعاً. وقيل: لأنه أعطي علم الظاهر والباطن. وقيل: لأنه دخل الظلمة والنور. وقيل: لأنه ملك فارس والروم.
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم "ويسألونك" يا محمد "عن ذي القرنين" أي عن خبره وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض, وعن فتية لا يدرى ما صنعوا, وعن الروح, فنزلت سورة الكهف, وقد أورد ابن جرير ههنا والأموي في مغازيه حديثاً أسنده, وهو ضعيف, عن عقبة بن عامر أن نفراً من اليهود جاءوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين, فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء, فكان فيما أخبرهم به أنه كان شاباً من الروم, وأنه بنى الاسكندرية, وأنه علا به ملك إلى السماء وذهب به إلى السد, ورأى أقواماً وجوههم مثل وجه الكلاب, وفيه طول ونكارة, ورفعه لا يصح, وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل.
والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره, ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة, وذلك غريب منه, وفيه من النكارة أنه من الروم, وإنما الذي كان من الروم الاسكندر الثاني, وهو ابن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم, فأما الأول فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه وآمن به واتبعه, وكان وزيره الخضر عليه السلام, وأما الثاني فهو اسكندر بن فيلبس المقدوني اليوناني, وكان وزيره ارسطاطاليس الفيلسوف المشهور. والله أعلم. وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم, وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو ثلثمائة سنة, فأما الأول المذكور في القرآن, فكان في زمن الخليل, كما ذكره الأزرقي وغيره, وأنه طاف مع الخليل عليه السلام بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم عليه السلام, وقرب إلى الله قرباناً, وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من أخباره في كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية, ولله الحمد.
وقال وهب بن منبه : كان ملكا, وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس, قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس. وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين. وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين. فقال: كان عبداً ناصحاً لله, فناصحه, دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه, فمات, فأحياه الله, فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات, فسمي ذا القرنين, وكذا رواه شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمع علياً يقول ذلك. ويقال: إنه سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب.
وقوله: "إنا مكنا له في الأرض" أي أعطيناه ملكاً عظيماً ممكناً فيه من جيمع ما يؤتى الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحصارات, ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض, ودانت له البلاد, وخضعت له ملوك العباد, وخدمته الأمم من العرب والعجم, ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها. وقوله: "وآتيناه من كل شيء سبباً" قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وغيرهم: يعني علماً. وقال قتادة أيضاً في قوله "وآتيناه من كل شيء سبباً" قال: منازل الأرض وأعلامها.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "وآتيناه من كل شيء سبباً" قال: تعليم الألسنة, قال: كان لا يغزو قوماً إلا كلمهم بلسانهم, وقال ابن لهيعة , حدثني سالم بن غيلان عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار : أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا ؟ فقال له كعب : إن كنت قلت ذلك فإن الله تعالى قال: "وآتيناه من كل شيء سبباً" وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب الأحبار هو الصواب, والحق مع معاوية في ذلك الإنكار, فإن معاوية كان يقول عن كعب : إن كنا لنبلو عليه الكذب, يعني فيما ينقله, لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه, ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق, ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء منها بالكلية, فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض. وتأويل كعب قول الله "وآتيناه من كل شيء سبباً" واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق, فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك, ولا إلى الترقي في أسباب السموات, وقد قال الله في حق بلقيس "وأوتيت من كل شيء" أنه مما يؤتى مثلها من الملوك, وهكذا ذو القرنين, يسر الله له الأسباب, أي الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي, وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض وإذلال أهل الشرك قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سبباً والله أعلم. وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من طريق قتيبة عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن حبيب بن حماز قال: كنت عند علي رضي الله عنه وسأله رجل عن ذي القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب ؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب وقدر له الأسباب وبسط له اليد.
لما أجاب سبحانه عن سؤالين من سؤالات اليهود، وانتهى الكلام إلى حيث انتهى شرع سبحانه في السؤال الثالث والجواب عنه، فالمراد بالسائلين هنا هم اليهود.
واختلفوا في ذي القرنين اختلافاً كثيراً، فقيل هو الاسكندر بن فيلقوس الذي ملك الدنيا بأسرها اليوناني باني الإسكندرية. وقال ابن إسحاق: هو رجل من أهل مصر، اسمه مرزبان بن مرزبة اليوناني، من ولد يونان بن يافث بن نوح. وقيل هو ملك اسمه هرمس، وقيل ملك اسمه هرديس، وقيل شاب من الروم، وقيل كان نبياً، وقيل كان عبداً صالحاً، وقيل اسمه عبد الله بن الضحاك، وقيل مصعب بن عبد الله، من أولاد كهلان بن سبأ. وحكى القرطبي عن السهيلي أنه قال: إن الظاهر من علم الأخبار أنهما إثنان: أحدهما كان على عهد إبراهيم عليه السلام، والآخر كان قريباً من عيسى عليه السلام. وقيل هو أبو كرب الحميري، وقيل هو ملك من الملائكة، ورجح الرازي القول الأول، قال: لأن من بلغ ملكه من السعة والقوة إلى الغاية التي نطق بها التنزيل إنما هو الإسكندر اليوناني كما تشهد به كتب التاريخ، قال: فوجب القطع بأن ذا القرنين هو الإسكندر، قال: وفيه إشكال لأنه كان تلميذاً لأرسطاطاليس الحكيم، وكان على مذهبه، فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق، وذلك مما لا سبيل إليه. قال النيسابوري: قلت ليس كل ما ذهب إليه الفلاسفة باطلاً فلعله أخذ منهم ما صفا وترك ما كدر والله أعلم. ورجح ابن كثير ما ذكره السهيلي أنهما إثنان كما قدمنا ذلك، وبين أن الأول طاف بالبيت مع إبراهيم أول ما بناه وآمن به واتبعه وكان وزيره الخضر. وأما الثاني فهو الإسكندر المقدوني اليوناني، وكان وزيره الفيلسوف المشهور أرسطاطاليس، وكان قبل المسيح بنحو من ثلثمائة سنة. فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل، هذا معنى ما ذكره ابن كثير في تفسيره راوياً له عن الأزرقي وغيره، ثم قال: وقد ذكرنا طرفاً صالحاً في أخباره في كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية. وحكى أبو السعود في تفسيره عن ابن كثير أنه قال: وإنما بينا هذا: يعني أنهما إثنان، لأن كثيراً من الناس يعتقد أنهما واحد، وأن المذكور في القرآن العظيم هو هذا المتأخر، فيقع بذلك خطأ كبير وفساد كثير، كيف لا، والأول كان عبداً صالحاً مؤمناً، وملكاً عادلاً، ووزيره الخضر، وقد قيل إنه كان نبياً. وأما الثاني فقد كان كافراً، ووزيره أرسطاطاليس الفيلسوف، وكان ما بينهما من الزمان أكثر من ألفي سنة، فأين هذا من ذاك؟ انتهى. قلت: لعله ذكر هذا في الكتاب الذي ذكره سابقاً، وسماه بالبداية والنهاية ولم يقف عليه، والذي يستفاد من كتب التاريخ هو أنهما إثنان كما ذكره السهيلي والأزرقي وابن كثير وغيرهم لا كما ذكره الرازي وادعى أنه الذي تشهد به كتب التواريخ، وقد وقع الخلاف هل هو نبي أم لا؟ وسيأتي ما يستفاد منه المطلوب آخر هذا البحث إن شاء الله.
وأما السبب الذي لأجله سمي ذا القرنين، فقال الزجاج والأزهري: إنما سمي ذا القرنين، لأنه بلغ قرن الشمس من مطلعها، وقرن الشمس من مغربها، وقيل إنه كان له ضفيرتان من شعر، والضفائر تسمى قروناً، ومنه قول الشاعر:
فلثمت فاها آخذاً بقرونها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
والحشرج ماء من مياه العرب، وقيل إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس فسمي بذلك، وقيل كان له قرنان تحت عمامته، وقيل إنه دعا إلى الله فشجه قومه على قرنه، ثم دعا إلى الله فشجوه على قرنه الآخر، ويقل إنما سمي بذلك لأنه كريم الطرفين من أهل بيت شرف من قبل أبيه وأمه، وقيل لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس وهو حي، وقيل لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعاً، وقيل لأنه أعطي علم الظاهر والباطن، وقيل لأنه دخل النور والظلمة، وقيل لأنه ملك فارس والروم، وقيل لأنه ملك الروم والترك، وقيل لأنه كان لتاجه قرنان. قوله: " قل سأتلو عليكم منه ذكرا " أي سأتلو عليكم أيها السائلون من ذي القرنين خبراً، وذلك بطريق الوحي المتلو.
83 - قوله عز وجل : " ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا " خبراً ، واختلفوا في نبوته : فقال بعضهم : كان نبياً .
[ وقال أبو الطفيل : سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين أكان نبياً ] أم ملكاً ؟ قال : لم يكن نبياً ولا ملكاً ، ولكن كان عبداً أحب الله وأحبه الله ، ناصح الله فناصحه الله .
وروي أن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقول لآخر : ياذا القرنين فقال : تسميتم بأسماء النبيين فلم ترضوا حتى تسميتم بأسماء الملائكة .
والأكثرون على أنه كان ملكاً عادلاً صالحاً .
واختلفوا في سبب تسميته ب ( ذي القرنين ) : قال الزهري : لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها .
وقيل : لأنه ملك الروم وفارس .
وقيل : لأنه دخل النور والظلمة .
وقيل لأنه رأى في المنام كأنه أخذ بقرني الشمس .
وقيل : لأنه كانت له ذؤابتان حسنتان .
وقيل : لأنه كان له قرنان تواريهما العمامة .
وروي أبو الطفيل عن علي أنه [ قال : سمي ( ذا القرنين ) لأنه ] أمر قومه بتقوى الله ، فضربوه على قرنه الأيمن فمات فبعثه الله ، ثم أمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات ، فأحياه الله .
واختلفوا في اسمه ، قيل : اسمه ( مرزبان بن مرزبة اليوناني ) من ولد يونان بن يافث بن نوح . وقيل اسمه ( الاسكندر بن فيلفوس بن ياملوس الرومي ) .
83." ويسألونك عن ذي القرنين "يعني إسكندر الرومي ملك فارس والروم.وقيل المشرق والغرب ولذلك سمي ذا القرنين ، أو لأنه طاف فرني الدنيا شرقها وغربها ، وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس ، وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان ، وقيل كان لتاجه قرنان . ويحتمل أنه لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه.واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه ، والسائلون هم اليهود سألوه امتحاناً أو مشركو مكة." قل سأتلو عليكم منه ذكرا "خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين.وقيل لله.
83. They will ask thee of Dhul-Qarneyn. Say: I shall recite unto you a remembrance of him.
83 - They ask thee concerning Zul Qarnain. say, I will rehearse to you something of his story.