81 - (قل إن كان للرحمن ولد) فرضا (فأنا أول العابدين) للولد لكن ثبت أن لا ولد له تعالى فانتفت عبادته
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " فقال بعضهم في معنى ذلك : قل يا محمد إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم أيها المشركون ، فأنا أول المؤمنين بالله في تكذيبكم ، والجاحدين ما قلتم من أن له ولداً .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " قل إن كان للرحمن ولد " كما تقولون " فأنا أول العابدين " المؤمنين بالله ، فقولوا ما شئتم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " فأنا أول العابدين " قال : قل إن كان لله ولد في قولكم ، فأنا أول من عبد الله ووحده وكذبكم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل ما كان للرحمن ولد ، فأنا أول العابدين له بذلك .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله : " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " يقول : لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين .
وقال آخرون : بل معنى ذلك نفي ، ومعنى إن الجحد ، وتأويل ذلك : ماكان ذلك ولا ينبغي أن يكون .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " قال قتادة : وهذه كلمة من كلام العرب " إن كان للرحمن ولد " : أي إن ذلك لم يكن ، ولا ينبغي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " قال : هذا الإنكاف ما كان للرحمن ولد ، نكف الله أن يكون له ولد ، وإن مثل < ما > إنما هي : ما كان للرحمن ولد ، ليس للرحمن ولد ، مثل قوله : " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " [ إبراهيم : 46 ] إنما هي : ما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، فالذي أنزل الله من كتابه وقضاه من قضائه أثبت من الجبال ، و < إن > هي < ما > إن كان ما كان تقول العرب : إن كان ، وما كان الذي تقول . وفي قوله : " فأنا أول العابدين " أو من يعبد الله بالإيمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد على هذا أعبد الله .
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت ابن محمد ، عن قول الله : " إن كان للرحمن ولد " قال : ما كان .
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : ثنا عمرو ، قال : سألت زيد بن أسلم ، عن قول الله : " قل إن كان للرحمن ولد " قال : هذا قول العرب معروف ، إن كان : ما كان ، إن كان هذا الأمر قط ، ثم قال : وقوله وإن كان : ما كان .
وقال آخرون : معنى < إن > في هذا الموضع معنى المجازاة ، قالوا : وتأويل الكلام : لو كان للرحمن ولد ، كنت أول من عبده بذلك .
ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " قال : لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولداً ، ولكن لا ولد له .
وقال آخرون : معنى ذلك : قل إن كان للرحمن ولد ، فأنا أول الآنفين بذلك ، ووجهوا معنى العابدين إلى المنكرين الآبين ، من قول العرب : قد عبدن فلان من هذا الأمر إذا أنف منه وغضب وأباه ، فهو يعبد عبداً ، كما قال الشاعر :
ألا هويت أم الوليد وأصبحت لما أبصرت في الرأس مني تعبد
وكما قال الآخر :
متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالماً
وقد حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن أبي ذئب ، عن أبي قسيط ، عن بعجة بن زيد الجهني ، أن امرأة منهم دخلت على زوجها ، وهو رجل منهم أيضاً ، فولدت له في ستة أشهر ، فذكر ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فأمر بها أن ترجم ، فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : " وحمله وفصاله ثلاثون شهراً " [ الأحقاف : 15 ] ، وقال : " وفصاله في عامين " [ لقمان : 14 ] قال : فوالله ما عبد عثمان أن بعث إليها ترد . قال يونس ، قال ابن وهب : عبد : استنكف .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معنى " إن " الشرط الذي يقتضي الجزاء على ما ذكرناه عن السدي وذلك أن < إن > لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين : إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط الذي يطلب الجزاء ، أو تكون بمعنى الجحد ، وهب إذا وجهت إلى الجحد ، لم يكن للكلام كبير معنى ، لأنه يصير بمعنى : قل ما كان للرحمن ولد ، وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفى بذلك عن الله عز وجل أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات ، ثم أحدث له الولد بعد أن لم يكن ، مع أنه لو كان ذلك معناه لقدر الذين أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ، أن يقولوا له صدقت ، وهو كما قلت ، ونحن لم نزعم أنه لم يزل له ولد ، وإنما قلنا : لم يكن له ولد ، ثم خلق الجن فصاهرهم ، فحدث له منهم ولد ، كما أخبر الله عنهم أنهم كانوا يقولونه ، ولم يكن الله تعالى ذكره ليحتج لنبيه صلى الله عليه وسلم وعلى مكذبيه من الحجة بما يقدرون على الطعن فيه ، وإذ كان في توجيهنا < إن > إلى معنى الجحد ما ذكرنا ، فالذي هو أشبه المعنيين بها الشرط . وإذ كان ذلك كذلك ، فبينة صحة ما نقول من أن معنى الكلام : قل يا محمد لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله : إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم ، ولكنه لا ولد له ، فأنا أعبده بأنه لا ولد له ، ولا ينبغي أن يكون له .
وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه الشك ، ولكن على وجه الإلطاف في الكلام وحسن الخطاب ، كما قال جل ثناؤه " قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " [ سبأ : 24 ] .
وقد علم أن الحق معه ، وأن مخالفيه في الضلال المبين .
قوله تعالى : " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " اختلف في معناه ، فقال ابن عباس و الحسن و السدي : المعنى ما كان للرحمن ولد ، ( إن ) بمعنى ما ، ويكون الكلام على هذا تاماً ، ثم تبتدئ : ( فأنا أول العابدين ) أي الموحدين من أهل مكة على أنه لا ولد له ، والوقف على ( العابدين ) تام ، وقيل : المعنى قل يا محمد إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده ، ولكن يستحيل أن يكون له ولد ، وهو كما تقول لمن تناظره ، إن ثبت ما قلت بالدليل فأنا أول من يعتقده ، وهذه مبالغة في الاستبعاد ، أي لا سبيل إلى اعتقاده ، وهذا ترقيق في الكلام ، كقوله : " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " [ سبأ : 24 ] ، والمعنى على هذا : فأنا أول العابدين لذلك الولد ، لأن تعظيم الولد تعظيم للوالد ، وقال مجاهد : المعنى إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده وحده ، على أنه لا ولد له ، وقال السدي أيضاً : المعنى لو كان له ولد كنت أول من عبده علىأن له ولداً ، ولكن لا ينبغي ذلك ، قال المهدوي ( إن ) على هذه الأقوال للشرط ، وهو الأجود ، وهو اختيار الطبري ، لأن كونها بمعنى ما يتوهم معه أن المعنى لم يكن له فيما مضى ، وقيل : إن معنى ( العابدين ) الآنفين ، وقال بعض العلماء ، لو كان كذلم لكان العبدين ، وكذلك قرأ أبو عبد الرحمن و اليماني ( فأنا أول العابدين ) بغير ألف ، يقال : عبد يعبد عبداً ( بالتحريك ) إذا أنف ، وغضب فهو عبد ، والاسم العبدة ، مثل الأنفة ، عن أبي زيد قال الفرزدق :
أولئك أجلاسي فجئني بمثلهم وأعبد أن أهجو كليباً بدارم
وينشد أيضاً :
أولئك ناس إن هجوني هجوتهم وأعبد أن يهجي كليب بدارم
قال الجوهري : وقال أبو عمرو وقوله تعالى : " فأنا أول العابدين " من الأنف والغضب ، وقاله الكسائي و القتبي ، حكاه الماوردي عنهما ، وقال الهروي : وقوله تعالى : " فأنا أول العابدين " قيل هو من عبد يعبد ، أي من الآنفين ، وقال ابن عرفة : إنما يقال عبد يعبد فهو عبد ، وقلما يقال عابد ، والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ ، ولكن المعنى فأنا أول من يعبد الله عز وجل على أنه واحد لا ولد له ، وروي أن امرأة دخلت على زوجها فولدت منه لستة أشهر ، فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه فأمر برجمها ، فقال له علي ، قال الله تعالى : " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " [ الأحقاف : 15 ] ، وقال في آية أخرى : " وفصاله في عامين " [ لقمان : 14 ] ، فوالله ما عبد عثمان أن بعث إليها ترد ، قال عبد الله بن وهب ، يعني ما استنكف ولا ألف ، وقال ابن الأعرابي : ( فأنا أول العابدين ) أي الغضاب الآنفين ، وقيل : ( فأنا أول العابدين ) أي أنا أول من يعبده على الوحدانية مخالفاً لكم ، أبو عبيدة : معناه الجاحدين ، وحكي : عبدني حقي أي جحدني ، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً ( ولد ) بضم الواو إسكان اللام ، الباقون و عاصم ( ولد ) وقد تقدم .
يقول تعالى: "قل" يا محمد "إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي لو فرض هذا لعبدته على ذلك, لأني عبد من عبيده مطيع لجميع ما يأمرني به ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته, فلو فرض هذا لكان هذا, ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضاً كما قال عز وجل: "لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار" وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: "فأنا أول العابدين" أي الانفين, ومنهم سفيان الثوري والبخاري, حكاه فقال ويقال أول العابدين الجاحدين من عبد يعبد, وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب, حدثني ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن بعجة بن زيد الجهني أن امرأة منهم دخلت على زوجها وهو رجل منهم أيضاً, فولدت له في ستة أشهر فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان رضي الله عنه, فأمر بها أن ترجم, فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إن الله تعالى يقول في كتابه "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" وقال عز وجل: "وفصاله في عامين" قال: فو الله ما عبد عثمان رضي الله عنه أن بعث إليها ترد, قال يونس: قال ابن وهب: عبد استنكف. وقال الشاعر:
متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالما
وهذا القول فيه نظر لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره إن كان هذا فأنا ممتنع منه ؟ هذا فيه نظر فليتأمل اللهم إلا أن يقال: أن إن ليست شرطاً وإنما هي نافية, كما قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "قل إن كان للرحمن ولد" يقول: لم يكن للرحمن ولد, فأنا أول الشاهدين. وقال قتادة هي كلمة من كلام العرب "إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي إن ذلك لم يكن فلا ينبغي, وقال أبو صخر "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي فأنا أول من عبده بأن لا ولد له, وأول من وحده, وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقال مجاهد "فأنا أول العابدين" أي أول من عبده ووحده وكذبكم, وقال البخاري "فأنا أول العابدين" الانفين وهما لغتان رجل عابد وعبد, والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ولكن هو ممتنع, وقال السدي "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" يقول : لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولداً ولكن لا ولد له, وهو اختيار ابن جرير ورد قول من زعم أن إن نافية. ولهذا قال تعالى: "سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون" أي تعالى وتقدس وتنزه خالق الأشياء عن أن يكون له ولد فإنه فرد أحد صمد, لا نظير له ولا كفء له فلا ولد له.
وقوله تعالى: "فذرهم يخوضوا" أي في جهلهم وضلالهم "ويلعبوا" في دنياهم "حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون" وهو يوم القيامة أي فسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ومآلهم وحالهم في ذلك اليوم قوله تبارك وتعالى: "وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله" أي هو إله من في السماء وإله من في الأرض يعبده أهلها وكلهم خاضعون له أذلاء بين يديه "وهو الحكيم العليم" وهذه الاية كقوله سبحانه وتعالى: "وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون" أي هو المدعو الله في السموات والأرض "وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما" أي هو خالقها ومالكها, والمتصرف فيها بلا مدافعة ولا ممانعة, فسبحانه وتعالى عن الولد وتبارك, أي استقر له السلامة من العيوب والنقائص, لأنه الرب العلي العظيم المالك للأشياء الذي بيده أزمة الأمور نقضاً وإبراماً. "وعنده علم الساعة" أي لا يجليها لوقتها إلا هو "وإليه ترجعون" أي فيجازي كلاً بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر. ثم قال تعالى: "ولا يملك الذين يدعون من دونه" أي من الأصنام والأوثان "الشفاعة" أي لا يقدرون على الشفاعة لهم "إلا من شهد بالحق وهم يعلمون" هذا استثناء منقطع. أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم, فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له. ثم قال عز وجل: "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون" أي ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره "من خلقهم ليقولن الله" أي هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها وحده لا شريك له في ذلك, ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئاً ولا يقدر على شيء, فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل. ولهذا قال تعالى: "فأنى يؤفكون".
وقوله جل وعلا: "وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون" أي وقال محمد صلى الله عليه وسلم, قيله أي شكا إلى ربه شكواه من قومه الذين كذبوه فقال يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون, كما أخبر تعالى في الاية الأخرى: "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً" وهذا الذي قلناه هو قول ابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد وقتادة, وعليه فسر ابن جرير, قال البخاري: وقرأ عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه "وقال الرسول يا رب" وقال مجاهد في قوله: " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " قال يؤثر الله عز وجل قول محمد صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: هو قول نبيكم صلى الله عليه وسلم يشكو قومه إلى ربه عز وجل. ثم حكى ابن جرير في قوله تعالى: "وقيله يا رب" قراءتين إحداهما النصب, ولها توجيهان: أحدهما أنه معطوف على قوله تبارك وتعالى: "نسمع سرهم ونجواهم" والثاني أن يقدر فعل وقال قيله, والثانية الخفض وقيله عطفاً على قوله: "وعنده علم الساعة" وتقديره وعلم قيله. وقوله تعالى: "فاصفح عنهم" أي المشركين "وقل سلام" أي لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء, ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلاً وقولاً "فسوف يعلمون" هذا تهديد من الله تعالى لهم, ولهذا أحل بهم بأسه الذي لا يرد وأعلى دينه وكلمته, وشرع بعد ذلك الجهاد والجلاد حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً, وانتشر الإسلام في المشارق والمغارب والله أعلم. آخر تفسير سورة الزخرف.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار قولاً يلزمهم به الحجة ويقطع ما يوردونه من الشبهة فقال: 81- "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده، لأن من عبد الله وحده فقد دفع أن يكون له ولد، كذا قال ابن قتيبة. وقال الحسن والسدي: إن المعنى ما كان للرحمن ولد، ويكون قوله: "فأنا أول العابدين" ابتداء كلام، وقيل المعنى: قل يا محمد إن ثبت لله ولد، فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته، ولكنه يستحيل أن يكون له ولد. وفيه نفي للولد على أبلغ وجه وأتم عبارة وأحسن أسلوب، وهذا هو الظاهر من النظم القرآني، ومن هذا القبيل قوله تعالى: "إنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين" ومثل هذا قول الرجل لمن يناظره: إن تثبت ما تقوله بالدليل فأنا أول من يعتقده ويقول به، فتكون إن في إن كان شرطية، ورجح هذا ابن جرير وغيره. وقيل معنى العابدين: الآنفين من العبادة، وهو تكلف لا ملجئ إليه، ولكنه قرأ أبو عبد الرحمن اليماني العبدين بغير ألف، يقال عبد يعبد عبداً بالتحريك: إذا أنف وغضب فهو عبد، والاسم العبدة مثل الأنفة، ولعل الحامل لمن قرأ هذه القراءة الشاذة البعيدة هو استبعاد معنى "فأنا أول العابدين" وليس بمستعد ولا مستنكر. وقد حكى الجوهري: عن أبي عمرو في قوله: "فأنا أول العابدين" أنه من الأنف والغضب. وحكاه الماوردي عن الكسائي والقتيبي، وبه قال الفراء. وكذا قال ابن الأعرابي: إن معنى العابدين الغضاب الآنفين. وقال أبو عبيدة: معناه الجاحدين، وحكي عبدني حقي: أي جحدني، وقد أنشدوا على هذا المعنى الذي قالوه قول الفرزدق:
أولئك أحلاسي فجئني بمثلهم وأعبد أن أهجو كليبا بدارم
وقوله أيضاً:
أولاك أناس لو هجوني هجوتهم وأعبد أن يهجى كليب بدارم
ولا شك أن عبد وأعبد بمعنى أنف أو غضب ثابت في لغة العرب وكفى بنقل هؤلاء الأئمة حجة، ولكن جعل ما في القرآن من هذا من التكلف الذي لا ملجئ إليه ومن التعسف الواضح. وقد رد ابن عرفة ما قالوه فقال: إنما يقال عبد يعبد فهو عبد، وقل ما يقال عابد والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ. قرأ الجمهور "ولد" بالإفراد، وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً "ولد" بضم الواو وسكون اللام.
81. " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين "، يعني إن كان للرحمن ولد في قولكم وعلى زعمكم، فأنا أول من عبده فإنه واحد لا شريك له ولا ولد. وروي عن ابن عباس: " إن كان " أي ما كان للرحمن ولد، فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك، جعل: ((إن)) بمعنى الجحد.
وقال السدي : معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده بذلك، ولكن لا ولد له.
وقيل: ((العابدين)) بمعنى الآنفين، أي: أنا أول الجاحدين والمنكرين لما قلتم.
ويقال: معناه: أنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد، يقال: عبد يعبد إذا أنف وغضب.
وقال قوم: قل ما يقال: عبد فهو عابد، إنما يقال: فهو عبد.
81-" قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " منكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يكون أعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح له ، وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ومن تعظيم الوالد تعظيم ولده ، ولا يلزم من ذلك صحة كينونة الولد وعبادته له إذ المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه كقوله تعالى : " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " غير أن " لو " ثم مشعرة بانتفاء الطرفين ، و " إن " ههنا لا تشعر به ولا بنقيضه فإنها لمجرد الشريطة بل الانتفاء معلوم لانتفاء اللازم الدال على انتفاء ملزومه ، والدلالة على أن إنكاره الولد ليس لعناد ومراء بل لو كان لكان أولى الناس بالاعتراف . وقيل معناه إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين لله الموحدين له أو الآنفين منه ، أو من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه ، أو ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة . وقرأ حمزة و الكسائي " ولد " بالضم وسكون اللام .
81. Say (O Muhammad): The Beneficent One hath no son. I am first among the worshippers.
81 - Say: If (God) Most Gracious had a son, I would be the first to worship.