8 - (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى) مجيء (أمة) أوقات (معدودة ليقولُن) استهزاء (ما يحبسه) ما يمنعه من النزول قال تعالى : (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً) مدفوعاً (عنهم وحاق) نزل (بهم ما كانوا به يستهزئون) من العذاب
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال لما نزل اقترب للناس حسابهم قال ناس إن الساعة قد إقتربت فتناهوا فتناهى القوم قليلا ثم عادوا إلى مكرهم مكر السوء فأنزل الله ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة الآية وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولئن أخرنا عن هؤلاء المشركين من قومك ، يا محمد ، العذاب فلم نعجله لهم ، وأنسأنا في آجالهم ، "إلى أمة معدودة" ، ووقت محدود ، وسنين معلومة .
وأصل أمة ما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا ، إنها الجماعة من الناس تجتمع على مذهب ودين ، ثم تستعمل في معان كثيرة ترجع إلى معنى الأصل الذي ذكرت . وإنما قيل للسنين المعدودة والحين ، في هذا الموضع ونحوه : أمة ، لأن فيها تكون الأمة .
وإنما معنى الكلام :ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى مجيء امة وانقراض أخرى قبلها .
وبنحو الذي قلنا من أن معنى الأمة ، في هذا الموضع ، الأجل والحين ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن ـ وحدثني المثنى قال ، حدثني أبو نعيم ، قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس .
وحدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن عاصم ، عن ابي رزين ، عن ابن عباس : "ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة" ، قال : إلى أجل محدود .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن ابي رزين ، عن ابن عباس بمثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "إلى أمة معدودة" ، قال : أجل معدود .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : إلى أجل معدود .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "إلى أمة معدودة" ، قال : إلى حين .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد مثله .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج :"ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة" ، يقول : أمسكنا عنهم العذاب ، "إلى أمة معدودة" ، قال ابن جريج ، قال مجاهد : إلى حين .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة" ، يقول : إلى أجل معلوم .
وقوله : "ليقولن ما يحبسه" ، يقول : "ليقولن" ، هؤلاء المشركون ، "ما يحبسه" ، أي شيء يمنعه من تعجيل العذاب الذي يتوعدنا به ؟ تكذيباً منهم به ، وظناً منهم أن ذلك إنما أخر عنهم الكذب المتوعد ، كما :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال قوله : "ليقولن ما يحبسه" ، قال : للتكذيب به ، أو أنه ليس بشيء .
وقوله : "ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم" ، يقول تعالى ذكره ، تحقيقاً لوعيده ، وتصحيحاً لخبره : "ألا يوم يأتيهم" ، العذاب الذي يكذبون به ، "ليس مصروفا عنهم" ، يقول ليس يصرفه عنهم صارف ، ولا يدفعه عنهم دافع ، ولكنه يحل بهم فيهلكهم ، "وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون" ، يقول :ونزل بهم وأصابهم الذي كانوا به يسخرون من عذاب الله . وكان استهزاؤهم به الذي ذكره الله ، قيلهم قبل نزوله : "ما يحبسه" ، و هلا تأتينا به ؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان بعض أهل التأويل يقول .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون" ، قال : ما جاءت به أنبياؤهم من الحق .
قوله تعالى: " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة " اللام في ( لئن) للقسم، والجواب ( ليقولن). ومعنى ( إلى أمة) إلى أجل معدود وحين معلوم، فالأمة هنا المدة، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين. وأصل الأمة الجماعة، فعبر عن الحين والسنين بالأمة لأن الأمة تكون فيها. وقيل: هو على حذف المضاف، والمعنى إلى مجيء أمة ليس فيها من يؤمن فيستحقون الهلاك. أو على انقراض أمة فيها من يؤمن فلا يبقى بعد انقراضها من يؤمن. والأمة اسم مشترك يقال على ثمانية أوجه: فالأمة تكون الجماعة، كقوله تعالى: " وجد عليه أمة من الناس " ( القصص: 23). والأمة أيضاً أتباع الأنبياء عليهم السلام. والأمة الرجل الجامع للخير الذي يقتدى به، كقوله تعالى: " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا " ( النحل: 120). والأمة الدين والملة، كقوله تعالى: " إنا وجدنا آباءنا على أمة " ( الزخرف: 23). والأمة الحين والزمان، كقوله تعالى: " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة " وكذلك قوله تعالى: " وادكر بعد أمة " ( يوسف: 45) والأمة القامة، وهو طول الإنسان وارتفاعه، يقال من ذلك: فلان حسن الأمة أي القامة. والأمة الرجل المنفرد بدينه وحده لا يشركه فيه أحد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة واحده ". والأمة الأم، يقال: هذه أمة زيد، يعني أم زيد. " ليقولن ما يحبسه " يعني العذاب، وقالوا هذا إما تكذيباً للعذاب لتأخره عنهم، أو استعجالاً واستهزاء، أي مالذي يحبسه عنا: " ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم " قيل: هو قتل المشركين ببدر، وقتل جبريل المستهزئين على ما يأتي. " وحاق بهم " أي نزل وأحاط. " ما كانوا به يستهزئون " أي جزاء ما كانوا به يستهزءون، والمضاف محذوف.
يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا: قد بشرتنا, فأعطنا, قال: "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن قالوا: قد قبلنا. فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ؟ قال: "كان الله قبل كل شيء, وكان عرشه على الماء, وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء" قال: فأتاني آت فقال: يا عمران انحلت ناقتك من عقالها, قال: فخرجت في إثرها فلا أدري ما كان بعدي, وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة فمنها قالوا: جئناك نسألك عن أول هذا الأمر فقال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وفي رواية ـ غيره ـ وفي رواية ـ معه ـ وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء, ثم خلق السموات والأرض.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" وقال البخاري في تفسير هذه الاية: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل أنفق أنفق عليك" وقال: "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة, سحاء الليل والنهار" وقال: "أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه وكان عرشه على الماء, وبيده الميزان يخفض ويرفع".
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين واسمه لقيط بن عامر بن المنتفق العقيلي قال: قلت: يارسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال: "كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء, ثم خلق العرش بعد ذلك" وقد رواه الترمذي في التفسير وابن ماجه في السنن من حديث يزيد بن هارون به وقال الترمذي: هذا حديث حسن, وقال مجاهد "وكان عرشه على الماء" قبل أن يخلق شيئاً, وكذا قال وهب بن منبه وضمرة وقتادة وابن جرير وغير واحد, وقال قتادة في قوله "وكان عرشه على الماء" ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض, وقال الربيع بن أنس "وكان عرشه على الماء" فلما خلق السموات والأرض قسم ذلك الماء قسمين فجعل نصفاً تحت العرش وهو البحر المسجور.
وقال ابن عباس: إنما سمي العرش عرشاً لارتفاعه, وقال إسماعيل بن أبي خالد سمعت سعداً الطائي يقول: العرش ياقوتة حمراء, وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى: "وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء" فكان كما وصف نفسه تعالى إذ ليس إلا الماء وعليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والإكرام, والعزة والسلطان, والملك والقدرة, والحلم والعلم, والرحمة والنعمة الفعال لما يريد, وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قول الله: "وكان عرشه على الماء" على أي شيء كان الماء ؟ قال على متن الريح, وقوله تعالى: "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" أي خلق السموات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولم يخلق ذلك عبثاً كقوله "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" وقال تعالى: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم " وقال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الاية وقوله "ليبلوكم" أي ليختبركم "أيكم أحسن عملاً " ولم يقل أكثر عملاً, بل أحسن عملاً ولا يكون العمل حسناً حتى يكون خالصاً لله عز وجل على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمتى فقد العمل واحداً من هذين الشرطين حبط وبطل.
وقوله: "ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت" الاية يقول تعالى ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض كما قال تعالى: "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله" "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله" وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة كما قال تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" وقال تعالى: "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" وقولهم: "إن هذا إلا سحر مبين" أي يقولون كفراً وعناداً ما نصدقك على وقوع البعث, وما يذكر ذلك إلا من سحرته فهو يتبعك على ما تقول, وقوله: "ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة" الاية. يقول تعالى ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور وأوعدناهم إلى مدة مضروبة ليقولن تكذيباً واستعجالاً, ما يحبسه أي يؤخر هذا العذاب عنا فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد والأمة تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة فيراد بها الأمد كقوله في هذه الاية "إلى أمة معدودة".
وقوله في يوسف: " وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة " وتستعمل في الإمام المقتدى به كقوله: "إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين" وتستعمل في الملة والدين كقوله إخباراً عن المشركين إنهم قالوا: "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" وتستعمل في الجماعة كقوله: "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون" وقوله: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" وقال تعالى: "ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون" والمراد من الأمة ههنا الذين يبعث فيهم الرسول مؤمنهم وكافرهم كما في صحيح مسلم "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار" وأما أمة الأتباع فهم المصدقون للرسل كما قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" وفي الصحيح "فأقول أمتي أمتي" وتستعمل الأمة في الفرقة والطائفة كقوله تعالى: "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" وكقوله: "من أهل الكتاب أمة قائمة" الاية.
8- "ولئن أخرنا عنهم العذاب" أي الذي تقدم ذكره في قوله: "عذاب يوم كبير" وقيل عذاب يوم القيامة وما بعده، وقيل يوم بدر "إلى أمة معدودة" أي إلى طائفة من الأيام قليلة، لأن ما يحصره العد قليل، والأمة اشتقاقها من الأم: وهو القصد، وأراد بها الوقت المقصود لإيقاع العذاب، وقيل: هي في الأصل الجماعة من الناس، وقد يسمى الحين باسم ما يحصل فيه كقولك كنت عند فلان صلاة العصر: أي في ذلك الحين، فالمراد على هذا إلى حين تنقضي أمة معدودة من الناس "ليقولن ما يحبسه" أي أي شيء يمنعه من النزول استعجالاً له على جهة الاستهزاء والتكذيب، فأجابهم الله بقوله: "ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم" أي ليس محبوساً عنهم، بل واقع بهم لا محالة، ويوم منصوب بمصروفاً " وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه استهزاء منهم، ووضع يستهزءون مكان يستعجلون، لأن استعجالهم كان استهزاء منهم، وعبر بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه فكأنه قد حاق بهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قرأ: "الر كتاب أحكمت آياته" قال: هي كلها محكمة يعني سورة هود "ثم فصلت" قال: ثم ذكر محمداً صلى الله عليه وسلم فحكم فيها بينه وبين من خالفه وقرأ مثل الفريقين الآية كلها، ثم ذكر قوم نوح ثم هود، فكان هذا تفصيل ذلك، وكان أوله محكماً قال: وكان أبي يقول ذلك، يعني زيد بن أسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: "كتاب أحكمت آياته" قال: أحكمت بالأمر والنهي، وفصلت بالوعد والوعيد. وأخرج هؤلاء عن مجاهد "فصلت" قال: فسرت. وأخرج هؤلاء أيضاً عن قتادة في الآية قال: أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه، فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته، وفي قوله: "من لدن حكيم" يعني من عند حكيم، وفي قوله: "يمتعكم متاعاً حسناً" قال: فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه، فإن الله منعم يحب الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله، وذلك قضاؤه الذي قضاه، وفي قوله: "إلى أجل مسمى" يعني الموت، وفي قوله: "يؤت كل ذي فضل فضله": أي في الآخرة. وأخرج هؤلاء أيضاً عن مجاهد في قوله "يؤت كل ذي فضل فضله": أي في الآخرة. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: يؤت كل ذي فضل في الإسلام فضل الدرجات في الآخرة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: "ويؤت كل ذي فضل فضله" قال: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، فإن عوقب بالسيئة التي عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات، ثم يقول: هلك من غلب آحاده أعشاره. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله: "ألا إنهم يثنون صدورهم" الآية قال: كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم. قال البخاري: وعن ابن عباس "يستغشون" يغطون رؤوسهم. وروى البخاري أيضاً عن ابن عباس في تفسير هذه الآية، يعني به الشك في الله، وعمل السيئات وكذا روي عن مجاهد والحسن وغيرهما: أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئاً أو عملوه، فيظنون أنهم يستخفون من الله بذلك، فأعلمهم سبحانه أنه حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل "يعلم ما يسرون" من القول "وما يعلنون". وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن شداد بن الهاد في قوله: "ألا إنهم يثنون صدورهم" قال: كان المنافقون إذا مر أحدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وتغشى ثوبه لكيلا يراه، فنزلت. وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: "ألا حين يستغشون ثيابهم" قال: في ظلمة الليل في أجواف بيوتهم. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رزين في الآية قال: كان أحدهم يحني ظهره ويستغشي بثوبه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: كانوا يخفون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله. قال تعالى: "ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون" وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا أحنى ظهره واستغشى بثوبه وأضمر همه في نفسه، فإن الله لا يخفى عليه ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في الآية: يكتمون ما في قلوبهم ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما عملوا بالليل والنهار. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وما من دابة" الآية قال: يعني كل دابة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "وما من دابة" الآية قال: يعني ما جاءها من رزق فمن الله، وربما لم يرزقها حتى تموت جوعاً، ولكن ما كان لها من رزق لها فمن الله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ويعلم مستقرها" قال: حيث تأوي، ومستودعها قال: حيث تموت. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "ويعلم مستقرها" قال: يأتيها رزقها حيث كانت. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: مستقرها في الأرحام ومستودعها حيث تموت. ويؤيد هذا التفسير الذي ذكره ابن مسعود ما أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أجل أحدكم بأرض أتيحت له إليها حاجة، حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض، فتقول الأرض يوم القيامة: هذا ما استودعتني". وأخرج عبد الرزاق في المصنف والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: "وكان عرشه على الماء" على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح. وقد وردت أحاديث كثيرة في صفة العرش وفي كيفية خلق السموات والأرض ليس هذا موضع ذكرها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ وابن مردويه عن ابن عمر قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" فقيل: ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: "ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً"، ثم قال: "وأحسنكم عقلاً أورعكم عن محارم الله وأعملكم بطاعة الله". وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: أيكم أتم عقلاً. وأخرج أيضاً عن سفيان قال: أزهدكم في الدنيا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: لما نزلت: "اقترب للناس حسابهم". قال ناس: إن الساعة قد اقتربت فتناهوا، فتناهى القوم قليلاً ثم عادوا إلى أعمالهم أعمال السوء، فأنزل الله: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" فقال ناس من أهل الضلال: هذا أمر الله قد أتى، فتناهى القوم ثم عادوا إلى مكرهم مكر السوء، فأنزل الله هذه الآية: "ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "إلى أمة معدودة" قال: إلى أجل معدود. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة "ليقولن ما يحبسه" يعني أهل النفاق. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون" يقول: وقع بهم العذاب الذي استهزأوا به.
8-"ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة"، إلى أجل محدود، وأصل الأمة: الجماعة، فكأنه قال: إلى اقراض أمة ومجيء أمة أخرى "ليقولن ما يحبسه"، أي شيء يحبسه؟ يقولونه استعجالا للعذاب واستهزاء، يعنون: أنه ليس بشيء.
قال الله تعالى:"ألا يوم يأتيهم"، يعني: العذاب، "ليس مصروفا عنهم"، لا يكون مصروفا عنهم، "وحاق بهم"، نزل بهم، " ما كانوا به يستهزئون "، أي: وبال استهزائهم.
8."ولئن أخرنا عنهم العذاب "الموعود."إلى أمة معدودة"إلى جماعة من الأوقات قليلة."ليقولن"استهزاء"ما يحبسه"ما يمنعه من الوقوع."ألا يوم يأتيهم"كيوم بدر."ليس مصروفاً عنهم"ليس العذاب مدفوعاً عنهم، و"يوم"منصوب بخبر"ليس"معدم عليه وهو دليل على جزاء تقديم خبرها عليها."وحاق بهم"وأحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقاً ومبالغة في التهديد."ما كانوا به يستهزئون"أي العذاب الذي كانوا به يستعجلون ، فوضع"يستهزئون"موضع يستعجلون لن استعجالهم كان استهزاء.
8. And if We delay for them the doom until a reckoned time, they will surely say : What withholdeth it? Verily on the day when it cometh unto them, it cannot be averted from them, and that which they derided will surround them.
8 - If we delay the penalty for them for a definite term, they are sure to say, what keeps it back? ah on the day it (actually) reaches them, nothing will turn it away from them, and they will be completely encircled by that which they used to mock at