77 - (قل يا أهل الكتاب) اليهود والنصارى (لا تغلوا) تجاوزوا الحد (في دينكم) غلوا (غير الحق) بأن تضعوا عيسى أو ترفعوه فوق حقه (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل) بغلوهم وهم أسلافهم (وأضلوا كثيرا) من الناس (وضلوا عن سواء السبيل) عن طريق الحق والسواء في الأصل الوسط
قال أبو جعفر: وهذا خطاب من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى ذكره : "قل"، يا محمد، لهؤلاء الغالية من النصارى في المسيح ، "يا أهل الكتاب"، يعني بـ (الكتاب)، الإنجيل ، "لا تغلوا في دينكم"، يقول : لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح ، فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل ، فتقولوا فيه : (هو الله)، أو: (هو ابنه)، ولكن قولوا: (هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)، "ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا"، يقول : ولا تتبعوا أيضاً في المسيح أهواء اليهود الذين قد ضلوا قبلكم عن سبيل الهدى في القول فيه ، فتقولون فيه كما قالوا: (هو لغير رشدة)، وتبهتوا أمه كما بهتوها بالفرية وهي صديقة، "وأضلوا كثيرا"، يقول تعالى ذكره : وأضل هؤلاء اليهود كثيراً من الناس ، فحادوا بهم عن طريق الحق ، وحملوهم على الكفر بالله والتكذيب بالمسيح ، "وضلوا عن سواء السبيل"، يقول : وضل هؤلاء اليهود عن قصد الطريق ، وركبوا غير محجة الحق.
وإنما يعني تعالى ذكره بذلك ، كفرهم بالله ، وتكذيبهم رسله : عيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم، وذهابهم عن الإيمان وبعدهم منه. وذلك كان ضلالهم الذي وصفهم الله به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "وضلوا عن سواء السبيل"، قال : يهود.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا"، فهم أولئك الذين ضلوا وأضلوا أتباعهم ، "وضلوا عن سواء السبيل"، عن عدل السبيل.
قوله تعالى :" قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق" أي لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى غلو اليهود قولهم في عيسى، ليس ولد رشده وغلو النصارى قلوهم: إنه إله والغلو مجاوزة الحد وقد تقدم في النساء بيانه .
قوله تعالى :" ولا تتبعوا أهواء قوم " الأهواء جمع هوى وقد تقدم في البقرة وسمى الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار " قد ضلوا من قبل " قال مجاهد والحسن: يعني اليهود " وأضلوا كثيرا" أي أضلوا كثيرا من الناس " وضلوا عن سواء السبيل " أي عن قصد طريق محمد صلى الله عليه وسلم وتكرير ضلوا على معنى أنهم ضلوا من قبل وضلوا من بعد والمراد الأسلاف الذي سنوا الضلالة وعملوا بها من رؤساء اليهود والنصارى .
يقول تعالى منكراً على من عبد غيره من الأصنام والأنداد والأوثان, ومبيناً له أنها لا تستحق شيئاً من الإلهية, فقال تعالى: "قل" أي يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم ودخل في ذلك النصارى وغيرهم " أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا " أي لا يقدر على دفع ضر عنكم ولا إيصال نفع إليكم, "والله هو السميع العليم" أي السميع لأقوال عباده, العليم بكل شيء, فلم عدلتم عنه إلى عبادة جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئا ولا يملك ضراً ولا نفعاً لغيره ولا لنفسه ؟ ثم قال "قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق" أي لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية, كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء فجعلتموه إلهاً من دون الله, وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخكم, شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديماً, "وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل" أي وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن, حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه, عن الربيع بن أنس, قال: وقد كان قائم قام عليهم فأخذ بالكتاب والسنة زماناً, فأتاه الشيطان فقال: إنما تركت أثراً أو أمراً قد عمل قبلك, فلا تحمد عليه, ولكن ابتدع أمراً من قبل نفسك, وادع إليه وأجبر الناس عليه, ففعل ثم ادكر بعد فعله زماناً, فأراد أن يتوب منه, فخلع سلطانه وملكه, وأراد أن يتعبد, فلبث في عبادته أياماً, فأتي فقيل له: لو أنك تبت من خطيئة عملتها فيما بينك وبين ربك عسى أن يتاب عليك, ولكن ضل فلان وفلان وفلان في سبيلك حتى فارقوا الدنيا وهم على الضلالة, فكيف لك بهداهم فلا توبة لك أبداً, ففيه سمعنا وفي أشباهه هذه الآية "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل"
قوله: 77- "تغلوا في دينكم" لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة نهاهم عن الغلو في دينهم وهو المجاوزة للحد كإثبات الإلهية لعيسى، كما يقوله النصارى، أو حطه عن مرتبته العلية كما يقوله اليهود فإن كل ذلك من الغلو المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط واختيارهما على طريق الصواب. "وغير" منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف: أي غلواً غير غلو الحق، وأما الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه واستخراج حقائقه فليس بمذموم، وقيل إن النصب على الاستثناء المتصل، وقيل على المنقطع "ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل" وهم أسلاف أهل الكتاب من طائفتي اليهود والنصارى: أي قبل البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم "وأضلوا كثيراً" من الناس "وضلوا عن سواء السبيل" أي عن قصدهم طريق محمد صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، والمراد أن أسلافهم ضلوا من قبل البعثة وأضلوا كثيراً من الناس إذ ذاك، وضلوا من بعد البعثة، إما بأنفسهم، أو جعل ضلال من أضلوه ضلالاً لهم لكونهم سنوا لهم ذلك ونهجوه لهم، وقيل المراد بالأول كفرهم بما يقتضيه العقل، وبالثاني كفرهم بما يقتضيه الشرع.
77- " قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق " ، أي : لا تتجاوزوا الحد ، والغلو والتقصير كل واحد منهما مذموم في الدين ، وقوله : " غير الحق " ، أي : في دينكم المخالف للحق ، وذلك انهم خالفوا الحق في دينهم ، ثم غلوا فيع بالإصرار عليه ، " ولا تتبعوا أهواء قوم " ، والأهواء جمع الهوى وهو ما تدعو إليه شهوة النفس " قد ضلوا من قبل " ، يعني : رؤساء الضلالة في فريقي اليهود والنصارى والخطاب للذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم نهوا عن اتباع أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم " وأضلوا كثيراً " ، يعني : من اتبعهم ( على أهوائهم ) ، " وضلوا عن سواء السبيل " ، عن قصد الطريق ، أي : بالإضلال ، فالضلال الأول من الضلالة ، والثاني بإضلال من اتبعهم .
77" قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق " أي غلوا باطلاً فترفعوا عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أن تدعوا له الألوهية، أو تضعوه فتزعموا أنه لغير رشدة. وقيل الحطاب للنصارى خاصة. " ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل " يعني أسلافهم وأئمتهم الذين قد ضلوا قبل بعث محمد عليه الصلاة والسلام في شريعتهم. " وأضلوا كثيرا " ممن شايعهم على بدعهم وضلالهم. " وضلوا عن سواء السبيل " عن قصد السبيل الذي هو الإسلام بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم لما كذبوه وبغوا عليه، وقيل الأول إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى اعقل والثاني إشارة إلى ضلالهم عما جاء به الشرع.
77. Say: O People of the Scripture! Stress not in your religion other than the truth, and follow not the vain desires of folk who erred of old and led many astray, and erred from a plain road.
77 - Say: O people of the book exceed not in your religion the bounds (of what is proper), trespassing beyond the truth, nor follow the vain desires of people who went wrong in times gone by, who misled many, and strayed (themselves) from the even way.