(ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) عن قتال الكفار لما طلبوه بمكة لأذى الكفار لهم وهم جماعة من الصحابة (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب) فرض (عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون) يخافون (الناس) الكفار أي عذابهم بالقتل (كخشية) هم عذاب (الله أو أشد خشية) من خشيتهم له ، ونصب أشد على الحال وجواب (لما) دل عليه إذا وما بعدها أي فاجأتهم الخشية (وقالوا) جزعا من الموت (ربنا لم كتبت علينا القتال لولا) هلا (أخرتنا إلى أجل قريب قل) لهم (متاع الدنيا) ما يتمتع به فيها أو الاستمتاع بها (قليل) آيل إلى الفناء (والآخرة) أي الجنة (خير لمن اتقى) عقاب الله بترك معصيته (ولا تظلمون) بالتاء والياء ، تنقصون من أعمالكم (فتيلا) قدر قشرة النواة فجاهدوا
قوله تعالى ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم الآية أخرج النسائي والحاكم عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة قال إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم الآية ك
قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد، وقد فرض عليهم الصلاة والزكاة، وكانوا يسألون الله أن يفرض عليهم القتال، فلما فرض عليهم القتال شق عليهم ذلك ، وقالوا ما أخبر الله عنهم في كتابه.
فتأويل قوله: "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم"، ألم تر بقلبك، يا محمد، فتعلم، "إلى الذين قيل لهم"، من أصحابك حين سألوك أن تسأل ربك أن يفرض عليهم القتال، "كفوا أيديكم"، فأمسكوها عن قتال المشركين وحربهم، "وأقيموا الصلاة"، يقول: وأدوا الصلاة التي فرضها الله عليكم بحدودها، "وآتوا الزكاة"، يقول: وأعطوا الزكاة أهلها الذين جعلها الله لهم من أموالكم، تطهيراً لأبدانكم وأموالكم، كرهوا ما أمروا به من كف الأيدي عن قتال المشركين وشق ذلك عليهم، "فلما كتب عليهم القتال"، يقول: فلما فرض عليهم القتال الذي كانوا سألوا أن يفرض عليهم، "إذا فريق منهم"، يعني: جماعة منهم، "يخشون الناس"، يقول: يخافون النساء أن يقاتلوهم، "كخشية الله أو أشد خشية"، أو أشد خوفاً، وقالوا جزعاً من القتال الذي فرض الله عليهم: "لم كتبت علينا القتال"، لم فرضت علينا القتال؟ ركوناً منهم إلى الدنيا، وإيثاراً للدعة فيها والخفض، على مكروه لقاء العدو ومشقة حربهم وقتالهم، "لولا أخرتنا"، يخبر عنهم، قالوا: هلا أخرتنا، "إلى أجل قريب"، يعني: إلى أن يموتوا على فرشهم وفي منازلهم.
وبنحو الذي قلنا إن هذه الآية نزلت فيه، قال أهل التأويل.
ذكر الأثار بذلك، والرواية عمن قاله:
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال، سمعت أبي قال، أخبرنا الحسين بن واقد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، كنا في عز ونحن مشركون، فلما صرنا أذلة! فقال: إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا. فلما حوله الله إلى المدينة، أمر بالقتال فكفوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم"، الآية.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم"، عن الناس ، "فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم"، نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن جريج : وقوله : "وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب"، قال : إلى أن نموت موتاً، هو الأجل القريب .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة"، فقرأ حتى بلغ : "إلى أجل قريب"، قال : كان أناس في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يومئذ بمكة قبل الهجرة، تسرعوا إلى القتال ، فقالوا لنبي الله صلى الله عليه وسلم : ذرنا نتخذ معاول فنقاتل بها المشركين بمكة! فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، قال : لم أومر بذلك . فلما كانت الهجرة، وأمر بالقتال ، كره القوم ذلك ، فصنعوا فيه ما تسمعون ، فقال الله تبارك وتعالى : "قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا".
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"، قال : هم قوم أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال ، ولم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة، فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال ، "فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية" الآية، إلى "إلى أجل قريب"، وهو الموت ، قال الله : "قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى".
وقال آخرون : نزلت هذه وآيات بعدها، في اليهود .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة" إلى قوله : "لاتبعتم الشيطان إلا قليلا"، ما بين ذلك في اليهود.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه، عن ابن عباس : "فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم" إلى قوله : "لم كتبت علينا القتال"، نهى الله تبارك وتعالى هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم .
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه : "قل متاع الدنيا قليل"، قل ، يا محمد، لهؤلاء القوم الذين قالوا : "ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب"، : عيشكم في الدنيا وتمتعكم بها قليل ، لأنها فانية وما فيها فان ، "والآخرة خير"، يعني : ونعيم الآخرة خير، لأنها باقية ونعيمها باق دائم . وإنما قيل : "والآخرة خير"، ومعنى الكلام ما وصفت -من أنه معني به نعيمها - لدلالة ذكر "الآخرة" بالذي ذكرت به ، على المعنى المراد منه ، "لمن اتقى"، يعني : لمن اتقى الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، فأطاعه في كل ذلك ، "ولا تظلمون فتيلا"، يعني : ولا ينقصكم الله من أجور أعمالكم فتيلاً.
وقد بينا معنى: الفتيل، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته ههنا.
روى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس "أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبي الله ، كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة؟ فقال:
إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم " فلا حوله الله تعالى إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فنزلت الآية أخرج النسائي في سننه، وقاله الكلبي: وقال مجاهد: هم يهود قال الحسن : هي في المؤمنين لقوله "يخشون الناس " أي مشركي مكة "كخشية الله " فهي على ما طبع عليه البشر من المخافة لا على المخالفة قال السدي: هم قوم أسلموا قبل فرض القتال فلما فرض كرهوه وقيل: هو وصف للمنافقين والمعنى يخشون القتل من المشركين كما يخشون الموت من الله " أو أشد خشية " أي عندهم وفي اعتقادهم .
قلت: وهذا أشبه بسياق الآية، لقوله :" وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب " أي هلا ولا يليها إلا الفعل، ومعاذ الله أن يصدر هذا القول من صحابي كريم علم أن الآجال محدودة والأرزاق مقسومة، بل كانوا لأوامر الله ممتثلين سامعين طائعين يرون الوصول إلى الدار الآجلة خيراً من المقام في الدار العاجلة على ما هو معروف من سيرتهم رضي الله عنهم اللهم إلا أن يكون قائله ممن لم يرسخ في الإيمان قدمه ولا انشرح بالإسلام جنانه، فإن أهل الإيمان متفاضلون فمنهم الكامل ومنهم الناقص وهو الذي تنفر نفسه عما يؤمر به فيما تحلقه فيه المشقة وتدركه فيه الشدة والله أعلم .
قوله تعالى :" قل متاع الدنيا قليل" ابتداء وخبر وكذا " والآخرة خير لمن اتقى " أي المعاصي وقد مضى القول في هذا في البقرة ومتاع الدنيا منفعتها والاستمتاع بلذاتها وسماه قليلاً لأنه لا بقاء له و"قال النبي صلى الله عليه وسلم :
مثلي ومثل الدنيا كراكب قال قيلولة تحت شجرة ثم راح وتركها " وقد تقدم هذا المعنى في البقرة مستوفى .
كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة, وإن لم تكن ذات النصب, وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين, وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسباً لأسباب كثيرة منها: قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم, ومنها: كونهم كانوا في بلدهم, وهو بلد حرام, أشرف بقاع الأرض, فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء كما يقال, فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار, ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه, جزع بعضهم منه, وخافوا مواجهة الناس خوفاً شديداً "وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب" أي لولا أخرت فرضه إلى مدة أخرى, فإن فيه سفك الدماء, ويتم الأولاد, وتأيم النساء, وهذه الاية كقوله تعالى: "ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال" الايات, قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعلي بن زنجة, قالا: حدثنا علي بن الحسن عن الحسين بن واقد, عن عمرو بن دينار, وعن عكرمة, عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة, فقالوا: يا نبي الله, كنا في عزة ونحن مشركون, فلما آمنا صرنا أذلة, قال: "إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم ", فلما حوله الله إلى المدينة, أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم" الاية, ورواه النسائي والحاكم وابن مردويه من حديث علي بن الحسن بن شقيق به, وقال أسباط, عن السدي: لم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة, فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال, فلما فرض عليهم القتال "إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب" وهو الموت. قال الله تعالى: " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ". وقال مجاهد: إن هذه الاية نزلت في اليهود, رواه ابن جرير, وقوله: " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى " أي آخرة المتقي خير من دنياه. "ولا تظلمون فتيلاً" أي من أعمالكم بل توفونها أتم الجزاء, وهذه تسلية لهم عن الدنيا وترغيب لهم في الاخرة وتحريض لهم على الجهاد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن زيد عن هشام, قال: قرأ الحسن "قل متاع الدنيا قليل" قال: رحم الله عبداً صحبها على حسب ذلك, وما الدنيا كلها أولها وآخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه. وقال ابن معين كان أبو مصهر ينشد:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له من الله في دار المقام نصيب
فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنهـــــــا متــــــــاع قليل والزوال قريب
وقوله تعالى: "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة" أي أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ولا ينجو منه أحد منكم, كما قال تعالى: "كل من عليها فان" الاية, وقال تعالى: "كل نفس ذائقة الموت", وقال تعالى: " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " والمقصود أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة, ولا ينجيه من ذلك شيء سواء جاهد أو لم يجاهد, فإن له أجلاً محتوماً, ومقاماً مقسوماً, كما قال خالد بن الوليد حين جاء الموت على فراشه: لقد شهدت كذا وكذا موقفاً, وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنة أو رمية, وها أنا أموت على فراشي, فلا نامت أعين الجبناء, وقوله: "ولو كنتم في بروج مشيدة" أي حصينة منيعة عالية رفيعة, وقيل, هي بروج في السماء قال السدي, وهو ضعيف, والصحيح أنها المنيعة, أي لا يغني حذر وتحصن من الموت, كما قال زهير بن أبي سلمى:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو رام أسباب السماء بسلم
ثم قيل: المشيدة هي المشيدة كما قال: وقصر مشيد وقيل: بل بينهما فرق, وهو أن المشيدة بالتشديد هي المطولة, وبالتخفيف هي المزينة بالشيد وهو الجص وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم ـ ههنا ـ حكاية مطولة عن مجاهد, أنه ذكر أن امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطلق, فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار, فخرج فإذا هو برجل واقف على الباب, فقال: ما ولدت المرأة ؟ فقال: جارية, فقال: أما إنها ستزني بمائة رجل ثم يتزوجها أجيرها ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فكر راجعاً, فبعج بطن الجارية بسكين فشقه ثم ذهب هارباً, وظن أنها قد ماتت, فخاطت أمها بطنها فبرئت وشبت وترعرعت ونشأت أحسن امرأة ببلدتها, فذهب ذاك الأجير ما ذهب ودخل البحور فاقتنى أموالاً جزيلة, ثم رجع إلى بلده وأراد التزوج, فقال لعجوز: أريد أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة, فقالت ليس ههنا أحسن من فلانة, فقال: اخطبيها علي, فذهبت إليها فأجابت, فدخل بها فأعجبته إعجاباً شديداً, فسألته عن أمره ومن أين مقدمه, فأخبرها خبره وما كان من أمره في الجارية, فقالت: أنا هي وأرته مكان السكين, فتحقق ذلك, فقال: لئن كنت إياها فلقد أخبرني باثنتين لا بد منهما (إحداهما) أنك قد زنيت بمائة رجل, فقالت: لقد كان شيء من ذلك ولكن لا أدري ما عددهم فقال: هم مائة: (والثاني) أنك تموتين بالعنكبوت فاتخذ لها قصراً منيعاً شاهقاً ليحرزها من ذلك, فبينما هم يوماً فإذا بالعنكبوت في السقف فأراها, فقالت: أهذه هي التي تحذرها علي, والله لا يقتلها إلا أنا, فأنزلوها من السقف, فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها, فطار من سمها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها واسودت رجلها, فكان في ذلك أجلها, فماتت, ونذكر ههنا قصة صاحب الحضر وهو الساطرون لما احتال عليه سابور حتى حصره فيه وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين, وقالت العرب في ذلك أشعاراً منها:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـ ــلة تجـــبى إليه والخابور
شـــــاده مرمراً وجلـــــله كلــ ـــساً فللطير في ذراه وكور
لم تهبه أيدي المنون فباد الـ ـملــــــك عنه فبابه مهجور
ولما دخل على عثمان جعل يقول: اللهم اجمع أمة محمد ثم تمثل بقول الشاعر:
أرى الموت لا يبقي عزيزاً ولم يدع لـــعاد مــــلاذاً في البلاد ومربعا
يبيت أهل الحصن والحصن مغـــلق ويأتي الجبال في شماريخها معا
قال ابن هشام: وكان كسرى سابور ذو الأكتاف قتل الساطرون ملك الحضر, وقال ابن هشام: إن الذي قتل صاحب الحضر سابور بن أردشير بن بابك أول ملوك بني ساسان, وأذل ملوك الطوائف, ورد الملك إلى الأكاسرة, فأما سابور ذو الأكتاف فهو من بعد ذلك بزمن طويل, والله أعلم, ذكره السهيلي, قال ابن هشام: فحصره سنتين وذلك لأنه كان أغار على بلاد سابور في غيبته وهو في العراق, وأشرفت بنت الساطرون وكان اسمها النضيرة, فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج, وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ, فدست إليه أن تتزوجني إن فتحت لك باب الحصن, فقال: نعم, فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران, فأخذت مفاتيح باب الحصن من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب, ويقال: دلتهم على طلسم كان في الحصن لا يفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء فتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء, ثم ترسل, فإذا وقعت على سور الحصن سقط ذلك ففتح الباب, ففعل ذلك, فدخل سابور, فقتل ساطرون واستباح الحصن وخربه, وسار بها معه وتزوجها, فبينما هي نائمة على فراشها ليلاً إذ جعلت تتململ لا تنام, فدعا لها بالشمع ففتش فراشها فوجد فيه ورقة آس, فقال لها سابور: هذا الذي أسهرك فما كان أبوك يصنع بك ؟ قالت: كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير, ويطعمني المخ, ويسقيني الخمر, قال الطبري: كان يطعمني المخ والزبد, وشهد أبكار النحل, وصفو الخمر! وذكر أنه كان يرى مخ ساقها, قال: فكان جزاء أبيك ما صنعت به ؟! أنت إلي بذاك أسرع, ثم أمر بها فربطت قرون رأسها بذنب فرس, فركض الفرس حتى قتلها, وفيه يقول عدي بن زيد العبادي أبياته المشهورة.
أيــــها الشامت المـــــعيــر بالدهـ ـر أأنت المبـــرأ المـــوفور
أم لديك العهد الـــــوثيق من الأيـ ـام بل أنت جاهل مـــــغرور
من رأيت المنــــون خلــــد أم من ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر وان أم أين قبله سابـــــور
وبنو الأصفر الكرام مــــــلوك الـ ـروم لم يبق منهم مذكــور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـــلة تجبـــــى إلــيه والخابــــور
رشاده مرمــــــراً وجللـــــــه كلـ ساً فللطير فــــي ذراه وكور
لم يهبه ريــــــب المنـــــون فباد الملك عنه فبابـــــه مهجور
وتذكر رب الخورنق إذ شـــرف يــــوماً وللــــهدى تفكــــير
سره ماله وكثرة مــــــا يــــملك والبـــــحر معرضاً والسدير
فارعوى قلــــبه وقـــال فما غبـ ـطة حي إلى الممات يصير
ثم أضحوا كأنهــــــم ورق جف فألوت بـــــه الصبا والدبور
ثم بعد الفلاح والمــــلك والأمــ ــة وارتهم هنــــاك القبـــور
وقوله: "وإن تصبهم حسنة" أي خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك, هذا معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي "يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة" أي قحط وجدب ونقص في الثمار والزروع أو موت أولاد أو إنتاج أو غير ذلك كما يقوله أبو العالية والسدي "يقولوا هذه من عندك" أي من قبلك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك, كما قال تعالى عن قوم فرعون " فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " وكما قال تعالى: "ومن الناس من يعبد الله على حرف" الاية, وهكذا قال هؤلاء المنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهراً وهم كارهون له في نفس الأمر, ولهذا إذا أصابهم شر إنما يسندونه إلى اتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال السدي: وإن تصبهم حسنة, قال: والحسنة الخصب, تنتج مواشيهم وخيولهم, ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان, قالوا "هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة" والسيئة الجدب والضرر في أموالهم, تشاءموا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا "هذه من عندك" يقولون: بتركنا ديننا واتباعنا محمداً أصابنا هذا البلاء, فأنزل الله عز وجل "قل كل من عند الله" فقوله: قل كل من عند الله, أي الجميع بقضاء الله وقدره, وهو نافذ في البر والفاجر والمؤمن والكافر. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, قل كل من عند الله, أي الحسنة والسيئة. وكذا قال الحسن البصري. ثم قال تعالى منكراً على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصادرة عن شك وريب, وقلة فهم وعلم وكثرة جهل وظلم " فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا " ذكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى: "قل كل من عند الله" قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا السكن بن سعيد, حدثنا عمر بن يونس, حدثنا إسماعيل بن حماد عن مقاتل بن حيان, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس وقد ارتفعت أصواتهما, فجلس أبو بكر قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم, وجلس عمر قريباً من أبي بكر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ارتفعت أصواتكما ؟" فقال رجل: يا رسول الله, قال أبو بكر: يا رسول الله الحسنات من الله والسيئات من أنفسنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فما قلت يا عمر ؟" فقال: قلت الحسنات والسيئات من الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر، وقال جبريل مقالتك يا عمر" فقال: "نختلف فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض, فتحاكما إلى إسرافيل فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله". ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال: "احفظا قضائي بينكما, لو أراد الله أن لا يعصى لما خلق إبليس" قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس بن تيمية: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة. ثم قال تعالى مخاطباً لرسوله صلى الله عليه وسلم والمراد جنس الإنسان ليحصل الجواب "ما أصابك من حسنة فمن الله" أي من فضل الله ومنه ولطفه ورحمته "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" أي فمن قبلك, ومن عملك أنت, كما قال تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" قال السدي والحسن البصري وابن جريج وابن زيد "فمن نفسك" أي بذنبك. وقال قتادة في الاية "فمن نفسك" عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك. قال وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصيب رجلاً خدش عود ولا عثرة قدم, ولا اختلاج عرق إلا بذنب, وما يعفو الله أكثر" وهذا الذي أرسله قتادة قد روي متصلاً في الصحيح "والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا حزن, ولا نصب, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه بها من خطاياه" وقال أبو صالح "وما أصابك من سيئة فمن نفسك" أي بذنبك وأنا الذي قدرتها عليك, رواه ابن جرير, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمار, حدثنا سهل يعني بن بكار, حدثنا الأسود بن شيبان, حدثني عقبة بن واصل ابن أخي مطرف عن مطرف بن عبد الله, قال: ما تريدون من القدر أما تكفيكم الاية التي في سورة النساء " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك " ؟ أي من نفسك والله ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا وإليه يصيرون, وهذا كلام متين قوي في الرد على القدرية والجبرية أيضاً. ولبسطه موضع آخر. وقوله تعالى: "وأرسلناك للناس رسولاً" أي تبلغهم شرائع الله وما يحبه الله ويرضاه, وما يكرهه ويأباه "وكفى بالله شهيداً" أي على أنه أرسلك وهو شهيد أيضاً بينك وبينهم, وعالم بما تبلغهم إياه وبما يردون عليك من الحق كفراً وعناداً.
قوله 77- "ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم" الآية، قيل: هم جماعة من الصحابة أمروا بترك القتال في مكة بعد أن تسرعوا إليه. فلما كتب عليهم بالمدينة تثبطوا عن القتال من غير شك في الدين بل خوفاً من الموت وفرقاً من هول القتل، وقيل: إنها نزلت في اليهود، وقيل في المنافقين أسلموا قبل فرض القتال، فلما فرض كرهوه، وهذا أشبه بالسياق لقوله: "وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب" وقوله "وإن تصبهم حسنة" الآية. ويبعد صدور مثل هذا من الصحابة. قوله "كخشية الله" صفة مصدر محذوف: أي خشية كخشية الله، أو حال: أي: تخشونهم مشبهين أهل خشية الله، والمصدر مضاف إلى المفعول: أي كخشيتهم الله. وقوله "أو أشد خشية" معطوف على "كخشية الله" في محل جر، أو معطوف على الجار والمجرور جميعاً فيكون في محل الحال كالمعطوف عليه أو للتنويع على معنى أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها. قوله "وقالوا" عطف على ما يدل عليه قوله "إذا فريق منهم" أي: فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس "وقالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا" أي: هلا أخرتنا، يريدون المهلة إلى وقت آخر قريب من الوقت الذي فرض عليهم فيه القتال، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم فقال "قل متاع الدنيا قليل" سريع الفناء لا يدوم لصاحبه، وثواب الآخرة خير لكم من المتاع القليل "لمن اتقى" منكم ورغب في الثواب الدائم "ولا تظلمون فتيلاً" أي: شيئاً حقيراً يسيراً، وقد تقدم تفسير الفتيل قريباً، وإذا كنتم توفرون أجوركم ولا تنقصون شيئاً منها، فكيف ترغبون عن ذلك وتشتغلون بمتاع الدنيا مع قلته وانقطاعه.
77-قوله تعالى:"ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم "الآية: قال الكلبي: " نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري، والمقداد بن الأسود الكندي، وقدامة بن مظعون الجمحي، وسعد بن أبي وقاص، وجماعة كانوا يلقون من المشركين بمكة أذى كثيراً قبل أن يهاجروا ، ويقولون يا رسول الله ائذن لنا في قتالهم فإنهم قد آذونا ، فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:كفوا أيديكم فإني لم أومر بقتالهم".
"وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"، فلما هاجروا إلى المدينة وأمرهم الله بقتال المشركين شق ذلك على بعضهم ، قال الله تعالى:" فلما كتب" فرض،"عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس"، يعني: يخشون مشركي مكة،"كخشية الله"أي: كخشيتهم من الله،"أو أشد" اكثر، "خشية"،قيل:معناه واشد خشية،"وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال" ، الجهاد "لولا" ، هلا،"أخرتنا إلى أجل قريب"،يعني: الموت،أي: هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا؟.
واختلفوا في هؤلاء الذين قالوا ذلك ، قيل: قاله قوم من المنافقين لأن قوله/:"لم كتبت علينا القتال"،لا يليق بالمؤمنين.
وقيل: قاله جماعة من المؤمنين لم يكونوا راسخين في العلم قالوه خوفاً وجبناً لا اعتقاداً ، ثم تابوا ، وأهل الإيمان يتفاضلون في الإيمان .
وقيل: هم قوم كانوا مؤمنين فلما فرض عليهم القتال نافقوا من الجبن وتخلفوا عن الجهاد،"قل" : يا محمد،"متاع الدنيا"أي: منفعتها والاستمتاع بها"قليل والآخرة" أي: وثواب الآخرة خير وأفضل، "لمن اتقى"، الشرك ومعصية الرسول،"ولا تظلمون فتيلاً" قرأ ابن كثير وأبو جعفر وحمزة والكسائي بالياء والباقون تظلمون بالتاء.
أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن معاوية الصيدلاني أخبرنا الأصم أنا عبد الله بن محمد بن شاكر أنا محمد بن بشر العبدي أنا مسعر بن كدام عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازمحدثني المستورد بن شداد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع".
77"ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم" أي عن القتال. "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" واشتغلوا بما أمرتم به. "فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله" يخشون الكفار أن يقتلوهم كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه، وإذا جواب للمفاجأة جواب لما وفريق مبتدأ منهم صفته ويخشون على معنى، يخشون الناس مثل أهل خشية الله منه. "أو أشد خشيةً" عطف عليه إن جعلته حالاً وإن جعلته مصدراً فلا، أفعل التفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه بل هو معطوف على اسم الله تعالى أي: وكخشية الله تعالى أو كخشية أشد خشية منه، على فرض اللهم إلا أن تجعل الخشية ذات خشية كقولهم: جد جده على معنى يخشون الناس خشية مثل خشية الله تعالى، أو خشية أشد خشية من خشية الله تعالى. "وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب" استزادة في مدة الكف عن القتال حذراً من الموت، ويحتمل أنهم ما تفوهوا به ولكن قالوه في أنفسهم فحكى الله تعالى عنهم. "قل متاع الدنيا قليل" سريع التقضي "والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً" أي ولا تنقصون أدنى شيء من ثوابكم فلا ترغبوا عنه، أو من آجالكم المقدرة. وقرأ ابن كثير و حمزة و الكسائي "ولا يظلمون" لتقدم الغيبة.
77. Hast thou not seen those unto whom it was said: Withhold your hands, establish worship and pay the poor due, but when fighting was prescribed for them behold, a party of them fear mankind even as their fear of Allah or with greater fear, and say: Our Lord! Why hast thou ordained fighting for us? If only Thou wouldst give us respite yet a while! Say (unto them, O Muhammad): The comfort of this world is scant; the Hereafter will be better for him who wardeth off (evil); and ye will not be wronged the down upon a date stone.
77 - Fast thou not turned thy vision to those who were told to hold back their hands (from fight) but establish regular prayers and spend in regular charity? when (at length) the order for fighting was issued to them, behold a section of them feared men as or even more than they should have feared God: they said: our Lord why hast thou ordered us to fight? wouldst thou not grant us respite to our (natural) term, near (enough)? say: short is the enjoyment of this world: the hereafter is the best for those who do right: never will ye be dealt with unjustly in the very least