81 - (فخسفنا به) بقارون (وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله) أي غيره بأن يمنعوا عنه الهلاك (وما كان من المنتصرين) منه
يقول تعالى ذكره: فخسفنا بقارون وأهل داره. وقيل وبداره، لأنه ذكر أن موسى إذا أمر الأرض أن تأخذه أمرها بأخذه، وأخذ من كان معه من جلسائه في داره، وكانوا جماعة جلوساً معه، وهم على مثل الذي هو عليه من النفاق والمؤازرة على أذى موسى.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، قال: لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى، فصالحه على كل ألف دينار ديناراً، وكل ألف شيء شيئاً، أو قال: وكل ألف شاة شاة الطبري يشك، قال: ثم أتى بيته فحسبه فوجده كثيراً، فجمع بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه، وهو الآن، يريد أن يأخذ من أموالكم، فقالوا: أنت كبيرنا وأنت سيدنا، فمرنا بما شئت، فقال: آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي، فتجعلوا لها جعلاً، فتقذفه بنفسها. فدعوها فجعل لها جعلاً على أن تقذفه بنفسها، ثم أتى موسى، فقال لموسى: إن بني إسرائيل قد اجتمعوا لتأمرهم ولتنهاهم، فخرج إليهم وهم في براح من الأرض، فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه، ومن زنى وليس له أمراة جلدناه مئة، ومن زنى وله امرأة جلدناه حتى يموت، أو رجمناه حتى يموت الطبري يشك، فقال له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون إنك فجرت بفلانة. قال: ادعوها، فإن قالت، فهو كما قالت، فلما جاءت قال لها موسى: يا فلانة، قالت: يا لبيك، قال: أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا، وكذبوا، ولكن جعلوا لي جعلاً على أن أقذفك بنفسي، فوثب فسجد وهو بينهم، فأوحى الله إليه: مر الأرض بما شئت، قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أقدامهم ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى حقيهم، ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، قال: فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، ويتضرعون إليه، قال: يا أرض خذيهم، فانطبقت عليهم، فأوحى الله إليه: يا موسى، يقول لك عبادي: يا موسى، يا موسى، فلا ترحمهم؟ أما لو إياي دعوا، لوجدوني قريباً مجيباً، قال: فذلك قول الله " فخرج على قومه في زينته " وكانت زينته أنه خرج على دواب شقر عليها سروج حمر، عليهم ثياب مصبغة بالبهرمان " قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون " ... إلى قوله " إنه لا يفلح الكافرون " يا محمد " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ".
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش ، عن المنهال، عن رجل، عن ابن عباس قال: لما أمر الله موسى بالزكاة، قال: رموه بالزنا، فجزع من ذلك، فأرسلوا إلى امرأة كانت قد أعطوها حكمها، على أن ترميه بنفسها، فلما جاءت عظم عليها، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت. قالت: إذ قد استحلفتني، فإني أشد إنك بريء، وأنك رسول الله، فخر ساجداً يبكي، فأوحى الله تبارك وتعالى: ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض، فمرها بما شئت، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ما شاء الله، فقالوا: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ما شاء الله، فقالوا يا موسى يا موسى، فخسفتهم. قال: وأصاب بني إسرائيل بعد ذلك شدة وجوع شديد، فأتوا موسى، فقالوا: ادع لنا ربك، قال: فدعا لهم، فأوحى الله إليه: يا موسى، أتكلمني في قوم قد أظلم ما بيني وبينهم خطاياهم، وقد دعوك فلم تجبهم، أما إياي لو دعوا لأجبتهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن الأعمش ، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " فخسفنا به وبداره الأرض " قال: قيل للأرض خذيهم، فأخذتهم إلى اعقابهم، ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى أحقائهم، ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، ثم قيل لها: خذيهم، فخسف بهم، فذلك قوله " فخسفنا به وبداره الأرض ".
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا علي بن هاشم بن البريد، عن الأعمش ، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله " إن قارون كان من قوم موسى " قال: كان ابن عمه، وكان موسى يقضي في ناحية بني إسرائيل، وقارون في ناحية، قال: فدعا بغية كانت في بني إسرائيل، فجعل لها جعلاً على أن ترمي موسى بنفسها، فتركته، إذا كان يوم تجتمع فيه بنو إسرائيل إلى موسى، أتاه قاروه فقال: يا موسى ما حد من سرق؟ قال: أن تنقطع يده، قال: وإن كانت أنت؟ قال: نعم، قال: فما حد من زنى؟ قال: أن يرجم، قال: وإن كنت أنت؟ قال: نعم، قال: فإنك قد فعلت، قال: ويلك بمن؟ قال: بفلانة، فدعاها موسى، فقال: أنشدك بالذي أنزل التوراة، أصدق قارون؟ قالت: اللهم إذا نشدتني، فإني أشد أنك بريء، وأنك رسول الله، وأن عدو الله قارون جعل لي جعلاً على أن أرميك بنفسي، قال: فوثب موسى، فخر ساجداً له، فأوحى الله إليه: أن ارفع رأسك، فقد أمرت الأرض أن تطيعك، فقال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم حتى بلغوا الحقو، قال: يا موسى، قال: خذيهم، فأخذتهم حتى بلغوا الصدور، قال: يا موسى، قال: خذيهم، قال: فذهبوا. قال فأوحى الله إليه يا موسى: استغاث بك فلم تغثه، أما لو استغاث بي لأجبته ولأغثته.
حدثنا بشر بن هلال الصواف، قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، قال: ثنا علي بن زيد بن جدعان، قال: خرج عبد الله بن الحارث من الدار، ودخل المقصورة، فلما خرج منها جلس وتساند عليها، وجلسنا إليه، فذكر سليمان بن داود ( وقال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) ( النمل: 28) ... إلى قوله ( إن ربي غني كريم) ( النمل: 40) ثم سكت عن ذكر سليمان، فقال " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم " وكان قد أوتي من الكنوز ما ذكر الله في كتابه " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة "، " قال إنما أوتيته على علم عندي " قال: وعادى موسى، وكان مؤذياً له، وكان موسى يصفح عنه ويعفو، للقرابة، حتى بنى داراً، وجعل باب داره من ذهب، وضرب على جدرانه صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون، فيطعمهم الطعام، ويحدثونه ويضحكونه، فلم تدعه شقوته والبلاء، حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا، مشهورة بالسب، فأرسل إليها فجاءته، فقال لها: هل لك أن أمولك وأعطيك، وأخلطك في نسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون: ألا تنهى عني موسى، قالت: بلى، فلما جلس قارون، وجاء الملأ من بني إسرائيل، أرسل إليها، فجاءت فقامت بين يديه، فقلت الله قلبها، وأحدث لها توبة، فقالت في نفسها: لأن أحدث اليوم توبة، أفضل من أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكذب عدو الله له. فقالت: إن قارون قال لي: هل لك أن أمولك وأعطيك، وأخلطك بنسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون ألا تنهي عني موسى، فلم أجد توبة أفضل من أن لا أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكذب عدو الله، فلما تكلمت بهذا الكلام، سقط في يدي قارون، ونكس رأسه، وسكت الملأ، وعرف أنه قد وقع في هلكة، وشاع كلامها في الناس، حتى بلغ موسى، فلما بلغ موسى اشتد غضبه، فتوضأ من الماء، وصلى وبكى، وقال: يا رب عدوك لي مؤذ، أراد فضيحتي وشيني، يا رب سلطني عليه، فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت تطعك، فجاء موسى إلى قارون، فلما دخل عليه، عرف الشر في وجه موسى له، فقال: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، قال: فاضطربت داره، وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين، وجعل يقول: يا موسى، فأخذتهم إلى ركبهم، وهو يتضرع إلى موسى: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، قال: فاضطربت داره وساخت، وخسف بقارون وأصحابه إلى سررهم، وهو يتضرع إلى موسى: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، فخسف به وبداره وأصحابه. قال: وقيل لموسى عليه السلام: يا موسى ما أفظك. أما وعزتي لو إياي نادى لأجبته.
حدثني بشر بن هلال، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: بلغني أنه قيل لموسى: لا أعبد الأرض لأحد بعدك أبداً.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الحميد الحماني، عن سفيان، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، قال عبد الحميد، عن أبي نصر، عن ابن عباس، ولم يذكر ابن مهدي أبا نصر " فخسفنا به وبداره الأرض " قال: الأرض السابعة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: بلغنا أنه يخسف به كل يوم مئة قامة، ولا يبلغ أسفل الأرض إلى يوم القيامة، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حبان، عن جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار، قال: بلغني أن قارون يخسف به كل يوم مئة قامة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " فخسفنا به وبداره الأرض " ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها، لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة.
وقوله " فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله " يقول فلم يكن له جند يرجع إليهم، ولا فئة ينصرونه لما نزل به من سخطه، بل تبرءوا منه " وما كان من المنتصرين " يقول: ولا كان هو ممن ينتصر من الله إذا أحل به نقمته، فيمتنع لقوته منها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " فما كان له من فئة ينصرونه " أي جند ينصرونه، وما عنده منعة يمتنع بها من الله.
وقد بينا معنى الفئة فيما مضى، وأنها الجماعة من الناس، وأصلها الجماعة التي يفيء إليها الرجل عند الحاجة إليهم، للعون على العدو، ثم تستعمل ذلك العرب في كل جماعة عوناً للرجل، وظهراً له، ومنه قول خفاف:
فلم أر مثلهم حياً لقاحاً وجدك بين ناضحة وحجر
أشد على صروف الدهر آداً وأكبر منهم فئةً بصبر
قوله تعالى : " فخسفنا به وبداره الأرض " قال مقاتل : لما أمر موسى الأرض فابتلعته قالت بنو إسرائيل : إنما أهلكه ليرث ماله ، لأنه كان ابن عمه ، أخي هأبيه ، فخسف الله تعالى به وبداره الأرض وبجميع أموالله بعد ثلاثة أيام ، فأوحى الله إلى موسى إني لا أعيد طاعة الأرض إلى أحد بعدك أبداً . يقال : خسف المكان يخسف خسوفاً ذهب في الأرض وخسف الله به الأرض خسفاً أي غاب به فيها . ومنه قوله تعالى : " فخسفنا به وبداره الأرض " وخسف هو في الأرض وخسف به . وخسوف القمر كسوفه . قال ثعلب : كسفت الشمس وخسف القمر ، هذا أجود الكلام . والخسف النقصان ، يقال : رضي فلان بالخسف أي بالنقيصة " فما كان له من فئة " أي جماعة . " ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين " لنفسه أي الممتنعين فيما نزل به من الخسف . فيروى أن قارون يسفل كل يوم يقدر قامة ، حتى إذا بلغ قعر الأرض السفلى نفخ إسرافيل في الصور ، وقد تقدم ، والله أعلم .
لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته وفخره على قومه وبغيه عليهم عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض, كما ثبت في الصحيح عند البخاري من حديث الزهري عن سالم أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يجر إزاره إذ خسف به, فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة". ثم رواه من حديث جرير بن زيد عن سالم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال الإمام أحمد : حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص , حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل فيمن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما, أمر الله الأرض فأخذته, فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة" تفرد به أحمد , وإسناده حسن.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي , حدثنا أبو خيثمة , حدثنا أبو يعلى بن منصور , أخبرني محمد بن مسلم , سمعت زياد النميري يحدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل فيمن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما, فأمر الله الأرض فأخذته, فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة". وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحق قال: رأيت شاباً في مسجد نجران, فجعلت أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله, فقال: ما لك تنظر إلي ؟ فقلت: أعجب من جمالك وكمالك. فقال: إن الله ليعجب مني, قال فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر, فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب به.
وقد ذكر أن هلاك قارون كان من دعوة موسى نبي الله عليه السلام, واختلف في سببه فعن ابن عباس والسدي أن قارون أعطى امرأة بغياً مالاً على أن تبهت موسى بحضرة الملأ من بني إسرائيل وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله تعالى, فتقول يا موسى إنك فعلت بي كذا وكذا, فلما قالت ذلك في الملأ لموسى عليه السلام أرعد من الفرق, وأقبل عليها بعد ما صلى ركعتين ثم قال: أنشدك بالله الذي فرق البحر وأنجاكم من فرعون, وفعل كذا وكذا لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت ؟ فقالت: أما إذ نشدتني فإن قارون أعطاني كذا وكذا على أن أقول ذلك لك, وأنا أستغفر الله وأتوب إليه, فعند ذلك خر موسى لله عز وجل ساجداً, وسأل الله في قارون, فأوحى الله إليه أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه, فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره, فكان ذلك, وقيل إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك وهو راكب على البغال الشهب, وعليه وعلى خدمه ثياب الأرجوان المصبغة, فمر في محفله ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلام وهو يذكرهم بأيام الله, فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوههم نحوه ينظرون إلى ما هو فيه, فدعاه موسى عليه السلام وقال: ما حملك على ما صنعت ؟ فقال: يا موسى أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة فلقد فضلت عليك بالدنيا, ولئن شئت لنخرجن فلتدعون علي وأدعو عليك, فخرج موسى وخرج قارون في قومه, فقال موسى عليه السلام: تدعو أو أدعو أنا, فقال: بل أدعو أنا, فدعا قارون فلم يجب له, ثم قال موسى: أدعو ؟ قال: نعم, فقال موسى: اللهم مر الأرض أن تطيعني اليوم, فأوحى الله إليه أني قد فعلت, فقال موسى: يا أرض خذيهم, فأخذتهم إلى أقدامهم ثم قال: خذيهم, فأخذتهم إلى ركبهم, ثم إلى مناكبهم, ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم. قال: فأقبلت بها حتى نظروا إليها, ثم أشار موسى بيده, ثم قال: اذهبوا بني لاوي فاستوت بهم الأرض, وعن ابن عباس قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقال قتادة : ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة, فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة, وقد ذكر ههنا إسرائيليات غريبة أضربنا عنها صفحاً. وقوله تعالى: "فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين" أي ما أغنى عنه ماله ولا جمعه ولا خدمه وحشمه, ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله, ولا كان هو في نفسه منتصراً لنفسه, فلا ناصر له من نفسه ولا من غيره.
وقوله تعالى: "وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس" أي الذين لما رأوه في زينته " يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم " فلما خسف به أصبحو يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر, أي ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه, فإن الله يعطي ويمنع ويضيق ويوسع ويخفض ويرفع, وله الحكمة التامة والحجة البالغة, وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم, وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب, ولا يعطي الإيمان إلا من يحب" " لولا أن من الله علينا لخسف بنا " أي لولا لطف الله بنا وإحسانه إلينا لخسف بنا كما خسف به لأنا وددنا أن نكون مثله "ويكأنه لا يفلح الكافرون" يعنون أنه كان كافراً, ولا يفلح الكافرون عند الله لا في الدنيا ولا في الاخرة, وقد اختلف النحاة في معنى قوله ههنا ويكأن, فقال بعضهم: معناه ويلك اعلم أن, ولكن خفف فقيل ويك ودل فتح أن على حذف اعلم, وهذا القول ضعفه ابن جرير , والظاهر أنه قوي ولا يشكل على ذلك إلا كتابتها في المصاحف متصلة ويكأن, والكتابة أمر وضعي اصطلاحي, والمرجع إلى اللفظ العربي, والله أعلم, وقيل معناها ويكأن أي ألم تر أن, قاله قتادة . وقيل معناها وي كأن ففصلها وجعل حرف وي للتعجب أو للتنبيه, وكأن بمعنى أظن وأحتسب. قال ابن جرير : وأقوى الأقوال في هذا قول قتادة إنها بمعنى ألم تر أن, واستشهد بقول الشاعر:
سألتاني الطلاق إذ رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر
ويكأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر
81- "فخسفنا به وبداره الأرض" يقال: خسف المكان يخسف خسوفاً: ذهب في الأرض، وخسف به الأرض خسفاً: أي غاب فيها، والمعنى: أن الله سبحانه غيبه وغيب داره في الأرض "فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله" أي ما كان له جماعة يدفعون ذلك عنه "وما كان" هو في نفسه "من المنتصرين" من الممتنعين مما نزل به من الخسف.
قوله عز وجل: 81- "فخسفنا به وبداره الأرض" قال أهل العلم بالأخبار: كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم/ وكان حسن الصوت فبغى وطغى، وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله أوحى إلى موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطاً أربعة في كل طرف خيطاً أزرق كلون السماء، يذكرون به إذا نظروا إليها، ويعلمون أني منزل منها كلامي، فقال موسى: يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضراً فإن بني إسرائيل تحقر هذه الخيوط، فقال له ربه: يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا هم لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير، فدعاهم موسى عليه السلام، وقال: إن الله يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطاً خضراً كلون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها، ففعلت بني إسرائيل ما أمرهم به موسى، واستكبر قارون فلم يطعه، وقال: إنما يفعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم، فكان هذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون، وهي رياسة المذبح، فكان بنو إسرائيل يأتون بهديهم إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله، فوجد قارون من ذلك في نفسه وأتى موسى فقال: يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة، ولست في شيء من ذلك، وأنا أقرأ التوراة، لا صبر لي على هذا. فقال له موسى: ما أنا جعلتها في هارون بل الله جعلها له. فقال قارون: والله لا أصدقك حتى تريني بيانه، فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل فقال: هاتوا عصيكم، فحزمها وألقاها في قبته التي كان يعبد الله فيها، يحرسون عصيهم حتى أصبحوا، فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز، فقال موسى: يا قارون ترى هذا؟ فقال قارون: والله ما هذا بأعجب مما تصنع السحر، واعتزل قارون موسى بأتياعه، وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد إلا عتواً وتجبراً ومعاداةً لموسى، حتى بنى داراً وجعل بابها من الذهب، وضرب على جدرانها صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما نزلت الزكاة على موسى أتاه قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار، وعن كل ألف درهم على درهم، وعن كل ألف شاة على شاة، وعن كل ألف شيء على شيء، ثم رجع إلى بيته فحبسه فوجده كثيراً فلم تسمح بذلك نفسه، فجمع بني إسرائيل فقال لهم: يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه، وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم، فقالوا: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت فقال آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي، فنجعل لها جعلاً حتى تقذف موسى بنفسها، فإذا فعلت ذلك خرج بنو إسرائيل عليه ورفضوه، فدعوها فجعل لها قارون ألف درهم، وقيل ألف دينار، وقيل طستاً من ذهب، وقيل: قال لها إني أمولك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى ينفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل، فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال: إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض، فقام فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه ثمانين، ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة جلدة، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت، فقال له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال: ادعوها فإن قالت فهو كما قالت، فلما أن جاءت قال لها موسى: يا فلانة أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ وعظم عليها، وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت، فتداركها الله تعالى بالتوفيق فقالت في نفسها: أحدث اليوم توبة أفضل من أن أؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: لا، كذبوا ولكن جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي، فخر موسى ساجداً يبكي ويقول: اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي، فأوحى الله تعالى إليه: إني أمرت الأرض أن تطيعك، فمرها بما شئت، فقال موسى: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل، فاعتزلوا ولم يبق مع قارون إلا رجلان، ثم قال موسى: يا أرض خذيهم فأخذت الأرض بأقدامهم.
وفي رواية: كان على سريره وفرشه فأخذته حتى غيبت سريره ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب، ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط، ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق، وقارون وأصحابه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى، ويناشده قارون الله والرحم، حتى روي أنه ناشده سبعين مرة وموسى عليه السلام في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه، ثم قال: يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم الأرض، وأوحى الله إلى موسى ما أغلط قلبك استغاث بك سبعين مرة فلم تغثه، أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأعثته. وفي بعض الأثار: لا أجعل الأرض بعدك طوعاً لأحد.
قال قتادة: خسف به فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة.
قال: وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أن موسى إنما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله تعالى موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض، فذلك قوله عز وجل: "فخسفنا به وبداره الأرض"، "فما كان له من فئة"، جماعة، "ينصرونه من دون الله"، يمنعونه من الله، "وما كان من المنتصرين"، من الممتنعين مما نزل به من الخسف.
81 -" فخسفنا به وبداره الأرض " روي أنه كان يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة ، فصالحه عن ألف على واحد فحسبه فاستكثره ، فعمد إلى أن يفضح موسى بين بني إسرائيل ليرفضوه ، فبرطل لغية لترميه بنفسها فلما كان يوم العيد قام موسى خطيباً فقال : من سرق قطعناه ، ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصناً رجمناه ، فقال قارون ولو كنت قال : ولو كنت ، قال إن بني إسرائيل يزعمون أنك فحجرت بفلانة فأحضرت ، فناشدها موسى عليه السلام بالله أن تصدق فقالت : جعل لي قارون جعلاً على أن أرميك بنفسي ، فخر موسى شاكياً منه إلى ربه فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت فقال : يا أرض خذيه فأخذته إلى ركبتيه ، ثم قال خذيه إلى وسطه ، ثم قال خذيه فأخذته إلى عنقه . ثم قال خذيه فخسفت به وكان قارون يتضرع إليه في هذه الأحوال فلم يرحمه ، فأوحى الله إليه ما أفظك استرحمك مراراً فلم ترحمه ، وعزتي وجلالي لو دعاني مرة لأجبته ، ثم قال بنو إسرائيل : إنما فعله ليرثه ، فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وأمواله . " فما كان له من فئة " أعوان مشتقة من فأوت رأسه إذا ميلته . " ينصرونه من دون الله " فيدفعون عنه عذابه . " وما كان من المنتصرين " الممتنعين منه من قولهم نصره من عدوه فانتصر إذا منعه منه فامتنع .
81. So We caused the earth to swallow him and his dwelling place. Then he had no host to help him against Allah, nor was he of those who can save themselves.
81 - Then We caused the earth to swallow up him and his house; and he had not (the least little) party to help him against God, nor could he defend himself.