77 - (سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا) أي كسنتنا فيهم من اهلاك من أخرجهم (ولا تجد لسنتنا تحويلا) تبديلا
يقول تعالى ذكره : لو أخرجوك لم يلبثوا خلافك إلا قليلا، ولأهلكناهم بعذاب من عندنا، سنتنا فيمن قد أرسلنا قبلك من رسلنا، فإنا كذلك كنا نفعل بالأمم إذا أخرجت رسلها من بين أظهرهم . ونصبت السنة على الخروج من معنى قوله" لا يلبثون خلافك إلا قليلا" لأن معنى ذلك : لعذبناهم بعد قليل كسنتنا في أمم من أرسلنا قبلك من رسلنا، ولا تجد لسنتنا تحويلا عما جرت به .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا" : أي سنة الأمم والرسل كانت قبلك كذلك إذا كذبوا رسلهم وأخرجوهم ، لم يناظروا أن الله أنزل عليهم عذابه .
قوله تعالى: "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا" أي يعذبون كسنة من قد أرسلنا، فهو نصب بإضمار يعذبون، فلما سقط الخافض عمل الفعل، قاله الفراء. وقيل: انتصب على معنى سنناً سنة من قد أرسلنا. وقيل: هو منصوب على تقدير حذف الكاف، التقدير لا يلبثون خلفك إلا قليلاً كسنة من قد أرسلنا، فلا يوقف على هذا التقدير على قوله: إلا قليلا ويوقف على الأول والثاني. "قبلك من رسلنا" وقف حسن. "ولا تجد لسنتنا تحويلا" أي لا خلف في وعدها.
قيل: نزلت في اليهود إذ أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام بلاد الأنبياء وترك سكنى المدينة, وهذا القول ضعيف, لأن هذه الاية مكية وسكنى المدينة بعد ذلك, وقيل: إنها نزلت بتبوك وفي صحته نظر. روى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي , عن يونس بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام , عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقالوا: يا أبا القاسم إن كنت صادقاً أنك نبي فالحق بالشام, فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء, فصدق ما قالوا فغزا تبوك لا يريد إلا الشام, فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة " وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا * سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا " فأمره الله بالرجوع إلى المدينة, وقال: فيها محياك ومماتك ومنه تبعث. وفي هذا الإسناد نظر, والأظهر أن هذا ليس بصحيح, فإن النبي لم يغز تبوك عن قول اليهود, وإنما غزاها امتثالاً لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " ولقوله تعالى: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " وغزاها ليقتص وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه, والله أعلم, ولو صح هذا لحمل عليه الحديث الذي رواه الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان , عن سليم بن عامر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن في ثلاثة أمكنة: مكة, والمدينة, والشام" قال الوليد : يعني بيت المقدس, وتفسير الشام بتبوك أحسن, مما قال الوليد إنه بيت المقدس, والله أعلم. وقيل نزلت في كفار قريش, هموا بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم, فتوعدهم الله بهذه الاية, وأنهم لو أخرجوه لما لبثوا بعده بمكة إلا يسيراً, وكذلك وقع فإنه لم يكن بعد هجرته من بين أظهرهم بعد ما اشتد أذاهم له إلا سنة ونصف, حتى جمعهم الله وإياه ببدر على غير ميعاد, فأمكنه منهم وسلطه عليهم وأظفره بهم, فقتل أشرافهم وسبى ذراريهم, ولهذا قال تعالى: "سنة من قد أرسلنا" الاية, أي هكذا عادتنا في الذين كفروا برسلنا وآذوهم بخروج الرسول من بين أظهرهم يأتيهم العذاب, ولولا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رسول الرحمة لجاءهم من النقم في الدنيا ما لا قبل لأحد به, ولهذا قال تعالى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" الاية.
77- "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا" سنة منتصبة على المصدرية: أي سن الله سنة. وقال الفراء: أي يعذبون كسنة من قد أرسلنا فلما سقط الخافض عمل الفعل. وقيل المعنى: سنتنا سنة من قد أرسلنا. قال الزجاج: يقول إن سنتنا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك إليهم أنهم إذا أخرجوا نبيهم من بين أظهرهم أو قتلوه أن ينزل العذاب بهم "ولا تجد لسنتنا تحويلاً" أي ما أجرى الله به العادة لم يتمكن أحد من تحويله ولا يقدر على تغييره.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "يوم ندعوا كل أناس بإمامهم" قال: إمام هدى وإمام ضلالة. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب في تاريخه عن أنس في الآية قال: نبيهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: بكتاب أعمالهم. وأخرج ابن مردويه عن علي في الآية قال: يدعى كل قوم بإمام زمانهم، وكتاب ربهم وسنة نبيهم. وأخرج الترمذي وحسنه والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "يوم ندعوا كل أناس بإمامهم" قال "يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له في جسمه ستين ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول: أبشروا لكل رجل منكم مثل هذا، وأما الكافر فيسود وجهه ويمد له في جسمه ستين ذراعاً على صورة آدم، ويلبس تاجاً فيراه أصحابه فيقولون: نعوذ بالله من شر هذا، اللهم لا تأتنا بهذا، قال: فيأتيهم فيقولون اللهم اخزه، فيقول أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا". قال البزار بعد إخراجه: لا يروى إلا من هذا الوجه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله: "ومن كان في هذه أعمى" يقول من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا "فهو" عما وصفت له "في الآخرة" ولم يره "أعمى وأضل سبيلاً" يقول أبعد حجة. وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه نحو هذا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً يقول من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى. وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً قال: "إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالاً من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تعال فتمسح آلهتنا وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم، فأنزل الله "وإن كادوا ليفتنونك" إلى قوله: "نصيراً"". وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ياذان عن جابر بن عبد الله مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر، فقالوا لا ندعك تستلمه حتى تستلم بآلهتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما علي لو فعلت والله يعلم مني خلافه؟ فأنزل الله "وإن كادوا ليفتنونك" الآية". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير "أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك، فركن إليهم، فأوحى الله إليه "وإن كادوا ليفتنونك" الآية". وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: أنزل الله "والنجم إذا هوى" فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية "أفرأيتم اللات والعزى" فألقى عليه الشيطان: تلك الغرانيق العلى، واين شفاعتهم لترتجي، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم ما بقي من السورة وسجد، فأنزل الله "وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك" الآية، فما زال مهموماً مغموماً حتى أنزل الله "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى" الآية. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس "أن ثقيفاً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أجلنا سنة حتى يهدى لآلهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة فهم أن يؤجلهم، فنزلت "وإن كادوا ليفتنونك" الآية". وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "ضعف الحياة وضعف الممات" يعني ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وأخرج البيهقي عن الحسن في الآية قال: هو عذاب القبر. وأخرج أيضاً عن عطاء مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام، فمالك والمدينة؟ فهم أن يشخص، فأنزل الله "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض" الآية. وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إن كنت نبياً فالحق بالشام فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء فصدق النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا فتحرى غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة "وإن كادوا ليستفزونك" إلى قوله: "تحويلاً" فأمره بالرجوع إلى المدينة، وقال فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث، وقال له جبريل سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال ما تأمرني أن أسأل؟ قال: "قل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً" فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك. قال ابن كثير: وفي هذا الإسناد نظر، والظاهر أنه ليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغز تبوك عن قول اليهود، وإنما غزاها امتثالاً لقوله: "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار" وغزاها ليقتص وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض" قال هم أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وقد فعلوا بعد ذلك فأهلكهم الله يوم بدر ولم يلبثوا بعده إلا قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر، وكذلك كانت سنة الله في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: " وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا " قال: يعني بالقليل يوم أخذهم ببدر، فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده.
77- قوله عز وجل : " سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا " أي : كسنتنا ، فانتصب بحذف الكاف . وسنة الله في الرسل إذا كذبتهم الأمم أن لا يعذبهم ما دام نبيهم بين أظهرهم ، فإذا خرج نبيهم من بين أظهرهم عذبهم .
" ولا تجد لسنتنا تحويلاً " ، أي تبديلاً .
77. "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا "نصب على المصدر أي سن الله ذلك سنة ،وهو أن يهلك كل أمة أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم ، فالسنة لله وإضافتها إلى الرسل لأنها من أجلهم ويدل عليه ."ولا تجد لسنتنا تحويلاً"أي تغييراً.
77. (Such was Our) method in the case of those whom We sent before thee (to mankind), and thou wilt not find for Our method aught of power to change.
77 - (This was our) way with the apostle we sent before thee: thou wilt find no change in our ways.