(ربنا لا تزغ قلوبنا) تملها عن الحق بابتغاء تأويله الذي لا يليق بنا كما أزغت قلوب أولئك (بعد إذ هديتنا) أرشدتنا إليه (وهب لنا من لدنك) من عندك (رحمة) تثبيتا (إنك أنت الوهاب)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : أن الراسخين في العلم يتولون : آمنا بما تشابه من آي كتاب الله ، وأنه والمحكم من آيه من تنزيل ربنا ووحيه. ويقولون أيضاً : "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"، يعني أنهم يقولون ، رغبة منهم إلى ربهم في أن يصرف عنهم ما ابتلى به الذين زاغت قلوبهم من اتباع متشابه آي القرآن ، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الذي لا يعلمه غير الله : يا ربنا ، لا تجعلنا مثل هؤلاء الذين زاغت قلوبهم عن الحق فصدوا عن سبيلك "لا تزغ قلوبنا" ، لا تملها فتصرفها عن هداك بعد إذ هديتنا، فوفقتنا للإيمان بمحكم كتابك ومتشابهه، "وهب لنا" يا ربنا، "من لدنك رحمة"، يعن : من عندك رحمة، يعني بذلك : هب لنا من عندك توفيقاً وثباتاً للذي نحن عليه من الإقرار بمحكم كتابك ومتشابهه ، "إنك أنت الوهاب"، يعني : إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد للثبات على دينك ، وتصديق كتابك ورسلك ، كما .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"، أي : لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا، "وهب لنا من لدنك رحمة".
قال أبو جعفر: وفي مدح الله جل ثناؤه هؤلاء القوم بما مدحهم به ، من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم ، وأن يعطيهم رحمة منه معونة لهم للثبات على ما هم عليه من حسن البصيرة بالحق الذي هم عليه مقيمون ، ما أبان عن خطأ قول الجهلة من القدرية : أن إزاغة الله قلب من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته وإمالته له عنها ، جور. لأن ذلك لو كان كما قالوا ، لكان الذين قالوا: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" ، بالذم أولى منهم بالمدح . لأن القول لو كان كما قالوا ، لكان القوم إنما سألوا ربهم ، بمسألتهم إياه أن لا يزيغ قلوبهم ، أن لا يظلمهم ولا يجور عليهم . وذلك من السائل جهل ، لأن الله جل ثناؤه لا يظلم عباده ولا يجور عليهم . وقد أعلم عباده ذلك ونفاه عن نفسه بقوله : "وما ربك بظلام للعبيد" [فصلت: 46]. ولا وجه لمسألته أن يكون بالصفة التي قد أخبرهم أنه بها . وفي فساد ما قالوا من ذلك ، الدليل الواضح على أن عدلاً من الله عز وجل : إزاغة من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته ، فلذلك استحق المدح من رغب إليه في أن لا يزيغه ، لتوجيهه الرغبة إلى أهلها ، ووضعه مسألته موضعها ، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برغبته إلى ربه في ذلك ، مع محله منه وكرامته عليه .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"! ثم قرأ : "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"، إلى آخر الآية .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثنا المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري قال ، حدثنا شهر بن حوشب قال : سمعت أم سلمة تحدث : "أن رسول الله كان يكثر في دعائه أن يقول : اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قالت : قلت : يا رسول الله ، وإن القلب ليقلب؟ قال : نعم ، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا وقلبه بين إصبعين من أصابعه ، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه ، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمةً إنه هو الوهاب. قالت: قلت : يا رسول الله ، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: بلى، قولي : اللهم رب النبي محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ".
حدثني محمد بن منصور الطوسي قال ، حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال :"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقال له بعض أهله : يخاف علينا وقد آمنا بك وبما جئت به ؟ قال: إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن تبارك وتعالى ، يقول بهما هكذا"، وحرك أبو أحمد إصبعيه ، قال أبو جعفر: وإن الطوسي وسق بين إصبعيه .
حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال ، حدثنا أبو معاوية قال ، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان ، عن أنس قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . قلنا: يا رسول الله ، قد آمنا بك ، وصدقنا بما جئت به ، فيخاف علينا؟ قال : نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله ، يقلبها تبارك وتعالى" .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا بشر بن بكر، وحدثني علي بن سهل قال ، حدثنا أيوب بن بشر، جميعاً، عن ابن جابر قال : سمعت بسر بن عبيد الله قال ، سمعت أبا إدريس الخولاني يقول : سمعت النواس بن سمعان الكلابي قال : "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن : إن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه". "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك - والميزان بيد الرحمن ، يرفع أقواماً ويخفض آخرين إلى يوم القيامة".
حدثني عمر بن عبد الملك الطائي قال ، حدثنا محمد بن عبيدة قال ، حدثنا الجراح بن مليح البهراني ، عن الزبيدي ، عن جويبر، عن سمرة بن فاتك الأسدي -وكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الموازين بيد الله ، يرفع أقواماً ويضع أقواماً ، وقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أزاغه ، وإذا شاء أقامه".
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح قال ، أخبرني أبو هانئ الخولاني : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرف كيف يشاء". ثم "يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك".
حدثنا الربيع بن سليمان قال ، حدثنا أسد بن موسى قال ، حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال ، حدثنا شهر بن حوشب قال : سمعت أم سلمة تحدث : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول : اللهم ثبت قلبي على دينك. قالت : قلت : يا رسول الله ، وإن القلوب لتقلب ؟ قال : نعم ، ما من خلق الله من بني آدم بشر إلا إن قلبه بين إصبعين من أصابع الله ، إن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه ، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب".
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " ربنا لا تزغ قلوبنا" في الكلام حذف تقديره يقولون . وهذا حكاية عن الراسخين . ويجوز أن يكون المعنى قل يا محمد ، و يقال : إزاغة القلب فساد وميل عن الدين ، فكانوا يخافون وقد هدوا أن ينقلهم الله إلى الفساد ؟ فالجواب أن يكونوا سألوا إذ هداهم الله ألا يبتليهم بما يثقل عليهم من الأعمال فيعجزوا عنه نحو و لو أن كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أن\و اخرجوا من دياركم .
قال ابن كيسان : سألوا ألا يزيغوا فيزيغ الله قلوبهم ، نحو: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" أي ثبتنا على هدايتك إذ هديتنا و ألا نزيغ فنستحق أن تزيغ قلوبنا . و قيل : هو منقطع مما قبل ، وذلك أنه تعالى لما ذكر أهل الزيغ عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في ألا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهي أهل الزيغ . وفي الموطأ عن أبي عبد الله الصنابحي أنه قال قدمت المدينة خلافة أبي بكر الصديق فصليت وراءه المغرب ، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن و سورة من قصار المفصل ثم قام في الثالثة ، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه فسمعته يقرأ بأم القرآن و هذه الآية " ربنا لا تزغ قلوبنا" الآية . قال العلماء : قراءته بهذه الآية ضرب من القنوت لما كان فيه من أمر أهل الردة و القنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم ، وفي كل صلاة أيضا إذا ذهم المسلمين أمرا عظيم يفزعه ويخافون منه على أنفسهم . ورواه الترمذي في حديث شهر ابن حوشة قال قلت لأم سلمة : يا أم المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك ؟قالت : كان أكثر دعاء " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلت يا رسول الله ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . قال : " يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابعي الله فمن شاء أ قام ومن شاء أزاغ" . فتلا معاذ " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " . قال : حديث حسن . وهذه الآية حجة على المعتزلة في قلوبهم : إن الله لا يضل العباد . ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز شان يدعى في دفع ما لا يجوز عليه فعله . وقرأ أبو واقد لجراح " لا تزغ قلوبنا" . بإسناد الفعل إلى القلوب ، وهذه رغبة إلى الله تعالى . و معنى الآية على القراءتين ألا يكون منك خلق الزيغ فيها فتزيغ .
الثانية : قوله تعالى : " وهب لنا من لدنك رحمة " أي من عندك ومن قبلك تفضلا لا عن سبب منا و لا عمل . وفي هذا استسلام وتطارح . وفي لدن أربع لغات : لدن بفتح و بضم اللام وجزم الدال وفتح النون ، وبفتح اللام و سكون الدال و فتح النون . ولعل جهال المتصوفة وزنادقة الباطنية يتشبثون بهذه الآية و أمثالها فيقولون : العلم ما وما وهبه الله ابتداء منم غير كسب ، و النظر في الكتب و الأوراق حجاب . و هذا مردود على ما يأتي بيانه في هذا الموضع و معنى الآية : هب لنا نعيما صادرا عن الرحمة ، لان الرحمة راجعة إلى صفة الذات فلا يتصور فيها الهبة . يقال : وهب يهب ، و الأصل يوهب بكسر الهاء . ومن قال : الأصل يوهب بفتح الهاء فقد أخطأ ، لأنه لو كان كما قال لم تحذف الواو ، كما لم تحذف فيه يوجل . و إنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، ثم فتح بعد حذفها لأن فيه حرفا من حروف الحلق .
يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات, هن أم الكتاب, أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد, ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم, فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى ومن عكس انعكس ولهذا قال تعالى " هن أم الكتاب " أي أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه "وأخر متشابهات" أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد. وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه فروي عن السلف عبارات كثيرة فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وأحكامه وحدوده وفرائضه وما يؤمر به ويعمل به وعن ابن عباس أيضاً أنه قال المحكمات قوله تعالى: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا " والايات بعدها. وقوله تعالى: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه " إلى ثلاث آيات بعدها ورواه ابن أبي حاتم وحكاه عن سعيد بن جبير به قال: حدثنا أبي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر و أبا فاختة تراجعا في هذه الاية وهي " هن أم الكتاب وأخر متشابهات " فقال أبو فاختة : فواتح السور, وقال يحيى بن يعمر : الفرائض والأمر والنهي والحلال والحرام. وقال ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير : هن أم الكتاب لأنهن مكتوبات في جميع الكتب, وقال مقاتل بن حيان : لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن, وقيل في المتشابهات: المنسوخة والمقدم والمؤخر والأمثال فيه والأقسام وما يؤمن به ولا يعمل به, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقيل هي الحروف المقطعة في أوائل السور قاله مقاتل بن حيان , وعن مجاهد المتشابهات يصدق بعضها بعضاً وهذا إنما هو في تفسير قوله "كتاباً متشابهاً مثاني" هناك ذكروا أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار وذكر حال الأبرار وحال الفجار ونحو ذلك. وأما ههنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم, وأحسن ما قيل فيه هو الذي قدمنا وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله حيث قال منه آيات محكمات فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم الباطل ليس لهن تصريف عما وضعن عليه, قال: والمتشابهات في الصدق ليس لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ويحرفن عن الحق.
ولهذا قال تعالى "فأما الذين في قلوبهم زيغ" أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل "فيتبعون ما تشابه منه" أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال الله تعالى: "ابتغاء الفتنة" أي الإضلال لأتباعهم إيهاماً لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه" وبقوله "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" وغير ذلك من الايات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله وعبد ورسول من رسل الله.
وقوله تعالى "وابتغاء تأويله" أي تحريفه على ما يريدون وقال مقاتل بن حيان و السدي يبتغون أن يعلموا ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن وقد قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" إلى قوله " أولو الألباب " فقال: " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم" هكذا وقع الحديث في مسند الإمام أحمد من رواية ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها ليس بينهما أحد وهكذا رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن علية و عبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب به ورواه محمد بن يحيى العبدي في مسنده عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب به وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وكذا رواه غير واحد عن أيوب وقد رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أيوب به, ورواه أبو بكر بن المنذر في تفسيره من طريقين عن النعمان بن محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم : حدثنا حماد بن زيد , حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة , عن عائشة به وتابع أيوب أبو عامر الخراز وغيره عن ابن أبي مليكة . فرواه الترمذي عن بندار , عن أبي داود الطيالسي , عن أبي عامر الخراز , فذكره وهكذا رواه سعيد بن منصور في سننه عن حماد بن يحيى الأبح , عن عبد الله بن أبي مليكة , عن عائشة . ورواه ابن جرير من حديث روح بن القاسم و نافع بن عمر الجمحي , كلاهما عن ابن أبي مليكة , عن عائشة به . وقال نافع في روايته عن ابن أبي مليكة : حدثتني عائشة , فذكره. وقد روى هذا الحديث البخاري عند تفسير هذه الاية, و مسلم في كتاب القدر من صحيحه, و أبو داود في السنة من سننه, ثلاثتهم عن القعنبي , عن يزيد بن إبراهيم التستري , عن ابن أبي مليكة , عن القاسم بن محمد , عن عائشة رضي الله عنها, قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذه الاية: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات" إلى قوله: " وما يذكر إلا أولو الألباب " قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" لفظ البخاري . وكذا رواه الترمذي أيضاً, عن بندار عن أبي داود الطيالسي , عن يزيد بن إبراهيم به ، وقال: حسن صحيح ، وذكر أن يزيد بن إبراهيم التستري تفرد بذكر القاسم في هذا الإسناد. وقد رواه غير واحد عن ابن أبي مليكة عن عائشة , ولم يذكر القاسم ، كذا قال. وقد رواه ابن أبي حاتم فقال: حدثنا أبي, حدثنا أبو الوليد الطيالسي , حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري و حماد بن سلمة , عن ابن أبي مليكة , عن القاسم بن محمد , عن عائشة رضي الله عنها, قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن قول الله تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه, فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهل , حدثنا الوليد بن مسلم , عن حماد بن سلمة , عن عبد الرحمن بن القاسم , عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الاية: " يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة", فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد حذركم الله فإذا رأيتموهم فاعرفوهم" ورواه ابن مردويه من طريق أخرى عن القاسم عن عائشة به, وقال الإمام أحمد . حدثنا أبو كامل , حدثنا حماد عن أبي غالب , قال: سمعت أبا أمامة يحدث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه" قال "هم الخوارج". وفي قوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" قال "هم الخوارج" وقد رواه ابن مردويه من غير وجه, عن أبي غالب . عن أبي أمامة مرفوعاً فذكره, وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي, ومعناه صحيح, فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج, وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين, فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة, ففاجؤوه بهذه المقالة, فقال قائلهم وهو ذوالخويصرة ـ بقر الله خاصرته ـ: اعدل فإنك لم تعدل, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل, أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني". فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب , وفي رواية خالد بن الوليد , رسول الله في قتله, فقال "دعه فانه يخرج من ضئضىء هذا, أي من جنسه قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم, وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم, يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية, فأينما لقيتموهم فاقتلوهم, فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم" ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتلهم بالنهروان, ثم تشعبت منهم شعوب, وقبائل وآراء, وأهواء, ومقالات, ونحل كثيرة منتشرة, ثم نبعت القدرية, ثم المعتزلة, ثم الجهمية, وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هم يا رسول الله ؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي", أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو موسى حدثنا عمرو بن عاصم , حدثنا المعتمر عن أبيه , عن قتادة , عن الحسن بن جندب بن عبد الله , أنه بلغه عن حذيفة , أو سمعه منه, يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر "إن في أمتي قوماً يقرؤون القرآن, ينثرونه نثر الدقل يتأولونه على غير تأويله" لم يخرجوه.
وقوله تعالى "وما يعلم تأويله إلا الله" اختلف القراء في الوقف ههنا., فقيل: على الجلالة, كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: التفسير على أربعة أنحاء: فتفسير لا يعذر أحد في فهمه, وتفسير تعرفه العرب من لغاتها, وتفسير يعلمه الراسخون في العلم, وتفسير لا يعلمه إلا الله, ويروى هذا القول عن عائشة و عروة وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم. وقد قال الحافظ أبو القاسم في المعجم الكبير : حدثنا هاشم بن مزيد , حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش , حدثني أبي, حدثني ضمضم بن زرعة , عن شريح بن عبيد , عن أبي مالك الأشعري , أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا, وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به" الاية, وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالون عليه" غريب جداً. وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم , حدثنا أحمد بن عمرو , حدثنا هشام بن عمار , حدثنا ابن أبي حاتم , عن أبيه, عن عمرو بن شعيب , عن أبيه, عن ابن العاص , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً, فما عرفتم منه فاعملوا به, وما تشابه فآمنوا به" وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه, قال: كان ابن عباس يقرأ: وما يعلم تأويله إلا الله, ويقول الراسخون آمنا به, وكذا رواه ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز و مالك بن أنس أنهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله, وحكى ابن جرير أن في قراءة عبد الله بن مسعود : إن تأويله إلا عند اللهو والراسخون في العلم يقولون آمنا به, وكذا عن أبي بن كعب , واختار ابن جرير هذا القول.
ومنهم من يقف على قوله: "والراسخون في العلم", وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول, وقالوا: الخطاب بما لا يفهم بعيد, وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد , عن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله, وقال ابن أبي نجيح , عن مجاهد : والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به, وكذا قال الربيع بن أنس , وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفرالزبير : "وما يعلم تأويله" الذي أراد ما أراد "إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به", ثم ردوا تأويل المتشابهات على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد, فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضاً, فنفذت الحجة, وظهر به العذر, وزاح به الباطل, ودفع به الكفر, وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس , فقال "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال: التأويل يطلق, ويراد به في القرآن معنيان: أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه, ومنه قوله تعالى: "وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل" وقوله "هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله" أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد, فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل, ويكون قوله "والراسخون في العلم" مبتدأ و "يقولون آمنا به" خبره, وأما إن أريد بالتأويل المعنى الاخر, وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله "نبئنا بتأويله" أي بتفسيره, فإن أريد به هذا المعنى, فالوقف على "والراسخون في العلم" لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار, وإن لم يحيطوا علماً بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه, وعلى هذا يكون قوله: "يقولون آمنا به" حالاً منهم, وساغ هذا, وأن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه, كقوله " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم " إلى قوله " يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا " الاية, وقوله تعالى: "وجاء ربك والملك صفاً صفاً" أي وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً.
وقوله إخباراً عنهم "يقولون: آمنا به", أي المتشابه, "كل من عند ربنا" أي الجميع من المحكم, والمتشابه حق وصدق, وكل واحد منهما يصدق الاخر ويشهد له, لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد, لقوله: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً", ولهذا قال تعالى: " وما يذكر إلا أولو الألباب " أي إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولوا العقول السليمة والفهوم المستقيمة, وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي , حدثنا نعيم بن حماد , حدثنا فياض الرقي , حدثنا عبد الله بن يزيد وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنساً وأبا أمامة وأبا الدرداء رضي الله عنهم قال: حدثنا أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, سئل عن الراسخين في العلم, فقال: "من برت يمينه, وصدق لسانه, واستقام قلبه, ومن أعف بطنه وفرجه, فذلك من الراسخين في العلم", وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن الزهري , عن عمرو بن شعيب , عن أبيه عن جده, قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤون, فقال "إنما هلك من كان قبلكم بهذا, ضربوا كتاب الله بعضه ببعض, وإنما أنزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً, فلا تكذبوا بعضه ببعض, فما علمتم منه فقولوا, وما جهلتم فكلوه إلى عالمه" وتقدم رواية ابن مردويه لهذا الحديث من طريق هشام بن عمار , عن ابن أبي حازم , عن أبيه, عن عمرو بن شعيب به, وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا زهير بن حرب , حدثنا أنس بن عياض , عن أبي حازم , عن أبي سلمة , قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "نزل القرآن على سبعة أحرف, والمراء في القرآن كفر ـ قالها ثلاثاً ـ ما عرفتم منه فاعملوا به, وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه جل جلاله" وهذا إسناد صحيح, ولكن فيه علة بسبب قول الراوي لا أعلمه إلا عن أبي هريرة , وقال ابن المنذر في تفسيره: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , حدثنا ابن وهب , قال: أخبرني نافع بن يزيد , قال: يقال: الراسخون في العلم المتواضعون لله, المتذللون لله في مرضاته, لا يتعاظمون على من فوقهم ولا يحقرون من دونهم, ثم قال تعالى مخبراً أنهم دعوا ربهم قائلين "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا", أي لا تملها عن الهدي بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ, الذين يتبغون ما تشابه من القرآن, ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم, ودينك القويم, "وهب لنا من لدنك" أي من عندك "رحمة" تثبت بها قلوبنا وتجمع بها شملنا, وتزيدنا بها إيماناً وإيقاناً, "إنك أنت الوهاب".
قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي , وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , قالا جميعاً: حدثنا وكيع عن عبد الحميد بن بهرام , عن شهر بن حوشب , عن أم سلمة , أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ثم قرأ "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب", ورواه ابن مردويه من طريق محمد بن بكار , عن عبد الحميد بن بهرام , عن شهر بن حوشب , عن أم سلمة , وهي أسماء بنت يزيد بن السكن , سمعها تحدث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان يكثر من دعائه "اللهم مقلب القلوب, ثبت قلبي على دينك قالت قلت: يا رسول الله, وإن القلب ليتقلب ؟ قال: نعم, ماخلق الله من بني آدم من بشر إلا قلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل, فإن شاء أقامه, وإن شاء أزاغه" فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب ـ وهكذا رواه ابن جرير من حديث أسد بن موسى , عن عبد الحميد بن بهرام به مثله, رواه أيضاً عن المثنى عن الحجاج بن منهال عن عبد الحميد بن بهرام به مثله, وزاد: "قلت يا رسول الله, ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال: بلى, قولي اللهم رب النبي محمد, اغفر لي ذنبي, وأذهب غيظ قلبي, وأجرني من مضلات الفتن " , ثم قال ابن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد , حدثنا محمد بن هارون بن بكار الدمشقي , حدثنا العباس بن الوليد الخلال , أخبرنا يزيد بن يحيى بن عبيد الله , أخبرنا سعيد بن بشير عن قتادة , عن حسان الأعرج , عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قلت: يا رسول الله, ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء, فقال : ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن, إذا شاء أن يقيمه أقامه, وإذا شاء أن يزيغه أزاغه, أما تسمعين قوله "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب "" غريب من هذا الوجه, ولكن أصله ثابت في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة بدون زيادة ذكر هذه الاية الكريمة, وقد رواه أبو داود والنسائي وابن مردويه من حديث أبي عبد الرحمن المقري , زاد النسائي وابن حبان وعبد الله بن وهب كلاهما عن سعيد بن أبي أيوب : حدثني عبد الله بن الوليد التجيبي عن سعيد بن المسيب , عن عائشة رضي الله عنها. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان إذا استقيظ من الليل قال "لا إله إلا أنت, سبحانك, اللهم إني أستغفرك لذنبي, وأسألك رحمة, اللهم زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني, وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" لفظ ابن مردويه . وقال عبد الرزاق عن مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عبادة بن نسي أنه أخبره أنه سمع قيس بن الحارث يقول: أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه صلى وراء أبي بكرالصديق رضي الله عنه المغرب, فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورتين من قصار المفصل, وقرأ في الركعة الثالثة, قال: فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه, فسمعته يقرأ بأم القرآن وهذه الاية: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" الاية. قال أبو عبيد : وأخبرني عبادة بن نسي أنه كان عند عمر بن عبد العزيز في خلافته, فقال عمر لقيس : كيف أخبرتني عن أبي عبد الله ؟ قال عمر : فما تركناها منذ سمعناها منه وإن كنت قبل ذلك لعلى غير ذلك, فقال له رجل: على أي شيء كان أمير المؤمنين قبل ذلك, قال: كنت أقرأ "قل هو الله أحد", وقد روى هذا الأثر الوليد بن مسلم عن مالك والأوزاعي , كلاهما عن أبي عبيد به, وروى هذا الأثر الوليد أيضاً عن ابن جابر , عن يحيى بن يحيى الغساني , عن محمود بن لبيد , عن الصنابحي , أنه صلى خلف أبي بكر المغرب, فقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة قصيرة يجهر بالقراءة, فلما قام إلى الثالثة, ابتدأ القراءة, فدنوت منه حتى إن ثيابي لتمس ثيابه, فقرأ هذه الاية "ربنا لا تزغ قلوبنا" الاية.
وقوله "ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه" أي يقولون في دعائهم: إنك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم, وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه, وتجزي كلاً بعمله وما كان عليه في الدنيا من خير وشر.
وقوله: 8- "ربنا لا تزغ" إلخ من تمام ما يقوله الراسخون: أي يقولون آمنا به كل من عند ربنا، ويقولون: "ربنا لا تزغ قلوبنا" قال ابن كيسان: سألوا ألا يزيغوا قلوبهم نحو قولهم تعالى: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " كأنهم لما سمعوا قوله سبحانه: " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه " قالوا: "ربنا لا تزغ قلوبنا" باتباع المتشابه "بعد إذ هديتنا" إلى الحق بما أذنت لنا من العمل بالآيات المحكمات والظرف وهو قوله: بعد منتصب بقوله: "لا تزغ". قوله: "وهب لنا من لدنك رحمة" أي كائنة من عندك، ومن لابتداء الغاية ولدن بفتح اللام وضم الدال وسكون النون، وفيه لغات أخر من هذه أفصحها وهو ظرف مكان وقد يضاف إلى الزمان، وتنكير رحمة للتعظيم أي رحمة عظيمة واسعة وقوله: "إنك أنت الوهاب" تعليل للسؤال أو لإعطاء المسؤول.
8-قوله تعالى:" ربنا لا تزغ قلوبنا " أي ويقول الراسخون : ربنا لاتزغ قلوبنا أي لاتملها عن الحق والهدى كما ازغت قلوب الذي في قلوبهم زيغ" بعد إذ هديتنا " وفقتنا لدينك والايمان بالمحكم والمتشابه من كتابك"وهب لنا من لدنك" أعطنا من عندك"رحمة" توفيقاً وتثبيتاً للذي نحن عليه من الإيمان والهدى، وقال الضحاك: تجاوزاً ومغفرة " إنك أنت الوهاب".
اخبرنا أبو الفرج المظفر بن أسماعيل التميمي ، أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهميأنا أبو احمد ابن عدي الحافظ،أناأبو بكر بن عبد الرحمن بن القاسم القرشي يعرف بإبن الرواس الكبير بدمشق ،انا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ،أنا صدقة ،أنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر ،حدثني بشر بن عبيد الله قال: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: حدثنيالنواس بن سمعان الكلابي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء ان يزيغه أزاغه" ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، والميزان بيد الرحمن يرفع قوماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة".
أخبرنا احمد بن عبد الله الصالحي، حدثنا أبو بكر احمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، انا عبد الرحيم بن منيب، أنا يزيد بن هارون ، أنا سعيد بن إياس الجريري عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن".
8 " ربنا لا تزغ قلوبنا " من مقال الراسخين. وقيل: إستئناف والمعنى لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى إتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه، قال عليه الصلاة والسلام: " قلب ابن آدم بين اصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه على الحق وإن شاء أزاغه عنه " . وقيل: لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا . " بعد إذ هديتنا " إلى الحق والإيمان بالقسمين . من المحكم والمتشابه، وبعد نصب الظرف، وإذ في موضع الجر بإضافته إليه. وقيل إنه بمعنى إن. " وهب لنا من لدنك رحمة " تزلفنا إليك ونفوز بها عندك، أو توفيقا للثبات على الحق أو مغفرة للذنوب. " إنك أنت الوهاب " لكل سؤال ، وفيه دليل على أن الهدى والضلال من الله وأنه متفضل بما ينعم على عباده لا يجب عليه شيء .
8. Our Lord! Cause not our hearts to stray after Thou hast guided us, and bestow upon us mercy from Thy Presence. Lo! Thou, only Thou art the Bestower.
8 - Our lord (they say), let not our hearts deviate now after thou hast guided us, but grant us mercy from thine own presence; for thou art the grantor of bounties without measure.