8 - (فألهمها فجورها وتقواها) بين لها طريق الخير والشر وأخر التقوى رعاية لرؤوس الآي وجواب القسم
وقوله : " فألهمها فجورها وتقواها " يقول تعالى ذكره : فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير ، أو شر ، أو طاعة ، أو عصية .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " فألهمها فجورها وتقواها " يقول : بين الخير والشر .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن أبن عباس " فألهمها فجورها وتقواها " يقول : بين الخير والشر .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس : "فألهمها فجورها وتقواها " قال : علمها الطاعة والمعصية .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فألهمها فجورها وتقواها " قلا : عرفها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فألهمها فجورها وتقواها " فبين لها فجورها وتقواها .
وحدثت عن الحسن ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " فألهمها فجورها وتقواها " بين لها الطاعة والمعصية .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " فألهمها فجورها وتقواها "قال أعلمها المعصية والطاعة .
قال : ثنا مهران عن سفيان ، عن الضحاك بن مزاحم " فألهمها فجورها وتقواها "قال : الطاعة والمعصية .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أن الله جل فيها ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فألهمها فجورها وتقواها "قال : جعل فيها فجورها وتقواها .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا صفوان بن عيسى و أبو عاصم النبيل ، قالا : ثنا عزرة بن ثابت ، قال : ثني يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الديلي قال : قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون ، مما أتاهم به نبيهم عليه الصلاة والسلام ، وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت : بل شيء قضي عليهم ، قال : هل يكون ذلك ظلماً ؟قال : ففزعت منه فزعاً شديداً ، قال : قلت له : ليس شيء إلا وهو خلقه ، وملك يده لا يسئل عما فعل وهم يسئلون . قال : سددك الله ، إنما سألتك ( أظنه أنا ) لا خبر عقلك ( إن رجلاً من مزينة أو جهينة ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر سبق ، أو فيما يستقبلون ، ما أتاهم به نبيهم عليه السلام ، وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال : في شيء قد قضي عليهم ، قال : ففيم نعمل ؟ قال : من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله " ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها " .
قوله تعالى:" فألهمها فجورها وتقواها"
قوله تعالى:" فألهمها" أي عرفها، كذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد . أي عرفها طريق الفجور والتقوى، وقاله ابن عباس. وعن مجاهد أيضاً: عرفها الطاعة والمعصية. وعن محمد بن كعب قال: إذا أراد الله عز وجل بعبده خيراً، ألهمه الخير فعمل به،وإذا أراد به السوء، ألهمه الشر فعمل به. وقال الفراء: (فألهمها) قال: عرفها طريق الخير وطريق الشر، كما قال:" وهديناه النجدين" [البلد:10]. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: ألهم المؤمن المتقي تقواه، وألهم الفاجر فجوره. وعن سعيد عن قتادة قال: بين لها فجورها وتقواها. والمعنى متقارب. " وروي عن أبي هريرة قال:
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " فألهمها فجورها وتقواها" قال: (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها) " . ورواه جويبر عن الضحاك عن ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هذه الآية " فألهمها فجورها وتقواها" رفع صوته بها، وقال: ((اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، أنت خير من زكاها). وفي صحيح مسلم:
" عن أبي الأسود الدولي قال: قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم، ويكدحون فيه، أشيء قضي ومضى عليهم من قدرسبق، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم، ومضى عليهم. قال فقال: أفلا يكون ظلماً؟ قال : ففزعت من ذلك فزعاً شديداً، وقلت: كل شيء خلق الله وملك يده، فلا يسأل عما يفعل وهو يسألون. فقال لي : يرحمك الله ! إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزرعقلك، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه: أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم. وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: (لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم " . وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل " ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها" والفجور والتقوى: مصدران في موضع المفعول به.
قال مجاهد "والشمس وضحاها" أي وضوئها. وقال قتادة "وضحاها" النهار كله. قال ابن جرير : والصواب أن يقال: أقسم الله بالشمس ونهارها لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار "والقمر إذا تلاها" قال مجاهد : تبعها, وقال العوفي عن ابن عباس "والقمر إذا تلاها" قال: يتلو النهار, وقال قتادة : إذا تلاها ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رؤي الهلال, وقال ابن زيد , هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر, وقال مالك عن زيد بن أسلم : إذا تلاها ليلة القدر. وقوله تعالى: "والنهار إذا جلاها" قال مجاهد : أضاء. وقال قتادة "والنهار إذا جلاها" إذا غشيها النهار, وقال ابن جرير : وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى والنهار إذا جلا الظلمة لدلالة الكلام عليها.
(قلت) ولو أن هذا القائل تأول ذلك بمعنى "والنهار إذا جلاها" أي البسيطة لكان أولى ولصح تأويله في قوله تعالى: " والليل إذا يغشاها " فكان أجود وأقوى, والله أعلم. ولهذا قال مجاهد "والنهار إذا جلاها" إنه كقوله تعالى: "والنهار إذا تجلى" وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس لجريان ذكرها, وقالوا في قوله تعالى: "والليل إذا يغشاها" يعني إذا يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الافاق.
وقال بقية بن الوليد عن صفوان : حدثني يزيد بن ذي حمامة قال: إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله غشى عبادي خلقي العظيم فالليل يهابه والذي خلقه أحق أن يهاب. رواه ابن أبي حاتم , وقوله تعالى: "والسماء وما بناها" يحتمل أن تكون ما ههنا مصدرية بمعنى والسماء وبنائها, وهو قول قتادة : ويحتمل أن تكون بمعنى من يعني والسماء وبانيها, وهو قول مجاهد , وكلاهما متلازم والبناء هو الرفع كقوله تعالى: " والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون " وهكذا قوله تعالى: "والأرض وما طحاها" قال مجاهد : طحاها دحاها, وقال العوفي عن ابن عباس "وما طحاها" أي خلق فيها. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : طحاها قسمها. وقال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي والثوري وأبو صالح وابن زيد "طحاها" بسطها, وهذا أشهر الأقوال وعليه الأكثر من المفسرين, وهو المعروف عند أهل اللغة, قال الجوهري : طحوته مثل دحوته أي بسطته.
وقوله تعالى: "ونفس وما سواها" أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى: "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟" أخرجاه من رواية أبي هريرة , وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حماد المجاشعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم", وقوله تعالى: "فألهمها فجورها وتقواها" أي فأرشدها إلى فجورها أي بين ذلك لها وهداها إلى ما قدر لها. قال ابن عباس "فألهمها فجورها وتقواها" بين لها الخير والشر, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك والثوري , وقال سعيد بن جبير : ألهمها الخير والشر, وقال ابن زيد : جعل فيها فجورها وتقواها, وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا: حدثنا عزرة بن ثابت , حدثني يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي قال: قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت: بل شيء قضي عليهم, قال: فهل يكون ذلك ظلماً ؟ قال: ففزعت منه فزعاً شديداً قال: قلت له ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده لا يسأل عما يفعل وهم يسألون, قال: سددك الله إنما سألتك لأخبر عقلك, " إن رجلاً من مزينة أو جهينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون, أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال: بل شيء قد قضي عليهم قال: ففيم نعمل ؟ قال: من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها" " رواه أحمد ومسلم من حديث عزرة بن ثابت به.
وقوله تعالى: " قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها " يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى نفسه أي بطاعة الله كما قال قتادة : وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل, ويروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وكقوله تعالى: "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" "وقد خاب من دساها" أي دسسها أي أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل, وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه, وقد خاب من دسى الله نفسه كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس , وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا: حدثنا سهل بن عثمان , حدثنا أبو مالك يعني عمرو بن هشام عن جويبر , عن الضحاك عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله عز وجل: "قد أفلح من زكاها" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلحت نفس زكاها الله عز وجل" ورواه ابن أبي حاتم من حديث مالك به, و جويبر هذا هو ابن سعيد متروك الحديث, و الضحاك لم يلق ابن عباس , وقال الطبراني , حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح , حدثنا أبي , حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الاية "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها" وقف ثم قال: "اللهم آت نفسي تقواها, أنت وليها ومولاها, وخير من زكاها".
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة حدثنا يعقوب بن حميد المدني , حدثنا عبد الله الأموي , حدثنا معن بن محمد الغفاري عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فألهمها فجورها وتقواها" قال : اللهم آت نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها" لم يخرجوه من هذا الوجه, وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمر عن صالح بن سعيد عن عائشة أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول "رب أعط نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها" تفرد به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا عبد الواحد بن زياد , حدثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن زيد بن أرقم , قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل, والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر. اللهم آت نفسي تقواها, وزكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها. اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع, ومن نفس لا تشبع. وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها" قال زيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكموهن, رواه مسلم من حديث أبي معاوية عن عاصم الأحول , عن عبد الله بن الحارث وأبي عثمان النهدي عن زيد بن أرقم به.
8- "فألهمها فجورها وتقواها" أي عرفها وأفهمها حالهما وما فيهما من الحسن والقبح. قال مجاهد: عرفها طريق الفجور والتقوى والطاعة والمعصية. قال الفراء: فألهمها عرفها طريق الخير وطريق الشر، كما قال: "وهديناه النجدين". قال محمد بن كعب: إذا أراد الله بعبده خيراً ألهمه الخير فعمل به، وإذا أراد الله بعبده خيراً ألهمه الخير فعمل به، وإذا أراد به الشر ألهمه الشر فعمل به. قال ابن زيد: جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إيها للفجور، واختار هذا الزجاج، وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان. قال الواحدي: وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام فإن التبيين والتعليم والتعريف دون الإلهام، والإلهام أن يوقع في قلبه ويجعل فيه، وإذا أوقع الله في قلب عبده شيئاً ألزمه ذلك الشيء. قال: وهذا صريح في أن الله خلق في المؤمن تقواه، وفي الكافر فجوره.
8- "فألهمها فجورها وتقواها"، قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة: / بين لها الخير والشر. وقال في رواية عطية: علمها الطاعة والمعصية، وروى الكلبي عن أبي صالح عنه: عرفها ما تأتي من الخير وما تتقي من الشر.
وقال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها. قال ابن زيد: جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور. واختار الزجاج هذا، وحمل الإلهام على الوفيق والخذلان، وهذا يبين أن الله عز وجل خلق في المؤمن التقوى وفي الكافر الفجور.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الله، حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله أخبرنا عبد الله بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، أخبرنا عروة بن ثابت الأنصاري، حدثنا يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن الأسود الديلي قال: "قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس ويتكادحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما آتاهم به نبيهم وأكدت عليهم الحجة؟ قلت: بل شيء قد قضي عليهم، قال: فهل يكون ذلك ظلماً؟ قال: ففزعت منه فزعاً شديداً، وقلت: إنه ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال لي: سددك الله، إنما سألتك لأختبر عقلك إن رجلاً من جهينة أو مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويتكادحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم نبيهم وأكدت به عليهم الحجة؟ فقال: لا بل شيء قد قضي عليهم ومضى فيهم، قال قلت: ففيم العمل إذاً؟ قال: من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه الله لها، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: " ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها "".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير، عن جابر قال: "جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، أرأيت عمرتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: بل للأبد، قال: يا رسول الله بين لنا ديننا كأننا خلقنا الآن فيم العمل اليوم، فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أو فيما يستقبل؟ قال: لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل؟ فقال زهير: فقال كلمة خفيت علي، فسألت عنها نسبتي بعد فذكر أنه سمعها، فقال: اعملوا فإن كلاً ميسر لما خلق له".
8-" فألهمها فجورها وتقواها " بقوله : " وما سواها " إلا أن يضمر فيه اسم الله للعلم به وتنكير " نفس " للتكثير كما في قوله تعالى : " علمت نفس " أو للتعظيم والمراد نفس آدم وإلهام الفجور والتقوى إفهامهما وتعريف حالهما أو التمكين من الإتيان بهما .
8. And inspired it (with conscience of) what is wrong for it and (what is) right for it.
8 - And its enlightenment as to its wrong and its right;