8 - (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا) أي إيصاء ذا حسن بأن يبرهما (وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به) بإشراكه (علم) موافقة للواقع فلا مفهوم له (فلا تطعهما) في الاشراك (إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) فاجازيكم به
قوله تعالى وإن جاهداك الآية أخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال قالت أم سعد أليس قد أمر الله بالبر والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر فنزلت ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي الآية
يقول تعالى ذكره " ووصينا الإنسان " فيما أنزلنا إلى رسولنا " بوالديه " أن يفعل بهما " حسنا ".
واختلف أهل العربية في وجه نصب الحسن، فقال بعض نحويي البصرة: نصب ذلك على نية تكرير وصينا. وكأن معنى الكلام عنده: ووصينا الإنسان بوالديه، ووصيناه حسناً.وقال: قد يقول الرجل وصيته خيراً: أي بخير.
وقال بعض نحويي الكوفة: معنى ذلك: ووصينا الإنسان أن يفعل حسناً. ولكن العرب تسقط من الكلام بعضهم إذا كان فيما بقي الدلالة على ما سقط، وتعمل ما بقي فيما كان يعمل فيه المحذوف. فنصب قوله " حسنا " وإن كان المعنى ما وصفت وصينا، لأنه قد ناب عن الساقط، وأنشد في ذلك:
عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا
خيراً بها كأننا جافونا
وقال: معنى قوله: يوصينا خيراً: أن نفعل بها خيراً، فاكتفى بيوصينا منه، وقال ذلك نحو قوله: ( فطفق مسحا) ( ص~: 33) أي يمسح مسحاً.
وقوله: " وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما " يقول: ووصينا الإنسان، فقلنا له: إن جاهداك والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم أنه ليس لي شريك، فلا تطعهما فتشرك بي ما ليس له به علم ابتغاء مرضاتهما، ولكن خالفهما في ذلك " إلي مرجعكم ": يقول تعالى ذكره: إلى معادكم ومصيركم يوم القيامة " فأنبئكم بما كنتم تعملون " يقول: فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيئاتها، ثم أجازيكم عليها المحسن بالإحسان، والمسيء بما هو أهله.
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب سعد بن أبي وقاص.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا " ... إلى قوله: " فأنبئكم بما كنتم تعملون " قال: نزلت في سعد بن أبي وقاص لهما هاجر، قالت أمه: والله لا يظلني بيت حتى يرجع، فأنزل الله في ذلك أن يحسن إليهما، ولا يطيعهما في الشرك.
قوله تعالى : " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا " نزلت في سعد بن أبي وقاص فيما روى الترمذي قال : انزلت في أربع آيات فذكر قصة ، فقالت أم سعد : أليس قد أمر الله بالبر ! والله لاأطعم طعاماً ، ولا أشرب شراباً حتى أموت أو تكفر ، قال : فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الآية . " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا " الآية . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وروي عن سعد أنه قال :
كنت باراً بأمي فأسلمت ، فقالت : لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي ، ويقال يا قاتل أمه ، وبقيت يوماً فقلت : يا أماه ! لو كانت لك مائة نفس ، فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا ، فإن شئت فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت ونزلت : " وإن جاهداك لتشرك بي " الآية . وقال ابن عباس : نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه وقد فعلت أمه مثل ذلك . وعنه أيضاً : نزلت في جيمع الأمة إذا يصبر على بلاء الله إلا صديق . و( حسناً) نصب عند البصريين على التكرير أي ووصيناه حسناً . وقيل : هو على القطع تقديرره ، ووصيناه بالحسن كما تقول وصيته خيراً أي بالخير . وقال أهل الكوفة : تقديرره ووصينا الإنسان أن يفعل حسناً فيقدر له فعل . وقال الشاعر :
عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذا يوصينا
خيراً بها كأنما خافونا
نأي يوصينا أن نفعل بها خيراً ، كقوله " فطفق مسحا " [ص.33] أي يمسح مسحاً . وقيل : تقديره ووصيناه أمراً ذا حسن ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف ، وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل : معناه ألزمناه حسناً . وقراءة العامة : ( حسنا ) بضم الحاء وإسكان السين . وقرأ أبو رجاء و أبو العالية و الضحاك : بفتح الحاء والسين . وقرأ الجحدري : ( إحساناً ) على المصدر ، وكذلك في مصحف أبي ، التقدير : ووصينا الإنسان أن يحسن إليهما إحسانا ، ولا ينتصنب بوصينا ، لأنه قد استوفى مفعوليه . " إلي مرجعكم " وعيد في طاعة الوالدين في معنى الكفر . " فأنبئكم بما كنتم تعملون " .
يقول تعالى آمراً عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده, فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان, ولهما عليه غاية الإحسان, فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق, ولهذا قال تعالى: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم, قال: "وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما" أي وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين, فإياك وإياهما, فلا تطعهما في ذلك, فإن مرجعكم إلي يوم القيامة, فأجزيك بإحسانك إليهما وصبرك على دينك, وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك, وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا, فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب أي حباً دينياً, ولهذا قال تعالى: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين".
وقال الترمذي عند تفسير هذه الاية: حدثنا محمد بن بشار , حدثنا محمد بن المثنى , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد قال: نزلت في أربع آيات, فذكر قصته وقال: قالت أم سعد : أليس الله قد أمرك بالبر ؟ والله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أموت أو تكفر, قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروافاها, فنزلت " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما " الاية, وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضاً. وقال الترمذي حسن صحيح.
8- "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً" انتصاب حسناً على أنه نعت مصدر محذوف: أي إيصاء حسناً على المبالغة، أو على حذف المضاف: أي ذا حسن. هذا مذهب البصريين، وقال الكوفيون: تقديره ووصينا الإنسان أن يفعل حسناً، فهو مفعول لفعل مقدر، ومنه قول الشاعر:
عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا
خيراً بها كأنما خافونا
أي يوصينا أن نفعل بها خيراً، ومثله قول الحطيئة:
وصيت من برة قلباً حرا بالكلب خيراً والحمأة شراً
قال الزجاج: معناه ووصينا الإنسان: أن يفعل بوالديه ما يحسن، وقيل هو صفة لموصوف محذوف: أي ووصيناه أمراً ذا حسن، وقيل هو منتصب على أنه مفعول به على التضمين أي ألزمناه حسناً، وقيل منصوب بنزع الخافض: أي ووصيناه بحسن، وقيل هو مصدر لفعل محذوف: أي يحسن حسناً، ومعنى الآية: التوصية للإنسان بوالديه بالبر بهما والعطف عليهما. قرأ الجمهور "حسناً" بضم الحاء وإسكان الميم، وقرأ أبو الرجاء وأبو العالية والضحاك بفتحهما، وقرأ الجحدري إحساناً وكذا في مصحف أبي "وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما" أي طلبا منك وألزماك أن تشرك بي إلهاً ليس لك به علم بكونه إلهاً فلا تطعهما، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعبر بنفي العلم عن نفي الإله لأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه، فكيف بما علم بطلانه؟ وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له فعدم جوازها مع مجرد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى، ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه، فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " أي أخبركم بصالح أعمالكم وطالحها، فأجازي كلا منكم بما يستحقه.
قوله عز وجل: 8- "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً"، أي: براً بهما وعطفاً عليهما، معناه: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن.
نزلت هذه الآية، والتي في سورة لقمان (الآية - 15)، والأحقاف (الآية - 15)، في سعد بن أبي وقاص رضيالله عنه - وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري، وأمه حمنة بنت أبي سفيان ابن أمية بن عبد شمس - لما أسلم، وكان من السابقين الأولين، وكان باراً بأمه، قالت له أمه: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه، أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر، ويقال: يا قاتل أمه. ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل، فأصبحت قد جهدت، ثم مكثت يوماً آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: با أماه لو كانت مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك، فذلك قوله عز وجل: "وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما"،
وجاء في الحديث:"لا طاعة لمخلوق في معصية الله".
ثم أوعد بالمصير إليه فقال: "إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"، أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها.
8ـ " ووصينا الإنسان بوالديه حسناً " بإيتائهما فعلاً ذا حسن ، أو كأنه في ذاته حسن لفرط حسنه ووصى يجري مجرى أمر معنى وتصرفاً . وقيل هو بمعنى قال أي وقلنا له أحسن بوالديك " حسناً " ، وقيل " حسناً " منتصب بفعل مضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي قلنا أولهما أو افعل بهما " حسناً " وهو أوفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على " بوالديه " ، وقرئ " حسناً " و (( إحساناً )) . " وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم " بإلهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها إشعاراً بأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فضلاً عما علم بطلانه . " فلا تطعهما " في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل . " إلي مرجعكم " مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق . " فأنبئكم بما كنتم تعملون " بالجزاء عليه ، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة ، فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت أنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك وكذا التي في (( لقمان )) و (( الأحقاف )) .
8. We have enjoined on man kindness to parents; but if they strive to make thee join with Me that of which thou past no knowledge, then obey them not. Unto Me is your return and I shall tell you what ye used to do.
8 - We have enjoined on man kindness to parents: but if they (either of them) strive (to force) thee to join with Me (in worship) anything of which thou hast no knowledge, obey them not. Ye have (all) to return to Me, and I will tell you (the truth) of all that ye did.