78 - (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود) بأن دعا عليهم فمسخوا قردة وهم أصحاب أيلة (وعيسى ابن مريم) بأن دعا عليهم فمسخوا خنازير وهم أصحاب المائدة (ذلك) اللعن (بما عصوا وكانوا يعتدون)
قال أبو جعفر: لقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل لهؤلاء النصارى الذين وصف تعالى ذكره صفتهم : لا تغلوا فتقولوا في المسيح غير الحق ، ولا تقولوا فيه ما قالت اليهود الذين قد لعنهم الله على لسان أنبيائه ورسله ، داود وعيسى ابن مريم.
وكان لعن الله إياهم على ألسنتهم ، كالذي:
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم"، قال: لعنوا بكل لسان : لعنوا على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل ، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم"، يقول: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى ابن مريم ، ولعنوا في الزبور على لسان داود.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه ، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم"، قال: خالطوهم بعد النهي في تجاراتهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، فهم ملعونون على لسان داود وعيسى ابن مريم.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن حصين ، عن مجاهد: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم"، قال: لعنوا على لسان داود فصاروا قردة، ولعنوا على لسان عيسى فصاروا خنازير.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس، قوله : "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل"، بكل لسان لعنوا: على عهد موسى في التوراة، وعلى عهد داود في الزبور، وعلى عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن. قال ابن جريج: وقال آخرون: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود"، على عهده ، فلعنوا بدعوته. قال : مر داود على نفر منهم وهم في بيت فقال: من في البيت؟ قالوا: خنازير. قال : (اللهم اجعلهم خنازير!)، فكانوا خنازير. قال : ثم أصابتهم لعنته . ودعا عليهم عيسى فقال: (اللهم العن من افترى علي وعلى أمي ، واجعلهم قردة خاسئين)!
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل" الآية، لعنهم الله على لسان داود في زمانه، فجعلهم قردة خاسئين ، وفي الإنجيل على لسان عيسى، فجعلهم خنازير.
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال ، حدثنا أبو محصن حصين بن نمير، عن حصين -يعني: ابن عبد الرحمن- ، عن أبي مالك قال: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود"، قال : مسخوا على لسان داود قردة، وعلى لسان عيسى خنازير.
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين، عن أبي مالك، مثله.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن العلاء بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو بن مرة، عن سالم الأفطس، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه . فلما رأى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم، "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"، قال : والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يدي المسيء ، ولتؤطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، وليلعننكم كما لعنهم".
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا الحكم بن بشير بن سلمان قال ، حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال : لما فشا المنكر في بني إسرائيل ، جعل الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا، اتق الله! ثم لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه. فلما رأى الله ذلك منهم ، ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ثم أنزل فيهم كتاباً: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً، فجلس وقال : كلا، والذي نفسي بيده، حتى تأطروا الظالم على الحق أطراً.
حدثنا علي بن سهل الرملي قال ، حدثنا المؤمل بن إسمعيل قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، أظنه عن مسروق، عن عبد الله قال، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل لما ظهر منهم المنكر، جعل الرجل يرى أخاه وجاره وصاحبه على المنكر، فينهاه ، ثم لا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه ونديمه ، فضرب الله قلوب بعضهم على بعض ، ولعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم، "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"، إلى "فاسقون"، قال عبد الله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً، فاستوى جالساً، فغضب وقال : لا والله ، حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطراً".
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن مهدي قال ، حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة قال، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص ، كان الرجل يرى أخاه على الريب فينهاه عنه ، فإذا كان الغد، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ونزل فيهم القرآن فقال: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم" حتى بلغ "ولكن كثيرا منهم فاسقون"، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فجلس ، وقال: لا، حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطراً".
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو داود -قال: أملاه علي- قال ، حدثنا محمد بن أبي الوضاح، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.
حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، على علي بن بذيمة قال : سمعت أبا عبيدة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه ، غير أنهما قالا في حديثهما : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً فاستوى جالساً، ثم قال: كلا، والذي نفسي بيده، حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطراً.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم"، قال فقال: لعنوا في الإنجيل وفي الزبور، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رحى الإيمان قد دارت، فدوروا مع القرآن حيث دار [فإنه.... قد فرغ الله مما افترض فيه]. [وإن ابن مرح] كان أمة من بني إسرائيل، كانوا أهل عدل ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فأخذهم قومهم فنشروهم بالمناشير، وصلبوهم على الخشب ، وبقيت منهم بقية، فلم يرضوا حتى داخلوا الملوك وجالسوهم ، ثم لم يرضوا حتى واكلوهم، فضرب الله تلك القلوب بعضها ببعض فجعلها واحدة . فذلك قول الله تعالى: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود" إلى: "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"، ماذا كانت معصيتهم؟ قال: "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون".
فتأويل الكلام إذاً: لعن الله الذي كفروا -من اليهود- بالله على لسان داود وعيسى ابن مريم، ولعن والله آباؤهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، بما عصوا الله فخالفوا أمره، "وكانوا يعتدون"، يقول : وكانوا يتجاوزون حدوده.
قوله تعالى : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " فيه مسألة واحدة : وهي جواز لعن الكافرين وإن كانوا من أولاد الأنبياء وأن شرف النسب لا يمنع إطلاق اللعنة في حقهم ومعنى " على لسان داود وعيسى ابن مريم " أي لعنوا في الزبور والإنجيل فإن الزبور لسان داود والإنجيل لسان عيسى أي لعنهم الله في الكتابين وقد تقدم اشتقاقهما قال مجاهد وقتادة وغيرهما : لعنهم مسخهم قردة وخنازير قال أبو مالك: الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة والذين لعنوا على لسان عيسى مسخوا خنايز وقال ابن عباس: الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة بعد نزولها ، وروى نحوه عن النبي صلى الله عيه وسلم وقيل: لعن الأسلاف والأخلاف ممن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم على لسان داود وعيسى لأنهما أعلما أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي مبعوث فلعنا من يكفر به .
قوله تعالى :" ذلك بما عصوا " ذلك في موضع رفع بالابتداء أي ذلك اللعن بما عصوا أي بعصيانهم ويجوز أن يكون على إضمار مبتدإ أي الأمر ذلك ويجوز أن يكون في موضع نصب أي فعلنا ذلك بهم لعصيانهم واعتدائهم.
يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل فيما أنزله على داود نبيه عليه السلام, وعلى لسان عيسى ابن مريم, بسبب عصيانهم لله واعتدائهم على خلقه قال العوفي, عن ابن عباس: لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان, ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم, فقال تعالى "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" أي كان لا ينهى أحد منهم أحداً عن ارتكاب المآثم والمحارم, ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يرتكب مثل الذي ارتكبوه, فقال: "لبئس ما كانوا يفعلون", وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا يزيد. حدثنا شريك بن عبد الله عن علي بن بذيمة, عن أبي عبيدة, عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي, نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا: فجالسوهم في مجالسهم " قال يزيد: وأحسبه قال: "وأسواقهم, وواكلوهم وشاربوهم, فضرب الله قلوب بعضهم ببعض, ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم, " ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئاً, فجلس فقال "لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً" .
وقال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي, حدثنا يونس بن راشد عن علي بن بذيمة, عن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع, فإنه لا يحل لك, ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده, فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ـ ثم قال ـ: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم" إلى قوله "فاسقون" ـ ثم قال ـ: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر, ولتأخذن على يد الظالم, ولتأطرنه على الحق أطراً, أو تقصرنه على الحق قصراً", وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من طريق علي بن بذيمة به, وقال الترمذي: حسن غريب, ثم رواه هو وابن ماجه عن بندار, عن ابن مهدي, عن سفيان, عن علي بن بذيمة, عن أبي عبيدة مرسلاً .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, وهارون بن إسحاق الهمداني, قالا: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن العلاء بن المسيب, عن عبد الله بن عمرو بن مرة, عن سالم الأفطس, عن ابن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيراً, فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه, أن يكون أكيله وخليطه وشريكه" وفي حديث هارون "وشريبه", ثم اتفقا في المتن "فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض, ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم, ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر, ولتأخذن على يد المسيء, ولتأطرنه على الحق أطراً, أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض, أو ليلعنكم كما لعنهم" والسياق لأبي سعيد, كذا قال في رواية هذا الحديث, وقد رواه أبو داود أيضاً عن خلف بن هشام, عن أبي شهاب الخياط, عن العلاء بن المسيب, عن عمرو بن مرة, عن سالم وهو ابن عجلان الأفطس, عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود, عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, ثم قال أبو داود: كذا رواه خالد عن العلاء, عن عمرو بن مرة به, ورواه المحاربي عن العلاء بن المسيب, عن عبد الله بن عمرو بن مرة, عن سالم الأفطس, عن أبي عبيدة عن عبد الله, قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: وقد رواه خالد بن عبد الله الواسطي عن العلاء بن المسيب,عن عمرو بن مرة, عن أبي موسى .
والأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً, ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام, قد تقدم حديث جابر عند قوله "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار" وسيأتي عند قوله "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" حديث أبي بكر الصديق وأبي ثعلبة الخشني, فقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان الهاشمي, أنبأنا إسماعيل بن جعفر, أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي, عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده, لتأمرن بالمعروف, ولتنهون عن المنكر, أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده, ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم", ورواه الترمذي عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر به, وقال: هذا حديث حسن. وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا معاوية بن هشام عن هشام بن سعد, عن عمرو بن عثمان, عن عاصم بن عمر بن عثمان, عن عروة, عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "مروا بالمعروف, وانهوا عن المنكر, قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم" تفرد به, وعاصم هذا مجهول .
وفي الصحيح من طريق الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه, عن أبي سعيد, وعن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب, عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير, حدثنا سيف هو ابن أبي سليمان, سمعت عدي بن عدي الكندي يحدث عن مجاهد قال: حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يعني عدي بن عميرة رضي الله عنه, يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه, فإذا فعلوا ذلك, عذب الله الخاصة والعامة", ثم رواه أحمد عن أحمد بن الحجاج, عن عبد الله بن المبارك, عن سيف بن أبي سليمان, عن عيسى بن عدي الكندي, حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول, فذكره, هكذا رواه الإمام أحمد من هذين الوجهين .
قال أبو داود: حدثنا أبو العلاء, حدثنا أبو بكر, حدثنا المغيرة بن زياد الموصلي عن عدي بن عدي, عن العرس يعني ابن عميرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها, ـ وقال مرة فأنكرها ـ كان كمن غاب عنها, ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها" تفرد به أبو داود, ثم رواه عن أحمد بن يونس, عن ابن شهاب, عن مغيرة بن زياد, عن عدي بن عدي مرسلاً. وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر, قالا: حدثنا شعبة وهذا لفظه, عن عمرو بن مرة, عن أبي البحتري قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم, وقال سليمان, حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لن يهلك الناس حتى يعذروا أو يعذروا من أنفسهم". وقال ابن ماجه: حدثنا عمران بن موسى, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا علي بن زيد بن جدعان, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيباً, فكان فيما قال "ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه". قال: فبكى أبو سعيد, وقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا .
وفي حديث إسرائيل عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه, وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وقال ابن ماجه: حدثنا راشد بن سعيد الرملي, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا حماد بن سلمة عن أبي غالب, عن أبي أمامة: قال: عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى, فقال: يا رسول الله, أي الجهاد أفضل ؟ فسكت عنه, فلما رمى الجمرة الثانية سأله فسكت عنه, فلما رمى جمرة العقبة ووضع رجله في الغرز ليركب قال "أين السائل ؟" قال: أنا يا رسول الله. قال "كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر" تفرد به. وقال ابن ماجه: حدثنا أبو كريب, حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية عن الأعمش, عن عمرو بن مرة, عن أبي البحتري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحقر أحدكم نفسه" قالوا يا رسول الله: كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال "يرى أمر الله فيه مقال ثم لا يقول فيه, فيقول الله له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا وكذا ؟ فيقول: خشية الناس, فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى" تفرد به, وقال أيضاً: حدثنا علي بن محمد, حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا عبد الله بن عبدالرحمن أبو طوالة, حدثنا نهار العبدي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره ؟ فإذا لقن الله عبداً حجته قال: يا رب رجوتك وفرقت الناس" تفرد به أيضاً ابن ماجه, وإسناده لا بأس به .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عمرو بن عاصم عن حماد بن سلمة, عن علي بن زيد, عن الحسن, عن جندب, عن حذيفة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه" قيل: وكيف يذل نفسه ؟ قال "يتعرض من البلاء لما لا يطيق", وكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعاً عن محمد بن بشار, عن عمرو بن عاصم به, وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال ابن ماجه: حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي, حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي, حدثنا الهيثم بن حميد, حدثنا أبو معبد حفص بن غيلان الرعيني عن مكحول, عن أنس بن مالك قال: قيل: يا رسول الله, متى يترك الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر ؟ قال "إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم" قلنا يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال "الملك في صغاركم والفاحشة في كباركم والعلم في رذالكم" قال زيد: تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم والعلم في رذالكم إذا كان العلم في الفساق, تفرد به ابن ماجة, وسيأتي في حديث أبي ثعلبة عند قوله "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" شاهد لهذا, إن شاء الله تعالى وبه الثقة .
وقوله تعالى: "ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا" قال مجاهد: يعني بذلك المنافقين. وقوله "لبئس ما قدمت لهم أنفسهم" يعني بذلك موالاتهم للكافرين, وتركهم موالاة المؤمنين التي أعقبتهم نفاقاً في قلوبهم, وأسخطت الله عليهم سخطاً مستمراً إلى يوم معادهم, ولهذا قال "أن سخط الله عليهم" وفسر بذلك ما ذمهم به, ثم أخبر عنهم أنهم "وفي العذاب هم خالدون" يعني يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا مسلم بن علي عن الأعمش بإسناد ذكره, قال "يا معشر المسلمين, إياكم والزنا, فإن فيه ست خصال: ثلاثاً في الدنيا, وثلاثاً في الاخرة, فأما التي في الدنيا فإنه يذهب البهاء, ويورث الفقر, وينقص العمر, وأما التي في الآخرة فإنه يوجب سخط الرب, وسوء الحساب, والخلود في النار", ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون" هكذا ذكره ابن أبي حاتم .
وقد رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عمار عن مسلمة, عن الأعمش, عن شقيق, عن حذيفة, عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره, وساقه أيضاً من طريق سعيد بن غفير عن مسلمة, عن أبي عبد الرحمن الكوفي, عن الأعمش, عن شقيق, عن حذيفة, عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله, وهذا حديث ضعيف على كل حال, والله أعلم .
وقوله تعالى: "ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء" أي لو آمنوا حق الإيمان بالله والرسول والقرآن لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن, ومعاداة المؤمنين بالله والنبي وما أنزل إليه, "ولكن كثيراً منهم فاسقون" أي خارجون عن طاعة الله ورسوله, مخالفون لآيات وحيه وتنزيله .
قوله: 78- "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل" أي لعنهم الله سبحانه "على لسان داود وعيسى ابن مريم" أي في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى بما فعلوه من المعاصي كاعتدائهم في السبت وكفرهم بعيسى. قوله: "ذلك بما عصوا" جملة مستأنفة جواب عن سؤال مقدر، والإشارة بذلك إلى اللعن: أي ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر.
78- قوله تعالى " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود " ، يعني : أهل أيلة لما اعتدوا في السبت ، وقال داود عليه السلام : اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردةً ، " وعيسى ابن مريم " ، أي : على لسان عيسى عليه السلام ، يعني : كفار أصحاب المائدة ، لما لم يؤمنوا ، قال عيسى : اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا خنازير ، " ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " .
78" لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " أي لعنهم الله في الزبور والإنجيل على لسانهما. وقيل أن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله تعالى على لسان داود فمسخهم الله تعالى قردة، وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى عليه السلام ولعنهم فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل. "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" أي ذلك اللعن الشنيع المقتضي للمسخ بسبب عصيانهم واعتدائهم ما حرم عليهم.
78. Those of the children of Israel who went astray were cursed by the tongue of David, and of Jesus, son of Mary. That was because they rebelled and used to transgress.
78 - Curses were pronounced on those among the children of Israel who rejected faith, by the tongue of David and of Jesus the son of Mary: because they disobeyed and persisted in excesses.