8 - (أو يلقى إليه كنز) من السماء ينفقه ولا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش (أو تكون له جنة) بستان (يأكل منها) أي من أثمارها فيكتفي بها وفي قراءة نأكل بالنون أي نحن فيكون له مزية علينا بها (وقال الظالمون) الكافرون للمؤمنين (إن) ما (تتبعون إلا رجلا مسحورا) مخدوعا مغلوبا على عقله
القول في تأويل قوله تعالى : " أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا " .
قوله تعالى : " أو يلقى " في موضع رفع ، والمعنى : أو هلا يلقى " إليه كنز " أو " هلا " أو يلقى إليه كنز أو " تكون له جنة يأكل منها "( يأكل بالياء ) قرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم وقرأ سائر الكوفيين بالنون ، والقراءتان حسناتان تؤديان عن معتى ، وإن كانت القراءة بالياء أبين ، لأنه قد تقدم ذكر النبي صالى الله عليه وسلم وحده فأن يعود الضمير عليه أبين ، ذكره النحاس " وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً " تقدم في ( سبحان ) والقائل عبد الله بن الزبعرى فيما ذكره الماوردي .
يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم, وإنما تعللوا بقولهم " مال هذا الرسول يأكل الطعام " يعنون كما نأكله ويحتاج إليه كما نحتاج إليه "ويمشي في الأسواق" أي يتردد فيها وإليها طلباً للتكسب والتجارة "لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً" يقولون: هلا أنزل إليه ملك من عند الله فيكون له شاهداً على صدق ما يدعيه, وهذا كما قال فرعون " فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين " وكذلك قال هؤلاء على السواء تشابهت قلوبهم, ولهذا قالوا "أو يلقى إليه كنز" أي علم كنز ينفق منه "أو تكون له جنة يأكل منها" أي تسير معه حيث سار, وهذا كله سهل يسير على الله ولكن له الحكمة في ترك ذلك وله الحجة البالغة "وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً" قال الله تعالى: "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا" أي جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك من قولهم ساحر مسحور مجنون كذاب شاعر, وكلها أقوال باطلة, كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك, ولهذا قال "فضلوا" عن طريق الهدى "فلا يستطيعون سبيلاً" وذلك أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى, فإنه ضال حيثما توجه, لأن الحق واحد ومنهجه متحد يصدق بعضه بعضاً.
ثم قال تعالى مخبراً نبيه أنه إن شاء لاتاه خيراً مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن, فقال "تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك" الاية, قال مجاهد : يعني في الدنيا, قال: وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصراً كبيراً كان أو صغيراً, قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة : " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك, ولا نعطي أحداً من بعدك ولا ينقص ذلك مما لك عند الله, فقال : اجمعوها لي في الاخرة" فأنزل الله عز وجل في ذلك "تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك" الاية.
وقوله "بل كذبوا بالساعة" أي إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيباً وعناداً لا أنهم يطلبون ذلك تبصراً واسترشاداً بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال "وأعتدنا" أي أرصدنا "لمن كذب بالساعة سعيراً" أي عذاباً أليماً حاراً لا يطاق في نار جهنم. قال الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير "السعير" واد من قيح جهنم. وقوله "إذا رأتهم" أي جهنم "من مكان بعيد" يعني في مقام المحشر. قال السدي : من مسيرة مائة عام "سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" أي حنقاً عليهم, كما قال تعالى: " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ " أي يكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها على من كفر بالله.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا إدريس بن حاتم بن الأحنف الواسطي أنه سمع محمد بن الحسن الواسطي عن أصبغ بن زيد عن خالد بن كثير , عن خالد بن دريك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال رسول الله: من يقل علي ما لم أقل, أو ادعى إلى غير والديه, أو انتمى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار ـ وفي رواية ـ فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً . قيل: يا رسول الله وهل لها من عينين ؟ قال : أما سمعتم الله يقول "إذا رأتهم من مكان بعيد" الاية " , ورواه ابن جرير عن محمد بن خداش عن محمد بن يزيد الواسطي به. وقال أيضاً: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي , حدثنا أبو بكر بن عياش عن عيسى بن سليم عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله يعني ابن مسعود ومعنا الربيع بن خيثم , فمروا على حداد, فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار, ونظر الربيع بن خيثم إليها, فتمايل الربيع ليسقط, فمر عبد الله على أتون على شاطىء الفرات, فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه, قرأ هذه الاية "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" فصعق, يعني الربيع , وحملوه إلى أهل بيته, فرابطه عبد الله إلى الظهر, فلم يفق رضي الله عنه.
وحدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن رجاء , حدثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن العبد ليجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير, ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف, هكذا رواه ابن أبي حاتم بأسناده مختصراً, وقد رواه الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي , حدثنا عبيد الله بن موسى , أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض, فيقول لها الرحمن: ما لك ؟ قالت: إنه يستجير مني, فيقول: أرسلوا عبدي, وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب ما كان هذا الظن بك, فيقول: فما كان ظنك ؟ فيقول: أن تسعني رحمتك, فيقول: أرسلوا عبدي, وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير, وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف, وهذا إسناد صحيح.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله "سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" قال: إن جهنم لتزفر زفرة لايبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه ترتعد فرائصه, حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لاأسألك اليوم إلا نفسي. وقوله " وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين " قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح, أي من ضيقه, وقال عبد الله بن وهب : أخبرني نافع بن يزيد عن يحيى بن أبي أسيد يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, " أنه سئل عن قول الله "وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين" قال : والذي نفسي بيده, إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " .
وقوله "مقرنين" قال أبو صالح : يعني مكتفين "دعوا هنالك ثبوراً" أي بالويل والحسرة والخيبة " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا " الاية. روى الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أول من يكسى حلة من النار إبليس, فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده, وهو ينادي ياثبوراه, وينادون ياثبورهم حتى يقفوا على النار, فيقول يا ثبوراه ويقولون ياثبورهم, فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً, وادعوا ثبوراً كثيراً" لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن عفان به, ورواه ابن جرير من حديث حماد بن سلمة به. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا " الاية, أي لاتدعوا اليوم ويلاً واحداً, وادعوا ويلاً كثيراً, وقال الضحاك : الثبور الهلاك, والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار, كما قال موسى لفرعون " وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " أي هالكاً. وقال عبد الله بن الزبعري :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغـ ـي ومن مال ميله مثبور
8- "أو يلقى إليه كنز" معطوف على أنزل، ولا يجوز عطفه على يكون معه كنز يلقى إليه من السماء ليستغني به عن طلب الرزق "أو تكون له جنة يأكل منها" قرأ الجمهور "تكون" بالمثناة الفوقية، وقرأ الأعمش وقتادة يكون بالتحتية، لأن تأنيث الجنة غير حقيقي. وقرأ "نأكل" بالنون حمزة وعلي وخلف، وقرأ الباقون "يأكل" بالمثناة التحتية: أي بستان نأكل نحن من ثماره، أو يأكل هو وحده منه ليكون له بذلك مزية علينا حيث يكون أكله من جنته. قال النحاس: والقراءتان حسنتان وإن كانت القراءة بالياء أبين، لأنه قد تقدم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحده، فعود الضمير إليه بين "وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً" المراد بالظالمون هنا هم القائلون بالمقالات الأولى، وإنما وضع الظاهر موضع المضمر مع الوصف بالظلم للتسجيل عليهم به: أي ما تتبعون إلا رجلا مغلوبا على عقله بالسحر، وقيل ذا سحر، وهي الرئة: أي بشراً له رئة لا ملكاً، وقد تقدم بيان مثل هذا في سبحان.
8- "أو يلقى إليه كنز"، أي: ينزل كنز من السماء ينفقه، فلا يحتاج إلى التردد والتصرف في طلب المعاش، "أو تكون له جنة"، بستان، "يأكل منها"، قرأ حمزة والكسائي: نأكل بالنون أي: نأكل نحن منها، "وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً"، مخدوعاً. وقيل: مصروفاً عن الحق.
8ـ " أو يلقى إليه كنز " فيستظهر به ويستغني عن تحصيل المعاش . " أو تكون له جنة يأكل منها " هذا على سبيل التنزل أي إن لم يلق إليه كنز فلا أقل من أن يكون له بستان كما للدهاقين والمياسير فيتعيش بريعه ، وقرأ حمزة و الكسائي
بالنون والضمير للكفار . " وقال الظالمون " وضع " الظالمون " موضع ضميرهم تسجيلاً عليهم بالظلم فيما قالوه . " إن تتبعون " ما تتبعون . " إلا رجلاً مسحوراً" سحر فغلب على عقله ، وقيل ذا سحر وهو الرئة أي بشراً لا ملكاً .
8. Or (why is not) a treasure thrown down unto him, or why hath he not a paradise from whence to eat? And the evildoers say: Ye are but following a man bewitched.
8 - Or (why) has not a treasure been bestowed on him, or why has he (not) a garden for enjoyment? The wicked say: Ye follow none other than a man bewitched.