83 - (يعرفون نعمة الله) أي يقرون بأنها من عنده (ثم ينكرونها) بإشراكهم (وأكثرهم الكافرون)
قوله تعالى يعرفون نعمة الله الآية أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقرأ عليه والله جعل لكم من بيوتكم سكنا قال الأعرابي نعم ثم قرأ عليه وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم طعنكم ويوم إقامتكم قال نعم ثم قرأ عليه كل ذلك يقول نعم حتى بلغ كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فولى الأعرابي فأنزل الله يعرفون نعمة الله ثم ينكروها وأكثرهم الكافرون
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فإن أدبر هؤلاء المشركون يا محمد عما أرسلتك به إليهم من الحق ، فلم يستجيبوا لك وأعرضوا عنه . فما عليك من لوم ولا عذل ، لأنك قد أديت ما عليك في ذلك ، إنه ليس عليك إلا بلاغهم ما أرسلت به . ويعني بقوله : "المبين" الذي يبين لمن سمعه حتى يفهمه .
وأما قوله : "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني بالنعمة التي أخبر الله تعالى ذكره عن هؤلاء لمشركين أنهم ينكرونها ،مع معرفتهم بها ، فقال بعضهم : هو النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا نبوته ثم جحدوها وكذبوه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السدي : "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" قال : محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن وكيع ، قال :حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السدي ، مثله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله ، وأن الله هو المنعم بذلك عليهم ، ولكنهم ينكرون ذلك ، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ،وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعاً ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد : "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" قال : هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها ، والسرابيل من الحديد والثياب ، تعرف هذا كفار قريش ، ثم تنكره بأن تقول : هذا كان لآبائنا ، فروحونا إياه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه ، إلا أنه قال : فورثونا إياها ، وزاد في الحديث عن ابن جريج ، قال ابن جريج : فالعبد الله بن كثير : يعلمون أن الله خلقهم وأعطاهم ما أعطاهم ، فهو معرفتهم نعمته ، ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد .
وقال آخرون في ذلك ، ما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية ، عن عمرو ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن ليث ، عن عون بن عبد الله بن عتبة "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" قال : إنكارهم إياها أن يقول الرجل : لولا فلان ما كان كذا وكذا ، ولولا ما اصبت كذا وكذا .
وقال آخرون : معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم : من رزقكم ؟ أقروا بأن الله هو الذي رزقهم ، ثم ينكرون ذلك بقولهم : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال : عني بالنعمة التي ذكرها الله في قوله : "يعرفون نعمة الله" النعمة عليهم بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم داعياً إلى بعثه بدعائهم إليه ، وذلك أن هذه الآية بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعما بعث به ، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده ، إذ لم يكن معنى يدل على انصرافه عما قبله وعما بعده ، فالذي قبل هذه الآية قوله "فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين * يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" وما بعده "ويوم نبعث من كل أمة شهيدا" وهو رسولها . فإذا كان ذلك كذلك ، فمعنى الآية : يعرف هؤلاء المشركون بالله نعمة الله عليهم يا محمد بك ، ثم ينكرونها ويجحدون نبوتك "وأكثرهم الكافرون" يقول :وأكثر قومك الجاحدون نبوتك ، لا المقرون بها .
قوله تعالى " يعرفون نعمة الله " قال السدي يعني محمدا صلى الله عليه وسلم أي يعرفون نبوته "ثم ينكرونها " ويكذبونه وقال مجاهد يريد ما عدد الله عليهم في هذه السورة من النعم أي يعرفون أنها من عند الله وينكرونها بقولهم إنهم ورثوا ذلك عن آبائهم وبمثله قال قتادة وقال عون بن عبد الله هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا ولولا فلان ما أصبت كذا وهم يعرفون النفع والضرر من عند الله وقال الكلبي هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرفهم بهذا النعم كلها عرفوها وقالوا : نعم هي كلها نعم من الله ، ولكنها بشفاعة آلهتنا وقيل يعرفون نعمة الله بتقلبهم فيها وينكرونها بترك الشكر عليها ويحتمل سادسا : يعرفونها في الشدة وينكرونها في الرخاء . ويحتمل سابعا يعرفونها بأقوالهم وينكرونها بأفعالهم ويحتمل ثامنا يعرفونها بقلوبهم ويجحدونها بألسنتهم ، نظيرها " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " "وأكثرهم الكافرون " يعني جميعهم حسبما تقدم .
يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم, يأوون إليها, ويستترون بها, وينتفعون بها بسائر وجوه الانتفاع, وجعل لهم أيضاً من جلود الأنعام بيوتاً أي من الأدم, يستخفون حملها في أسفارهم ليضربوها لهم في إقامتهم في السفر والحضر, ولهذا قال: "تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها" أي الغنم, "وأوبارها" أي الإبل, "وأشعارها" أي المعز, والضمير عائد على الأنعام "أثاثا" أي تتخذون منه أثاثاً وهو المال, وقيل: المتاع, وقيل: الثياب, والصحيح أعم من هذا كله فإنه يتخذ من الأثاث البسط والثياب وغير ذلك, ويتخذ مالاً وتجارة, وقال ابن عباس: الأثاث المتاع, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطية العوفي وعطاء الخراساني والضحاك وقتادة. وقوله: "إلى حين" أي إلى أجل مسمى ووقت معلوم.
وقوله: " والله جعل لكم مما خلق ظلالاً" قال قتادة: يعني الشجر "وجعل لكم من الجبال أكناناً" أي حصوناً ومعاقل, كما "جعل لكم سرابيل تقيكم الحر" وهي الثياب من القطن والكتان والصوف "وسرابيل تقيكم بأسكم" كالدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك, "كذلك يتم نعمته عليكم" أي هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم وما تحتاجون إليه ليكون عوناً لكم على طاعته وعبادته "لعلكم تسلمون" هكذا فسره الجمهور, وقرءوه بكسر اللام من "تسلمون" أي من الإسلام.
وقال قتادة في قوله: "كذلك يتم نعمته عليكم" هذه السورة تسمى سورة النعم. وقال عبد الله بن المبارك وعباد بن العوام عن حنظلة السدوسي, عن شهر بن حوشب, عن ابن عباس أنه كان يقرؤها "تسلمون" بفتح اللام, يعني من الجراح, رواه أبو عبيد القاسم بن سلام عن عباد, ,أخرجه ابن جرير من الوجهين, ورد هذه القراءة. وقال عطاء الخراساني: إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب, ألا ترى إلى قوله تعالى: " والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً" وما جعل من السهل أعظم وأكثر, ولكنهم كانوا أصحاب جبال ؟ ألا ترى إلى قوله: "ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين" وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر, ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر ؟ ألا ترى إلى قوله: "وينزل من السماء من جبال فيها من برد" لعجبهم من ذلك وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر, ولكنهم كانوا لا يعرفونه ؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: "سرابيل تقيكم الحر" وما تقي من البرد أعظم وأكثر, ولكنهم كانوا أصحاب حر.
وقوله: "فإن تولوا" أي بعد هذ البيان وهذا الامتنان, فلا عليك منهم "فإنما عليك البلاغ المبين" وقد أديته إليهم "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" أي يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك وهو المتفضل به عليهم ومع هذا ينكرون ذلك ويعبدون معه غيره ويسندون النصر والرزق إلى غيره "وأكثرهم الكافرون" كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا صفوان, حدثنا الوليد, حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مجاهد أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله, فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله جعل لكم من بيوتكم سكناً" فقال الأعرابي: نعم, قال: "وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا" الاية, قال الأعرابي: نعم, ثم قرأ عليه كل ذلك, يقول الأعرابي: نعم حتى بلغ "كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون" فولى الأعرابي, فأنزل الله "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" الاية.
وجملة 83- "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" استئناف لبيان توليهم: أي هم يعرفون نعمة الله التي عددها، ويعترفون بأنها من عند الله سبحانه ثم ينكرونها بما يقع من أفعالهم القبيحة من عبادة غير الله وبأقوالهم الباطلة، حيث يقولون هي من الله ولكنها بشفاعة الأصنام، وحيث يقولون إنهم ورثوا تلك النعم من آبائهم، وأيضاً كونهم لا يستعملون هذه النعم في مرضاة الرب سبحانه، وفي وجوه الخير التي أمرهم الله بصرفها فيها، وقيل نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفونه ثم ينكرون نبوته "وأكثرهم الكافرون" أي الجاحدون لنعم الله أو الكافرون بالله، وعبر هنا بالأكثر عن الكل، أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم، أو أراد كفر الجحود ولم يكن كفر كلهم كذلك، بل كان كفر بعضهم كفر جهل، وكفر بعضهم بسبب تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم مع اعترافهم بالله وعدم الجحد لربوبيته، ومثل هذه الآية قوله تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين".
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد سكناً قال: تسكنون فيها. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي نحوه قال: "وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً" وهي خيام العرب "تستخفونها" يقول: في الحمل "ومتاعاً" يقول بلاغاً "إلى حين" قال: إلى الموت. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "تستخفونها يوم ظعنكم" قال: بعض بيوت السيارة بنيانه في ساعة، وفي قوله: "وأوبارها" قال: الإبل "وأشعارها" قال الغنم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله "أثاثاً" قال: الأثاث المتاع. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: الأثاث المال "ومتاعاً إلى حين" يقول: تنتفعون به إلى حين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "والله جعل لكم مما خلق ظلالاً" قال: من الشجر ومن غيرها "وجعل لكم من الجبال أكناناً" قال: غارات يسكن فيها "وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر" قال: من القطن والكتان والصوف "وسرابيل تقيكم بأسكم" من الحديد " كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون " ولذلك هذه السورة تسمى سورة النعم. وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "سرابيل تقيكم الحر" قال: يعني الثياب، "وسرابيل تقيكم بأسكم" قال: يعني الدروع والسلاح "كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون" يعني من الجراحات وكان ابن عباس يقرأها تسلمون كما قدمنا، وإسناده ضعيف.
83 - " يعرفون نعمة الله " ، قال السدي يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، " ثم ينكرونها " ، يكذبون به .
وقال قوم : هي الإسلام .
وقال جاهد ، و قتادة : يعني ما عد لهم من النعم في هذه السورة ، يقرون أنها من الله ، ثم إذا قيل لهم : تصدقوا وامتثلوا أمر الله فيها ، ينكرونها فيقولون : ورثناها من آبائنا .
وقال الكلبي : هو أنه لما ذكر لهم هذه النعم قالوا : نعم ، هذه كلها من الله ، ولكنها بشفاعة آلهتنا .
وقال عوف بن عبد الله : هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا ، ولولا فلان لما كان كذا . " وأكثرهم الكافرون " ، الجاحدون .
83." يعرفون نعمة الله "أي يعرف المشركون نعمة الله التي عددها عليهم وغيرها حيث يعترفون بها وبأنها من الله تعالى ."ثم ينكرونها"بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم إنها بشفاعة آلهتنا، أو بسبب كذا أو بإعراضهم عن أداء حقوقها . وقيل نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عرفوها بالمعجزات ثم أنكروها عناداً ومعنى ثم استبعاد الإنكار بعد المعرفة . "وأكثرهم الكافرون"الجاحدون عناداً ، وذكر الأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق لنقصان العقل أو التفريط في النظر ، أو لم تقم عليه الحجة لأنه لم يبلغ حد التكليف وإما لأنه يقام مقام الكل كما في قوله:"بل أكثرهم لا يعلمون"
83. They know the favor of Allah and then deny it. Most of them are ingrates.
83 - They recognize the favours of God; then they deny them; and most of them are (creatures) ungrateful.