8 - (فضلا من الله) مصدر منصوب بفعله المقدر أي افضل (ونعمة) منه (والله عليم) بهم (حكيم) في إنعامه عليهم
قوله تعالى " فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم "
قوله تعالى : " فضلا من الله ونعمة " أي فعل الله ذلك بكم فضلاً ، أي الفضل والنعمة ، فهو مفعول له " والله عليم حكيم " ( عليم ) بما يصلحكم ( حكيم ) في تدبيركم .
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله, فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطئاً, فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه, وقد نهى الله عز وجل عن اتباع سبيل المفسدين, ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر, وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق, وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال, وقد قررنا هذه المسألة في كتاب العلم من شرح البخاري ولله تعالى الحمد والمنة, وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الاية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط, حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق, وقد روي ذلك من طرق ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق, وهو الحارث بن ضرار والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق, حدثنا عيسى بن دينار, حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه يقول: قدمت على رسول الله فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به. ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته. وترسل إلي يا رسول الله رسولاً إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة.
فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول لم يأته وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله, فدعا بسروات قومه فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف, ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة, فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة, فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق أي خاف, فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي, فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه وأتى الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث, فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم ؟ قالوا: إليك. قال: ولم ؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله. قال رضي الله عنه: لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله قال: "منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟" قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم, خشيت أن يكون كانت سخطة الله تعالى ورسوله. قال فنزلت الحجرات " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ " إلى قوله "حكيم " ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار عن محمد بن سابق به. ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق به, غير أنه سماه الحارث بن سرار والصواب أنه الحارث بن ضرار كما تقدم. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا جعفر بن عون عن موسى بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله قالت فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله, قالت فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون, قالت فبلغ القوم رجوعه, فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر, فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله, بعثت إلينا رجلاً مصدقاً فسررنا بذلك وقرت به أعيننا, ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضباً من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم, فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال رضي الله عنه فأذن بصلاة العصر قالت ونزلت " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ".
وروى ابن جرير أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الاية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات, وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقون رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة, فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً, فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا: يا رسول الله, إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق, وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا, وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله, وإن النبي صلى الله عليه وسلم استغشهم وهم بهم, فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم في الكتاب فقال: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " إلى آخر الاية.
وقال مجاهد وقتادة: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصدقهم, فتلقوه بالصدقة فرجع فقال إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك, زاد قتادة: وإنهم قد ارتدوا عن الإسلام. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم, وأمره أن يتثبت ولا يعجل, فانطلق حتى أتاهم ليلاً فبعث عيونه فلما جاؤوا أخبروا خالداً رضي الله عنه أنهم مستمسكون بالإسلام, وسمعوا أذانهم وصلاتهم, فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه فرأى الذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله تعالى هذه الاية. قال قتادة: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "التثبث من الله والعجلة من الشيطان" وكذا ذكر غير واحد من السلف منهم ابن أبي ليلى ويزيد بن رومان والضحاك, ومقاتل بن حيان, وغيرهم في هذه الاية أنها أنزلت في الوليد بن عقبة, والله أعلم.
وقوله تعالى: "واعلموا أن فيكم رسول الله" أي اعلموا أن بين أظهركم رسول الله فعظموه ووقروه وتأدبوا معه وانقادوا لأمره, فإنه أعلم بمصالحكم وأشفق عليكم منكم, ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم كما قال تبارك وتعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" ثم بين أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال: "لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم" أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم, كما قال سبحانه وتعالى: "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون" وقوله عز وجل: "ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم" أي حببه إلى نفوسكم وحسنه في قلوبكم.
قال الإمام أحمد: حدثنا بهز حدثنا علي بن مسعدة, حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإسلام علانية والإيمان في القلب ـ قال ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات ثم يقول ـ التقوى ههنا التقوى ههنا" "وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان" أي وبغض إليكم الكفر والفسوق وهي الذنوب الكبار والعصيان, وهي جميع المعاصي وهذا تدريج لكمال النعمة, وقوله تعالى: "أولئك هم الراشدون" أي المتصفون بهذه الصفة هم الراشدون الذين قد آتاهم الله رشدهم.
قال الإمام أحمد: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري, حدثنا عبد الواحد بن أيمن المكي عن أبي رفاعة الزرقي عن أبيه قال: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استووا حتى أثني على ربي عز وجل" فصاروا خلفه صفوفاً فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد كله, اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت, ولا هادي لمن أضللت, ولا مضل لمن هديت, ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت, ولا مقرب لما باعدت, ولا مباعد لما قربت. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك, اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول. اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة والأمن يوم الخوف. اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين, اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك, اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق" ورواه النسائي في اليوم والليلة عن زياد بن أيوب عن مروان بن معاوية عن عبد الواحد ابن أيمن عن عبيد بن رفاعة عن أبيه به. وفي الحديث المرفوع: "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن" ثم قال: "فضلاً من الله ونعمة" أي هذا العطاء الذي منحكموه هو فضل منه عليكم ونعمة من لدنه "والله عليم حكيم" أي عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدرته.
8- "فضلاً من الله ونعمة" أي لأجل فضله وإنعامه، والمعنى: أنه حبب إليكم ما حبب وكره ماكره لأجل فضله وإنعامه، أو جعلكم راشدين لأجل ذلك، وقيل النصب بتقدير فعل: أي تبتغون فضلاً ونعمة "والله عليم" بكل معلوم "حكيم" في كل ما يقضي به بين عباده ويقدر لهم.
وقد أخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن الزبير قال: "قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقل أبو بكر ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" حتى انقضت الآية". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه. وأخرج ابن مردويه عن عائشة في الآية قالت: لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم. وأخرج البخاري في تاريخه عنها قالت: كان أناس يتقدمون بين يدي رمضان بصيام: يعني يوماً أو يومين، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله". وأخرج الطبراني وابن مردويه عنها أيضاً أن ناساً كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا" الآية. وأخرج البزار وابن عدي والحاكم وابن مردويه عن أبي بكر الصديق قال: أنزلت هذه الآية. "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" قلت: يا رسول الله: والله لا أكلمك إلا كأخي السرار، وفي إسناده حصين بن عمر، وهو ضعيف، ولكنه يؤيده ما أخرجه عبد بن حميد والحاكم وصححه من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال: لما نزلت "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله" قال أبو بكر: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: "لما نزلت "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" إلى قوله: "وأنتم لا تشعرون" وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبط عملي، أنا من أهل النار وجلس في بيته حزيناً، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا: فقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي وأجهر له بالقول، حبط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك، فقال: لا، بل هو من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة قتل". وفي الباب أحاديث بمعناه. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" الآية: قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس: وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة في قوله: "أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منهم ثابت بن قيس بن شماس. وأخرج أحمد وابن جرير وأبو القاسم والغوي والطبراني وابن مردويه قال السيوطي: بسند صحيح من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس "أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اخرج إلينا، فلم يجبه، فقال: يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال ذاك الله، فأنزل الله: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات"". قال ابن منيع: لا أعلم روى الأقرع مسنداً غير هذا. وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب في قوله: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" قال: جاء رجل فقال: يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك الله. وأخرج ابن راهويه ومسدد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي: بإسناد حسن عن زيد بن أرقم قال: اجتمع ناس من العرب فقالوا: انطلقوا إلى هذا الرجل فإن يك نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يك ملكاً نعش بجناحه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا، فجاءوا إلى حجرته فجعلوا ينادونه يا محمد يا محمد فأنزل الله: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني وجعل يقول: لقد صدق الله قولك يا زيد، لقد صدق الله قولك يا زيد. وفي الباب أحاديث. وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وابن مردويه قال السيوطي بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولاً لإبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس الرسول فلم يأت، فظن الحارث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا سروات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله إلى من سخطة، فانطلقوا فنأتي رسول الله، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث، فقالوا هذا الحارث؟ فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا إليك. قال ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا رآني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن تكون كانت سخطة من الله ورسوله، فنزل: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ " إلى قومه: "حكيم" قال ابن كثير: هذا من أحسن ما روي في سبب نزول الآية. وقد رويت روايات كثيرة متفقة على أنه سبب نزول الآية، وأنه المراد بها وإن اختلفت القصص.
8. " فضلاً "، أي كان هذا فضلاً، " من الله ونعمةً والله عليم حكيم ".
8-" فضلاً من الله ونعمةً " تعليل لـ" كره " أو " حبب " وما بينهما اعتراض لا لا " الراشدون " فإن الفضل فعل الله ، والرشد وإن كان مسبباً عن فعلة مسند إلى ضميرهم أو مصدر لغير فعلة فإن التحبيب والرشد فضل من الله وإنعام . " والله عليم " بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل " حكيم " حيث يفضل وينعم بالتوفيق عليهم .
8. (It is) a bounty and a grace from Allah; and Allah is Knower, Wise.
8 - A grace and favour from God; and God is full of Knowledge and Wisdom.