78 - (قال إنما أوتيته) أي المال (على علم عندي) أي في مقابلته وكان أعلم بني إسرائيل في التوراة بعد موسى وهرون قال تعالى (أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من) الأمم (هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا) للمال أي هو عالم بذلك ويهلكهم الله (يسأل عن ذنوبهم المجرمون فخرج) لعلمه تعالى بها فيدخلون النار بلا حساب
يقول تعالى ذكره: قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أوتيت هذه الكنوز على فضل علم عندي، علمه الله مني، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم، لعلمه بفضلي عليكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة " قال إنما أوتيته على علم عندي " قال: على خبر عندي.
قال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله " إنما أوتيته على علم عندي " قال: لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا، وقرأ " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا " ... الآية.
وقد قيل: إن معنى قوله " عندي " بمعنى: أرى، كأنه قال: إنما أوتيته لفضل علمي فيما أرى.
وقوله " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا " يقول جل ثناؤه: أولم يعلم قارون حين زعم أنه أوتي الكنوز لفضل علم عنده علمته أنا منه، فاستحق بذلك أن يؤتى ما أوتي من الكنوز، أن الله قد أهلك من قبله من الأمم من هو أشد منه بطشاً، وأكثر جمعاً للأموال، ولو كان الله يؤتى الأموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده، ولرضاه عنه، لم يكن يهلك من أهلك من أرباب الأموال الذين كانوا أكثر منه مالاً، لأن من كان الله عنه راضياً، فمحال أن يهلكه الله، وهو عنه راض، وإنما يهلك من كان عليه ساخطاً.
وقوله " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " قيل: إن معنى ذلك أنهم يدخلون النار بغير حساب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم: قال: ثنا الحسين، قال: ثنا سفيان، عن عمر، عن قتادة " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " قال: يدخلون النار بغير حساب. وقيل: معنى ذلك: إن الملائكة لا تسأل عنهم، لأنهم يعرفونهم بسيماهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " كقوله ( يعرف المجرمون بسيماهم) ( الرحمن: 41) زرقاً سود الوجوه، والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم. وقيل معنى ذلك: ولا يسئل عن ذنوب هؤلاء الذين أهلكهم الله من الأمم الماضية المجرمون فيهم أهلكوا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " قال: عن ذنوب الذين مضوا فيم أهلكوا، فالهاء والميم في قوله " عن ذنوبهم " على هذا التأويل لمن الذي في قوله " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة " وعلى التأويل الأول الذي قاله مجاهد وقتادة للمجرمين، وهي بأن تكون من ذكر المجرمين أولى، لأن الله تعالى ذكره غير سائل عن ذنوب مذنب غير من أذنب، لا مؤمن ولا كافر. فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لا معنى لخصوص المجرمين، لو كانت الهاء والميم اللتان في قوله " عن ذنوبهم " لمن الذي في قوله " من هو أشد منه قوة " من دون المؤمنين، يعني لأنه غير مسؤول عن ذلك مؤمن ولا كافر، إلا الذين ركبوه واكتسبوه.
قوله تعالى : " قال إنما أوتيته على علم عندي " يعني علم التوراة . وكاان فيما روي من اقرأ الناس لها ، ومن أعلم بها . وكان أحد نالعلماء السبعين الذين اختارهم موسى للميقات . وقال ابن زيد : أي إنما أوتيته لعلمه بفضلي ورضاه عني . فقوله : ( عندي ) معناه إن عندي أن الله تعالى آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل في . وقيل : أوتيته علىعلم من عندي بوجوه التجارة والمكاسب ، قاله علي بن عيسى . ولم يعلم أن الله لو لم يسهل له اكتسابها لما اجتعت عنده . وقال ابن عباس : على علم عندي بصنعة الذهب . وأشار إلى علم الكيمياء . وحكى النقاش : أن موسى عليه السلام علمه الثلث من صنعة الكيماء ، ويوشع الثلث ، وهارون الثلث ، فخذعهما قارون _ وكان على إيمانه _ حتى علم ما عندهما وعمل الكيمياء ، فكثرت أمواله . وقيل : إن موسى علم الكيمياء ثلاثة ، يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا ، وقارون ،واختار الزجاج القول الأول ، وأنكر قول من قال إنه يعمل الكيمياء . قال : لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له . وقيل : إن موسى علم أخته علم الكيماء ، وكانت زوجة قالون ، علمت أخت موسى قارون ، والله أعلم .
قوله تعالى : " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله " أي العذاب . " من القرون " أي الأمم الخالية الكافرة . " من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا " أي للمال ، ولو كان المال تيدل على فضل لما أهلكهم . وقيل : القوة الآلات ، والجمع الأعوان والأنصار ، والكلا م خرج مخرج التقريع من الله تعالى لقارون ، أي " أولم يعلم " قارون " أن الله قد أهلك من قبله من القرون " . " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " أي لايسألون . سؤال استعتاب كما قال : " ولا هم يستعتبون " [ النحل : 84] " فما هم من المعتبين " [ فصلت : 24] وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ لقوله : " فوربك لنسألنهم أجمعين " [ الحجر : 92] قاله الحسن . وقال مجاهد ي: لا تسأل الملائكة عداً عن المجرمين ، فإنهم يعرفون بسيماهم ، فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون .وقال قتادة : لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهرها وكثرتها ، بل يدخلون النار بلا حساب . وقيل : لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأم الخالية الذين عذبوا في الدنيا . وقيل : أهلك من أهلك من القرون عن علم منه بذنوبهم فلم يحتج إلى مسألتهم عن ذنوبهم .
يقول تعالى مخبراً عن جواب قارون لقومه حين نصحوه, وأرشدوه إلى الخير "قال إنما أوتيته على علم عندي" أي لا أفتقر إلى ما تقولون, فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ولمحبته لي, فتقديره إنما أعطيته لعلم الله في أني أهل له, وهذا كقوله تعالى: " فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم " أي على علم من الله بي, وكقوله تعالى: "ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي" أي هذا أستحقه.
وقد روي عن بعضهم أنه أراد "إنما أوتيته على علم عندي" أي أنه كان يعاني علم الكيمياء, وهذا القول ضعيف, لأن علم الكيمياء في نفسه علم باطل, لأن قلب الأعيان لا يقدر أحد عليها إلا الله عز وجل, قال الله تعالى: "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له". وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي, فليخلقوا ذرة, فليخلقوا شعيرة" وهذا ورد في المصورين الذين يشبهون بخلق الله في مجرد الصورة الظاهرة أو الشكل, فكيف بمن يدعي أنه يحيل ماهية هذه الذات إلى ماهية ذات أخرى ؟ هذا زور ومحال, وجهل وضلال, وإنما يقدرون على الصبغ في الصور الظاهرة, وهي كذب وزغل وتمويه وترويج أنه صحيح في نفس الأمر وليس كذلك قطعاً لا محالة, ولم يثبت بطريق شرعي أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي يتعاطاها هؤلاء الجهلة الفسقة الأفاكون, فأما ما يجريه الله سبحانه من خرق العوائد على يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهباً أو فضة أو نحو ذلك, فهذا أمر لا ينكره مسلم, ولا يرده مؤمن, ولكن هذا ليس من قبيل الصناعات, وإنما هذا عن مشيئة رب الأرض والسموات واختياره وفعله, كما روي عن حيوة بن شريح المصري رحمه الله تعالى أنه سأله سائل, فلم يكن عنده ما يعطيه, ورأى ضرورته, فأخذ حصاة من الأرض فأجالها في كفه, ثم ألقاها إلى ذلك السائل, فإذا هي ذهب أحمر, والأحاديث والاثار في هذا كثيرة جداً يطول ذكرها.
وقال بعضهم: إن قارون كان يعرف الاسم الأعظم, فدعا الله به فتمول بسببه. والصحيح المعنى الأول, ولهذا قال الله تعالى راداً عليه فيما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال "أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً" أي قد كان من هو أكثر منه مالاً, وما كان ذلك عن محبة مناله, وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم, ولهذا قال: "ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون" أي لكثرة ذنوبهم قال قتادة "على علم عندي" على خير عندي. وقال السدي : على علم أني أهل لذلك.
وقد أجاد في تفسير هذه الاية الإمام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , فإنه قال في قوله: "قال إنما أوتيته على علم عندي" قال: لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال, وقرأ " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا " الاية, وهكذا يقول من قل علمه إذا رأى من وسع الله عليه لولا أن يستحق ذلك لما أعطي.
77- "قال إنما أوتيته على علم عندي" قال قارون: هذه المقالة رداً على من نصحه بما تقدم: أي إنما أعطيت ما أعطيت من المال لأجل علمي، فقوله على علم في محل نصب على الحال، وعندي إما ظرف لأوتيته، وإما صلة العلم، وهذا العلم الذي جعله سبباً لما ناله من الدنيا. قيل هو علم التوراة، وقيل علمه بوجوه المكاسب والتجارات، وقيل معرفة الكنوز والدفائن، وقيل علم الكيمياء، وقيل المعنى: إن الله آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل علمه مني. واختار هذا الزجاج وأنكر ما عداه. ثم رد الله عليه قوله هذا فقال: " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا " المراد بالقرون الأمم الخالية، ومعنى أكثر جمعاً: أكثر منه جمعاً للمال، ولو كان المال أو القوة يدلان على فضيلة لما أهلكهم الله. وقيل القوة الآلات، والجمع الأعوان. وهذا الكلام خارج مخرج التقريع والتوبيخ لقارون، لأنه قد قرأ التوراة، وعلم علم القرون الأولى وإهلاك الله سبحانه لهم "ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون" أي لا يسألون سؤال استعتاب كما في قوله: "ولا هم يستعتبون" " فما هم من المعتبين " وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ كما في قوله: "فوربك لنسألنهم أجمعين" وقال مجاهد: لا تسأل الملائكة غداً عن المجرمين لأنهم يعرفون بسيماهم، فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون. وقال قتادة: لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها، بل يدخلون النار. وقيل لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية.
78- "قال"، يعني قارون، "إنما أوتيته على علم عندي"، أي: على فضل وخير وعلمه الله عندي فرآني أهلاً لذلك، ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره. قيل: هو علم الكيمياء، قال سعيد بن المسيب: كان موسى يعلم الكيمياء فعلم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقنا ثلثه وعلم قارون ثلثه، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه وكان ذلك سبب أمواله.
وقيل: على علم عندي بالتصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب.
قوله تعالى: "أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون"، الكافرة، "من هو أشد منه قوةً وأكثر جمعاً"، للأموال، " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون "، قال قتادة: يدخلون النار بغير حساب ولا سؤال، وقال مجاهد: يعني لا يسأل الملائكة عنهم، لأنهم يعرفونهم بسيماهم. وقال الحسن: لا يسألون سؤال استعلام وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ.
78 -" قال إنما أوتيته على علم عندي " فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالجاه والمال . و" على علم " في موضع الحال وهو علم التوراة وكان أعلمهم بها ، وقيل هو الكيمياء وقيل علم التجارة والدهقنة وسائر المكاسب ، وقيل العلم بكنوز يوسف ، و" عندي " صفة لهه أو متعلق بـ " أوتيته " كقولك : جاز هذا عندي أي في ظني واعتقادي . " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا " تعجب وتوبيخ على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك لأنه قرأه في التوراة وسمعه من حفاظ التواريخ ، أو رد لادعائه للعلم وتعظمه به بنفي هذا العلم عنه أي أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعى . ولم يعلم هذا حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين . " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة ، كأنه لما هدد قارون بذكر إهلاك من قبله ممن كانوا أقوى منه وأغنى أكد ذلك بأن بين أنه لم يكن مطلعاً على ما يخصهم بل الله مطلع على ذنوب المجرمين كلهم معاقبتهم عليها لا محالة .
78. He said: I have been given it only on account of knowledge I possess. Knew he not that Allah had destroyed already of the generations before him men who were mightier than Him in strength and greater in respect of following? The guilty are not questioned of their sins.
78 - He said: This has been given to me because of a certain knowledge which I have. did he not know that God had destroyed, before him, (Whole) generations, which were superior to him in strength and greater in the amount (of riches) they had collected? but (immediately) to account for their sins.